الخميس، 24 ديسمبر 2015

مباحث دعم الدولة: البرلمان سابقاً

مباحث دعم الدولة: البرلمان سابقاً
 وائل قنديل


لا تهتم كثيرا لكثافة أعداد الضباط، من اللواء حتى ضابط الصف، في البرلمان المصري الجديد، فليس هذا الدليل الأكبر على أنك بصدد غرفة تحقيق واحتجاز، وليس بيتاً للتشريع والرقابة.
مجلس نواب عبد الفتاح السيسي تم رسم ملامحه بمعرفة المؤسسة الأمنية التي تولت هندسة البناء وضبط منظومة العلاقات الداخلية فيه، ومبكراً جداً، ذاعت الأنباء عن غرفة العمليات التي أشرف عليها ابن السيسي، ضابط المخابرات، وضمت الثلاثي سامح سيف اليزل، ضابط المخابرات السابق، ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي، أسامة هيكل، المحرر العسكري السابق، والمحامي محمد بهاء أبو شقة، المستشار القانوني لحملة السيسي الرئاسية.
وحسب المنشور في "العربي الجديد" قبل أكثر من مائة وخمسة أيام، فإن "هؤلاء الأربعة، يعقدون اجتماعات يوميّة في مقر مبنى المخابرات للانتهاء من كافة الأمور المتعلقة بالبرلمان الجديد، بما يضمن تشكيل برلمان يخصع للسيسي، من خلال تشكيل قائمة في حب مصر، بالإضافة إلى تفتيت المقاعد الفردية، بما لا يسمح أن يكون هناك تكتل كبير لقوى واحدة تحت قبة القبة".
أثبتت الوقائع على الأرض تنفيذ هذا السيناريو بمنتهى الدقة والصرامة، فقد جاءت "قائمة السيسي" فائزاً أول، في الوقت الذي تمت فيه عملية تفتيت المقاعد الفردية بنجاح، ويمكنك أن ترجع بذاكرتك، هنا، إلى دراما تكسير عظم النائب السابق، حمدي الفخراني، من خلال اصطياده بقضية أموال عامة، ثم تراجيديا "نتف ريش" النائب السابق عمرو الشوبكي، وكذلك المتطلع للحصانة حافظ أبو سعدة، وأخيراً، مخرج الثلاثين من يونيو، النائب خالد يوسف، الذي سمحوا له بالمرور إلى البرلمان، ثم جرّدوه من ملابسه على بوابته، وأغرقوه في إناء هائل مملوء بمذيبات السمعة، تاركين قضية اتهامه بالتحرش مفتوحة على كل الاحتمالات.
يحاول بعض "الكتبة" في بلاط عبد الفتاح السيسي تصوير مسخرة ما يسمى "ائتلاف دعم الدولة" لصاحبها الضابط سامح سيف اليزل، باعتبارها موضوعاً يراد تنفيذه، بعيداً عن رغبة السيسي، أو علمه، وأن اليزل لم يزل يفعل ما يفعله من عندياته، ومن دون ترتيباتٍ مسبقةٍ مع صاحب البرلمان وولده.. بل يتذاكى بعضهم، ويبدي سخرية من هذا "البرلمان الأمني"، بينما الكل يعلم منذ البداية أن "الأمن"، جيشاً وشرطة، هو منبع السلطة الجديدة ومجراها ومصبها، حتى أن حضرات السادة الضباط كانوا يحضرون اجتماعات "الجمعية الوطنية للتغيير"، ويحددون جدول أعمالها، فترة ما قبل "ثورة الضباط المضادة" في يونيو/ حزيران 2013.
انتحب النواب من خدم السلطة الجديدة، وكادوا يدعون لتظاهرات حاشدة، من أجل بقاء ضابط المخابرات، اللواء خالد الصدر، أميناً عاماً لمجلس النواب الجديد، بل ذهب بعضهم إلى أن قبول استقالته يحمل تهديدات لأمن مصر واستقرارها، ويكفي هذا المشهد وحده تعبيراً أمثل عن نوعية النواب المسموح لهم بعضوية برلمان السيسي، ممن يحفظون نصوص تلمود "دولة الأخ الكبير" الذي لا تجوز مناقشته أو معارضته، بحيث يتحول بيت التشريع إلى بيت للزواحف، الجاهزة للتخلي عن وظيفتي التشريع والرقابة للرئيس القائد الملهم العبقري.
 وما يدور أمامك من معارك وهمية بين كتل وائتلافات ليس أكثر من  كوميديا من النوع الرخيص، يُراد بها الإيحاء بالتنوع والاختلاف،  بينما تنطق الوقائع كلها بأن لا فرق بين كتلتي سيف اليزل ونجيب  ساويرس، أو بين توفيق عكاشة ومصطفى بكري، أو بين تهاني  الجبالي وأصغر نائبة تعترف بشجاعة أنها لا تتعاطى السياسة، ولا  تربطها بها صلة إلا بطاقة عضوية البرلمان.
يريدون أن يخدعوك بأنه توجد حياة سياسية في مصر، بينما يعلم القاصي والداني أن أول ما فعلوه أنهم قتلوا السياسة، وأحرقوا نصوص الديمقراطية، وتحولوا جميعهم إلى قطط أليفة، تمرح في ردهات بيت "الأخ الكبير".
فدعهم يمارسون التسلية، "خليهم يتسلوا" كما قال مبارك في صيحته الأخيرة قبل السقوط، واحتشد لاستعادة ثورتك التي تحل ذكراها بعد أيام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق