الاثنين، 28 ديسمبر 2015

تقرير لجنة كاميرون و"الإخوان المسلمين"

تقرير لجنة كاميرون و"الإخوان المسلمين"


 خليل العناني

يثير تقرير اللجنة التي شكلها رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، لمراجعة أنشطة جماعة الإخوان المسلمين وأفكارها، أسئلة وإشكالات عديدة، ليس فقط حول مستقبل الوجود الإخواني في بريطانيا، وإنما أيضا حول طبيعة التقرير ودوافعه وأهدافه السياسية.
وابتدءا، فإن قرار تشكيل اللجنة قد أثار لغطاً وشكوكاً كثيرين، حول طبيعة اللجنة والأهداف والهدف من تشكيلها. 
ولم يكن مقنعاً لكثيرين ما قاله كاميرون، حين أصدر قرار مراجعة أنشطة "الإخوان" في إبريل/نيسان 2014، بأن الهدف من اللجنة هو التعرف على أفكار جماعة الإخوان المسلمين، وما إذا كانت هذه الأفكار تمثل مرجعاً إيديولوجيا وفكرياً للجماعات المتطرفة في العالم، وهل ثمة علاقة بين "الإخوان" وهذه الجماعات، فالبريطانيون أكثر من يعرفون طبيعة فكر جماعة الإخوان المسلمين ونشاطها، سواء داخل بلدهم أو خارجها، حيث يقيم عدد كبير ومؤثر من المنتمين للجماعة في بريطانيا منذ عقود.
 كما يدرك المسؤولون البريطانيون جيداً الدور الذي تلعبه الجماعة، خصوصاً على المستوي المحلي، فيما يخص عملية دمج المسلمين البريطانيين من خلال العمل الاجتماعي والتطوعي السلمي. بل الأكثر من ذلك، ثمة تقارير متواترة حول التعاون بين الحكومة البريطانية وبعض رموز الجماعة، فيما يخص مكافحة التطرف والعنف داخل بريطانيا وخارجها.
إذا كانت هناك مآرب وأهداف أخرى حول الهدف من تشكيل اللجنة ودوافعها، فمن جهة أولى، فإن اللجنة، بالأساس، سياسية وليست لجنة قضائية أو قانونية، أي أنها لم تُشكّل بحكم قضائي صادر من أية محكمة، وهذا أمر طبيعي، حيث لم تكن هناك قضية أو اتهام موجه ضد جماعة "الإخوان" أو أعضائها، يقضي بضرورة النظر في أنشطتها. كان يرأس هذه اللجنة السياسية في أثناء إعداد التقرير السير جون جينكينس، وهو دبلوماسي بريطاني مخضرم، كان يعمل في أثناء إعداد التقرير سفيراً للمملكة المتحدة في السعودية. وعلى الرغم من التاريخ المهني الجيد للسير جينكينس ومعرفته العميقة بالمنطقة، وخصوصاً بالإسلاميين، إلا أن تعيينه رئيساً للجنة أثار أسئلة كثيرة بشأن مصداقية اللجنة ونزاهتها. وفي أثناء إعداده التقرير، التقى السير جينكينس باحثين ومفكرين وأكاديميين عديدين، يدرسون جماعة "الإخوان"، من بينهم كاتب هذه السطور. والتقى سياسيين ونشطاء مرتبطبين بالجماعة، وذلك من إبريل/نيسان 2014 وحتى الانتهاء من التقرير منتصف العام الجاري.
وقد بدا لي الرجل حين التقيته، باعتباري باحثاً يعمل على جماعة الإخوان المسلمين، بأنه على اطلاع جيد بتاريخ الجماعة وأفكارها وتطورها السياسي والإيديولوجي. ولاحظت قدراً من عدم قناعته بعمل اللجنة أو جدواها، وإنْ لم يقل ذلك صراحة.

وهذا ينقلنا إلى النقطة الثانية المتعلقة بدوافع تشكيل اللجنة، وهي دوافع لم تعد سراً، حيث نشرت صحف بريطانية عديدة، منها "الغارديان"، أن ضغوطاً إقليمية قوية كانت السبب وراء تشكيل اللجنة، بل كتبت "الغارديان" صراحة أن دولة الإمارات العربية المتحدة هددت حكومة كاميرون بإلغاء صفقات تجارية وعسكرية، إذا لم تمارس القمع والتضييق ضد جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا.
أما الملفت، فإن الضغط الإماراتي قد بدأ مبكراً، وتحديداً عندما وصل "الإخوان" إلى السلطة في مصر في يونيو/حزيران 2012.
فوفقاً لوثائق حصلت عليها "الغارديان"، وتحدثت عنها في تقرير نُشر في السادس من نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، فإن خلدون المبارك رئيس نادي مانشيستر سيتي، والملقب بالذراع اليمني لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، قد عبّر للسفير البريطاني لدى الإمارات، دومينك جيرمي، عن ضيق الحكومة الإماراتية من طريقة تعاطي حكومة كاميرون مع "الإخوان المسلمين"، و"عدم رؤيتهم خطراً وجودياً للإمارات وللإقليم برّمته". 
ويؤكد ذلك أنه كان من المفترض أن تعلَن نتائج التقرير في أغسطس/آب الماضي. ولكن، تم تأجيلها بعدما جاء في الصحف أن نتائجه لن تعجب بعض حلفاء المملكة المتحدة، وتحديداً الإمارات والسعودية. فحسب تقرير لجريدة فاينانشال تايمز، نُشر في أغسطس/آب الماضي، تم تأجيل نشر تقرير لجنة كاميرون، لأن نتائجه قد لا تعجب الإمارات والسعودية، حيث أنها لن تحمل إدانة لجماعة "الإخوان"، أو وصفها بأنها "جماعة إرهابية".
ولم ترد حكومة كاميرون بشكل مقنع، حينها، بشأن أسباب تأخر صدور التقرير.  
وبالعودة إلى التقرير الذي صدرت نتائجه قبل أسبوعين، فقد كُتب بلغة رمادية غير واضحة وغير جازمة، وتعكس قدراً واضحاً من التوازنات والمواءمات التي حاولت حكومة كاميرون القيام بها، حتى لا تتأثر علاقتها بحلفائها الإقليميين من جهة، وحتى لا تخسر جماعة "الإخوان"، كحركة سلمية ومعتدلة يمكنها أن تلعب دوراً في الحرب على الإرهاب، من جهة أخرى.
فعلى سبيل المثال، يرد في التقرير أن "جماعة الإخوان المسلمين تتبني قيماً تتعارض مع القيم البريطانية"، وهي لغة عامة وفضفاضة، ويمكن أن تنطبق علي جماعات بريطانية أخرى كثيرة، كجماعات اليمين المتطرف التي تعادي الأجانب، وترفض التسامح مع المهاجرين.
كما يشير التقرير الذي عرض نتائجه ديفيد كاميرون على مجلس العموم إلى أن "العضوية فى الإخوان المسلمين قد تكون مؤشراً محتملاً للعنف"، وهي أيضا عبارة فضفاضة وغير جازمة حول علاقة "الإخوان" بالعنف.
 أما الملفت حقاً، فهو على الرغم من الإدانة غير المباشرة التي حملها التقرير تجاه جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه لم يوص بحظرها أو إعلانها جماعة إرهابية، وهو ما يؤكد ما قلناه إن التقرير لم يكن سوى استجابة للضغوط السياسية التي تتعرّض لها حكومة كاميرون من حلفائها الإقليميين.

ذات صلة
بريطانيا تعيد فتح "تقرير الإخوان"... وتمنح اللجوء لقيادِيَّيْن بالتنظيم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق