الاثنين، 21 ديسمبر 2015

لماذا تغُض واشنطن الطرف عن الانتهاكات العراقية؟!


لماذا تغُض واشنطن الطرف عن الانتهاكات 


العراقية؟!



وكالة رويترز
ديسمبر 2015
بقلم: نيد باركر Ned Parker
ترجمة: أحمد سامى

كانت إحدى الحوادث الصادمة والتى جرت فى فترة توصف أنها من أبشع فترات التاريخ العراقى, فى أواخر العام 2005 وبعد عامين فقط من غزو واحتلال العراق قامت قوة أمريكية بمداهمة مبنى تابع للشرطة العراقية فى العاصمة بغداد لتجد 168 معتقلاً عراقياً فى حالة يُرثى لها, فقد وُجِد البعض منهم وهو على شفا الموت بسبب سوء التغذية ووُجِد آخرون وعلى أجسامهم علامات التعذيب.
وقد أدى الوصول إلى ذلك المعتقل السرى إلى الكشف عن عمليات خطف وإعدام تمت بحق الكثير من العراقيين تم ارتكابها بواسطة منظمة غير رسمية تنتمى لوزارة الداخلية العراقية وتسمى "إدارة التحقيقات الخاصة".
وكان يقوم على تلك الإدارة قادة من ميليشيا منظمة "بدر" وهى حركة سياسية شيعية موالية لإيران تلعب الآن دوراً أساسياً إلى جانب بغداد فى مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.
وقد ضغطت واشنطن كثيراً على الحكومة العراقية من أجل إجراء تحقيقات حول السجن الذى تم اكتشافه فى بغداد لكن المشكلة كانت تكمن فى أن اللجنة التى تم اختيارها للتحقيق فى الأمر من قِبل الحكومة العراقية كان بعض أعضاءها شركاء فى تنفيذ عمليات التعذيب والقتل داخل السجن وعليه لم يظهر تقرير تلك اللجنة أبداً إلى النور.
ووفقاً لتصريحات عدد من العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين فقد أخذت واشنطن على عاتقها إجراء تحقيق منفصل حول انتهاكات حقوق الإنسان التى ارتكبها رجال الشيعة بحق المسلمين السُنة, لكن واشنطن وبدلاً من إعلان نتائج تلك التحقيقات قامت بمخاطبة القيادة العراقية بشكل سرى خوفاً من انهيار النظام السياسى العراقى الهش حال نشر مثل تلك النتائج.
وقد ظلت أدراج المكاتب هى مصير نتائج التحقيقات سواء التى أجرتها بغداد أو واشنطن حتى حصلت وكالة "رويترز" للأنباء على تلك التقارير إلى جانب وثائق أمريكية حول انتهاكات مُماثِلة حدثت على مدار عشر سنوات.
وقد أظهرت تلك الوثائق أن واشنطن التى طالما سعت إلى القضاء على التنظيمات الجهادية السُنية فى العراق عمدت إلى غض الطرف عن الانتهاكات التى تقوم بها الميليشيات الشيعية تحت إشراف الحكومة العراقية بحق المواطنين السُنة, كما أظهرت الوثائق كيف أن إدارتى "جورج بوش الإبن" و"باراك أوباما" تعاونتا مع منظمة "بدر" الشيعية بقيادة "هادى العامرى" الذى يمتلك سجلاً حافلاً فى مجال انتهاكات حقوق الإنسان بحق العراقيين السُنة.
ولقد أدت تلك السياسة الأمريكية النفعية إلى تحقيق بعض الأهداف على المدى القصير, لكنها سمحت للميليشيات الشيعية على المدى الطويل بمزيد من الانتهاكات بحق العراقيين السُنة مما أدى إلى تمزيق العراق على أساس طائفى بحت.
والحقيقة أن وثائق التحقيق الأمريكية التى يرجع بعضها إلى عشرة أعوام كشفت عن اشتراك مجموعة من المسئولين العراقيين وكذا عدة فصائل سياسية فى موجة من القتل الجماعى أدت إلى اندلاع حرب أهلية فى العراق, فضلاً عن أن تلك الوثائق أكدت على الصمت الأمريكى التام فيما يتعلق بالانتهاكات التى قامت بها الحكومة العراقية والميليشيات الشيعية الموالية بحق العراقيين السُنة بذريعة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
وكشفت الوثائق أيضاً عن تورط عدد من أقطاب الحكومة العراقية الحالية فى الإشراف على والإسهام فى الجرائم التى تم ارتكابها بالسجون السرية فى حق العراقيين السُنة ومن هؤلاء رئيس مجلس القضاء العراقى "مدحت المحمود" ووزير النقل "بيان جبر" وأحد أشهر قادة منظمة بدر الشيعية ويُعرف بـ"المهندس أحمد", وأظهرت الوثائق كيف قام أعضاء "إدارة التحقيقات الخاصة" التابعة لوزارة الداخلية العراقية بالتورط فى قتل واعتقال وتعذيب المواطنين العراقيين.
وأشارت التقارير إلى أن المحققين الأمريكيين لم يجدوا التعاون الكافى من المسئولين العراقيين الذين قاموا بحجب شهود الإثبات فى تلك الوقائع مما يعد دليلاً دامغاً على تواطؤ أقطاب الحكومة العراقية مع مرتكبى تلك الانتهاكات.
وقد قامت وكالة "رويترز" بمواجهة رئيس مجلس القضاء الأعلى "مدحت المحمود" بتلك الاتهامات وكان رده أنه ليس مسئولاً عن تلك السجون السرية أو عن الانتهاكات التى حدثت بها, أما وزير النقل "بيان جبر" فقد أنكر من الأساس أن يكون هناك ثمة انتهاكات بالسجون السرية التى تم اكتشافها من قِبل القوات الأمريكية بالعراق, وعلق أحد قادة منظمة "بدر" على تلك المسألة بقوله أن تلك الاتهامات هى محض افتراء وتأتى ضمن حملة تشويه يقوم بها الإرهابيون, وأضاف أن التركيز يجب أن ينصب على تنظيم الدولة الذى دأب على ارتكاب العمليات الإرهابية بداية من تفجير السيارات الملغومة وحتى إعدام السجناء.
والحقيقة أن المسئولين الأمريكيين هم على يقين من الدور الهام الذى تلعبه الميليشيات الشيعية خاصة "الحشد الشعبى" فى مواجهة تنظيم الدولة خاصة بعد فرار وحدات الجيش العراقى فى أكثر من موضع أمام هجمات التنظيم خلال العام 2014, ومن يومها أصبحت الميليشيات الشيعية فى وجه تنظيم الدولة الإسلامية الذى أعلن عن تأسيس الخلافة الإسلامية على مساحات واسعة من العراق وسوريا, كما دأب أعضاؤه على إعدام المعارضين لسياسات التنظيم فضلاً عن خطف المواطنين والإتجار فى النساء والأطفال.
لكن على الجانب الأخر فإن شهادات مواطنى المناطق السُنية التى حررتها الميليشيات الشيعية من يد تنظيم الدولة تُشير إلى انتهاكات واسعة مارسها الشيعة بحق المواطنين السُنة منها القتل والنهب والاختطاف, وتشير إحصاءات إلى أن عدد المواطنين السُنة الذين تعرضوا للخطف على يد الميليشيات الشيعية بلغ 718 شخصاً منذ إبريل 2015 وحتى الآن وأن 289 فقط من هؤلاء تم إطلاق سراح أغلبهم لقاء فدية مالية.
ويقول مراقبون أن واشنطن يجب عليها فعل الكثير من أجل وقف الانتهاكات الشيعية بحق السُنة فى العراق وأن سياسة واشنطن التى تتسم بالتخاذل تجاه انتهاكات الحكومة العراقية والميليشيات الشيعية الموالية بحق السُنة فى العراق ستؤدى إلى تمادي تلك الميليشيات فى التنكيل بالمواطنين السُنة فضلاً عن أنها تفتح الباب على مصراعيه للتعاطف مع تنظيم الدولة الإسلامية الذى يُقدم نفسه للمواطنين كونه حامى المسلمين السُنة من الانتهاكات الشيعية التى تراكمت على مدار سنوات.

رابط المقال:
http://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-iraq-militias-specialr-idUSKBN0TX1DG2015121

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق