الخميس، 24 ديسمبر 2015

في الماء ولا يرتوي

في الماء ولا يرتوي



حسن الخليفة عثمان
سألت السمكةُ الصغيرةُ السمكةَ الكبيرةَ : بما أنك كبيرة هل يمكن أن تدليني أين أجد البحر؟
فقالت لها : البحر هو المكان الذي أنت فيه الآن .
فقالت الصغيرة : هذا ماء ؛ ولكني أريد البحر ثم هزت رأسها وأعطت ظهرها للكبيرة وسارت نحو وجهتها ..
كلنا يبحث عما يريد دون النظر إلى أن ما نريده فينا.. لو تأنينا .
نبحث عن الجمال ؛ والجمال موجود في داخلنا ..لو تأملنا .
نبحث عن السكون والهدوء والراحة ؛ والسكون والراحة بين أيدينا.. لو أننا صمتنا.
نبحث عن الأمان ؛ والأمان فينا .. لو أننا آمنا .
نبحث عن المعرفة والكتب والمراجع ، ونسافر للدورات والبرامج ، ونجتاز الماجستير والدكتوراه للمعرفة ؛ والمعرفة ساكنة فينا.. لو أننا فكّرنا .
نبحث عن السعادة ؛ وما أقرب السعادة ، وهي موجودة في قلوبنا ، ونحن نبحث عنها في الأماكن القريبة والبعيدة !
نبحث عن الحب في كل مكان ونركض خلف هذا وذاك ؛ لكن الحب بقليل من الشعور موجود فينا.. لو أننا شعرنا .
نبحث عن الله ؛ والله معنا في كل صلاة.... لو أننا صلينا .
كثير بحث الإنسان إنما هو مجرد وهم ؛ لأن الإنسان بداخله كل ما يبحث عنه ، وكل ما يريد أن يصل إليه ، وما مثله إلا كمثل السمكة الصغيرة ، التي تركض وتلهث خلف الزينة ، لتجد البحر دون أن تعي حقيقة البحر ومكانه .
يبحث الانسان في المكان الخطأ عما لا يدرك كنهه وجوهره ؛ كالذي افتقد متاعه في بئر مظلم فراح يلتمسه في فناء منير !
نبحث عن الله في أي مكان ؛ إلا في المكان الذي نجد الله حقاً به وفيه وهو قلوبنا .
لم نجهد أنفسنا للبحث عن الله في المكان الذي افتقدناه فيه ؛ لكننا نذهب إلى أماكن أخرى للبحث عنه !
نقطع الأميال والدهر في رحلاتنا وأسفارنا لنستمتع ونستريح ؛ فهل حقاً المتعة في الرحلة والسفر ، أم هي موجودة فينا ؟ وهل استرحنا واستمتعنا ؟
كم ركضنا لنجمع المال ، ونحوذ السلطة ، وندرك المناصب وواسع الشهرة ، وحرصنا على السمعة ، وعلى كل شيء نكنز به المال ، الذي ما هو في حقيقته إلا وسيلة إلى ما خلفه من أمان نراه فيه ، ونجهد في البحث عنه لنحياه ، فما أن نحوذ المال حتى نشعر بالأمان من فزع الطارق على رأس كل شهر يطلب إيجار السكن ، لكن حقيقة الشعور بالأمان ليست هكذا ، ليست في المال الذي حازته أيدينا وإنما هو ذاك الشعور الذي وقر في أعماقنا ، وغشيت سحائبه بشاشة قلوبنا .
نبحث عن الأشياء التي تحقق فرحنا خارج ذواتنا ، نبحث عنه في الألعاب ، نبحث عنه في الزينة وفي جمادات نحسبها جمالات ؛ إلى متى سنظل نبحث عن فرحنا وسرورنا خارجنا ؟
كلا ؛ فرحنا وسرورنا لم يكن يوماً في الألعاب وغيرها ؛ لأنه لم يكن يوماً خارجنا ، من أجل ذلك فما أحوجنا إلى إعادة النظر في الأشياء التي نبحث عنها .
نحتاج التفكير دائما وباستمرار في السمكة .
سل نفسك ماذا تريد ؟ ماذا تحتاج ؟
وسل نفسك إذا هُديت إلى الجواب -الذي ما أصعبه من جواب- أين تجد ما تريد وما تحتاج ؟ هل هو في أعالي البحار فتركب من أجله الخطوب والأخطار ، أم في بعيد البوادي والقفار فتحمل إليه الأسفار ؟ أم هو أقرب إليك من جفن عينيك ، وما عليك إلى أن تفتحها ، فتجده بين يديك ؟
يقضي الإنسان نصف حياته ركضاً يجمع المال ؛ ويقضي النصف الآخر في إنفاقه على مداواة آثار ركضه !
الطريق المستقيم هو الطريق المختصر ؛ وهو السبيل إلى غاية ما تحب وتسعى إليه ، فإن التمسنا المراد في غيره من السبل ؛ كنا كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى .
لذا ؛ فكلما شعرنا بالجمال داخلنا فلن نكِدّ في التماسه في الزينة والأضواء .
يملك الإنسان النظر ؛ لكنه لا يملك البصر ، ومن يستطيع أن يرى لا يشقى ، ومن يبصر يرى في الظلام كما يرى تحت وهج الشمس ؛ وما استقبالك للمباني إلا رسائل من السماء بالمعاني .
يقول الحلّاج :
وأي الأرض تخلو منك حتى ... تعالوا يطلبونك في السماء
تراهم ينظرون إليك جهراً... وهم لا يبصرون من العماء

بقية كلمة :
ما أسلفت ذكره إنما هو ما فهمته ، أو نقلته من لقاء مؤسس الطريق إلى الحكمة مع الإعلامية نوف سلطان ، في حلقة عنوانها هو ذات عنوان المقال ، دوري فيها : رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ؛ وحسبي في الأمر أن اختيار المرء قطعة من عقله . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق