أحمد المصلح
في سنة (422هـ) قبل أكثر من ألف عام ظهر في (بلاد الأندلس) ما عُرف في التاريخ باسم (دول الطوائف)، وكانت عبارة عن كيانات ضعيفة متفرقة، (ورث ملوكها ثراء الخلافة الأموية)، إلا أن التناحر المستمر بينهم جعل منهم فريسة للأوروبيين..
ووصل الأمر إلى أن ملوكهم كانوا يستعينون (بألفونس السادس ملك قشتالة) على بعضهم!!
تلك صورة مطابقة تماماً لحال العرب في أيامنا المظلمة..
كان (المعتمد بن عباد) يحكم إشبيلية.. فأرسل إليه (ألفونس) بكل وقاحة أن يسمح لزوجته أن تضع حَملها (في أكبر مساجد المسلمين)، فغضب المعتمد وأخذته النخوة وقتل وزير (ألفونس)، مما أغضب الملك الصليبي.. فسار إلى إشبيلية وحاصرها، وبعث إلى المعتمد يتهدد ويتوعد..
أرعبت تلك الأوضاع ملوك الطوائف، فسارعوا -بتأثير وتحريض العلماء- لعقد مؤتمر موسع، اقترح فيه العلماء الاستعانة بجنود المرابطين في المغرب..
فاعترض أكثر المجتمعين، بحجة أن المرابطين لو هزموا النصارى لأعجبهم المقام في الأندلس، وسوف يضمونها إلى دولتهم.. وقالوا:
هل سنرعى الجمال عند (ابن تاشفين قائد المرابطين) إذا هزم جيوش النصارى؟؟
فقام المعتمد فيهم خطيباً، وكان من الأمراء الفرسان الذين يأبون الذلة والخنوع لعدوه.. وقال قولته المشهورة التي ذهبت مثلاً في التاريخ:
"والله لن يسمع عني أني أعدت الأندلس دار كفر للنصارى....
ولأن أرعى الإبل عند ابن تاشفين، خير وأحب إلي من أن أرعى الخنازير عند ألفونس"!
في سنوات الانحطاط العربي التي نتجرع (نحن المسلمون) ونقاسي مرارتها، ومع التفكك الذي أصابنا، والانغماس في الشهوات لدى ملوك وزعماء (الطوائف في عصرنا) تتكرر نفس الفصول بمشاهدها (التراجيدية) التي عاشتها الأندلس.
والغريب أن زعماءنا عاشوا تلك الغَدَرات والفَجَرات في السبعين سنة الماضية إلى يومنا، والدروس والعبر ذاتها تتكرر، ولا تكاد تجد في أكثرهم من يلامس نخوة (المعتصم) ولا رجاء منهم -إلا أن يشاء الله- أن تنفجر دماء الصحوة والإباء فيهم، كما تفجرت من قلب (المعتمد)!!
استعان (ملوك الطوائف) الأوائل بالمجاهدين الأبطال..
أما حكام دول الطوائف اليوم يحاربون الجهاد (وكأنه أكبر الكبائر) بزعم محاربة الإرهاب.. من ذا الذي افترى عليكم فصدقتموه وناصرتموه؟؟!
بعد أن عبر (الأمير ابن تاشفين) بجيوشه البحر، اصطف في خندق جيش الأندلس بقيادة (ابن عباد).. فكانت (ملحمة الزلاقة الكبرى) في يوم الجمعة 12 رجب 479ه، وهي تماثل بالمقياس الحربي (والاستراتيجي) اليرموك وحطين وعين جالوت..
كان لصمود المعتمد وجنوده، بمساندة كتائب من المرابطين أعظم الأثر في صد الهجوم الأول الكاسح لجيش النصارى الذين جاوز تعدادهم (الثمانين ألفاً)..
وكاد الجيش الأندلسي أن ينهزم، فتدخل بقية المرابطين في الوقت الحاسم، فانقلب ميزان المعركة إلى نصر مؤزر، أبقى الله به ملك الأندلس بيد المسلمين أربعة قرون تلت..
رسالة لزعمائنا:
كانت الصحوة المباركة (للمعتمد بن عباد) بمناشدة العلماء، السبب المباشر في إيقاف الزحف الصليبي.. فعندما أحس بالخطر وأن القادم سيترتب عليه مصير الوجود الإسلامي في تلك الأصقاع.. قال قولته التي سطرها التاريخ:
(لن يقول الناس إن ابن عباد أضاع ملك المسلمين في الأندلس)..
ونحن نعيش اليوم نفس المعطيات في زوال وبقاء الدول (لو كانوا يعقلون)...
فهل سيقول التاريخ إن ابن سلمان (بمباركة ابن زايد وبوسوسة أجسام غريبة) قد أضاع ملك ابن سعود في جزيرة العرب؟؟!
والله إني لأرجو أن لا يكون ذلك..
فهل عانقتكم –قادتنا- نخوة المعتمد؟؟!
ولنا لقاء والسلام..;
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق