الدرس المستفاد من قمة سوتشي.. تركيا تتعرض لهجوم صريح، فما العمل؟
إبراهيم قراغول
Video: الدرس المستفاد من قمة سوتشي.. تركيا تتعرض لهجوم صريح، فما العمل؟
إذا كان الجميع يبحث عن السلام ويرسَم طريق نجاة دولة من الدول؛ لا يمكن لأحد أن ينظر من ربح ومن خسر. وإذا كانت القضية قضية إنقاذ وطن وإفشال المخططات الدولية الرامية لنهب المنطقة بأسرها من خلال ذلك الوطن والتصدي لمخططات الهجوم التي تستهدف حتى الوطن الأم من خلال تلك الدولة؛ فمن الطبيعي، بل والضروري، أن يتغير منظوركم للأحداث وموقفكم منها وكذلك أولوياتكم.
من لا يرى الخطر محكوم عليه بفقد الوطن
وإذا لم تغيروا كل هذا فحتما ستخسرون. كما أنكم إذا فشلتم في قراءة وإدراك ما يحدث في الواقع من حسابات وإعدادات لهجمات معادية؛ فستفقدون أوطانكم وتاريخكم ومستقبلكم لا محالة. فمنا نطلق عليه اسم عقل الدولة وفراستها ودورها التاريخي البناء هو عبارة عن فهم ما يحدث في الوقت المناسب والتحرك بناء على المعطيات الموجودة على أرض الواقع.
لقد فعلنا هذا أيام الدولة السلجوقية، وكررناه أيام الدولة العثمانية، وفعلناه مرة أخرى في عهد الجمهورية بعدما حافظنا على تراب هذا الوطن تحت سقف واحد. ولا ريب أننا لن نتردد في تكرار هذا الأمر اليوم وغدا. فهكذا يكتب التاريخ وتحيا الأمم وتحفظ بيضة الدول ويشكَل التاريخ السياسي الممتد لقرون.
كل شيء سيتغير في غضون بضع سنين
لقد تغير كل شيء تعودنا عليه خلال العقود الثلاثة الماضية، تغير إدراكنا لمحيطنا، تغير إدراكنا لمعنى الوطن، رأينا الشيء الكثير. في الواقع، لقد تغير العالم خلال الثلاثين عاما الماضية، لكننا سنرى المزيد من التغيرات الاستثنائية خلال السنوات القليلة المقبلة.
وحينها سيتغير كل شيء حقا، وسنشهد أحداثا مثيرة وتغيرات في مراكز القوى العالمية ونشوء صداقات وعداوات جديدة. سنعيش تغيرات جذرية، من المفاهيم التي نستخدمها إلى طريق تفكيرنا، من إدراكنا للمسائل الداخلية وحتى إدراكنا للعالم من حولنا. وبطبيعة الحال فإن هذه الأمور ليست مقتصرة على تركيا والمنطقة فقط، بل هي أمور عالمية ستشهدها دول العالم كافة من واشنطن غربا إلى طوكيو شرقا.
استغلال بي كا كا لتشكيل "جبهة تركيا" بحجة قتال داعش
إن هذه التغيرات الجذرية ستدفع بعض الدول إلى خارج إطار التاريخ، بينما ستنقل دولا أخرى إلى الدائرة المركزية للتاريخ. ولهذا فإن سيكون من يرى المستقبل، لا اليوم، هو المستعد لما سيحدث. فتلك الدول والأمم ومن عززوا مواقعهم هم من سيشكلون المستقبل. ولن ننتظر عشرين أو ثلاثين عاما لحدوث هذا الأمر، بل يكفينا أن ننتظر لبضع سنين.
وإذا كان الأمر كذلك، فعلينا التركيز على ما يجب علينا رؤيته، لا من يحاولون إظهاره أمامنا. يجب أن نقاوم تضليل أعيننا وتسميم أذهاننا. علينا تعلم كيف نرى تركيا والمنطقة والعالم وكل تلك التغيرات الكبرى من خلال نظرتنا الخاصة.
لقد تحججوا بالقاعدة فاحتلوا أفغانستان، تحججوا بالقذافي فمزقوا ليبيا، تحججوا بصدام فدمروا العراق، تحججوا بالأسد فأشعلوا فتيل حرب سوريا، وهم الآن قد أسسوا "جبهة تركيا" على مسافة مئات الكيلومترات عند النقطة صفر من حدودنا الجنوبية بحجة قتال داعش.
القضية ليست الأسد أو نظامه: نحن أمام تهديدات أكبر
نص المخطط على تمزيق سوريا والعراق ثم فتح "جبهة تركيا". ولقد كانوا متيقنين من نجاح مخططهم وتمزيق سوريا لدرجة أنهم استهدفوا تركيا من الداخل يوم 15 يوليو 2016. وهم مستمرون منذ أشهر في نقل قواتهم إلى حدود تركيا الجنوبية بعدما وثقوا بممر الإرهاب الممتد من البحر المتوسط غربا إلى حدود إيران شرقا وكذلك خريطة الحاميات الأجنبية في تلك المنطقة.
ولهذا، يجب ألا يشغل أحد باله بالأسد ونظامه، بل على الجميع التصدي لجميع محاولات تمزيق سوريا. ذلك أن القضية ليست مقتصرة على سوريا والأسد فقط، بل نحن أمام تهديدات أكبر تستهدف تركيا والمنطقة بأسرها. ونحن الآن على يقين بأن تمزيق سوريا يعني فتح "جبهة تركيا".
لقد أدركنا جيدا أن المخطط يشمل تقسيم جميع دول المنطقة وتمزيقها وتحويلها إلى دويلات وحاميات عسكرية أجنبية. ولهذا علينا التحرك نحو من يجب أن نراه، لا ما يحاولون تصويره لنا، علينا التحرك وفق أجندتنا، لا وفق أجندة الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل.
قمة سوتشي: حدث فريد خلال عقود ثلاث
لقد حملت قمة سوتشي أهمية كبيرا لهذا السبب، وربما كانت النموذج الأول الذي سيحول مجرى تلك الريح الشريرة التي تعصف بالمنطقة منذ ثلاثة عقود. لقد رأينا أن الحسابات الدولية التي تستهدف شمال سوريا والعراق يمكن وسيمكن إفشالها، وأدركنا أنه يمكن إيقاف موجة الاستهداف المستمرة منذ أيام حرب الخليج الثانية التي اندلعت قبل أكثر من ربع قرن.
كانت الأزمة السورية يمكن أن تحل في بدايتها من قبل تركيا وإيران والسعودية، لكن هذا لم يحدث، ليموت 400 ألف إنسان ويهجر أكثر من 6 ملايين آخرين منازلهم وتتحول مدن سوريا إلى أطلال. لكننا نشهد للمرة الأولى خلال عقود ثلاث محاولة جادة لحل هذه الأزمة وإيقاف الحرب. فلهذا يجب تشجيع هذه المبادرة، وإن كانت جاءت متأخرة.
بي كا كا / بي يي دي وداعش سواء بسواء
نعلم جميعا أن تركيا تتعرض لهجوم من خلال تنظيمي بي كا كا / بي يي دي الإرهابيين، وأن هذا مشروع أمريكي، وأن تنظيم غولن الإرهابي هو الآخر نفذ محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي من خلال تلقي تعليمات من الجهة عينها. فإذا كانت روسيا وإيران تريدان استمرار مبادرة سوتشي، فعليهما أخذ حساسية تركيا بعين الاعتبار. فكما أن داعش يعتبر عنصرا من عناصر التدخل الخارجي، فإن بي كا كا / بي يي دي هما كذلك يحملان الصفة ذاتها. فطالما لم يسحب كارت إرهاب بي كا كا من أيدي الأمريكان، سيخرجون علينا بعد فترة بتنظيمات جديدة لتستمر مخططات الاحتلال والتمزيق بالوتيرة نفسها.
وحدة سوريا، اتحاد سياسي، دستور جديد، انتخابات شفافة، تطهير البلاد من الإرهاب.. هكذا تكون النتائج الأولية لقمة سوتشي. فهذه خطوة أولى يجب السير لما أبعد منها لأنها تعتبر أول تطور مبشر قبل تنفيذ إعدادات الهجوم الرامي لاستهداف المنطقة كلها.
تركيا تتعرض لهجوم صريح.. وطريق التصدي له واضح
يجب ألا يسعى أحد لتسهيل الأمر على واشنطن من خلال التذرع بذرائع مضللة مثل عنصري روسيا وإيران. ذلك أن نتيجة التدخل الأمريكي ستكون تدمير المنطقة التي تريد الوصول إليها، وعلينا إدراك ذلك.
إن مهمتنا الأساسية منذ الآن فصاعدا هي التصدي لممر الإرهاب وخريطة الحاميات الأجنبية شمالي سوريا؛ إذ ستكون معركة تركيا المقبلة هي تدمير هذه الجبهة التي خططوا لها للنيل من تركيا. ومن المعلوم للجميع أنه من الصعب التصدي لهذه الجبهة دون الوصول إلى حل للأزمة السورية.
دعوني أقولها أكثر صراحة؛ تركيا تواجه تهديدا واضحا، بل تتعرض لهجوم صريح. إذا، فطريقة الدفاع مبنية على وحدة سوريا. وهذا الأمر هو خطوة أولى بالنسبة لأنقرة، ويجب متابعة السير في هذا الطريق وتقوية خطوط الدفاع عن تركيا. ينبغي أن تكون معركتنا من أجل حماية أراضي تركيا مهما كلف الأمر!
تركيا
روسيا
إيران
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق