حوار الأديان: التنازلات والوقاحة !
|
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية |
يتواصل مسلسل تنازل المسلمين بصورة فادحة لا يقبلها ضمير أي مسلم أينما كان، كما ان مسألة خلط الدين وإقحامه في القضايا السياسية المغرضة المفروضة علينا لاقتلاعه بات بحاجة الى وقفة صارمة لتصحيح المسار، خاصة حينما تكون القضايا شديدة الوضوح. والموضع هنا هو قضية "حوار الأديان" الذي ابتدعه مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، وتعد قراراته "لا نقاش ولا رجعة فيها"، كما يقولون بوضوح وبصراحة. والحوار بين الأديان يعني في كافة نصوص ذلك الفاتيكان: كسب الوقت الى ان تتم عملية التنصير.. فالتنصير تم فرضه قرارا على العالم أجمع. وكل هذه نصوص منشورة وليست سرية. والقضية التي تعنينا هنا هي: {قرار "ترميم" كنيسة يرجع عمرها الى 900 عاما مضت، وبناء مركزا للحوار بين الأديان في أرض المملكة السعودية}! والغريب في الموضوع التعتيم، أو شبه التعتيم، الذي واكب الخبر تقريبا في الإعلام العربي، علما بأن الجرائد الفرنسية وخاصة مواقع الفاتيكان قد تناولته بوضوح واسهاب.. وبحسبة بسيطة، فنحن في القرن الواحد والعشرين، وإن رجعنا تسعة قرون الى الوراء لوصلنا للقرن الثاني عشر الميلادي. أي إن الإسلام كان في القرن الخامس من عمره وقد انتشر في انحاء العالم لمحاربة الشرك بالله وتأليه عيسى بن مريم، عليه الصلاة والسلام، الذي تم في مطلع القرن الرابع، سنة 325، واختلاق بدعة الثالوث وفرضها سنة 381.. ولولا هذا الكفر البواح برسالة التوحيد لما أنزل الله سبحانه وتعالى الإسلام لتصويب هذا الشرك الذي حاد بإصرار عن رسالة التوحيد. وكان سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، قد حدد ألا يجتمع دينان في أرض الجزيرة العربية، كما نص القرآن الكريم بوضوح على ألا يدخل المشركون أرض المسجد الحرام: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (28 التوبة). فكيف يقبل ولي العهد في المملكة السعودية أن يتعهد بترميم كنيسة يرجع عمرها الى 900 عام (إن وُجدت حقا)، وأن يبني "مركزا للحوار بين الأديان" في أرض المملكة التي خصها الله سبحانه وتعالى بآية واضحة، وحدد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بوضوح شديد ألا يجتمع دينان على هذه الأرض المقدسة؟ والأدهى من ذلك ان يأتي هذا التنازل، الذي لا يوصف ولا يقبله عقل مسلم، كهدية من ولي العهد للبطريرك بشارة بطرس الراعي بمناسبة زيارته للمملكة يومي 13 و14 نوفمبر 2017 ؟ فهل من المعقول أن يحيد المرء عن تعاليم دينه الشديدة الوضوح ليكرم ضيفا أيا كان دينه ؟ وفي يوم الخميس 23 نوفمبر 2017، أي بعد حوالي عشرة أيام من تلك الزيارة الوقحة، استقبل البابا فرنسيس البطريرك بشارة بطرس الراعي ليقدم له تقريرا عن زيارته للملكة السعودية. وأول ما بدأ به موقع "زنيت" التابع للفاتيكان نشر هذا الخير، حدد قائلا: "لقد تم استقبال الكاردينال اللبناني في السعودية مرتديا، بوضوح شديد، الصليب على صدره في كل جولاته حتى في لقائه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يوم 13 نوفمبر 2017".. اللهم لا تعليق على مثل هذا الموقف الاستفزازي المهين، وما معنى وجود صورة
للحرم بينهما؟!
ويواصل موقع "زنيت": "ان هذه الزيارة هامة في إطار العلاقات الدولية والبحث عن السلام في سوريا، ووجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان. والمعروف ان السعودية ليست لديها حتى الآن علاقات دبلوماسية مع الكرسي الرسولي، لكنها تلعب دورا هاما في المنطقة".. كما تناول الحوار بين البابا فرنسيس والكردينال بشارة بطرس الراعي دور لبنان في الحوار الإسلامي ـ المسيحي وكعنصر استقراري في المنطقة ومكان للحوار بين الحضارات والأديان. ثم أضاف تحديدا: "من أجل ذلك يتعيّن على لبنان أن يظل مستبعدا عن الصراعات". وما يسعى اليه البابا هو تعميم نظام لبنان في ان تحكم الأقليات المسيحية البلدان ذات الأغلبية المسلمة. وما يقلق سيادة البابا وكرديناله الماروني ان وجود أكثر من مليون سوري مسلم في لبنان يزيد من تقليص نسبة الأقلية المسيحية بها. فعلى الرغم من إن المسلمين (وفقا لإحصائية الفاتيكان) يمثلون 67,82 % من التعداد، وال 22,18 % تضم مختلف الديانات الأخرى من مسيحيين بفرقهم ودروز.. وعلى الرغم من ان المسلمين يمثلون أغلبية ساحقة في لبنان، إلا ان الاستعمار الفرنسي قد وضع الدستور قبل رحيله بحيث يكون رئيس الدولة مسيحيا ورئيس الوزراء مسلما. أي أنه تصرف بحيث يظل له مدخلا يتحكم من خلاله في الدولة. وليست هذه القضية وحدها هي التي تفضح تنازلات المسلمين للفاتيكان، ففي يوم 20 سبتمبر 2017 استقبل البابا فرنسيس الدكتور محمد العيسي، أمين عام رابطة العالم الإسلامي والوفد المرافق له المكون من ستة أشخاص. وفي اليوم التالي استقبل الكردينال جان لوي توران، رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، "ودار النقاش بينهما حول قضية الأديان وأن لها مصادر أخلاقية يمكنها المساهمة في تدعيم الروابط الأخوية والسلام، وان ظاهرة الأصولية وخاصة حينما تكون عنيفة، تثير القلق وتتطلب جهودا مشتركة لمحاصرتها. من ناحية أخرى أشار الكردينال أنه لا تزال توجد مواقف لا تُحترم فيها حرية العقيدة وحرية تغيير الديانة. الأمر الذي يتطلب تدخلا سريعا لتصويب الأمور بتجديد الخطاب الديني وإعادة النظر في المناهج المدرسية. وقد اتفق الجانبان على إقامة لجنة مشتركة دائمة في القريب العاجل". وفي يوم الأربعاء 22 نوفمبر 2017، استقبل البابا فرنسيس ممثلا للمملكة السعودية، هو السيد عبد الله بن فهد العيدان، وزير الشئون الإسلامية في المملكة، والوفد المرافق له والمكون من 14 شخصا، وذلك بناء على طلب من الجانب السعودي. ويقول موقع الفاتيكان: "وتضمن اللقاء تناول قضية السلام في سوريا، والأزمة في لبنان. وذلك على الرغم من انه لا توجد علاقات دبلوماسية بين الكرسي الرسولي والمملكة السعودية حتى الآن". ومن الواضح التركيز من الجانب الفاتيكاني على إقامة علاقات دبلوماسية مع المملكة السعودية، وهي الطامة الكبرى إن تمت لا سمح الله، إذ سيصبح تنصير المملكة رسميا وعلنا. ولم تصدر أية تفاصيل عن حوار البابا مع السيد العيدان، إلا ان عدد الوفد المرافق له يشير إلى احتمال تلقّيهم تفاصيل المطلوب تنفيذه في تعديل الخطاب الديني وتغيير المناهج التعليمية، وهي من اختصاص وزير الشئون الإسلامية.. ويضيف الخبر الصادر عن موقع "زنيت" الفاتيكاني: "يبدو ان هناك نشاطا دبلوماسيا مكثفا في المملكة السعودية، خاصة مع زيارة الكردينال الماروني بشارة الراعي، وقد تم استقباله وهو يرتدي الصليب على صدره بوضوح، ونفس الشيء تكرر حين التقى بولي العهد محمد بن سلمان يوم 13 نوفمبر".. وتكرار تناول تجول السيد بشارة الراعي بصليبه الملفت للنظر على صدره، يعد من مطالب الفاتيكان للتحدي والإعلان السفيه عن مدى تحكمه في القيادات الاسلامية واستفزاز المسلمين. وقد بدأت لعبة التنصير ومحاولة اقتلاع الإسلام في المجتمع الخليجي بإقامة أول كنيسة في قطر، في مارس 2008، وقد كشف مسؤول في الفاتيكان وقتها، "عن وجود مباحثات مع الرياض بشأن بناء أول كنيسة هناك". وصرح الأسقف بول - منجد الهاشم، وكان آنذاك أحد كبار ممثلي بابا الفاتيكان بنديكت 16 في منطقة الشرق الأوسط: "أن المباحثات انطلقت قبل أسابيع قليلة، مضيفا: أن الفاتيكان قد لا يكون بإمكانه التنبؤ بنتائج المباحثات". أي أنه في سنة 2008 بدأت المباحثات بشأن بناء أول كنيسة في المملكة السعودية، وها نحن في أواخر2017، وتمت المحاولة بكل جبروت ووقاحة. وتأتي تلك المباحثات في أعقاب الاجتماع التاريخي للملك عبد الله بن عبد العزيز، مع بابا الفاتيكان المستقيل، بنديكت 16، خلال زيارته لروما في نوفمبر 2007. كما يأتي الكشف عن انطلاق مباحثات بين الفاتيكان والسعودية، واللتان لا تربطهما علاقات دبلوماسية "بعد"، عقب افتتاح أول كنيسية كاثوليكية في عاصمة قطر. والإصرار على إقامة علاقات رسمية يعني فتح باب تنصير المملكة على مصراعيه تنفيذا لقرار وثائق الفاتيكان التي تقول: "كفاهم سور الحرم وعلينا أن نرشق أرض المملكة بالإنجيل والكنائس".. "وقال الأسقف الهاشم، سفير البابا في الكويت وقطر واليمن والبحرين والإمارات، الذي حضر مراسم افتتاح الكنيسة في الدوحة آنذاك، إنه يأمل في إقامة كنيسة قريبا في السعودية والتي يعيش بها بعض المسيحيين. وأضاف قائلا: "المباحثات جارية للسماح ببناء كنائس في المملكة". متناسيا سيادته ان العمالة السيارة في أي دولة في العالم لا حق لها سوى حدود التعاقد مع الجهة التي تقوم بتوظيفها. وليس من حق هذه العمالة المسيحية السيارة ان تتحكم في شئون الدولة المسلمة، خاصة ان السيد المسيح حين طالب أتباعه بالصلاة طالبهم بوضوح أن يصلوا في غرفة نومهم.. أما بدعة بناء الكنائس فهي من اختلاق العاملين بها. ومنذ تاريخ بناء أول كنيسة في بلاد الخليج، وتحديدا في قطر سنة 2008، أصبح لكل دولة من دول هذه الإمارات كنيستها أو كنائسها.. بل والأدهى من ذلك أنه تم تغيير اسم مسجد الشيخ زايد بكل أسف الى: "مسجد السيدة مريم أم عيسى" توطئة لتحويلها الى كنيسة رسمية، وقد نشر وأذاع راديو الفاتيكان في 16 يونيو 2017 خبر هذا التغيير، وتناولت الموضع آنذاك. والغريب في الأمر ان الشكوة العامة، وعلى الصعيد العالمي، تتلخص ضد "الإسلام الإرهابي"، متناسين بكل غرابة ان الولايات الأمريكية المتحدة هي التي اختلقت الإرهاب بنسفها الأبراج الثلاثة يوم 11/9/2001، بناء على قرار مجلس الكنائس العالمي في يناير 2001، الذي أسند اليها طلب تنفيذ "اقتلاع الشر"، الذي هو الإسلام في نظرهم، وحدد لها عشر سنوات لتنفيذ ذلك واسموه "عقد اقتلاع الشر". وأي إنسان حيّ الضمير ليخجل من عدد الدول الإسلامية التي تم تدميرها بلا سبب وبلا رحمة بل وبلا أي دليل إدانة، وملايين المسلمين الذين اغتيلوا في هذه الحروب المفتعلة، لمجرد ان الغرب الصليبي المتعصب فشل في تنفيذ قرار تنصير العالم الصادر عن مجمع الفاتيكان الثاني اللعين. والأكثر غرابة من كل ذلك الإجرام المتعمد، ان يبتلع المسلمون الطُعم، ويتناسوا اعترافات القادة الأمريكان بتكوينهم تنظيمات داعش والدولة الإسلامية، وغيرها من التنظيمات المغيّبة عقليا، وفقا لاعترافاتهم في الغرب، متناسين صور توابير السيارات الجديدة اللامعة الخارجة لتوها من المصنع، والعتاد الحربي الشديد النظافة، بل واعترافات الدول الغربية والكيان الصهيوني المحتل لدولة فلسطين، بأنهم ساندوا هذا الإجرام بالأموال وبالعتاد.. ورغمها.. نهرول لبناء مزيد من الكنائس، وتغيير الخطاب الديني، وتعديل المناهج.. واصبح المسلمون يقتلعون دينهم بأيديهم. اللهم استغفرك يا رب عن تقصيري في شرح وايصال هذه الأبجديات ليفهمها أصحاب القرار! زينب عبد العزيز 26 نوفمبر 2017 أوديس و أروجانس |
الدرة (( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ )) الامام الشافعي
الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017
حوار الأديان: التنازلات والوقاحة !
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق