الحريري رئيس حكومة "التريّث" بدعم فرنسي مصري
بنفس المنحى الذي تعاملت به القيادة السعودية مؤخرا مع رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، بدءا من استدعائه إلى الرياض والتمني عليه بالاستقالة ثم عودته إلى بيروت وعن استقالته، وصولا إلى إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن الحريري "لن يستمر في توفير غطاء سياسي للحكومة التي تخضع بشكل رئيسي لسيطرة مليشيا حزب الله، التي بدورها تخضع بشكل رئيسي لسيطرة طهران".. بنفس المنحى الفوقي التوجيهي تتعامل القيادة الإيرانية مع حزب الله بل وبالتزام أكثر تشددا.
فمن طهران رد قائد الحرس الثوري الإيراني محمّد علي جعفري هذا الأسبوع على المطالبين بتخلي "الحزب" عن سلاحه، وأكد أن "نزع سلاح حزب الله غير قابل للتفاوض".
عبارة "جعفري" يستطيع أي مسؤول من حزب الله أن يقولها من بيروت، لكن اللعب بات على المكشوف مع تحول الصراع في لبنان أكثر من أي وقت مضى إلى واحدةٍ من حلقات المواجهة المباشرة بين السعودية وطهران.
وهي مواجهة "مباركة" من القوى الدولية التي خططت لشرق أوسط جديد تكون الغلبة العسكرية والاقتصادية فيه على المدى البعيد لإسرائيل.
فلماذا تريّث الحريري في الطلاق السياسي مع حزب الله في حمأة المواجهة الإقليمية، وهل هذا التريث بموافقة سعودية؟
أظهر الموقف المصري الأخير برفض أي تدخل عسكري في لبنان مرونة جعلت الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر قدرة من القيادة السعودية على استيعاب المشهد اللبناني وتعقيداته.
وإذا صح ما تناقلته أوساط إعلامية مقربة من حزب الله في بيروت، فإن السيسي طلب من السعوديين أن يتركوا له أمر رعاية الحريري بما يؤمن مصالح الرياض دون إنهاء الحالة الحريرية في بيروت على طريقة الوزير السعودي ثامر السبهان، الذي يريد من طلاب تيار المستقبل مواجهة صواريخ حزب الله بأقلامهم وذقونهم المحلوقة.
وعليه، فإن الزيارتين التي قام بهما الحريري إلى كل من باريس والقاهرة قبيل عودته إلى بيروت، تزوّد فيهما بغطاء دولي وعربي يتولى إقناع الأمير ابن سلمان بأن حكومة يسيطر حزب الله على مفاصلها الأمنية أفضل من حكومة لحزب الله يسيطر بها أمنياً على مفاصل البلد.
أما فترة أسبوعَي التريث (تجميد الاستقالة) التي طلبها الحريري من رئيس الجمهورية ميشال عون، فقد تطول ليتغير اسم الحكومة من الوفاق إلى حكومة التريث، وبالقدر الذي يلزم الرياض لاتخاذ قرارها النهائي بشأن التعامل مع لبنان، علما بأن بعض حلفائها ينصحونها بتركه كما تركت سوريا والعراق، والتفرغ لمواجهة إيران والمليشيات العربية الموالية لها في اليمن وأينما تطلّب الموقف داخل الخليج أو على تخومه.
بالنسبة للرئيس الحريري الذي لم تعد هناك مصالح مالية تربطه بالسعودية، إلا أنه ليس في وارد التمرد على بلده الثاني كما يجزم مقربون منه، إلا أن بلده الثالث فرنسا استعادت زمام المبادرة وذكَرت الجميع بأنها ما تزال "الأم الحنون" للبنان.
فيما تفتح القاهرة أرشيفها الدبلوماسي فتجد أن كلمتها كانت فاصلة لسنين خلت في تعيين رئيس حكومة لبنان واحتضان دار الفتوى ذي التوجّه الأزهري.
فجأة، وبعد أن كان لبنان يقع في أسفل سلم اهتمامات القوى الإقليمية والدولية في ضوء حروب المنطقة، يقفز إلى دائرة الضوء مع احتدام الصراع بين السعودية وإيران، فيُهرع آخرون لإطفاء ناره قبل اشتعالها، لا سيما وأن غازه الطبيعي ونفطه ما يزال كامنا دون استخراج قبالة شواطئه وشواطئ قبرص التي شملها الحريري في جولة "التريث".
كل هذا يجري في الذكرى الرابعة والسبعين لاستقلال لبنان عن فرنسا، فعن أي استقلال يتحدثون، وعن أي وصاية يستقلون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق