هيا بنا ننجح كما نجحت "30 يونيو"
لا أحد يملك مفاتيح الجنة والنار، ولا أحد يحتكر النسخة الأصلية من مفاتيح الثورة. لكن هناك بالتأكيد حقوق الذاكرة، وحقوق الفهم والقراءة لما جرى على مدار السنوات الماضية.
هناك حق التأمل والتدبر في المقدمات التي أنتجت مآلاتٍ دامية، وأوجدت أوضاعاً كارثية، يدفع ثمنها سكان الحاضر، وتثقل كاهل أهل المستقبل بفواتير وأثمان باهظة.
طوال الوقت، كنت مع التأكيد على أن الجميع مدعوون للمشاركة في مشروع وطني لإنقاذ مصر، من دون إغلاق الباب في وجه أحدٍ من الذين عادوا من الخدمة في مطابخ الانقلاب المحمول ومعامله على ظهر ثورةٍ مضادة، ولحق بي كثير من الغبار والرذاذ المنبعث من ملوك طوائف الإقصاء الاحتكاري. وكتبت، مراراً أنها "ثورة واحدة، وميدان واحد، له مداخل متعددة.. هي ثورة واحدة، وإن تعددت المداخل والمنصات والخطابات، وكل هذا طبيعي بعد سنواتٍ من عواصف الاستقطاب والانقسام، وكم من مليونياتٍ احتضنتها ميادين يناير كانت الخلافات على أشدّها في الفروع، غير أن احتشاد الكل حول المطلب الأساسي الواحد كان يوفر حالة الحد الأدنى من التوحد على غايةٍ كبرى، هي تحرير مصر من الطغيان، واستعادتها من الذين صغروها ورخصوها ولوثوها بقبحهم وفسادهم".
لكن الذي جرى أن نفراً من العائدين، سرعان ما استداروا يمارسون الإقصاء فور دخولهم الحلبة، وأظهروا نوعاً من التطاوس الفج والاستعلاء المضحك، بينما الكل يعلم أنهم كانوا من أسباب الكارثة، وعوامل الضياع الثوري بتلك النزعة الأستاذية المزيفة التي ساقوا بها الجموع إلى المأساة.
ومع ذلك، كان هناك من يبتلع كثيراً مما لا يصح تمريره، والقبول به، تعلقاً بأمل الالتقاء والوحدة من أجل الثورة، وانتشال مصر من القاع السحيق الذي أوردها إياه مشروع الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 ، غير أنه في ضجيج الزحام، تطور الأمر وبلغت الجرأة، وربما الصفاقة، ببعضهم، أنه يريد من الجماهير النضال والكفاح تحت رايات قتلة الثورة، ومخرّبي المسار الديمقراطي الذي أوجدته، وبلغت المسخرة ذروتها مع تطوع بعضهم للخدمة لدى العسكر المبعدين، من أجل إسقاط العسكر الحاليين، وعدنا مجدّداً إلى تلك المعادلات الفاسدة التي صنعت كيمياء الثورة المضادة والانقلاب، وإذا اعترض أحدٌ، يشهرون في وجهه الأسئلة الخنجرية: وما هو البديل؟ عندك بديل؟
يشبه هذه السؤال، تماماً، تلك المقايضة الشيطانية التي تدمج إسرائيل مع العرب في مشروع الحرب على الإرهاب، بزعم أنه لا سبيل للقضاء على الإرهاب، إلا بالتعاون مع الكيان الصهيوني، وبما يستتبعه من عمليات إقصاء وترهيب وتكفير واتهاماتٍ بالداعشية لكل من يرفضون هذا الاندماج الشرير، في مقابل تحويل بنيامين نتنياهو إلى حمامة سلام، وحكيم للمنطقة.
وتلك كانت معادلة 30 يونيو/ حزيران 2013 التي حققت نجاحاً في إطاحة حكم الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، لكن نجاحها الأكبر كان إطاحة الدولة المصرية، وتحويلها إلى كيان ممزق مجتمعياً، ومهلهل، اقتصادياً، وهزيل وبائس سياسياً وحضارياً، وهو النجاح الذي يجسد نموذج الفشل الثوري والسقوط الحضاري، فهل هذا ما تريدون تكراره؟
مؤسفٌ أن تكون المسألة برمتها نوعاً من صفقات غسيل الماضي، هي للتجارة أقرب منها إلى العمل السياسي المحترم، فتجد إلحاحاً وكفاحاً من أجل إسباغ ألقابٍ نضالية، ومنح صكوك استشهاد وبسالةٍ على من صنعوا الحريق، وأراقوا الدماء، كما هو حاصل مع شخصياتٍ حشدت للخراب، ومولته. ومن هؤلاء شخص، عندما قامت ثورة يناير، طار إلى يخته في المدينة السياحية على ساحل البحر الأحمر، للخروج من مصر، لكن رئيس مخابرات نظام حسني مبارك، الراحل عمر سليمان أعاده ونصحه بالاختباء داخل الثورة، بدل الفرار منها، فكان أن أصبح صاحبنا "حكيماً"، وصاحب حزب ثوري، مع ابن شقيق عمر سليمان، ثم صار الممول والداعم الأكبر لانقلاب عبد الفتاح السيسي. والآن يريدون منا أن نتعاطى حكاية أنه شهيد حي للقمع والطغيان.
ارحموا ذاكرة الناس، واحترموا عقولهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق