الجمعة، 29 يونيو 2018

استحواذ شيطاني

استحواذ  شيطاني

أ. د. زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية


في اخراج مسرحي سماوي الألوان، ترأس البابا فرانسيس القداس في استاد بالكسݒو، بمدينة جنيف، الذي تحول ببراعة ساحرة لينقل الحضور الي السماء السابعة ليجعلهم يبتلعون، يوم 21 يونيو 2018، ذلك الاستحواذ الشيطاني الراسخ لتوحيد الكنائس والهادف الي تنصير العالم. وهو استحواذ شيطاني بلا شك، قرره مجمع الفاتيكان الثاني سنة 1965، وواصل تنفيذه الباباوات الثلاثة التالين له.

ويكفي ان نطالع رد البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، في الكتاب المعنون "الجغرافيا السياسية لفاتيكان" لندرك ذلك الهدف الشيطاني: "ان توحيد الكنائس هو الحل الوحيد الضروري لمواجهة الانتشار الراسخ للإسلام". أي انه ليس من اجل محبة المسيح كما يزعمون وإنما من اجل اقتلاع الإسلام الذي يكشف عن مختلف ما تعرضت له نصوص الكتاب المقدس.
ولقد انتقل البابا فرنسيس الى جنيف ليعطي دفعة حماسية لمجلس الكنائس العالمي، بمناسبة مرور سبعين عاما على انشاؤه. وهو أحد أسوأ ما تمخض عنه مجمع الفاتيكان الثاني، وذلك ليتم عملية توحيد الكنائس التي يطالب بها النظام العالمي الجديد ومن أجل مصلحته.
وقد حضر البابا صلاة مسكونية، وعقد لقاءات عامة وفردية، خاصة مع رؤساء كنائس الشرق الأوسط، وهم جماعة قد تم استبعادهم تماما وبازدراء منذ الخلاف العقائدي الذي وقع في القرن الخامس عشر. ولم يتذكر الفاتيكان وجودهم وأنهم لا يزالون على قيد الحياة وعلى سطح هذه الدنيا إلا حينما احتاج إليهم لتنصير الشرق الأوسط..
ولم يسمع الغرب الصليبي المتعصب عن هؤلاء المستبعدون الذين يطلق عليهم "مسيحيو الشرق الأوسط"، لم يسمع عن هؤلاء الأقباط الذين نبذهم بازدراء وإصرار، والذين تحولوا فجأة إلى "الأبناء المحبوبون، الضحايا الذين يتعيّن علينا إنقاذهم" إلا حينما احتاج إليهم لاقتلاع الإسلام والمسلمين. وهي جريمة تتم على مرأى ومسمع من كل ذلك الغرب المسيحي المتعصب الذي يرقب عملية تنصير الشرق الأوسط بنفس الصمت القاتل الذي يتابع به تنفيذ ضياع فلسطين والفلسطينيين.
وتكفي قراءة بعض الجمل الرئيسية في ذلك الخطاب لندرك السبب الحقيقي لهذه الجريمة التي تتم تحت عنوان "تنصير العالم":
*  ان رسالة التبشير موجهة لكافة الشعوب وكل مسيحي عليه أن يصبح رسولا تبشيريا ؛ (وهو ما سبق أن أصدره وفرضه مجمع الفاتيكان الثاني على كافة المسيحيين في العالم وعلى كافة الكنائس المحلية) ؛
* لقد تم انشاء مجلس الكنائس العالمي كأداة لهذه الحركة المسكونية كمطلب رئيسي للتنصير: فكيف يمكن للمسيحيين أن يقوموا بالتبشير ان كانوا منقسمون فيما بينهم؟ ؛
* ان نشر الإنجيل الى أقصى أبعاد العالم هي صفة ملاصقة لكل مسيحي ؛
* ما نحن بحاجة اليه فعلا هي دفعة تنصيرية جديدة ؛
* انني مقتنع تماما من أنه اذا تنامى الدفع التبشيري ستتنامى الوحدة بيننا أيضا ؛
* لن نحصل على أية نتيجة اذا لم نتعاون معا باتحادنا في المسيح ؛
* علينا التحرك الى مختلف أطراف المدن اليوم لنحمل معا النعمة الشافية للإنجيل لكل الإنسانية التي تعاني ؛
* ان مصداقية الأناجيل في محك الاختبار بالطريقة التي يستجيب بها المسيحيون الى صراخ الذين هم ضحايا التزايد المأساوي للاستبعاد الذي يولد الفقر والصراعات في جميع أنحاء العالم ؛
* ان الضعفاء دائما مستبعدون، بلا خبز، بلا عمل، ولا مستقبل، بينما الأثرياء هم دائما أقل ودائما أكثر ثراء ؛
* لننظر أيضا الى إخواننا واخواتنا في مختلف بقاع العالم وخاصة في الشرق الأوسط الذين يعانون لمجرد كونهم مسيحيون ؛
* لنتذكر ان طريقنا المسكوني مسبوق ويتواصل بسبب ترابط قد تم بالفعل وهو الترابط بالدم، الذي يدفعنا للمواصلة الى الأمام ؛
* لنتعاون على السير والصلاة والعمل معا لكي تتقدم وحدتنا بمساعدة الرب لكي يؤمن العالم !!
ترى هل هناك ضرورة لنذكر ذلك البابا المصرّ على تنصير العالم، ان رقم "349" للكنائس التي يضمها مجلس الكنائس العالمي، يمثل بالفعل 349 اختلافا عقائديا؟
وان كل هذه الاختلافات العقائدية تثبت يقينا الى أي درجة عانت هذه المسيحية من الحروب الداخلية فيما بينها ومن الصراعات والاغتيالات وقلفطة النصوص والحروب والصراعات الأخرى ضد كل الديانات وخاصة ضد الإسلام والمسلمين؟
ولا يسعني إلا ان أقول لذلك البابا، أعد قراءة نصوصك الأساسية، أعد قراءة محاضر كل الاجتماعات الباباوية وغيرها أو كل قرار تم استصداره، أعد قراءة القرارات الباباوية لترى الى أي مدى قمتم أنتم، أيها الفاتيكانيون، بإيذاء العالم. ولا تنسى فضلا قراءة القرار البابوي "Ad extirpanda" الذي فرض استخدام التعذيب رسميا لاقتلاع الاعترافات؛ وقرار "Quanta cura" ضد كل إنجازات القرن التاسع عشر الدينية والسياسية؛ وكذلك قرار "Omne datum optimum" الذي يمنح كتائب الصليبيين كل الغنائم التي اقتلعوها من المسلمين؛ ولا تنسى خاصة "Dum diversas" الصادر سنة 1452 لترى كيف كان الباباوات يفرضون على جنودهم وأتباعهم "إخضاع المسلمين واهانتهم الى درجة العبودية الدائمة".. (وقد كتبت اسم القرار باللاتينية ليبحث عنه نت يشاء)..
فهل من ضرورة أن نذكر ذلك البابا ان ما يطلق عليهم "الأقليات المسيحية" كانوا يعيشون في جميع بلدان العالم في توافق وتفاهم انساني ومودة إنسانية، ولم تتفكك هذه الروابط وتتناثر إلا منذ ان قام مجمع الفاتيكان الثاني بإصدار قراراته الشيطانية بتنصير العالم لفرض المسيحية الفاتيكانية؟
ان مصير الضعفاء في الأرض، المستبعدون بدأب كما تقول، والذين هم لا يجدون الخبز ولا العمل ولا أي مستقبل لهم، لن يتحسن وضعهم بأن تفرض عليهم ابتلاع انجيلك، والأثرياء ليسوا دوما أقل عددا وأكثر ثراء إلا بسبب نظام سياسي اقتصادي ظالم تنتمي اليه أنت ومؤسستك، وتعلم كل تفاصيله، فكلها أحداث منشورة، كما ان مجمع الفاتيكان الثاني هو الذي قرر وقام بدهاء شيطاني باقتلاع اليسار في عقد الثمانيات، مثلما قرره بوضوح، واطاح بكل ما كان يمثله من تنظيم اجتماعي..
ان مسيحيو الشرق الأوسط لا يعانون على الإطلاق لأنهم مسيحيون وإنما لأنكم فرضتم عليهم خيانة البلدان التي يعيشون فيها وفرضتم عليهم أن يكونوا أداة الحرب التي تقودونها ضد الإسلام والمسلمين. ووحدة الدم التي تزعمها وتدفعك لمواصلة تبشير العالم هي النتيجة الوحيدة والمفترضة لدسيسة ومؤامرة الحرب التي تقودها أنت ومؤسستك، الذين يطلق عليهم "المنضبطون سياسيا".
لقد قمتم بإعداد وفرض هذه الحرب الدينية على العالم بلا رادع منذ عام 1965. فالتعايش معا كان موجودا بالفعل حتى عام 1965، حتى ذلك التاريخ الشؤم الذي قررتم فيه تنصير العالم..
أليس من الأكرم والأكثر شرفا وإنسانية ان تضع حدا لكل هذه المجازر، لكل تلك الآلاف من الملايين من البشر الذين أبادتهم الكنيسة على مر تاريخها، ولا تزال تقتلع وتدمر حتى يومنا هذا لفرض انجيلها..
أليس من الأكرم إنسانياوقف تلك المأساة الناسفة الجديدة التي تعدون لها، والتي فرضتم تنفيذها على بعض أتباعكم من مسيحيي الشرق الأوسط، ألا وهي: المساس بالنص القرآني وتحريفه والتلاعب بآياته لاقتلاع كل الآيات التي تكشف وتدين ما تعرضت له نصوص المسيحية من تحريف على مر التاريخ ؟!
ليتكم تدركون المأساة التي تعدون لها، ليتكم تدركون ما تقومون به من دمار..
                                                                                           زينب عبد العزيز
                                                                                           29 يونيو 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق