السبت، 16 يونيو 2018

حتى نفهم كيف يفكك صندوق النقد الدول


حتى نفهم كيف يفكك صندوق النقد الدول
مصر على خطى الصومال ويوغوسلافيا
مصر ليست معزولة عن محيطها العربي حيث يتم التقسيم بقوة الجيوش الغربية، ولم تعد مخططات التفكيك والتفتيت مجرد مؤامرات في الخفاء وإنما استراتيجيات معلنة، يجري تنفيذها بشكل علني. 

بقلم: عامر عبد المنعم
ظل الإعلام المصري طوال الوقت يحذر من مؤامرة كونية على مصر، ويزعم أن العالم كله يعمل بكل طاقته لإسقاط النظام السياسي القائم، فإذا بنا نرى الحكومة تتحالف مع صندوق النقد الدولي ضد الشعب المصري لإسقاط مصر، وتضحي بالمواطن وتصادر لقمة العيش من الفقراء لصالح الغزاة الجدد، أثرياء أمريكا الذين يأتون رافعين راية الاستثمار الأجنبي لشراء الأرض وما عليها.
إن مصر على موعد مع التفكك والتقسيم؛ فالحكومة المصرية لجأت إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وقبلت بشروطه، ووقعت الاتفاق معه، ووضعت رقبتها تحت المقصلة، فالصندوق الذي يعمل على تخريب اقتصادات الدول، بفتح البلاد أمام غزو الشركات الأمريكية له دور آخر لا يقل خطورة، وهو تفكيك وإسقاط الدول بوسائل اقتصادية أشد فتكا من الغزو العسكري.
برامج الصندوق والبنك الدوليين لم تكن فقط للسيطرة والنهب، كما حدث في تشيلي والأرجنتين والبرازيل وغيرها من التجارب في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، وإنما كانت البرامج لإنهاء وجود دول والإجهاز عليها بدون حرب كما حدث للصومال ويوغوسلافيا السابقة.
قرار تفكيك الصومال جاء لمنع قيام دولة إسلامية موحدة، للعرق الصومالي الذي يسكن القرن الأفريقي، وللقضاء على النزعة القومية التي سيطرت على الصوماليين بعد الاستقلال عام 1960 وسعيهم لاستعادة الأراضي التي اقتطعها الاستعمار.
 لقد تم تمزيق الصومال إلى 5 أجزاء، وضمت بريطانيا الجزء الجنوبي إلى كينيا والجزء الغربي إلى إثيوبيا، وأخذ الفرنسيون جيبوتي، وفور الاستقلال دخل الصوماليون في حربين ضد إثيوبيا لاستعادة إقليم أوجادين وطالبوا بشمال كينيا؛ فكان قرار إنهاء الحلم الصومالي.
وجاء السعي الأمريكي لتفكيك يوغوسلافيا في إطار القضاء على الأحزاب الشيوعية في أوربا الشرقية وتدمير التجربة الاشتراكية للجمهورية التي تأسست عام 1945 من 6 جمهوريات هي صربيا وسلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود ومقدونيا والولايتان المتمتعتان بحكم ذاتي كوسوفو وفويفودينا. 
ومن الجدير بالذكر أن مسلمي البلقان ذاقوا الويلات تحت الحكم الشيوعي، وهم أكثر من تضرروا أثناء حكم الشيوعية وبعد سقوط يوغوسلافيا، وعندما نكتب عن تجربة الصندوق والبنك لإسقاط يوغوسلافيا فهذا من باب العبرة والاستفادة فقط ليس إلا.
ودأب الإعلام الدولي على تضليل الرأي العام بالتركيز على نتائج انهيار الدولتين مثل المجاعة والحروب الأهلية، وتجنب الخوض في أسباب الانهيار، لإخفاء الجريمة التي ارتكبت بتخطيط محكم، ظاهره الإصلاح وباطنه التخريب.
إسقاط الصومال 
تولى صندوق النقد الدولي إدارة الاقتصاد الصومالي في الثمانينات بعد إغراق البلد بالديون، وتم تفكيك الدولة حتى انهارت في التسعينات. وتتلخص روشتة صندوق النقد والتي دعمها البنك الدولي في الخطوات التالية:
- إعلان التقشف لتوفير الإيرادات لدفع أقساط وفوائد الديون.
- تعويم الشلن الصومالي أمام الدولار، ورفع أسعار الوقود، فارتفعت الأسعار وزاد التضخم إلى نسب خيالية.
- تخفيض ميزانية الصحة وخصخصة المستشفيات العامة؛ فبحلول عام 1989 كانت المصروفات على الصحة قد انخفضت بنسبة 78 % عن مستواها في عام 1975 فانتشرت الأمراض والأوبئة واختفت الأدوية وافتقد الصوماليون العلاج.
- إلغاء التعليم المجاني وخصخصة المدارس؛ فتدهور التعليم وزادت الأمية، وهبط الالتحاق بالمدارس بنسبة 41 % رغم الزيادة الكبيرة في عدد السكان.
- تخفيض الأجور وتسريح العمالة من الجهاز الحكومي، وفي العام الذي سبق سقوط سياد بري في يناير 1991 لم يكتف البنك الدولي بتسريح العمالة في السنوات السابقة فقرر برنامجا لإصلاح الأجور في الخدمة المدنية بفصل نحو 40 % من موظفي القطاع العام وإلغاء إضافات الرواتب. 
- هيكلة البنك المركزي وإبعاد قبضة الحكومة عنه، وخصخصة ممتلكات الدولة.
- وقف الاستثمار الحكومي في الزراعة فانخفضت المصروفات في قطاع الزراعة بنحو 85 % عنها في منتصف السبعينات فانهارت البنية الأساسية.
- التخلي عن زراعة الحبوب، وتشجيع زراعة المحاصيل للتصدير مثل الفواكه والخضروات والحبوب الزيتية، ولإغراء الحكومة بالتنفيذ قدمت الولايات المتحدة معونة غذائية من فائض الحبوب الأمريكي، وتم إغراق البلد بالقمح الذي تبيعه الحكومة الصومالية في السوق المحلية وتتربح منه، ومنذ أوائل الثمانينات أصبح بيع المعونة الغذائية مصدر الإيراد الرئيسي للدولة، ونتيجة هذا الإغراق المخطط توقف دعم الدولة للزراعة وتراجع الإنتاج في المزارع الحكومية فلحقتها الخسائر فبيعت للمستثمرين الأجانب.
- نتيجة عمليات التخفيض المتوالية لسعر الشلن الصومالي ارتفعت أسعار الوقود والأسمدة ومدخلات الزراعة فحدث تراجع في مجمل النشاط الزراعي.
- إلغاء الرسوم على الواردات وتقديم القروض للمستوردين والتضييق على المصدرين.
- الحرب على الرعاة ومحاصرة تصدير الماشية التي تشكل 80% من إجمالي الصادرات؛  فتم تخفيض الوظائف في وزارة الماشية وخصخصة الخدمات البيطرية التي تقدمها الدولة.
- خصخصة الآبار وتحويل الماء إلى سلعة، وأهملت الدولة في المحافظة على مياه المراعي، كما تخلت الحكومة عن دورها في توفير الأغذية الحيوانية الطارئة في فترات الجفاف كما كانت في السابق.
- استهدف البنك الدولي الرعاة الرحل ضمن مشروع منع الرعي المتحرك في إفريقيا جنوب الصحراء بمزاعم إفساد البيئة، فتم توظيف سلطة الدولة لتوطين الرعاة في عكس اتجاه الطبيعة المتوارثة منذ آلاف السنين.
كانت النتيجة هي انهيار الاقتصاد وسقطت الدولة وجاءت المجاعة.
تفكيك يوغوسلافيا
قرر مجلس الأمن القومي الأمريكي في 1984 " تنشيط ثورة هادئة للإطاحة بالحكومات الشيوعية مع إعادة دمج أوربا الشرقية في اقتصاد السوق" وبدأت الماكينة تعمل لتفكيك النظام اليوغوسلافي الذي سانده الغرب في قمع المسلمين في الأراضي التي انتزعت من الخلافة العثمانية. 
هذا ملخص تجربة الصندوق والبنك الدوليين لإسقاط يوغوسلافيا:
- بداية الغواية بتقديم القروض لتمويل مشروعات البنية الأساسية، من خلال مجموعة من القراصنة الذين ورطوا الحكومة في الديون، التي أدت إلى التعثر. 
- فرض برامج التقشف التي بدأت بتجميد التحويلات إلى الأقاليم ومنع الحكومة الاتحادية من تمويل برامجها الاقتصادية والاجتماعية.
- إبعاد الحكومة عن السيطرة على بنكها المركزي، وتصفية وبيع البنوك.
- بيع المنشآت المملوكة للدولة والتعاونيات والمصانع والمرافق إلى المستثمرين الأجانب والشركات العالمية الكبرى.
- استعان الصندوق بمستشارين غربيين لوضع القوانين لتيسير عملية نقل الملكية من الدولة إلى المستثمرين؛ فصدرت مجموعة من القوانين تسمح بحرية رؤوس الأموال الأجنبية في التملك والشراء وتحويل الإرباح.
- كان أخطر القوانين الذي أجهز على الاقتصاد قانون العمليات المالية لعام 1989 الذي نص على أنه "إذا بقيت منشأة معسرة لمدة 30 يوما متتالية أو 30 يوما خلال فترة 45 يوما فإن عليها أن تعقد اجتماعا خلال الخمسة عشر يوما التالية مع دائنيها بغية التوصل إلى تسوية"  وبهذه المادة وأثناء الشهور التسعة الأولى من عام 1990 تم إشهار إفلاس  وتصفية 889 شركة وتشريد 600 ألف عامل من إجمالي قوة العمل في القطاع الصناعي الذي يبلغ 2,7 مليون عامل.
- تسبب رفع سعر الفائدة في امتصاص المدخرات وتوقف الاستثمار المحلي لارتفاع تكلفة القروض، وساهمت حزمة الإجراءات في خسائر كل الشركات والمرافق العامة، وهو ما دفع الكثير من الشركات والمصانع للامتناع عن دفع الأجور لنصف مليون عامل، لتفادي الإفلاس ولتتجنب الوقوع فريسة لقانون التصفية، مما أشاع الاستياء وأدي إلى انهيار بنية المجتمع.
- هجم المستثمرون الأجانب لالتهام المشروعات والمرافق التي تم تفتيتها إلى وحدات أصغر بأسعار القيمة الدفترية، فاشتروا بأبخس الأسعار محطات الكهرباء ومعامل تكرير البترول ومصانع الآلات والصناعات الهندسية والكيميائية.
-  تحرير التجارة وإزالة القيود على الاستيراد، فتدفقت السلع المستوردة الممولة بقروض ميسرة من الجهات المانحة، فانهار القطاع الصناعي أمام الغزو الخارجي وتوقف العمل.
- صاحب تدمير الاقتصاد تشجيع التعصب العرقي والقومي والنزعة الانفصالية فبدأت الانشقاقات، وأعلنت الجمهوريات الاستقلال وتفكك الاتحاد.
وكانت النهاية المأساوية بالحروب العرقية والانشطار المعروف وتم شطب يوغوسلافيا من قائمة الدول.
التفكيك لا يعني الفوضى 
الفوضى التي صاحبت تفكيك يوغسلافيا والصومال كانت مخططة ومسيطر عليها، فقد تم التقسيم إلى وحدات أصغر دون الخروج عن النظام الدولي، فالجمهوريات الجديدة خضعت كلها لسلطة حلف الأطلسي، وعندما تمردت صربيا تم ضربها وترويضها، وصنعوا للبوسنة حكومة من الناتو حتى لا يحكم المسلمون أنفسهم، وانضمت كرواتيا وسلوفينيا والبقية لبيت الطاعة الأمريكي بمشاركة ألمانيا. 
ولم تسقط الديون التي قدمها الصندوق والمؤسسات الغربية ليوغوسلافيا، فالديون وزعت على الجمهوريات الجديدة بواقع 36% على صربيا والجبل الأسود، وكرواتيا 28% وسلوفينيا 16% والبوسنة والهرسك 16% ومقدونيا 4% أي لم يخسر الدائنون دولارا واحدا.
أما الصومال بعد سقوط نظام سياد بري فتم فصل الضلع الشمالي وعزله بحكومة جديدة، وتم قمع كل المحاولات في  الضلع الجنوبي لإقامة نظام حكم مستقل بعيدا عن الترتيبات الأمريكية، وتم فرض حكومة محمية عسكريا من الأمم المتحدة والدول الغربية بدعم أثيوبيا وكينيا الخصمان التاريخيان للصوماليين.
مصر الجائزة الكبرى
مصر ليست معزولة عن محيطها العربي حيث يتم التقسيم بقوة الجيوش الغربية، ولم تعد مخططات التفكيك والتفتيت مجرد مؤامرات في الخفاء وإنما استراتيجيات معلنة، يجري تنفيذها بشكل علني بالقوة المسلحة في العراق وسوريا واليمن وليبيا والخليج، ولم يعد سرا أننا أمام سايكس بيكو جديدة، لتفتيت الدول العربية الكبرى، وفي القلب منها الدولة المصرية.
الأخطر أن مصر تسير على خطى الصومال ويوغوسلافيا بقوة الصاروخ بتدبير من حكومتها الحالية، التي بددت عشرات المليارات من الدولارات التي حصلت عليها كمنح من دول الخليج،  وتعمدت إغراق  البلد بالقروض التي تجاوزت المائة مليار دولار، لاستدعاء صندوق النقد وتسليم مصر للأجانب، وكأنها تسابق الريح لتدمير الدولة والسقوط في هاوية ، نرى سواد مقدماتها ولا نرى نهايتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق