الأربعاء، 13 يونيو 2018

فهلوي الثورة وحكيم الفوضى الخلاقة

فهلوي الثورة وحكيم الفوضى الخلاقة


وائل قنديل
كانت الثورة عملاً شعبياً عظيماً، عندما هبط عليها السيد عمرو موسى، بمظلة "لجنة الحكماء" في 2011، ثم صارت الثورة هي الفوضى الخلاقة، المصنوعة في الخارج، عندما تحول الشخص نفسه إلى الخدمة في بلاط الانقلاباتوالثورات المضادة.

في أحدث إطلالاته، يبدو "عمرو موسى 2018" مختلفاً تماماً عن نسخة 2017، كما جاءت نسخة 2013 منه مغايرة، كلياً، لنسخة 2011 بما يجعلنا أمام حالةٍ مطاطيةٍ عجيبةٍ لموظفٍ يمارس السياسة والدبلوماسية على طريقة "صانع الإيفيهات"، ليقترب إلى مسافةٍ قريبةٍ جداً من حالة نجم الكوميديا عادل إمام، حين يتقمّص شخصية المحلل السياسي.
كيف صارت الثورات "فوضى خلاقة"، بنظر الشخص الذي تمسّح فيها، ونافقها وركب أمواجها، حين كانت في عنفوانها؟
يقول عمرو موسى للشروق: "كنت أمينا عاما للجامعة العربية، وتحدثت مع الرئيس مبارك مثلما تحدثت مع عدد من الرؤساء والملوك العرب عن العاصفة القادمة ونظرية الفوضى الخلاقة، ولكن كان رأيهم فى مجمله أن العاصفة سوف تصيب آخرين، فكل رئيسِ رأى أنها لن تصيب بلده هو بالذات، هذا إذا كان هناك عاصفة.. وانتهت هذه المرحلة ودخلت الفوضى الخلاقة المنطقة بما فيها مصر". 
ثم يأتيه سؤال: هل نفهم من كلامك أنك من المؤمنين بأن الثورات العربية كانت مدفوعةً بجهد المؤمنين بنظرية "الفوضى الخلاقة" في واشنطن؟ 
فيجيب: الثورات قامت لوجود أخطاء داخلية ضخمة، صاحبها زخم خارجي ضخم أيضا، وهو ما أدى إلى ثورة 25 يناير في مصر مثلا. لكنني أشدد دوما على أنه ما كان للفوضى أن تنجح، إلا في وجود سوء إدارة للحكم فى مصر، وسوء إدارة للحكم في العالم العربي عموما.

حسناً، لن أتحدث عن ذلك الصباح، بعد جمعة الغضب في يناير/ كانون الثاني 2011 حين استيقظ عمرو موسى، مبكراً جداً، للحاق بوليمة الثورة، رفقة مجموعةٍ من مخلفات الحزب الوطني والتنظيم الطليعي، ورجال أعمال زمن مبارك، فشكلوا ما سميت "لجنة حكماء"، واختبأوا في شباب الثورة، كي يسمح لهم بدخول ميدان التحرير.
سأترك عمرو موسى يتحدث بلسانه، في محاولةٍ لفهم سر رشاقته المطاطية في الانتقال بالشيء نفسه من "الثورة المصرية العظيمة" إلى "الفوضى الأميركية الخلاقة"، حيث كتب مقالاً في الخامس والعشرين من يناير 2017 في لصحيفة ذاتها، يفخر فيه بقصته مع الثورة، فيقول: يوم 25 يناير 2011، كنت في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا. لكننى كنت على وعي تام بأن الحكم في مصر وصل إلى أزمة، وأن هناك ثورة فى النفوس على الأقل، وأنها سوف تترجم في أي لحظة إلى ثورةٍ فى الشارع.
ثم يضيف: فبمجرد أن تواترت الأنباء عن قيام المظاهرات، ووجود تجمعات شبابية في ميدان التحرير، وأنا في دافوس، جاءني على الفور كوفى عنان السكرتير العام للأمم المتحدة، ليستوضح الأمر. 
قلت له: هذه ثورة احتجاجية على فشل الحكم، وأنا كنت متوقعا قيامها.. وقد عدت إلى مصر مباشرة. 
فلم يكن هناك معنى لأي حديثٍ أجريه في دافوس، ومصر في مرحلة مخاض لحقبة مقبلة فى تاريخها. 
بمجرد وصولي إلى القاهرة، توجهت في اليوم التالى مباشرة (27 يناير) إلى مقر الجامعة العربية في ميدان التحرير. كانت الأجواء كلها توحي بأن الثورة المصرية ستمضي في طريقها.
في ذلك الوقت، كان عمرو موسى يعيش وهم أنه ثائر على النظام، لمجرد أنه استطاع أن يذهب إلى ميدان، ويلتقط  بعض الصور فيه، ثم يخرج بنتيجةٍ مؤداها أن الميدان كان يهتف باسمه، ويطالب به زعيماً، وهي الهلاوس التي كشفت عنها أرقام نتائج انتخابات الرئاسة في 2012، والتي كشفت بوضوح أن المصريين تعاملوا مع عمرو موسى بوصفه النسخة رمادية اللون للجنرال أحمد شفيق.
وبما أن كل الأجواء معادية وكارهة للثورة وميدان التحرير، في هذه اللحظة العسكرية البائسة، فلا بأس أن يستجمع عمرو موسى رشاقته، معلنا أنها لم تكن ثورة، بقدر ما كانت فوضى أميركية خلاقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق