هل هناك صراع سعودي ظبياني؟
كانت هناك تساؤلات كبرى عن مستقبل التحالف بين إمارة أبوظبي والمشروع السعودي الجديد الذي بدأ بتمكن الأمير محمد بن سلمان من مفاصل الحكم، وتنحية كل خصومه وفرض سياسته على واقع الدولة، وحين نقول إمارة أبوظبي نعني بالضبط هذا المصطلح، حيث لا معنى للإشارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ليس لأن ذلك خارج إطار الدولة، ولكن لأن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، هو من يقود هذا المشروع، لا شخصيات المجلس الأعلى الحاكم الذي يضم الإمارات السبع، ولو رُهن المشروع باسم الإمارات.
كان هذا التساؤل يفيد بأن هذا التحالف يبدو استراتيجياً، لزمنٍ مطلق، وكنت أخالف هذه الرؤية، حتى لو تم احتواء الصراع الأخير في اليمن، لأن كلا من الشخصيتين، ولي عهد أبوظبي وولي عهد السعودية، ذو صفات ندّية شرسة، من الصعب أن يبقى فيها ولي العهد السعودي، الأكثر قوة ونفوذا في التاريخ الاجتماعي للخليج العربي، في حالة المريد التابع، غير أن زمن الخلاف لم يكن ممكن التحديد، بسبب أن خطة أبوظبي العميقة، وإن لم تواصل الصمود، قامت على تشبيك السعودية الجديدة بملفاتٍ ملغمةٍ يصعب عليها الخروج منها، من دون تنسيق مع أبوظبي. وهذا المنظور نفسه تُطرح عليه شكوك كبيرة، فواقع الرياض الصعب جداً في قنطرة أبوظبي يظل يملك إمكانية جيوسياسية وأمنية ومخابراتية أقوى من الشريك أو الحليف الموسمي، أو
حتى لو قلنا إنه حليف مستمر، لكن قواعد اللعبة تقتضي أن يخضع لتقليم أظافر، أمام مخاوف السعوديين الشرسة، وهو ما يتصادم مع شخصية محمد بن زايد، ويطرح سؤالاً كبيراً عن مستقبل هذه العلاقة. وهنا يقفز على السطح انقلاب المشهد اليمني اليوم، وخروج موقف أبوظبي الكلي على العلن، وهو إعلان الحرب على الشرعية، وضمان عزل الجنوب اليمني بوصفه إقليم استثمار، وليس لدعمه دولة مستقلة تفرض سيطرتها على الجغرافيا، وتقود مصالحها الذاتية، فهذا وهم لا تسعى له أبوظبي التي تدير مصلحتها على هذا العزل المرحلي لتكريس نفوذها، ومفاوضة إيران على شكل هذا النفوذ الذي يضمن مصالحها، لا كدولة مستقلة كاملة السيادة، وهي حساباتٌ لا تستطيع أبوظبي الجزم بها، فالموقف الإيراني ستبقى له حساباته، ومع ذلك تورّطت أبوظبي في هذه الحرب العلنية على اليمن الجمهوري، بكل ما يعنيه من أرضٍ وتاريخ.
ويفهم المراقب طرح الشكوك المستمرة بشأن موقف السعودية، حتى بعد دعم عملية شبوة التي تقدم فيها الجيش اليمني، ثم كشفت الرياض ظهره، حين بدأت أبوظبي عمليات القصف الموسع، والذي أوقع خمسمائة شخص بين قتيل وجريح من قوات الجيش اليمني، وهو ما حوّل الحملة إلى ثأرٍ تاريخي لن ينتهي بهذا الموسم، غير أن تدقيق المراقب يعطي مؤشراً واضحاً أن هناك انقساما وخلافا معقدا جداً بين الرياض وأبوظبي، وإن حرصت الرياض القلقة من آثار انقلاب أبوظبي عليها، خصوصا من نفوذ أبوظبي القوي في داخل منظومة الحكم، وهناك مؤشّرات
ارتباك، لكن هذا الارتباك لا يُغيّر من أن الرياض بدأت بالفعل مساحة مستقلة في اليمن واضحة المعالم، تتفاصل مع أبوظبي، حتى مع سوء إدارتها وخطاياها الكبرى ضد الشعب اليمني، ومن ذلك احتجاز الرئيس عبد ربه منصور هادي والسيطرة على خطابه. ومجمل الموقف يؤكد أن هذا الصدام مع أبوظبي لن يُحتوى بسهولة، ولكن أبرز معالمه، في ملف الأزمة الخليجية، هو انقلاب الاتهام الباطل لقطر في الموقف من إيران والحوثي، إلى حقيقة على الأرض في مشروع أبوظبي، وهذا الارتداد واسعٌ في الضمير الشعبي السعودي، وحتى هيكل الإعلام الحكومي الذي لم يتم توظيفه من أبوظبي.
في الوقت نفسه، عكس الحدث، وفجر على طاولة البحث، الخسائر السعودية الكبرى إعلاميا واستراتيجيا، مع العالم الإسلامي، والعلاقات الداخلية للنظام مع التيار الديني المنتمي لعصبيته، وغير ذلك من ملفاتٍ بسبب مواجهتها الحمقاء مع قطر، وهذا لا يعني أن الحملة القمعية على الإصلاحيين والديمقراطيين والإسلاميين في السعودية مرتبط بملف قطر السعودي، لكنه استخدم في حملة توريط النظام عبر مشروع أبوظبي الذي انتهى بأن يتهم عملاؤه قناة العربية المعادية الشرسة للفكر الإسلامي ولقطر وللربيع العربي، بأنها أيضا إخوانية!
وانقلاب أبوظبي على الرياض الذي ثبتنا فيه مساحة خلاف حقيقي يقوم على أن مجمل المشروع النهائي لأبوظبي في الجنوب، يعزل السعوديين كليا عن مصالحهم التاريخية في
اليمن، ونفوذهم الذي ظل عشائريا وسياسيا قائما، تلاعب باليمن عقودا، ويربط اليمن بدائرة مستقبل جيوسياسي أكبر تمتلكه أبوظبي. وتضاف إلى ذلك خسارة الرياض الحرب كليا، وتحمل كامل ارتداداتها، حين تخرج الرياض منسحبةً بعد وقف إطلاق النار وهي مفلسة، لا من الشمال ولا من الجنوب، حينها يزداد الانهيار السعودي، وتمكن أبوظبي منه، بعدما تلاعبت به في مشاريع عدة، من انقلاب "3 يوليو" المصري إلى نكسة اليمن. وهذا لا يعني مطلقا أن الحكم السعودي ليس لديه منظور معادٍ ذاتي للحريات العربية والفكر الإسلامي المختلف عن السلفية الوهابية التي خضعت أيضا لجولة توظيف حديثة، استخدمت قمعا شرسا ضد عدد من دعاتها، لتغيير خطابها، غير أن مشروع أبوظبي "الإمبراطوري" تلاعب بهذه الشقيقة الكبرى، من خلال تعلق ولي العهد الحالي بقدراتها في دعمه، وتثبيت حضوره دوليا، وقبل ذلك معركة الحسم الأولى ضد ابن عمه ولي العهد السابق. وعلى الرغم من الرسائل التي تعدّدت لورطة الرياض في مواجهتها داخلها الوطني، أو لدول الربيع العربي باسم مواجهة مشروع قطر، غير أن تنبه ولي العهد كان غائباً، فهل استيقظ اليوم؟
ويفهم المراقب طرح الشكوك المستمرة بشأن موقف السعودية، حتى بعد دعم عملية شبوة التي تقدم فيها الجيش اليمني، ثم كشفت الرياض ظهره، حين بدأت أبوظبي عمليات القصف الموسع، والذي أوقع خمسمائة شخص بين قتيل وجريح من قوات الجيش اليمني، وهو ما حوّل الحملة إلى ثأرٍ تاريخي لن ينتهي بهذا الموسم، غير أن تدقيق المراقب يعطي مؤشراً واضحاً أن هناك انقساما وخلافا معقدا جداً بين الرياض وأبوظبي، وإن حرصت الرياض القلقة من آثار انقلاب أبوظبي عليها، خصوصا من نفوذ أبوظبي القوي في داخل منظومة الحكم، وهناك مؤشّرات
في الوقت نفسه، عكس الحدث، وفجر على طاولة البحث، الخسائر السعودية الكبرى إعلاميا واستراتيجيا، مع العالم الإسلامي، والعلاقات الداخلية للنظام مع التيار الديني المنتمي لعصبيته، وغير ذلك من ملفاتٍ بسبب مواجهتها الحمقاء مع قطر، وهذا لا يعني أن الحملة القمعية على الإصلاحيين والديمقراطيين والإسلاميين في السعودية مرتبط بملف قطر السعودي، لكنه استخدم في حملة توريط النظام عبر مشروع أبوظبي الذي انتهى بأن يتهم عملاؤه قناة العربية المعادية الشرسة للفكر الإسلامي ولقطر وللربيع العربي، بأنها أيضا إخوانية!
وانقلاب أبوظبي على الرياض الذي ثبتنا فيه مساحة خلاف حقيقي يقوم على أن مجمل المشروع النهائي لأبوظبي في الجنوب، يعزل السعوديين كليا عن مصالحهم التاريخية في
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق