رسالة إلى معتقلة فُجعت!
د.ليلي حمدان
بسم الله وكفى وصلى الله على المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اصطفى، أما بعد،
فأكتب بدافع العقيدة والخلق، وحق التواد والتراحم بين المسلمين، أكتب لواجب التوضيح والتبيان، وإيفاء كل ذي حق حقه، أكتب إليك أيتها المعتقلة التي فُجعت!
أعلم أن الحديث عن الجراحات يدميها، والإشارة لما فتك بالقلب يفجعه! ولكنني لا أكتب هنا لأذكر الجانب المظلم والحزين في ابتلائك، بل لألفت انتباهك للنور المشرق بعد حقبة استضعاف وطغيان انتهت!
لست بحاجة للتألم عند ذكر الاغتصاب أخية! فلا تتحملين – قطعا- عبء الظلم والقهر ثم التبرير له أو تحمل تكاليف جاهلية في التعامل مع ضحايا الطغيان والاضطهاد.
فهذه الجريمة القبيحة، محرمة في كافة الشرائع، وقد حدد الإسلام أشد العقاب لمن يقع فيها. ولا يقع فيها إلا منتكس الفطرة مختل العقل، لا دين له ولا مروءة إنسان!
ولذلك اشتهرت سير أعداء الله تعالى بممارسة هذه الجريمة والتفاخر بها، فأوجبوا لأنفسهم غضب الله تعالى وعقابه، في الدنيا خزي وفي الآخرة عذاب عظيم!
لا شك أن ألم الاغتصاب في قلب الحرة لا يزول بسهولة ولا يختفي بين يوم وليلة ويبقى يتفجر ويعتصر في كل لحظة شجن، ولكن رويدك، رويدك يا أمة الله! رفقا بروحك، رفقا بقلبك المؤمن وجسدك المنهك! فمهما بلغت ذكرياتك من درجات الاحتقان والنزيف، اعلمي بداية أنه قدر وقضاء من الله جل جلاله، وابتلاء ابتلاك به ليهلك الطاغية وليرفع درجتك، وما أدراك ما رفع الدرجة، فإن المؤمنة التي تبتلى في أعز ما يعز عليها، وتصبر وتحتسب لذلك في سبيل ربها، تأكدي أنها ترتقي ارتقاءة لم تكن لتصل إليها حتى لو قضت عمرها في عبادة وشكر ومسابقة بالخيرات، ذلك أن امتحانات الصدق الحقيقية هي في ملاحم الارتقاء، في ما يصعب على النفس مواجهته وفيما لا حول ولا قوة لنا فيه، لذلك، فأول ما يخفف عنك هذا الكابوس الذي مضى بفضل الله ونصره! هو الاحتساب في سبيل ربك، فاحتسبي بشدة فعند الله لا يضيع مثقال ذرة من خير!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرًا، يُصِبْ منه”؛ رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ثم عبادة شكر رب العالمين أخية، بلسم لقلبك وضمادة تُهون عليك كل مصاب، فاشكري الله مولاك على أن أذل الطاغية والجلاد أمام عينيك، وجعل نهايتهم مذلة مخزية. اشكريه أن سلم دينك من هذه الفتنة، واجتزت الامتحان بنجاح! قال الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء:35].
لقد نصرك الله عز وجل وأنت في منتهى ضعفك بينما عدوك في أوج قوته، في وقت كان الجلاد يتبجح بغرور وكبر وصلف ويتوعدك بالمزيد والأشد! فما تحقق له وعد! لقد أفسدت عليه دنياه وآخرته! أحسن الله إليك.
ولا تحسبي أن انكسار الطاغية وسقوطه كان لمجرد إعداد وتخطيط، بل هي تلك الدعوات التي رفعت في زنازين مظلمة منسية، هي التي كسرته وزلزلت أركان ملكه وغروره وهدمته! تلك السهام التي لا تخطئ وتلك الأنّات التي لم تُنسى ولم تخرج بدون أن يكون لها الصدى الذي يُحطّم ملك الجبابرة والطواغيت.
احمدي الله أنك تعرضت للبلاء غصبا عنك في سجن وفي عزلة ووحدة واستضعاف، فهذا مصاب أكبر من قدرتك، لكن انظري بالمقابل حال النساء في أمريكا، بلاد الحريات وما يسمى التقدم، تغتصب في كل 90 ثانية امرأة هناك! وهي الدولة التي من المفترض تمتلك منظومات أمنية وعسكرية وقوانين وتوفر حريات بلا حدود، ومع ذلك النساء هناك عرضة للاغتصاب كل يوم وبعيدا عن الزنازين والاستفراد والتعذيب! بل بين الناس وفي حياة اعتيادية! فشتان بين حالك يا مسلمة وبين حال الكافرات! فالحمد لله الذي كرمك بالإسلام، لا يصل لك الطاغية إلا في حالة استضعاف تصنفه في مرتبة المسخ! لا في حالة اغترار وسيادة موهمة!
قال الله جل جلاله ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [المائدة: 33[
خزي في الدنيا يا أخية! وعذاب عظيم في الآخرة، فاسجدي لله واحمديه على نصره وانتقامه وعدالة قصاصه!
وقد يحاصرك الحزن وينكأ جرحك كلام عابث! فأقول:
أخية الأقدار ماضية فينا، بخيرها وشرها، فكل ما أصابك لا مفر منه، ولا يغني حذر من قدر، لذلك ليكن اجتياز امتحان الصدق هذا، بإعظام التوكل على الله والرضا بأقداره المؤلمة والاحتساب وسؤاله سبحانه الجبر العزيز الذي لا يباريه جبر.
وأصدقك ولا أغشك، ما فاتك شيء في هذه الدنيا، فقد جبلت على الكدر والنقص، وإنما الفضل كل الفضل في مراتب الآخرة عند الله عز وجل، فوالله ما يدّخره الله لعباده المؤمنين الصابرين الموقنين، ليستحق تمام الصبر والاحتساب والتوكل، قال ربنا عز وجل (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الشورى: 36)
اجعلي من مصابك أخية سبب السعادة! لأن المؤمنة بالقضاء والقدر موقنة أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: “عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له”. رواه مسلم.
ثم اعلمي أخية، أن الحياة لا تقف، بل تستمر بإذن الله ولكن تستمر موفقة مباركة حين يكون روح الحياة الإيمان، وزادها وسقياها القرآن والسنة وآثار السلف الصالح، وسير قدواتهم في الاحتساب والصبر، فتزودي أخية ورممي قلبك، ولا تلتفي لمن حولك بل انظري أمامك، لقد منّ الله عليك بمرتبة لا تنقضي غزلك فيها، بل أديمي الشكر بعلاج قلبك بكلام الله عز وجل، واستحضار أن الله تعالى قد استجاب لدعائك ونصرك على عدوك فلا تسمحي للذكرى السيئة أن تقلب هذا الانتصار لهزيمة! بل سيبقى نصرا بعزة الإيمان والاستعلاء به!
الزمي ذكر الله يطمئن قلبك، ولا تبرحي ثغر الدعاء، يُذهب الله كل همّ أصابك وغمّ أرّقك، ورددي: “لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم، لا إله إلا الله الحليم الكريم”. متفق عليه.
وإن لذة القرب من الله تعالى بعد الابتلاء من أجل فضائل الإيمان، قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء:84].
ابتعدي عن كل ما يكدرك، ويفسد صفاء قلبك، وحافظي على صحبة محبة في الله تعالى، محسنة في سبيله سبحانه، والله يسخر لك الصالحين، ويصرف عنك أهل السوء والأذى.
وتأكدي أن لا شيء يحول بينك وبين تأسيس أسرة وحياة زوجية سعيدة، ولا أن تستدركي أسرتك التي حُرمتك طويلا، إن أنت أخلصت الدعاء لله تعالى وأحسنت الظن بربك، فالذي أخرجك من سجون الطاغية المظلمة، لا يعجزه أن يسخر لك الدنيا بكل ما فيها، ولا حتى الزوج التقي الشهم البطل إن كنت العزباء! فتلك عطاءات الرحمن، لا يمنعها أحد، ولا يمكن لقوة أن تمنعك فضل الله تعالى، فاجتهدي في دعائك يسخر الله لك خيرة عباده ويكفيك شر المرتاب والظالم لنفسه.
ولا تجعلي هذا وسواسا يؤرقك، وتذكري أن الزواج قدر ورزق وامتحان، ولست مختلفة عن نساء المسلمين إلا بكونك تلبسين تاج الصبر على الابتلاء، وكونك سبب فرج ويوم من أيام الله!
عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: “إنما تُنصرونَ وتُرزقونَ بضعفائكم” رواه أحمد.
وعن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال: إنَّما يَنصر الله هذِهِ الأمَّة بضَعيفِها، بدَعوتهم وصلاتهم، وإخلاصهم. رواه النسائي.
اعلمي أخية أننا خلقنا لعبادة الله وحده لا شريك له، وإن الحياة نعم الحياة هي التي تستمر في رياض التوحيد والسنة، هي الحياة التي ينبعث لها القلب مشرقا، قويا لا ينكسر لعاصفة ولا ينهزم لعدو، تحيطه حياة طيبة فضلا ومنّة من الرحمن الرحيم، قال الله عز وجل ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [ النحل: 97]
فاستمري في مسيرك لله عز وجل وأبشري خيرا كثيرا، فحتى إن لم تجدي مناك في هذه الدنيا الدنية، فعند الله مراتب تُفدى، قال الله عز وجل: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-157]، وقال -جل وعلا-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].
ولك في آسيا قدوة ومثلا، فقد ابتليت بالعذاب على يد أعتى طغاة وجبابرة الأرض، واختارت الله جل جلاله، قال تعالى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم: 11)
اعلمي أن الاغتصاب بلاء قديم، حصل حتى في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي اشتكت له الاعتداء الذي وقع عليها؟ قال صلى الله علي وسلم: “اذْهَبِي فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكِ” (أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي).
وقال صلى الله عليه وسلم: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه” رواه البخاري ومسلم.
واعلمي أن في حال المتزوجة التي وقع عليها هذا البلاء، فإن أهل العلم يوصون الزوج بحفظ زوجته المسلمة الصالحة، لكونها بريئة لا يضرها شيئاً وقع بغير اختيارها.
ولا يليق بالزوج التفكير في طلاقها، إذ لا وزر لها في ذلك، وليس ذلك أبدا من العشرة بالمعروف والمروءة، لأنه يجمع على أمة الله مصيبتين، اغتصابها والطلاق، فالأولى أن يمسكها. وهذا ما يُنتظر من الزوج التقي النبيل، ومن لم يحفظ شرف الإيمان فيك فلا تأسي عليه! والله يعوضك بخير ما تقر له عينك.
وقد وضعت الشريعة أحكاما في حالة المرأة المسلمة التي ابتليت بهذا البلاء، فعن أبي بكر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أن المزني بها لا عدة عليها إطلاقا.1
وأما التي ابتليت بالحمل من هذا البلاء فلتعلم أنه لا حرج عليها أن تحتفظ بهذا الجنين دون أن تجبر على إسقاطه، وإذا قدر له أن يبقى في بطنها المدة المعتادة للحمل، ووضعته فهو طفل مسلم، له حقوقه في الإسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم : “كل مولود يولد على الفطرة” رواه البخاري .
واعلمي أن هناك وسواس خناس قد يزين لك المعصية الأكبر بقتل النفس، فتذكري أن الله عز وجل أرحم بك من نفسك، ولا يجوز للمسلم أن يقتل نفسه بحال من الأحوال مهما عظم عليه البلاء واشتد عليه الخوف، قال الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) ]النساء:29]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
ولست بحاجة لظلم نفسك، بل لإحيائها، فلا يأس ولا قنوط مهما بلغ الألم منتهاه، لأن المرأة المكرهة لا إثم عليها ولا عار ولا حد، وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة مصرحة بنفي الإثم والعار والحد عن المكره مهما كانت بشاعة الذكريات التي تحاصرك! فاطردي عنك كل فكرة هزيمة وانتكاس، أنت المؤمنة الأبية، تعلم أن الأجر عند الله على قدر المشقة. فأي مشقة تناجز مشقة ابتلاء الأسر والاستضعاف!
فكل من يحاول أن يهز إيمانك وثقتك بالله عز وجل في هذا الباب، إنما هو الذي يصغر ويتقزم ويلحقه العار! ولا يفعل ذلك من يملك ذرة مروءة فكيف بالدين العظيم.
بل أقول هذه الحال من الابتلاء، يجب أن تكون دافعا لك لمد اليد لكل ضحية بإحياء قلبها وتشريفها لثباتها وحسن احتسابها، يجب أن تعامل معاملة البطلة، فما وصلت لهذا الابتلاء إلا لكونها أغاظت الطاغية وقهرته في عمقه فألجأته إلى ظلمها وأذيتها بخسة، وكفى بذلك فضيحة على رؤوس الأشهاد، والآخرة أشفى لصدرك يا مؤمنة!
فكل معتقلة فُجعت، لست من عليها الحزن والخجل، بل اعلمي أن ما أصابك، يحمل ألمه أمة كاملة، فقد حرك النبي صلى الله عليه وسلم جيشا كاملا لنصرة مسلمة آذاها يهودي في السوق، وكانت غزوة بني قينقاع، ثم تكرر الموقف في التاريخ، تتحرك الجيوش لنصرة مسلمة يعتدى عليها، فكيف بحالك وحال أخواتك، يعتدي عليهن المجرم الكافر ولا ينتفض لهن المسلمون في غفلة! فكل تأخير في نجدتكن تتحمله أمة كاملة.
ولا يملك أحد الحق في أن يذمك أو يستنقص منك بتقصير حملته أمة كاملة. بل هو المذموم الناقص يحمل عار خذلانك مرتين، مرة حين بقيت في الأسر ومرة بعد أن خرجت من الأسر!
فإياك أخية أن تحملي نفسك ثقل جاهليات في الدنيا ما أنزل الله بها من سلطان، بل اعتزي بنصر الله لك، وافخري بمكانتك في دين الله تعالى، مصانة معززة مكرمة.
رسالة للمسلمين كافة ولأصحاب السلطة
في هذا المقام يجب على المسلمين وأصحاب السلطة أن يتحملوا مسؤوليتهم في إحاطة المعتقلات المفجوعات بالنصرة ما بعد الابتلاء، فيجب أن تخصص لهن نفقات تكرمهن من بيت مال المسلمين وتمنعهن الخروج لطلب رزق أو إهانة نفس!
وعلى الرجال الفضلاء أصحاب المبادئ والقيم السامقة، ألا يترددوا في الزواج من المعتقلات المسلمات، وليتواصوا بتعويضهن بحسن عشرة وإحسان وإعانتهن على الثبات على سبيل المؤمنين والاستقامة. وكل زوج ناله هذا الأذى في نفسه ليتذكر قول الله عز وجل (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)) (سورة الحديد).
كما يجب معاملة أبناء المعتقلة المغتصبة كذلك بحسن عهد وتواصٍ، ولا يحملون أبدا عار رجل مجرم وظالم. سواء كن أولادها بعقد شرعي أو أولادها من الاغتصاب.
كما يجب إنكار منكر الظلم والأذية ولو باللسان للمسلمة المبتلاة، قال الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 23]
وقد شدد الله تعالى على جريمة القذف باللسان وأوجب فيها الحد ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]
والتعامل مع من يؤذي المؤمنات في مصابهن، يتطلب إقامة الحد. فإن لم يقم الحد لواقعنا التعيس لفقد حدود الشريعة اليوم فلا أقل من إنكار منكره وردعه والتصدي لقبح فعاله.
وعلى الداعيات وأهل الاختصاص تقديم الدعم النفسي والمساندة للمعتقلات المفجوعات، والتواصي بإسعاد قلوبهن وتعزيز مكانتهن في المجتمع وتبديد أي فكرة قنوط ويأس قد تتربص بهن. ومن تحتاج لتدخل طبي فيجب تقديم المساعدة الطبية لها بدون منّ ولا أذى.
جاء في وصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم: “. ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته” رواه النسائي . ويدخل في هذا المعنى كل ضعيف ومظلوم.
كما يجب مراعاة مشاعر أسر هؤلاء النساء، وتقديم الاحترام لهم والتقدير لمواقف صبرهم وثباتهم واحتسابهم، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
ثم يجب الكفّ عن عرض قضية المعتقلات من جانب العرض والشرف، بل يجب الحديث عن الدين والعقيدة، ففي هذه المعركة، انتصرت المعتقلة التي بقيت محافظة على دينها وعقيدتها، ولم تخسر أبدا حتى لو ذهب في سبيل هذا الثبات عرضها! بل هو شرف الإسلام الذي يرفع مكانتها، فهنيئا لك أخية الثبات في ملحمة الإيمان!
وفي الختام،
لتطوي هذه الصفحة للأبد، ولا ترجعي لها، فيكفيك ما استغرقته من عمرك في ألم ونزيف روح، ولا يليق أن تهدري بقية عمرك في الألم والنزيف نفسه مرتين!، بل الآن وقت الحياة المشرقة والجبر العزيز والمسابقة بالخيرات بين عينيك الفوز العظيم!! وبقدر الاحتساب، تحفّك المنح الربانية!
ثم كلٌّ ونيته وصدقه، وما يدريك أن لك مرتبة يغبطك عليها المنعمات في خدورهن، المحميات من وصول أيدي الطغاة، فالله عز وجل لا يضيع إيمانك وصبرك، هو سبحانه مولاك وناصرك، وحده سبحانه يعوضك ويرفعك، فأحسني الظن بمولاك أخية، ولن تري إلا خيرا!
عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ متَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَينِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»؛ رواه البخاري
وعن سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- قال:
قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به، قال: ( قل ربي الله ثم استقم ) قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: ( هذا ).2
أستودعك الله أخية ربا لا ينسى أحدا، وما خاب من فر إليه واحتسب، فاللهم اجبرهن جبرا عزيزا، وعوضهن في الدينا والآخرة، وأرنا عجائب قدرتك في الجلادين الطغاة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق