الاثنين، 30 ديسمبر 2024

سوريا.. مقبرة مفتوحة

 سوريا.. مقبرة مفتوحة



أحمد موفق زيدان


لمئات الأمتار وسط المدن الرئيسة المؤدية من دمشق إلى حلب تجد طوابير البشر كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً يصطفون حتى ساعات متأخرة من الليل، وهم يسألون كل من هو قادم من دمشق، هل هناك باصات معتقلين خلفكم تم تحريرهم، تنظر في عيون القوم فتقرأ هموم الأرض كلها في خريطة وجوههم، حين تجيبهم بالنفي، تعبس الوجوه، وتنحبس الدموع في المآقي، فمع كل يوم يمر على تحرير المعتقلين من سجن صيدنايا القريب من دمشق، تضيق فسحة الأمل لدى هؤلاء، الذين عاشوا طوال سنوات ربما وبعضهم لعقود من أجل هذه اللحظة التي يأملون أن يلتقوا بأحبابهم الذين وصل عددهم إلى أكثر من مائتي ألف معتقل.

في جمهورية صيدنايا التي اختزلت 53 عاماً من حكم آل الأسد، كان السوريون يتوجهون إليها، بعضهم يبحث عن قريب، وآخرون يريدون أن يشهدوا لحظة انهيار باستيلات سوريا، والكثير يعمل بجد واجتهاد على رأسهم قوى الدفاع المدني «الخوذ البيضاء» للبحث عن سجون تحت الأرض، وسجون حمراء، وتتفتق هنا أذهان البشر لتوائم إبداعات إجرامية للعصابة الأسدية، فاللامفكر فيه هو ربما الحل لإيجاد المعتقلين، لكن مع كل فسحة أمل تنهار أمام واقع يصرخ أن العصابة الأسدية قد تخلصت من فائض سكاني كانت تراه، بل وصرخ كثير من رؤوسها أنهم استلموا سورية بضعة ملايين وسيسلمونها كذلك.

العثور على ثلاث أدوات مرعبة للتعذيب والتخلص من الضحايا سببت كابوساً وهاجساً للسوريين المنتظرين، هذه الأدوات تمثلت بالمحارق التي قيل في بداية الثورة بأنه تم شراؤها من الهند، وذلك للتخلص من الجثث، التي قد تشكل دليلاً على إدانة العصابة في حال العثور عليها لاحقاً، ولذلك فالحل هو حرق الجثث، وعدم ترك أي دليل لجرائم العصابة، أما الوسيلة الثانية فالمكابس والتي يتم كبس الضحية وهي حية، فتتهشم عظام ولحم الضحية، وهو ما كشفه سجين أردني تحدث للجزيرة وهو الذي قضى 26 سنة في جمهوريات الأسد الصيدناوية، أما الوسيلة الثالثة المرعبة فكانت إذابة السجين بحفر الأسيد، بهدف تذويب كل آثار الجرائم المرتبكة بحق الأبرياء.

يدخل السوريون إلى سجن صيدنايا فيعثرون على كتابات وثقت نتفاً من تلك المرحلة على الجدران، بعضهم تعرف على كتاباته ورسومه، وهو الذي منّ الله عليه بالإفراج عنه من قبل، فخرج من باستيل صيدنايا، أما البعض الآخر فترك وثيقة تدون قليلاً مما كان يجري للمعتقلين في تلك السجون الرهيبة، ومع مرور الأيام يختفي الأمل لدى الأهالي الذين طالما انتظروا أحبابهم، ولكن تبقى جمهورية صيدنايا الأسدية شاهدة على إجرام آل الأسد بحق السوريين، ولعل هذا ما عرفناه وما خفي أعظم بكثير، فماذا كان يجري لسجناء تدمر في الثمانينيات، وغيرهم من عشرات السجون المخفية في سوريا؟!، والسؤال الأكبر أين كانت القوى الدولية والمنظمات الحقوقية والدول العالمية التي تريد أن تُطبع وتتعايش مع عصابة كهذه، فإن كانت تعلم فتلك مصيبة وجريمة، وإن كانت لا تعلم فالمصيبة أعظم، وكم هناك من صيدنايات في عالمنا، ما تزال دول كثيرة تصر على التعامل مع أصحابها وسدنتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق