الأربعاء، 18 ديسمبر 2024

بيني وبينك.. سنبكي فرحًا

 

بيني وبينك.. سنبكي فرحًا

لا يجمع الله علينا حُزنَين في دارَين، ولا خوفَين في مَقامَين، فالحُزن اليوم، والفرح غدًا بإذنه تعالى، والخوفُ في ما مضى من مقام، والأمن في المقام الآتي برحمته، إنّ ما يزيد على أربعة عشر شهرًا من الحُزن لجديرةٌ بفرح، وإنّ ما يقرب من أربعمئةٍ وخمسين يومًا من الخوف لحقيقةٌ أنْ تكونَ مِهادَ الأمن والطُمأنينة والسّكينة والرِّضَا.
سيقولون تعبنا من البُكاء؛ أما لهذه الدّموع من راقٍ؟ وسيقولون نهشَ الجوع كلّ شيءٍ فينا حتّى مَسّ أرواحَنا؛ أما لهذا الجوع من مُطعِم؟ وسيقولون حَزّ البردُ عِظامنا؛ أما آنَ لهذه الرّيح التي تعوي أنْ تسكت، ولتلك الشّمسِ الغائبة أنْ تعود؟! وسيقولون نحنُ في العَراء، فأينَ المأوى؟ ونحنُ جيرانٌ فأين الهَمّ؟ ونحنُ إخوةٌ فأين الحَقّ؟ ونحنُ عربٌ فأينَ العِرق؟ ونحنُ مُسلِمون فأين الدّين؟ ونحن مؤمنون فأين الأُخُوّة؟ ونحنُ بشرٌ فأين الإنسانيّة؟!
أعلمُ؛ أنّ هذا كلّه دَيْنٌ، ولكنّ سدادَه ثقيلٌ على من استطاع، صعبٌ على مَنْ كان عاجِزًا، وإنّنا لَنَشْهدُ أنّنا عَجَزة. وأنَّ دَيْنَكم في رِقابِنا إلا أنْ تُحِلُّونا منه، أو أنْ يجعلَ الله لنا منه مخرجًا. وإنّ العُذْرَ لكم، فإنْ عذرتُم فهذا كرمٌ منكم، وإنْ لم تعذروا فإنّ هذا لا يمحو من حقّكم شيئًا، وإنّ الله بِنا وبِكم لَرَحيم.
وحُسْنُ الظّنّ بالله دِين، فإنّ أقدارَنا تأتي على مقدار ما أحسنَّا الظّنّ به تعالى، فإنْ أيقنّا بالفرج كان، وإنْ يَئِسْنا منه كان. وإنّ اليأسَ رُوحُ المَوتى، وإنّ القنوط من رحمته كُفر: «إنّه لا يَيْأسُ من رَوْح الله إلاّ القومُ الكافرون»، وإنّ وَعْدَه حَقّ، وإنّه قالَه في غير موضعٍ من كتابه العزيز: «وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا». وإنّه كَتَبَ في لَوحه ما لا يشكّ فيه إلا جاحد: «كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ».
وإنّه لَيَبْتلي مَنْ أحبّ، ويُعطي فُيوضَه على قَدْر بلائِه، وإنّنا لنَشهدُ أنّ أهل غزّة قد صدق فيهم قولُه الحكيم: «هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا»، وإنّه والله لننتظر من حُسن ظنّنا به تعالى أنْ تقرّ النُّفوس، وأنْ تطمئن الأفئدة، وأنْ تجفّ الدّموع، وأنْ تُروى العُروق الظّامِئة، وأنْ تَشبعَ المِعَدُ الجائعة، وأنّ تسكنَ القلوب الواجفة، وأنْ يملأ النّور تلك الأبصارَ الخاشِعة، وأنْ يكونَ فَرَجُه أعظمَ مِمّا نأملُ أو نتخيّل، وأنْ يكون عِوَضُه أكبرَ من كلّ فقدٍ أو حرمانٍ، وأنْ يكونَ ذلك قريبًا.
وإنّ نَصرَه – لا شكّ – مُتحقِّق، وإنّ النّصر مع الصّبر، وإنّ الفرح مع النّصر: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ».

 

AymanOtoom@


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق