"أخذوا الجولان وأعطونا الجولاني"
- على حوافِّ تلك العبارة التي جعلناها عنوانا لهذه المقالة، انطلقت مقولات وعبارات كانت جلّها تستهدف "سمّ البدن"، وتسخيف الانتصار المُبهِر، والسخرية منه، تعبيراً عن فداحة هزيمة من شايعه في الداخل والخارج، ومنها أن أحمد الشرع عيّن "جماعته" أعضاءَ في حكومة تسيير الأعمال، وهذا الكلام يجافي كلّ منطق، لأن ما فعله الشرع هو ما يفعله كلُّ من تسلّم مسؤولية جبراً وقهراً أو سلماً، فأنّى لصاحب هذا الأمر أن يسلّم رقبته (ورقبة البلد) لمن لا يعرفه ولا يطمئّن إليه ولا يثق به؟ خاصّة في الأيام والشهور الأولى لتحرير البلد، وقبل أن يرسّخ قواعد الثورة ويمضي بها إلى برّ الأمان؟ كيف لثائر أن يعهد لمن لا يعرف بتسيير أمور بلاد عانت ما عانت تحت حكم عصابة نصف قرن، فخرّبت الحرث والنسل، وتركت البلاد أو كادت قاعاً صفصفاً؟ من الطبيعي في حالة الجولاني ألّا يعهد بالمسؤولية إلّا لمن يعرف ويثق ويطمئن، لاجتياز المرحلة الانتقالية، علماً أن هذا ما يفعله كلّ من يتسلّم مسؤوليةً جديدةً لبلد ما. انظروا للطاقم الذي اختاره الرئيس الأميركي المنتخب ترامب مثلاً، وكذا يفعل غيره، فإدارة أي بلد تحتاج إلى فريق متجانس يعرف بعضه ويدين بالولاء (نعم هكذا) لقائد الفريق، وسوى هذا كلام تنظيري لا يستقيم.
لم يعلن الشرع ولا أيٌّ من وزرائه نيَّتهم إقامة دولة دينية، فالاعتراض اشتعل لأنهم رجال بلحى ونساءهم محجبات
وغير بعيد من تلك العبارات الساخرة، ما أثير وبشكل غزير عن وجوه الثوار ووزرائهم وهويتهم "الإسلامية"، ومظاهرهم الدالّة على هذه الهيئة، وسيق النقد هنا لهم باعتبار الإسلام "مثلبة" أو جرماً يُقترَف، ورفعت في مواجهة هذه الحالة شعارات المدنية والعلمانية، وحتى اللادينية الصريحة، كأنّ جمهور أهل الشام وسوادهم الأعظم ليسوا من أمّة الإسلام، وكأن أرضهم ليست مسقط رأس وعزّ ومجد خلافة سادت العالم. صحيح هناك أقليات إثنية ودينية، ولكن من قال أن الإسلام يهضم حقوق هؤلاء، أو ينتقص من هُويَّتهم ولو قيد أنملة؟ وإلى هذا وذاك، لم يعلن الشرع ولا أيٌّ من وزرائه نيَّتهم إقامة دولة دينية، فالاعتراض اشتعل لأنهم رجال بلحى ونساءهم محجّبات وراياتهم تحمل كلمة التوحيد، واستهدفوا في تحرّكاتهم الأولى تحرير مساجد الشام ممّا علق بها من وثتيات طائفية، ويبدو أن هذا كان كافياً لإلباس الثورة رداءً يسهّل الهجوم والتحريض عليه، لصالح هُويَّات بالية ثبتت رداءتها وفشلها في مواجهة العدو وجمع شمل الأمة، وتحقيق العدالة بين أبناء الشعب الواحد، والأهم من ذلك كلّه، الحفاظ على منعة الوطن وحمايته من الفساد والنهب والعسف والاستبداد والبطش، والحكم بالحديد والنار. ولنقلها بمنتهى الصراحة، ماذا جرّت الأنظمة الشمولية التي ارتدت لباس الدين والقومية والوطنية والاشتراكية على هذه الأمّة غير التخلف والاحتلال والمظالم؟ جرّبوا الحكم الإسلامي الحقيقي ثمّ احكموا، أمّا تلك الأنظمة التي قامت على تحالف رجال الدين ورجال السلطة فأنتجت استبداداً بلحية، فتلك لا علاقة لها بالإسلام، حتى ولو رفعت راية التوحيد، فالإسلام قبل كلّ شيء حرّية وعدالة، جربوا هذا اللون من الحكم ثمّ ارموه لا بحجر فقط، بل بكل ما وصلت إليه أيديكم وأرجلكم وألسنتكم من نعال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق