الأحد، 29 ديسمبر 2024

الخسران المبين في الركون إلى الظالمين

الخسران المبين في الركون إلى الظالمين


بقلم / محمد عبد الرحمن صادق

 - إن القرآن الكريم منهج إلهي متكامل ومتوازن وعادل ، فلا يمكن أن يُعاقب على فعل أو ترك مما يُعتبر جريمة أو مُخالفة إلا بعد بيان الحق من الباطل والحلال من الحرام ، ليكون الناس على بيِّنة من أمرهم ولتقوم عليهم الحجة البالغة والدامغة . ومن هذا الباب جاء التحذير الإلهي من مُوالاة الظالمين أو تقديم أي عون أو دعم لظلمهم وبغيهم في الأرض ، منبها سبحانه وتعالى على العقوبة المترتبة على ذلك ليرتدع من يرتدع ويتوب من يتوب ويتراجع من يتراجع ولتقوم البينة على من تقوم ، ولعل أوضح آية في هذا الباب قوله تعالى : " وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ {113} " ( هود 113 ) .                      

- قال الجوهري وغيره من أهل اللغة : الركون السكون إلى الشيء والميل إليه .                                    

  - وقال البغوي : هو المحبة والميل بالقلب .                                             

 فإذا كان الميل بالقلب للظالمين منهي عنه ومُحذر من شدة عقوبته ، فمن المؤكد أن مساعدة الظالمين ومؤازرتهم وتقديم الدعم لهم داخلة في النهي من باب أولى .                                                             

- وقد نقل ابن كثير والقرطبي وغيره من المفسرين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر "الركون" بالميل إلى الذين ظلموا ، أو الركون إلى الشرك ، أو المُداهنة .                                                                

 - وقال السدي : لا تداهنوا الظلمة . وقال أبو العالية : لا ترضوا بأعمالهم .                     

 - وعن عكرمة : هو أن تطيعوهم أو تودوهم أو تصطنعوهم .                                      

وهي جميعها معان للموالاة بكافة أنواعها ، بدءا بالميل القلبي مروراً بالرضا بأفعالهم ومداهنتهم ، وانتهاء بمساعدتهم وتقديم الدعم لهم .                                                                                              

- وإذا كانت موالاة الظالمين والطغاة مُحَرَّمة في القرآن الكريم بشكل عام ، فإن موالاة اليهود والنصارى محرمة ومنهي عنها بشكل خاص ، قال تعالى مخاطباً المؤمنين وناهياً لهم : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51} " ( المائدة 51 ) .           

أولاً : معرفة من هم أعوان الظالمين :

 قال تعالى : " احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ {22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ {23} وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {24} " ( الصافات 22 : 24 ) 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : قال غير واحد من السلف : أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنه حبَّر لهم دواة أو برى لهم قلماً ، ومنهم من كان يقول : بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم ، وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين في الآية ، فإن المعين على البر والتقوى من أهل ذلك والمعين على الإثم والعدوان من أهل ذلك . وإذا كانت الشريعة حرمت الركون إلى الظالم ومداهنته والميل إليه فكيف إثم من يعينه ؟ قال ميمون بن مهران رحمه الله : الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء .                                                                                               

ثانياً : عقوبة موالاة الظالمين : إذا كانت عقوبة الظالمين في القرآن الكريم شديدة فإن عقوبة أتباعهم لا تقل قسوة وشدة ، وإذا كانت نهاية العُتاة والجبابرة والمتكبرين في القرآن الكريم وخيمة ، فإن نهاية أعوانهم ومواليهم لا تقل سوءا ، فهم شركاء في الجريمة ، فلا بد أن تكون العقوبة شاملة لهم تبعاً لذلك .                     - ولا تقتصر عقوبة أتباع الظالمين وأعوانهم على الدار الآخرة ، بل تطالهم في الدنيا قبل يوم القيامة .          

1 - بعض العقوبات الدنيوية لأتباع الظالمين : إن الله تعالى حاشاه أن يجعل المؤمنين كالمجرمين والصالحين كالطالحين بل إن الله تعالى بعدله ورحمته يحاسب على مثقال الذرة من الخير وكذلك من الشر . ونعم الطاعة تنعكس في راحة القلب وطمأنينة النفس ، أما شؤم المعصية فما يجر على صاحبه إلا الهم والحزن والكرب والضنك ، قال تعالى : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً {125}‏ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى {126} "(طه 24:126 ) .                                                                                    

أ ) الذل والمهانة والعبودية لغير الله تعالى : 

ولعل هذه العقوبة من أشد وأقسى العقوبات الدنيوية لأتباع الظالمين ، فهم في الدنيا عبيد أذلاء لبشر مثلهم ، استعبدوهم وأذلوهم وأخضعوهم لخدمتهم وخدمة شهواتهم ، ويبين التعبير القرآني هذا الذل والهوان لهؤلاء الأتباع من خلال قول الله تعالى : " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ {54} " ( الزخرف 54 ) .                                                                                           

ب ) اللعنة وسوء الذكر والسمعة في الدنيا : 

فلا يذكرون إلا بالسوء والقبيح واللعنات التي تحاصرهم ممن يقع عليهم الظلم ، وذلك عكس مقصودهم من مداهنة الظالمين وموالاتهم ، إذ كانوا يبتغون رفعة الذكر والسمعة والمكانة بالتقرب إليهم ومساعدتهم على الظلم في الدنيا ، فكانت عقوبتهم بنقيض هدفهم ومقصودهم ، قال تعالى : وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ {42} " ( القصص 42 ) .                                  

ج ) الميتة السيئة القاسية : 

فجميع أعوان الظلمة وأنصارهم ماتوا شر ميتة ، وكانت نهايتهم قاسية وخيمة ، بدءا بأتباع فرعون الذين غرقوا معه ولاقوا نفس المصير : " وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ {39} فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ {40} " ( القصص 39 – 40 ) ، وصولاً إلى أتباع الظالمين والطغاة في العصر الحديث ، ممن يلقون أسوء مصير وأبشع ميتة .                    

- لقد وصف لنا القرآن الكريم شدة انتزاع الروح من الظالمين وأعوانهم ، والهوان والكرب الذي يلاقونه عند سكرات الموت ، قال تعالى : " .... وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ {93} " ( الأنعام 93 ) .       

د ) عقوبتهم في البرزخ والقبر :  ذكر القرآن الكريم أن لأتباع الظالمين وأنصارهم عقوبة في الحياة البرزخية في القبر ، وذلك من خلال قوله تعالى : " فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ {45} النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {46} " ( غافر 45 – 46 ) . 

والحديث في الآية ليس عن فرعون وحده ، وإنما عن فرعون وآل فرعون من أتباعه وأعوانه ومن والاه .                

 - ذكر القرطبي وغيره من جمهور العلماء عَلَى أن هذا العرض في البرزخ ، واحتج بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إثبات عَذَابِ الْقَبْرِ بهذه الآية ، وقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الدُّنْيَا ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ عَنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ : " وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {46} "([1]).                    

2 - بعض العقوبات لأتباع الظالمين يوم القيامة : أما عقوبة موالاة الظالمين في الآخرة فهي نفس عقوبة الظالمين ، والتي تعتبر العقوبة الأشد والأبقى والأعظم ، وهذه العقوبة لا تقتصر على الدخول في نار جهنم  فحسب ، وإنما تأخذ أشكالاً وألواناً متعددة من العذاب غير ذلك .                                                         

 أ )  العذاب الأشد يوم القيامة : قال تعالى : " ............. وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {46} " ( غافر 46 ) أي : أشده ألماً وأعظمه نكالاً كما ذكر ابن كثير في تفسيره .                                            

ب ) شدة الأهوال يوم القيامة : فقد خص الله تعالى الظالمين وأعوانهم بأهوال كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر ، قال تعالى : " وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {42}‏ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء {43} " ( إبراهيم 42 – 43 ) فهم يخرجون من قبورهم مُسرعين رافعي رؤوسهم ، وأبصارهم طائرة شاخصة يديمون النظر لا يطرقون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم . ولهذا قال: " وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء " أي وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة الوجل والخوف، ولهذا قال قتادة وجماعة: إن أمكنة أفئدتهم خالية، لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف . وقال بعضهم : هي خراب لا تعي شيئاً لشدة ما أخبر به تعالى عنهم ([2]) .

ج ) العذاب المستمر الذي لا فداء ولا خلاص منه : فقد ذكر الله تعالى أن عذاب الظالمين وأعوانهم مستمر سرمدي لا نهاية له ، قال تعالى : " وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ {45} " ( الشورى 45 ) أي : دائم سرمدي أبدي ، لا خروج لهم منها ولا محيد لهم عنها . كما أن هذه العقوبة لا فداء منها ، قال تعالى : " وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ {47}‏ " ( الزمر47 ) فالظالمين وأعوانهم الذين أكلوا حقوق الناس بسيف سطوة وقوة بغيهم ، يتمنون لو يفتدون عذاب يوم القيامة بأضعاف ملئ الأرض ذهباً ومالاً، ولكن لا فداء ولا افتداء .                            

د ) البراءة العامة بين الظالمين بعضهم البعض : حيث يتبرأ الطاغية والظالم من أتباعه وأعوانه ، بل ويتبرأ الشيطان من أتباعه كذلك مما يعتبر عقوبة معنوية إضافية لأتباعه ، لأنهم كانوا يعتقدون أنه سيغني عنهم شيئاً يوم القيامة ، أو أنه يمكن أن يخفف عنهم العذاب الأليم .                                                                 

1- تبرأ الظالمين من أتباعهم يوم القيامة : والآيات في هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى :" إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ {166} وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ{167}" ( البقرة 166 – 167 )

ومنها قوله تعالى : " وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ {31}‏ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ {32} وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {33} " ( سبأ31 – 33 ) .                                                                                                                         

2 - براءة الشيطان من أتباعه يوم القيامة : بل إن الشيطان الذي يعتبر أظلم الظالمين يتبرأ من أتباعه وأعوانه يوم القيامة ، بل ويدعي إيمانه بالله وكفره بمن أشرك به سبحانه ، قال تعالى  : " وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {22} "  ( إبراهيم 22 ) .                                                                                                             

- إنه الجزاء من جنس العمل الذي وعد الله تعالى به الناس ، فمن كان عوناً للأنبياء والصالحين وموالياً لهم ومتبعا لهداهم ، نال السعادة والذكر الحسن في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة ، ومن كان تبعاً وعوناً للظالمين والطغاة والمتكبرين ، ألبس ثوب الذلة والمهانة في الدنيا ، والعذاب والهوان يوم القيامة .                           

ثالثاً : خاتمة وتوصية : بعد أن طوفنا حول عقاب الظالمين وأعوانهم في الدنيا والآخرة يجب علينا أن نتواصى بـ :-

1- تجنب الظلم في أنفسنا حتى لا نقع تحت مسمى الظالمين وحتى لا تُسَد أمامنا أبوب السماء فتتبدد طاقاتنا وتضيع أعمالنا ونحن لا ندري . 

قال ميمون بن مهران : في قوله تعالى:" وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ 42} " ( إبراهيم 42 ) قال : " تعزية للمظلوم ، ووعيد للظالم " وقيل : لما حُبس بعض البرامكة وولده قال : يا أبت ، بعد العزِّ صِرنا في القيد والحبس . فقال : يا بُني ، دعوة مظلوم سَرَت بليل غفلنا عنها ، ولم يغفل الله عزَّ وجلَّ عنها . وكان يزيد بن حكيم يقول : ما هِبْتُ أحدًا قطُّ هيبتي رجلاً ظلمته ، وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله ، يقول لي : حسبي الله ، الله بيني وبينك .

2- عدم الرضا بالظلم وعدم ممالئة الظالمين أو الركون إليهم فالظالم ومعاونه سواء ، وكما قيل : " الرضا بالظلم في أي مكان هو تشجيع للظلم في كل مكان " .

- ولنوقن أنه مهما انتفشت قوى الظلم والبغي للنيل ممن يدافعون عن هذه الأمة وشريعتها وهويتها على مر العصور فالله تعالى للظالمين بالمرصاد يُبطل سِحرهم وكيدهم وتدبيرهم ..... وما ذلك على الله بعزيز .

- نسأل الله عز وجل في عليائه أن يُجنبنا مصارع الظالمين وأحوالهم كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظنا من الظالمين وبطشهم .

- اللهمّ إنّ الظالم مهما كان سلطانه لا يمتنع منك فسبحانك أنت مُدركه أينما سلك ، وقادر عليه أينما لجأ ، فمعاذ المظلوم بك ، وتوكّل المقهور عليك . 

أسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه إجابة دعوتي ، فخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر ، وأفجئه في غفلته ، مفاجأة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه ، وأعره من نعمتك الّتي لم يقابلها بالشّكر، وانزع عنه سربال عزّك الّذي لم يجازه بالإحسان ، واقصمه يا قاصم الجبابرة ، وأهلكه يا مُهلك القرون الخالية ، وأخذله يا خاذل الفئات الباغية . اللهمّ أرغم أنفه ، وعجّل حتفه ، ولا تجعل له قوّة إلاّ قصمتها ، ولا كلمة مُجتمعة إلّا فرّقتها ، ولا قائمة علوّ إلاّ وضعتها ، ولا ركناً إلاّ وَهَّنته ، ولا سبباً إلاّ قطعته .

المراجع:

[1] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 15 ص 319

[2] - مختصر تفسير ابن كثير – محمد علي الصابوني ج 2 ص 303

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق