الجمعة، 27 ديسمبر 2024

لماذا تقاتل السلطة "الخارجين عن القانون" في الضفة؟

 

لماذا تقاتل السلطة "الخارجين عن القانون" في الضفة؟
يوسف الدموكي
صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما في كلية الإعلام بجامعة مرمرة


أوراق اعتماد جديدة على ما يبدو، ثمن باهظ، ومواجهة شرسة، تخوضها قوات الجيش العرمرم، بقوام ستين ألف مجند وضابط، في صفوف السلطة الفلسطينية، ليس لإكمال الطوفان من ضفة أخرى، وإنما لإبطال مفعوله وحسر أمواجه المحتملة، خدمةً لولي النعمة، وصاحب الفضل، وذي الجاه والسلطان، الاحتلال المقدس عند أصحاب التطبيع المدنس، حماة الوطن الذي يريده العدو على صورته وهيئته الحالية وأفظع، بمجازر غزة ومواجع الضفة، بينما يجبن هو عن مواجهة الشبان في جنين، فيرسل وكلاءه من الجنود الذين يحملون أسماء فلسطينية بالكامل، من الولد إلى جد الجد، ويحملون هوية فلسطينية، ويتكلمون لهجة فلسطينية، من نابلس أو الخليل أو رام الله أو أي من مدن فلسطين الباسلة، لكنه يملك قلبًا ختم عليه في تل أبيب، وعقلا درس مناهج دايتون.


هؤلاء الذين تقاتلهم السلطة في الضفة يحملون الأسماء نفسها، من العائلات نفسها، من المدن نفسها، لكن بقلوب وعقول وطنية خالصة، لم تصب بلوثات الاحتلال والتطبيع والتنسيق الأمني، لم تفقد كرامتها وشرفها وشجاعتها في أسرّة الصهاينة وفوق طاولاتهم، لم تتنجس أيديهم بتغيير البناشر للمصفحات المعطلة، ولا بمصافحة الرفاق من جنود الجيش الإسرائيلي، ولا بالتدرب تحت ألوية من خمسين نجمة، وإنما ولاؤهم لله، ولتلك المخيمات وحدها، التي قضوا فيها حياتهم، وقضوا في طرقاتها حيواتهم، بأنفاسهم الأولى والأخيرة، دون أن يخرجوا منها، ولا أن يفرّطوا فيها، وتلك نواميس المخيم.


أسلحة ترى لأول مرة، وتحصن خلف ألبسة ودروع مجهزة بالكامل، بل وقذائف آر بي جي تُرى للمرة الأولى منذ أزمنة طويلة غابرة، يحملها الجنود ليس باتجاه القدس حيث تدنسها القطعان المخنزرة والقطع المجنزرة، وإنما تجاه العزّل، والأطفال، والنساء، والشبان المسلحين من أهل لبلاد، الذين ربما دفعوا أعمارهم وشقاءها، وأموالهم وعرق جبينهم، وارتضوا بالفقر مع الشرف، على الغنى في مذلة، ليبقوا رافعين رايات العز في مخيمات المقاومة والبطولة، خارجين عن القانون، عن ذلك القانون تحديدا الذي تحبه السلطة، تعشقه، تتمرغ في غرامه، بجانب بساطير الاحتلال التي تدهس الفلسطينيين في كل ركن وزاوية، وتحرق مليوني غزيّ منذ عشرين عاما، وتذبحهم من الوريد إلى الوريد منذ أربعة عشر شهرا.


نعم الخروج عن قانون كهذا، يضيع الحقوق والأراضي والأهالي والتاريخ والجغرافيا، ولبئس القانون هو الذي يملي على الفلسطيني أن يهتك عرضه، وتنهب أرضه، وتقتل أمه، ويذبح أخوه، وينبش قبره، ثم يمد يده "بالسلام" على أحفاد بن غوريون، ويسلمهم البيت ومفتاحه، ويترك ذلك السرطان يتمدد إلى كل عضو آخر في الجسم السقيم؛ ولنعم الخارجون عن القانون هم، لا قانون لهم إلا المقاومة، ولا دستور إلا الكتاب الكريم، ولا عز إلا في ظل السيف والبندقية، ولا ولاء إلا لتلك الأرض وناسها، ولا سلاح يوجّه إلا في صدر الغزاة وأشباه الغزاة، ولا معركة أجلّ وأكبر من تلك الحالية، التي توضع فيها النقاط على الحروف، والعبارات الجليّة على السطور، والأفعال على الثغور.


روحي، وقلبي، وعقلي الفداء.. لكل هؤلاء الخارجين عن القانون.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق