الهجمة على الائتلاف السوري .. لماذا؟!
ياسر الزعاترة
فجأة ودون مقدمات يغدو الائتلاف السوري عنوانا للفشل الذريع في تمثيل الثورة، وتلبية طموحاتها، وتنهال البيانات المنددة بذلك الفشل، فيما تصدر هيئة تسمي نفسها القيادة العسكرية العليا لهيئة أركان الثورة السورية بيانا تطالب فيه بالحصول على نصف مقاعد الائتلاف، قائلة إن أية “محاولة للمماطلة والتشويش والالتفاف على التمثيل العسكري والثوري الشرعي في الداخل لن يكتب لها النجاح بأي شكل أو تحت أي ضغط”، مضيفة في فيما يشبه التهديد، إن “شرعية الائتلاف لن تؤخذ إلا من الداخل وأي التفاف على القوى الثورية بتمثيلها بالنسبة المذكورة سوف تخلع منكم هذه الشرعية”.
تقول القيادة المشار إليها ذلك رغم أن تأثيرها على الثوار محدود جدا، ورغم أنه ليس من عادة الثورات أن تمنح جناحها العسكري نصف مقاعد القيادة، لأنهم سيتحولون بعد ذلك إلى سياسيين وينسون السلاح.
لم يقل أحد إن الائتلاف منذ تأسيسه، فضلا عن المجلس الوطني (الصيغة السابقة) قد لبى بالفعل طموحات الشعب السوري الثائر، وثمة الكثير من الملاحظات على أدائه السياسي، هو الذي جاء تشكيله نتاج ضغوط سياسية أمريكية أرادته بشكل مختلف، وبقيادة مختلفة، بسبب ملاحظاتها على المجلس الوطني بدعوى هيمنة الإسلاميين عليه، لكنها فشلت إلى حد كبير.
الآن، لا يمكن النظر إلى الضغوط التي يتعرض لها الائتلاف والبيانات التي صدرت بعيدا عن ضغوط دول بعينها تشعر بأنه يقع خارج سيطرتها، فيما ينبغي أن يكون كذلك برأيها، وطالبته بشكل شبه علني بإدخال 30 عضوا جديدا فيه من اللون “المعتدل” الذي تريده كي يصبح هؤلاء مع نظراء لهم داخله بمثابة أصحاب القرار؛ ما
يرهن (القرار) لتلك القوى، وبقدر ما للجهات التي تستجيب لطلباتها. وحين تلكأ في تلبية المطلوب، بدأت الهجمات عليه، ورأينا قناة العربية تتصدر تلك الهجمة بشكل واضح، ومعها وسائل إعلام أخرى من ذات اللون.
من المؤكد أن الجهات التي تقف خلف تلك الضغوط لا ترى في المشهد غير الإخوان المسلمين من جهة، وبقية الإسلاميين من جهة أخرى، لاسيما من يوصفون بأنهم من المتشددين.
وفي حين تركز تلك الجهات العربية على الإخوان بسبب مصر والربيع العربي وإشكالية الإصلاح، ولا يريدون لسوريا أن تنضم لذات المسلسل، فإن استهداف القوى الإسلامية الأخرى الموصوفة بالمتشددة له صلة بمطالب إسرائيلية أمريكية تراهم خطرا في حال نشوء حالة فوضى في سوريا بعد سقوط النظام، وربما أثناء وجوده، أو بوصفهم يمكن ان يعطلوا أي حل قادم يحقق المطالب الغربية.
واللافت أن الإسلاميين المتشددين لا يعترفون أصلا بالائتلاف ويعتبرونه أمريكيا بالكامل، فيما يراه العرب الداعمون للثورة إخونجيا، مع أن عدد الإخوان فيه لا يتعدى 10 في المئة، لكن المطلوب في واقع الحال؛ إضافة إلى شطب الإخوان وتأثيرهم هو سرقة قرار الائتلاف، تماما كما حاولوا من قبل مع المجلس الوطني، لكنه أثبت رغم كل شيء أنه مستقل إلى حد كبير، إذ اصطدم تارة بموقف قطري، وأخرى بموقف تركي، وثالثة بموقف سعودي، وفي كثير من الأحيان بالمواقف الغربية، وظل ينظر إلى المسائل بروحية الاجتهاد لصالح الشعب السوري.
ربما يقال إن الائتلاف ليس له حضور عملي على الأرض، من حيث قدرته على ضبط المجموعات المسلحة، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن الائتلاف له صلة بالتسليح والإغاثة والحشد السياسي، وهناك مجموعات مسلحة كثيرة تتلقى الأسلحة عبر الائتلاف، وبالتالي فإن الجهد الذي يقوم به في ظل تعقيدات القضية يُعد معقولا إلى حد ما.
أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في تنوع أعضائه وتمثيلهم للغالبية الساحقة من أطياف الشعب السوري السياسية والعرقية والطائفية.
لا توجد ثورة تشبه الأخرى في سائر التفاصيل، والثورة السورية هي الأكثر تعقيدا بين مشاهد الربيع العربي، ومن الطبيعي أن يرتبك أداء الائتلاف الوطني مثلما ارتبك أداء المجلس الوطني من قبله، لكن البوصلة بقيت هي ذاتها (مصلحة الشعب السوري)، وليس صحيحا أن أيا من التجمعين قد فرّط في مصالح الشعب، والخلاصة أن تقييم الائتلاف شيء، وتقييم كل فرد من أفراده شيء آخر، وذلك بعيدا عن قصة التاريخ السابق، إذ يحدث أن يكون صاحب تاريخ سابق في مقارعة النظام أكثر قابلية للبيع والشراء وتقديم التنازلات من الآخرين مستندا إلى ذلك التاريخ الذي يتغنى به.
رغم ذلك كله، وفي ظل تقدير زعماء الائتلاف بضرورة عدم خسارة أي طرف من الأطراف الداعمة، فقد استجابوا للضغوط والوساطات، وقاموا بإضافة 43 عضوا جديدا للائتلاف (أجلوا اختيار زعميه الجديد بدل الخطيب)، من بينهم 15 من هيئة الأركان، و14 من الحراك الثوري، وقائمة من 14 عضوا يتزعمها ميشيل كيلو.
ما نريد قوله في هذه السطور هو أن الضغوط التي تعرض ويتعرض لها الائتلاف لا صلة لها البتة بمصالح الشعب السوري، بقدر صلتها بالهواجس الداخلية لمن يمارسونها فضلا عن الاستجابة لمطالب من يضغطون عليهم من الخارج، وهؤلاء وهؤلاء ليسوا أكثر حرصا على مصالح الشعب السوري من الائتلاف وأعضائه.
المصيبة أنه، وبدلا من أن يصبَّ العرب الداعمون للثورة جهدهم في سياق تغيير ميزان القوى على الأرض، من أجل تفاوض من موقع قوة، تجدهم يتدخلون مع الأسف الشديد بشكل سلبي، خلافا لما تفعله إيران وروسيا مع النظام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق