مَـنْ يجرؤ على الترشح؟
سنواجه مشكلة في الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، لا تخلو من مفارقة.. ذلك أن المرشح الذي يتجاسر ويقرر منافسة المشير السيسي لن يسلم من الاتهامات والتجريح.. أما إذا آثر المنافسون السلامة وأحجموا عن منازلته فإن انتخاب السيسي في هذه الحالة لن يسلم بدوره من الاتهام والتجريح.
وما أقوله ليس مجرد افتراض، لأن الشواهد والمقدمات التي بين أيدينا تنذر كل من تسول له نفسه أن ينافس الرجل بأوخم العواقب، ذلك أننا شهدنا خلال الأشهر السبعة الأخيرة ما الذي جرى للمعارضين، خصوصا حين تجرأ بعضهم وحاول توزيع ملصقات تحض على رفض الدستور، الذي روجت وسائل الإعلام للادعاء بأن التصويت لصالحه هو تصويت على السيسي.
إن الذين عارضوا السياسات التي صار السيسي رمزا لها دفعوا ثمنا باهظا لقاء ذلك، والمنظمات الحقوقية والمواقع المستقلة.. (ويكي ثورة مثلا) تحدثت عن 2665 قتيلا و15.913 مصابا و21.317 معتقلا.
وفي الذكرى الثالثة للثورة ــ يوم 25 يناير وحده ــ سقط تسعون قتيلا و277 مصابا إضافة إلى 1341 تم اعتقالهم، وإذا كان ذلك هو الثمن الذي دُفع لقاء معارضة النظام، فلك أن تتصور الثمن الذي يمكن أن يُدفع في حالة الاعتراض على شخص السيسي في الانتخابات الرئاسية.
لدينا أيضا رسالة أخرى تلقيناها خلال الأشهر الماضية تتمثل في عملية الاستباحة التي تعرضت لها كرامات المعارضين وأعراضهم حتى إذا كانوا من الأصدقاء والحلفاء.. وهى الحملة التي أقنعتنا بأنه إذا كان الخصوم يفقدون حقهم في الحياة فإن الحلفاء يفقدون حقهم في الكرامة..
لا أتحدث هنا فقط عما أصاب الحلفاء من الدكتور محمد البرادعي وصولا إلى الدكتور زياد بهاء الدين، لكنني أتحدث أيضا عن الشبان الذين رفضوا حكم الإخوان وانضموا إلى المحتجين الذين خرجوا في 30 يونيو، لكنهم أدركوا أن الأمور التي جرت لاحقا انحرفت عن الهدف الذي خرجوا من أجله، فلُفقت لهم التهم وألقوا في السجون واحدا تلو الآخر.
هذه الاستباحة لا تتطوع بها المنابر والأبواق الإعلامية وحدها، وإنما تعتمد بالدرجة الأولى على معلومات وتقارير الأجهزة الأمنية التي تسرب إلى أصابع تلك الأجهزة المبثوثين في مختلف المنابر، وليست بعيدة عن الأذهان التسريبات التي استهدفت اغتيال وتشويه نشطاء ثورة يناير من خلال التليفزيون أو الكتابات الصحفية.
في هذا الصدد، فإنه ما عاد سرا أن أي مرشح يفكر في منافسة المشير السيسي سوف يتعرض للتشويه والقصف الإعلامي والاغتيال المعنوي.
وقد تابعنا ذلك في بعض البرامج التليفزيونية والتعليقات الصحفية، التي شرعت في قصف الفريق سامي عنان والسيد حمدين صباحي، رغم أن الحملة لا تزال في بداياتها ولم تدخل مرحلة الجد بعد.. وهو المصير الذي لابد أن يلقاه أي مرشح آخر، وينذر كل من يفكر في المنافسة بأنه لن يخرج سليما من المعركة.
الأمر الذي يعيد إلى الأذهان ذكريات عصر مبارك، ناهيك عن أننا جميعا نعرف مدى الجرأة على الاتهام والإسفاف في التجريح الذي تلجأ إليه بعض الأصوات التي تتصدر المنابر الإعلامية، التي لا ترعى في أي معارض إلاًّ ولا ذمة.
المشكلة أن المتنافسين على منصب الرئاسة حين يقدمون أنفسهم إلى المجتمع لكي يكسبوا أصواتهم، فإنهم يضطرون ليس فقط لتقديم برامجهم ورؤاهم إلى الرأي العام، ولكنهم يلجأون إلى نقد بعضهم البعض، على الأقل لكي يثبت كل واحد منهم بأنه أولى بالثقة وأجدر بالمنصب.
وفي هذه الحالة، فإنه في ظل الهيستيريا السائدة فإن أي منافس للسيسي سوف يجد نفسه في خطر داهم، ويشتد ذلك الخطر إذا ما انتبهنا إلى أن كل ما يُعرف عن الرجل أنه ضابط نزيه ومحترف لم يحارب يوما ما، لكنه ليس له تاريخ معروف في الحرب أو في السياسة، وبالتالي فإن التساؤل عن مشروعه ورؤيته للمستقبل ونقد الاثنين يصبح مبررا وواجبا.
إذا فضل المرشحون أن يتركوا الساحة للمشير السيسي ليس فقط جراء ضمان فوزه، ولكن أيضا تجنبا للتشويه والتشهير، فإن ذلك سوف يثير شبهات وأقاويل كثيرة تسحب من رصيد الرجل وتشكك في ديمقراطية العملية الانتخابية، وفي صدق تعبيرها عن مدنية الدولة والثورة المصرية. ولأن الأمر كذلك فإنني لا أتمنى أن نلجأ إلى الأسلوب الذي اتبعته بعض الدول القابعة خارج التاريخ في احتيالها على الشكل الديمقراطي، بحيث يتم الاتفاق مع مرشح أو أكثر من المتعاونين مع النظام أو رجاله لكي ينافس الشخص المطلوب إنجاحه، بحيث يؤدى دور الكومبارس أو «الدوبلير» كما يقولون في لغة أهل السينما.
حدث في جمهورية أوزبكستان بعد انفصالها عن الاتحاد السوفييتي، حين ترأسها الأمين العام للحزب الشيوعي السابق إسلام كريموف، الذي أصر على احتكار السلطة بالأساليب الديمقراطية الملتوية الشائعة في العالم الثالث.
ففي الانتخابات التي جرت عام 2000 رشحت «المعارضة» لمنافسته أحد أبناء النظام هو عبدالحافظ جلالوف.. وقد ذهب المنافس في وفائه لكريموف أنه أعلن على الملأ أنه سوف يصوت لصالحه، وقد فاز كريموف في تلك «المعركة» بنسبة 91.9٪ من الأصوات..
ولأن اللعبة كانت فجة ومكشوفة فإن الإخراج تغير في انتخابات عام 2007، بحيث رشح الحزب الديمقراطي الليبرالي (لاحظ التسمية) ثلاثة أشخاص لمنافسة كريموف، ولم يُقصِّر الثلاثة وكانوا عند حسن الظن، ولذلك أعلنوا تأييدهم للزعيم المحبوب، وفي ظل الإخراج الجديد الذي وسع من دائرة «المنافسة»، فاز الرجل بنسبة 88.1٪ من الأصوات لاغير..
هل نتوقع احتمال التفكير في ذلك الحل، خصوصا أن لدينا فرعا معتبرا للحزب الديمقراطي الليبرالي على الطريقة الأوزبكية، إضافة أن لدينا مخرجين أكفاء جاهزين للقيام باللازم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق