الجمعة، 3 أكتوبر 2014

"إخوان ونصف".. في خدمة الانقلاب

"إخوان ونصف".. في خدمة الانقلاب


وائل قنديل

من مصلحة سلطة الانقلاب في مصر أن تتم صناعة صورة نمطية للصراع السياسي الدائر الآن على أنه بين العسكر والإسلاميين، وفي طليعتهم "الإخوان المسلمين".
فمن شأن ذلك أن يتيح مساحة هائلة للسلطة الجديدة لكي تواصل ادعاءها الكاذب بأن الدماء الغزيرة التي أراقتها كانت ثمنا حتميا للحفاظ على هوية الدولية المدنية و حداثتها، في مواجهة من صنعت منهم "عدوا شيطانيا" يريد أن يرتد بالبلاد إلى العصور الوسطى المظلمة.

وقد عمدت آلة الانقلاب الإعلامية والثقافية على تخليق هذه الصورة في وقت مبكر جدا، قبل الانقضاض على السلطة المنتخبة بشكل ديمقراطي لأول مرة في تاريخ المصريين، وبعد تنفيذ جريمتها ضد الديمقراطية (30 يونيو- 3 يوليو) ثم جرائمها ضد الإنسانية بدءا بمذبحة الحرس الجمهوري، ثم المنصة، ثم مجزرة المجازر (رابعة والنهضة) ثم سلسلة جرائم أخرى أقل حجما (مسجد الفتح وسيارة الترحيلات). 
كان ضروريا إذن لسلطة ملوثة بالدماء أن تستدعي من الماضي مناخا أسطوريا يقوم على شعوذات تاريخية مخلوطة بدجل اللحظة الراهنة، بحيث تبدو أمام الجموع التي عبثت بوعيها وقيمها وكأنها تخوض حربا ضروس ضد "أعداء الوطن" الذين يستهدفون الحضارة ويمارسون إرهابا ضد المجتمع.
لذا كان الانقلابيون حريصين طوال الوقت على إخراج القوى الثورية من المعادلة، بالاستقطاب والاحتواء في البداية، ثم الاعتقال والتشويه والتنكيل بغية الإسكات، بحيث يتمكن النظام الانقلابي من صياغة خطاب، يدغدغ الداخل ويبتز الخارج، مضمونه أنه يخوض معركة ضد الإرهاب لحماية العالم من الأوغاد. 
وكان من أدوات اللعبة أن صبّ الانقلاب نيرانه الإعلامية على كل من يعارضه ويقاومه، بحيث يصبح كل من ينطق بكلمة ضده من "الإسلاميين الإرهابيين الأوغاد الإخوان" لكي تصبح المعادلة في نهاية الأمر صراعا بين "الوطن" و"أعداء الوطن" أو بين "جيش الوطن" و"مجموعات متربصة بالمواطن".
ومن أسف أن بعض الأصوات من خارج جماعة الإخوان والتيار الإسلامي قد وقعت في هذا الفخ، وقدمت خدمات جليلة لسلطة الانقلاب، بعضها بحسن نية يصل درجة السذاجة، وآخرون لم يعرف أحد لهم صلة بالثورة من الأساس، جاءوا بعقلية احترافية وجدت الاستثمار في هذه المساحة مضمونا، إذ تبنت هذه الأصوات في مواجهة الانقلاب الخطاب ذاته الصادر عن الإسلاميين، بل وزايدت عليه، ما ساعد سلطة الدم على أن تفترس مساحات إضافية من وعي الجماهير البسيطة، بحيث يصبح سائدا ومكرسا أن كل من يعارض السيسي وينتقده "إخوان".

وأزعم أن تصنيع وتصدير هذه الثنائية كانا أحد الأهداف الملعوبة التي سجلتها الثورة المضادة في مرمى "يناير 2011" فمن ناحية حيدت مجموعات ثورية استراحت على أريكة "يسقط كل من خان" واختبأت خلف شعار "لا للعسكر لا للإخوان" الأمر الذي هبط بسقف المعركة من إنقاذ ثورة من بين أنياب "ثورة مضادة معسكرة" إلى تعديلات في قانون همجي مثل قانون التظاهر، أو إفراج عن أفراد من ثوار يناير وجدوا أنفسهم في ظلام سجون ثورة مضادة نجحت في استدراجهم، ثم لفظتهم، أو عودة برنامج ساخر.. إلى آخر هذه القائمة من التحسينات في شروط الحياة في كنف السلطة الباطشة. 
ودونما استعادة للمعادلة الصحيحة للصراع باعتباره بين "ثورة " و"ثورة مضادة" أو بتعبير آخر بين "دولة عسكرية أمنية" و"دولة مدنية ديمقراطية" ستنعم سلطة الانقلاب بإقامة طيبة فوق عظام هذا الوطن. 
والسؤال: كيف تتحقق هذه العودة؟ 
هل يكون الحل هو تلك "الخطوة للوراء من الإخوان" والذي يتردد على ألسنة كثيرة هذه الأيام، أم في "خطوة للأمام" باتت واجبة من قوى أخرى شريكة في ثورة يناير؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق