سيف الهاجري
الأحد 21 جمادى الأولى 1440هـ
27 / 1 / 2019م
منذ قيام ثورة الربيع العربي على النظام العربي الذي قام على أنقاض الخلافة العثمانية تصدر أو صُدر في المشهد السياسي والعلمي دعاة على أبواب القطرية والوطنية والقومية والليبرالية يسيرون على خطى علي عبدالرازق في تكريس الواقع السياسي بدوله القطرية والوطنية والقومية والذي أقامته القوى الاستعمارية وعصبة الأمم والأمم المتحدة وتم فرضه على الأمة وشعوبها بالحملات العسكرية والتغريب الثقافي…
لقد انطلق أتباع علي عبد الرازق الجدد من منابرهم ومراكزهم في الغرب والعالم العربي لشرعنة مقولة عبدالرازق بأن الخلافة ليست من الدين وأنه لا نظام سياسي في الإسلام في الوقت الذي يقر فيه علماء الغرب من المستشرقين بحقيقة الخلافة وكونها نظاما سياسيا حكم بلاد الإسلام منذ قيامه إلى يوم سقوطها في أعقاب الحرب العالمية الأولى ويحذرون من قيامها مرة أخرى…
ومن أهم الكتب والتي عاصر مؤلفها أحداث العالم العربي والإسلامي بعد سقوط الخلافة كتاب ” النتائج السياسية للحرب العظمى” للمؤرخ البريطاني رامزي ميور 1931م والذي ترجمته لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر عام 1936م، وقد أوضح فيه آثار سقوط الخلافة على العالم الإسلامي وكشف الحقائق التاريخية والسياسية لتداعيات سقوط الخلافة على العالم الإسلامي واعتبرهما من أخطر النتائج السياسية للحرب العالمية الأولى…
ولنستعرض بعض أهم ما جاء في هذا الكتاب بشأن الخلافة وأثر سقوطها على العالم الإسلامي وشعوبه لندرك مدى التضليل التاريخي والعلمي الذي يمارسه أتباع عبد الرازق الجدد…
فيقول المؤرخ ميور في كتابه القيم:
•دب الضعف في العالم الإسلامي مع انتشار عدوى فكرة القومية من الغرب والتي لا تتفق مطلقا مع الإسلام الذي يدعو لمجتمع ديني يعلو على القوميات كلها…
•الفكرة القومية قضت على فكرة الجامعة الإسلامية كما قضت من قبل على الجامعة المسيحية في أوربا…
•انقسام الخلافة العثمانية إلى دولة تركية قومية ودول عربية تحت حماية بريطانيا وفرنسا هو تفكك للوحدة الإسلامية…
•إلغاء الخلافة وفصل السلطتين السياسية والدينية يناقض روح النظم الإسلامية التي ترمي إلى توحيد السلطتين…
•قضى إلغاء الخلافة على فكرة انشاء مجتمع مسلم يحكمه خليفة المسلمين وأصبح الإسلام منذ ذلك الحين من غير خليفة وهذا يتناقض مع التقاليد الإسلامية…
•الخلافة كانت الشغل الشاغل لعلماء الإسلام وعقدوا المجالس والمؤتمرات لبحث عودتها لكن الدول الإسلامية المختلفة سيطرت عليها الفكرة القومية وأصبحت همها…
•بعد سقوط الخلافة العثمانية عم الاضطراب جميع بلاد الإسلام واتخذ مظهرا واحدا هو التحرر من سلطان الغرب السياسي…
•سقوط الخلافة الإسلامية من أهم النتائج السياسية المباشرة للحرب العالمية الأولى، وبمحوها ذهب أمل المسلمين في قيام دولة إسلامية عظيمة وحل محلها دول قومية بإشراف بريطانيا وفرنسا وعصبة الأمم…
هذه هي الحقائق التاريخية للحقبة المباشرة لما بعد سقوط الخلافة تكشف لنا عمق الصدمة الحضارية والسياسية التي أصابت العالم الإسلامي الذي لم يتصور أنه سيستيقظ يوما فإذا دولة الخلافة محيت من الوجود وبيد عدوها التاريخي الغرب الصليبي الذي حقق هدفه باحتلال العالم الإسلامي وإسقاط الخلافة بعد ألف عام من الحروب الصليبية ليعلن حينها في ديسمبر 1917 لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا النصر النهائي وتمكن العالم المسيحي من استرداد أمانته المقدسة وتحرير القدس أقدس مدينة مقدسة في العالم “سلام ما بعده سلام لفرومكين ص349”
واليوم بعد قرن من إعلان لويد جورج النصر النهائي على الخلافة الإسلامية لا زال من هم بين أظهرنا ومن على منابرنا المخطوفة من يرسخ لبقاء هذا النصر النهائي والهيمنة الغربية بشرعنتهم للواقع السياسي الذي صنعه الغرب بتكريسهم لخطاب علي عبدالرازق (الخلافة ليست من الدين) والذي نشرها في كتابه المشئوم (الإسلام وأصول الحكم) 1925م والذي خط مسوداته وأنتج أفكاره طه حسين ربيب الجامعات الفرنسية وروجت له بريطانيا ودعاتها الوظيفيون في مصر والعالم الإسلامي لمواجهة تداعيات الإعلان عن إلغاء الخلافة عام 1924م…
وهكذا كان فبريطانيا وفرنسا أسقطتا الخلافة وأقامتا على أنقاضها ملكيات ودولا قطرية ووطنية وقومية ورعت دعاتها وحماتها من نخب سياسية وعلمية وعسكرية أفرادا وجماعات ولا زالوا يؤدون نفس الدور الوظيفي الذي يقومون به منذ قرن…
لم تكشف الثورة العربية وظيفية النظام العربي المستبد للقوى العربية فقط بل وكشفت أيضا أدوات القوى الاستعمارية الوظيفية من نخب وجماعات، وظهر لشعوب الأمة مدى خطورة هذه الأدوات الوظيفية ليس على ثورتها وحريتها بل وعلى الإسلام والذي لم تكتف هذه الأدوات الوظيفية بتطويع أصوله وأحكامه وتأويلها وإنما غيبت أيضا الحقائق التاريخية لا لتحرير الأمة من القوى الاستعمارية وإنما لترسيخ الواقع السياسي الذي رسمه تشرشل في مؤتمر القاهرة 1921م على صدى النصر النهائي الذي أعلنه لويد جورج وتحرسه أمريكا وأدواتها الوظيفية اليوم…
لم تدرك هذه الأدوات الوظيفية ورعاتهم بأن الزمن قد تغير وشعوب الأمة أصبحت أكثر وعيا بهؤلاء وأدوارهم الوظيفية المشبوهة والأمة بالثورة العربية والتحرر التركي والأفغاني والنهضة الأندونيسية والماليزية ستمضي بدينها مستحضرة تاريخها المجيد ووحدتها العظيمة نحو نصر تاريخي ونهائي ليس كنصر لويد جورج الاستعماري بل نصر يحقق للعالم الحرية من استعباد القوى الاستعماري الذي جثم على صدور شعوب العالم واستعبدها لقرون…
﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾
سيف الهاجري
الأحد 21 جمادى الأولى 1440هـ
27 / 1 / 2019م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق