قبل أن يعدموا التسعة الجدد
وأنت تطالع الضوء المنبعث من وجوه شهداء مقتلة الإعدامات أخيرا، اسأل نفسك: هل كنت تعلم شيئًا عن كل هذا البهاء والنقاء قبل شنقه وإهدار حياته؟.
هل كنت تعرف من هو أحمد وهدان، أو تسمع عن ليلى أحمد وهدان، أو تعلم أن هناك ثمانية أبرياء، من أنبل أبناء مصر، ينتظرون حبل المشنقة؟.
لا أظن أن أحدًا كان ينشغل بتنفيذ أحكام القتل ضدهم، قبل الموعد إلا أسرهم، ومحاموهم، إذ لم تبدأ موجات الأنين والهلع عليهم، إلا بعد تسريب السلطات نبأ شنقهم، قبل التتفيذ بساعات. وهنا، فقط، بدأ التذكّر، وبدأت عمليات البحث عن سيرهم الشخصية، وملابسات اعتقالهم واتهامهم ومحاكمتهم، ظلمًا وعدوانًا، لتنطلق معها حملات "أوقفوا الإعدامات"، فيما كانت المشنقة تلتف حول الأعناق الطاهرة.
الشاهد أن الجميع في سباتٍ عميق، حتى تفتح صنابير الدم، فيبدأ البكاء والعويل على إهدار حياة أبرياء، ويبدأ موسم زراعة الصفحات وساعات البث بحكاياتهم وصورهم ومآثرهم، ثم يعود الكل إلى الروتين اليومي مجددًا، يجترون أحاديث الاصطفاف وحواديت تعويم الرموز الغارقة، وإحياء الأيقونات المحترقة، والتلاوم والاستثمار في المأساة، والذهاب إلى تناول المسكّنات ودهانات تدليك الضمائر، فتسمع صوتًا يقول، بكل ثقةٍ، إنهم تم إعدامهم لأن الاصطفاف لم يتحقق، أو أنه لم يتم التوافق على خوض معركة الدستور، مثلًا، فتشتغل طواحين الجدل العقيم، من دون أن يجيب أحدٌ عن السؤال: ما هي الخطوة العملية التالية للاصطفاف أو للتوافق؟.
إن أحدًا لا يكره الاصطفاف، أو يرفض التوافق، بل تهفو النفوس إلى لحظةٍ كهذه، غير أن الناس في حاجةٍ إلى وضوحٍ في الرؤى والأهداف، وقبل ذلك هم جائعون للحظةٍ يستشعرون فيها أن أحدا يمتلك من الجسارة واليقين بالتغيير ما يجعله يتقدّم لقيادة الصفوف، والاستعداد لخوض معركة، بما يستلزمه ذلك من أثمانٍ فادحة.
ومن أسفٍ أن كل هذا الصخب بشأن الاصطفاف يستدير إلى الماضي، أكثر مما يتوجّه إلى المستقبل، إذ يبدو أن بعضهم لا يرى فيه أكثر من مشروعٍ لإعادة إنتاج الرواية التاريخية، وتبرئة الساحة وغسيل الأيدي من كوارث وجرائم سياسية، بينما الكلام عن المستقبل مؤجّل، حتى يحصل هذا السيد المدعو لركوب سفينة الاصطفاف على شهادة براءة ذمة.
وفي ظل هذا الوضع النخبوي الكارثي، يجدر بكل من يؤلمه هدر الدماء والأرواح الانصراف عن هذا اللغو، والذهاب إلى الانشغال بملفات عشراتٍ من الضحايا الجدد لمقصلة القضاء، ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام، بعد محاكماتٍ غابت عنه جميع صور النزاهة والعدالة، بشهادة المنظمات والهيئات الدولية.
من المهم، بل من الواجب، البدء من الآن في إطلاق حملات تعريفٍ بأبرياء ينتظرون تنفيذ قرارات الإعدام، مع بيان تهافت وزيف الاتهامات التي أحيلوا إلى المحاكمة بسببها، وتسليط الضوء على ما شهدته جلسات محاكمتهم من تغييبٍ لأبسط حقوق التقاضي، وما تعرّضوا له قبل ذلك من تعذيبٍ وتنكيلٍ وبطشٍ لانتزاع اعترافاتٍ منهم بجرائم لم يرتكبوها.
وعلى كل المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني البدء في حصر أعداد الذين ينتظرون تنفيذ الإعدام، وإعداد قوائم بأسمائهم ومخاطبة الرأي العام في الداخل والخارج بشأنهم، فهذا أجدى من الانتظار حتى يلتف حبل المشنقة حول الرقاب، لتبدأ بعدها حملات الرثاء والإدانة.
فلنفعل شيئًا قبل أن يُقتلوا، بدلًا من أن نغرق في رثائهم بعد موتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق