دستور السيسي: لا معركة.. لا ميدان
مبكرًا جدًا، بدأ العزف على أوتار المشاركة في استفتاءٍ ينظمه ويديره عبد الفتاح السيسي على تفصيل دستورٍ على مقاس عبد الفتاح السيسي، تحت حراسة جيش عبد الفتاح السيسي وشرطته. يبتزونك بأن الدعوة إلى مقاطعة هذا العبث مصدرها الأجهزة الأمنية، لكي تمنعك من خوض المعركة في صناديق الاقتراع، وكأنهم لا يتعلّمون أبدًا، متشبثين بلعبة الانتحار الذاتي التي جرّبوها غير مرّة، آخرها مسخرة الترشح ضد السيسي في الانتخابات الرئاسية، تحت شعارات تلمع في أضواء مهرجانات الابتذال، من نوعية "فتح المجال العام"، وفتح ثغرةٍ في جدار الخوف من النزول إلى الشارع.
أنت وهم يعلمون يقينًا، من الآن، بل قبل الآن بشهور طويلة، نسبة القبول بالتعديلات، وعدد الموافقين وحجم الرافضين، وأنت وهم تدركون أنه لا حاجة لهم، أو اعتبار لسلامة الإجراءات ومشروعيتها، هم أصلًا يحتقرون النصوص الدستورية والقواعد القانونية، وكل ما يعنيهم في هذا الكرنفال الماجن صورة مصنوعة بحرفيةٍ شديدةٍ لصفوف المقترعين أمام اللجان، وطوابير المحتشدين في عرس الطاغية، ومعها عنوان عريض: المصريون اختاروا الاستقرار والبناء بأغلبية كاسحة، تمامًا مثل الصورة التي أعقبت الانتخاب بين السيسي وحمدين صباحي، ثم بين السيسي وموسى مصطفى موسى، مع مراعاة فروق الأدوار بين الشخصين اللذين قاما بوظيفة المنافس أو الخصم الذي انتصر عليه الزعيم.
في هذه المرة، ستكون المشاركة، مساهمةً في إضفاء جدّيةٍ على مشهدٍ ينتمي بالكلية إلى أزهى عصور العبث الاستبدادي، وابتذالًا لتعريف كلمة "معركة" بلصقها على مسرحيةٍ متقنة السيناريو ومحكمة توزيع الأدوار.
يحكي لنا التاريخ إنه قبل سبع سنوات، أصدر الرئيس المنتخب، محمد مرسي، إعلانًا دستوريًا، في لحظةٍ كانت مصر فيها من دون برلمان، وتعاني نضوبًا في مصادر التشريع، بمواجهة شراسة الثورة المضادة والدولة العميقة، فهاجت الدنيا وماجت، وقال القوم: سقطت شرعية الرئيس الفرعون، وكنت ممن كتبوا ضد ما اعتبرته وقتها تأسيسًا لاستبدادٍ، حتى لو كان المقصد حماية الثورة التي قامت على الاستبداد، وشاركت في لقاءٍ دام عشر ساعات في مقر الرئاسة، وانتهى بإلغاء الإعلان الدستوري (الفرعوني). كان الموقف المعلن لرموز المعارضة وقتها: لا حوار مع الفرعون (مرسي).
وقال الدكتور محمد البرادعي في مقابلة مع وكالتي رويترز وأسوشييتد برس: "إنني أنتظر لأرى بيانات إدانة قوية للغاية من الولايات المتحدة ومن أوروبا ومن أي شخص يهتم حقا بكرامة الإنسان، وأتمنى أن يكون ذلك سريعا". وعلى خطاه، سار"المناضلون" عمرو موسى وحمدين صباحي والسيد البدوي، معلنين معركة إسقاط الرئيس، حتى بعد إسقاط إعلانه الدستوري الذي كانت بعض موادّه مطلبًا ثوريًا، هم أنفسهم كانوا يرفعونه.
ومع ذلك، رفضوا دعوته إلى الحوار. وقال البرادعي "لا مجال للحوار، عندما يقوم دكتاتور بفرض أشد الإجراءات قمعا وبغضا، ثم يقول دعونا نسوي الخلافات".
أتلفت الآن بحثًا عن ردود أفعال المعارضة التليدة، بمواجهة تحويل الدستور إلى خادم في مخدع السيسي، فلا أجد إلا تداعيًا لمعركةٍ في الفراغ المطلق، بعد أن وضعت أوزارها وانتهت، بقتل الدستور، ثم يطالبك بعضهم بالمشاركة في استفتاء على جثته الممدّدة على طاولات العجز والثرثرة.
للمرة الألف: هذا نظامٌ وصل إلى السلطة عن طريق إشعال النار في مبدأ الانتخاب وصناديق الانتخاب، ومن يتصوّر أنه قادر على إزاحته بمعركة صناديق، كمن يحرُث في البحر، وينصب خيمة في كبد السماء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق