السبت، 26 أغسطس 2023

المستشرقة الإيطالية لورافيشيا فاغليري تتحدى الغرب

المستشرقة الإيطالية لورافيشيا فاغليري تتحدى الغرب

هل انتشر الإسلام بالسيف؟!!

المستشرقة الإيطالية لورافيشيا فاغليري

كانت نتيجة سنوات طويلة من دراسة الإسلام وضوح الحقيقة أمام بصيرة المستشرقة الإيطالية لورافيشيا فاغليري (1893 -1989) أستاذة اللغة العربية وتاريخ الحضارة الإسلامية بجامعة نابولي، فقدمت للعالم كتابها “دفاع عن الإسلام” الذي ترجمه إلى العربية منير البعلبكي.

دراسة سيرة هذه المستشرقة توضح أنها تمكنت من بناء مكانتها العلمية في إيطاليا، فمن أهم إنجازاتها كتاب “قواعد اللغة العربية” الذي شكل مرجعا أساسيا لعملية إعداد الكثير من الباحثين والدبلوماسيين الإيطاليين، وتأهيلهم لبناء علاقات مع الدول العربية؛ لذلك فهي تشكل صوتا متميزا في الغرب.

كما أنها امتلكت الشجاعة العلمية لتتحدّى الصورة النمطية المتحيّزة التي شكلها الغرب للإسلام، فدحضت بالبراهين العلمية والعقلية والأدلة التاريخية الخرافات التي نجح الغرب في ترويجها عن الإسلام، والتي تبناها أنصاف الجهلاء في العالم العربي الذين أعمى الانبهار بالغرب أبصارهم، وأفسد عقولهم.

هل انتشر الإسلام بالسيف؟!!

من أهم تلك الخرافات أن الإسلام دين عدواني انتشر بحد السيف، فكيف ردت لورافيشيا فاغليري على ذلك، ودافعت عن الإسلام؟!

إن مشكلة الكثير من الغربيين أن الحيرة قد أصابتهم في تفسير انتشار الإسلام، وانتصاراته على الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، فاندفعوا على نحو يائس في طوفان التخمينات الخاطئة.

وتقدم فاغليري تفسيرا جديدا -ربما يخشى الكثير من المفكرين المسلمين إعلانه- يقوم على أن الذين يروجون الاتهامات للإسلام لم يدركوا أن القوة الإلهية وحدها قدمت الحافز الأول لحركة المسلمين الواسعة.. إنهم لم يريدوا الاعتراف بأن حكمة الله وحدها كانت مسؤولة عن رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) خاتم الأنبياء.

وتكمل المستشرقة الإيطالية تفسيرها بأن الإسلام رسالة عالمية لجميع أفراد الجنس البشري بدون تمييز، وعلى اختلاف الجنسيات والأوطان والأعراق؛ لذلك كان لا بد أن ينشأ الصراع بين مادية الوثنيين واليهود غير المتسامحين من ناحية، والمثل الأعلى الذي أراد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن يحققه، فقاتل أولئك الذين أصروا على تدميره بالقوة، ونهض هو وأنصاره ليمهدوا السبيل لإيصال الحقيقة إلى النفوس؛ لأنه كان مكلفا بأن يهدي الناس سواء السبيل.

عندما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مدّ يد الصداقة إلى اليهود، ودعاهم إلى التعاون، لكنه حين أدرك أنهم معادون له عداءً مطلقا، وأنهم مصرون على اتباع سبيل خاطئة، تعيّن عليه أن يقاتلهم ويعاقبهم، وكانت الحرب ضد الأعداء ضرورة.

وهذه الحرب بمخاطرها وانتصاراتها العسكرية ساعدت على أن تكون الجماعة المؤمنة كالبنيان المرصوص، وقدمت وسيلة البقاء الضرورية للجماعة المؤمنة.

حرب عادلة وأخلاقية!

لقد كانت الحرب -كما ترى فاغليري- وسيلة لحماية الدين الجديد، وليست غاية في ذاتها، وكانت دفاعا ضروريا لا عدوانا جائرا.

وتضيف: لقد كان العرب -حتى وهم في أوج قوتهم- مستعدين لأن يقولوا لأعدائهم: ألقوا السلاح، وادفعوا جزية يسيرة نسبغ عليكم حماية كاملة، أو اتخذوا الإسلام دينا، وادخلوا في ديننا تتمتعوا بالحقوق نفسها التي نتمتع بها.

إن تاريخ الإسلام يقدم أمثلة على التسامح الديني، فقد كان المسلمون يعقدون المعاهدات مع الشعوب، ويتركون لها حرية المعتقد.. ولقد امتزجت في نفس محمد صلى الله عليه وسلم العدالة والرحمة، وهما من أنبل الصفات التي يستطيع العقل البشري تصورها.. كما جعل محمد الحرب أخلاقية، فكان يوصي جنوده: “لا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة مثمرة”.

تضيف المستشرقة الإيطالية قاعدة مهمة هي أن هناك أنواعا من الصراع لا يمكن الفوز فيها ما لم يكن ثمة عامل أخلاقي بالغ القوة، وإيمان قوي بعدالة القضية، ولقد كان الإسلام يملك هذا العامل.

فما القوة التي تكمن في هذا الدين؟! وتجيب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى أصفى عقيدة توحيدية، وإلى التفكير في الكون وسننه، فقد كان واثقا من أن كل عاقل لا بد أن يؤمن بالله الواحد، وكان يخاطب عقل الإنسان وضميره، وبذلك هزم الإسلام الوثنية في مختلف أشكالها، وتم تحرير العقول الإنسانية.

الإسلام أطلق إرادة الإنسان!

جعل الإسلام الإنسان يدرك مكانته الرفيعة في الكون، وأطلق إرادته من القيود، وأعلن المساواة بين البشر، وجعل التفاضل بين المسلمين على أساس الخوف من الله (التقوى)، والأعمال الصالحة، والصفات الخلقية والفكرية.

تقول فاغليري: إن معجزة الإسلام العظمى هي القرآن.. إنه كتاب الله الذي لا سبيل إلى محاكاته، فأسلوبه أصيل فريد، وإلى جانب كماله من حيث الشكل، فإنه يتضمن ذخائر من المعرفة وهذا دليل على أنه كلام الله الذي وسع علمه كل شيء.

ولا يزال لدينا برهان آخر على المصدر الإلهي للقرآن هو أن نصه ظل صافيا عبر القرون، وسيظل على حاله تلك من الصفاء وعدم التحريف ما دام هذا الكون.

لذلك فإن الذي أدى إلى انتشار الإسلام السريع هو هذا الكتاب الذي قدمه المسلمون إلى الشعوب مع تخييرها بين قبوله ورفضه، فكان قادرا على النفاذ إلى قلوبهم وأعماق نفوسهم. ولقد خاطب الإسلام القلب والعقل، فاختارته الشعوب وآمنت به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق