الاثنين، 28 أغسطس 2023

حتى تغيروا ما بأنفسكم

حتى تغيروا ما بأنفسكم

مقدمات ما قبل التغيير

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وحياكم الله تعالى في هذه الليلة المباركة، وهي ليلة الخميس، التاسع والعشرين من شهر ربيع الأول لعام ألف وأربعمائة وإحدى عشرة للهجرة.
وكما سمعتم من أخي أن عنوان هذه الكلمة أو المحاضرة (حتى تغيروا ما بأنفسكم)، وأستغفر الله عز وجل فإنني ما قصدت بهذا العنوان حكاية كلام الله تعالى، وإنما قصدت به عنواناً أنشأته من عند نفسي، واقتبست معنى الآية الكريمة العظيمة فيه، ألا وهي قوله عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ))[الرعد:11].
وإنما جعلت العنوان خطاباً (حتى تغيروا) لأني لاحظت أمراً في غاية الخطورة نعانيه نحن المسلمين، ألا وهو أننا في كثير من الأحيان نتحدث عن غيرنا أكثر مما نتحدث عن أنفسنا؛ نعيب غيرنا، ونحمل المسئولية غيرنا، ونلقي بالتبعة على غيرنا، ونجعل الأسباب من غيرنا، وإذا سمعنا أحداً ينتقد، أو ينصح أو يوجه؛ خيل إلينا أنه يتحدث عن أمة أخرى أو شعب آخر أو أناس آخرين، لكن قلّما يسمع الواحد منا الحديث وهو يحس أنه هو بذاته وباسمه وشخصيته المخاطب قبل غيره، ولذلك يقل الانتفاع من الكلام؛ لأن كل واحد يعتقد أنه ليس مخاطباً ولا مقصوداً، فاخترت أن يكون العنوان خطاباً (حتى تغيروا ما بأنفسكم) لدفع هذا المعنى الموجود في نفوسنا.

وسوف تكون هذه الكلمة في سبع نقاط، أو سبع وقفات، الوقفة الأولى عبارة عن مقدمات لا بد منها:

تحريم الله الظلم على نفسه

فإن الله تعالى حرم الظلم على نفسه، كما قال جل وعلا: (( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ))، في أكثر من موضع من القرآن الكريم، وقال: ((وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ))[الزخرف:76]، وقال: ((وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) ، وقال: ((وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ))[فصلت:46].
وفي الحديث القدسي في صحيح مسلم عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا).


ترتب الجزاء على فعل الإنسان وعمله

ومن عدله جل وعلا أنه جعل الجزاء في الدنيا والأخرى مترتباً على فعل الإنسان وعمله؛ فأهل الجنة يقال لهم: ((ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ))[النحل:32]، ((هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ))[الحاقة:24]، وأهل النار كذلك إنما دخلوها بذنوبهم وخطاياهم وأعمالهم.
وكذلك الجزاء الدنيوي، إنما يناله من يناله، إن كان خيراً فبعمله الخير، أو شراً فبعمله الشر؛ ولذلك قال الله عز وجل: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، فمن عدله جل وعلا أن كل أمر يحصل للإنسان في الدنيا أو الآخرة فهو بسبب عمله، وما ظلمه الله تعالى شيئاً.
وكما أننا نعلم جميعاً أن الجزاء الأخروي حق، وهناك في الآخرة جنة ونار، وهذا من أصول العقيدة الإسلامية، كذلك يجب أن نعلم أن الجزاء الدنيوي واقع أيضاً.
صحيح أن الدنيا ليست دار جزاء، ولكن أيضاً الله جعل في هذه الدنيا نواميس وسنناً تجري على العدل والاستقامة، فكل ما يصيب الأمم دعك من الأفراد، يعني: كون فلان أصابه مرض، ولّا حصل له حادث سيارة، ولّا كان عنده مؤسسة وفشلت هذه دعها جانباً. دعنا نتكلم في المصائب العامة: أمة من الأمم أصابها جدب وقحط، وهلكت الأموال والزروع والمواشي، أصابها فقر شديد، أصابها هزائم عسكرية أو هزائم سياسية أو هزائم اقتصادية، نكبات عامة، هذه القرآن الكريم صريح في أن هذا بفعل البشر، بسبب فعل الناس: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ))[الروم:41]، ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ))[الشورى:30].
ولما جاءت معركة أحد وانهزم المسلمون، وكانوا يتصورون أنه ما دام هم المسلمون وقائدهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويقابلون جيشاً مشركاً يعبد اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، كانوا يعتقدون أنَّ النصر لهم حتماً، فأصابتهم المصيبة، وقتل منهم من قتل، وجرح من جرح، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت حلق المغفر في وجنتيه، وشج رأسه، وكسرت رباعيته، وسقط عليه الصلاة والسلام في بعض الحفر التي حفرها أبو عامر الفاسق -الذي كان يسمى بـالراهب- حتى أشيع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل، فهنا دُهش المسلمون، وتلفتوا يقولون: أنّى هذا؟! كيف يحصل هذا؟! فجاءهم الجواب البيان المفصل في سورة آل عمران، أجتزئ منه قوله تعالى: ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ))[آل عمران:165].
إذاً كما أن الجزاء الأخروي حق، فكذلك الجزاء الدنيوي حق، قال الله عز وجل: ((وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ))[النمل:50-51].
فالمصائب في الدنيا -المصائب العامة- بسبب الذنوب، والسعة في الرزق والمال والأهل والمتاع الطيب هو أيضاً بسبب الطاعات، هذه هي القاعدة العامة، وكل قاعدة لها استثناءات، البشر قد لا يستطيعون أن يطبقوا القاعدة في كل ظرف وفي كل حال، لكن هذه قاعدة قرآنية ربانية لا كلام فيها.


ارتباط التغيير بفعل الناس

ولذلك الله عز وجل ربط التغيير بفعل الناس، فإذا كان الناس في حال خير وانتقلوا إلى حال سيئة، ما يحسن أن يقولوا: من أين جاء هذا؟ لأنه يقال لهم حينئذٍ: ((قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ))[آل عمران:165]، كما قال الله عز وجل في سورة الأنفال: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ))[الأنفال:53].
أمة من الأمم عزيزة منيعة الجانب، قوية قاهرة غالبة، ممكنة في الأرض، ثم يئول الأمر بها إلى انهيار وانهزام، وتصبح في ذيل القافلة، وتصبح أمة لا قوام لها، ولا اعتبار لها، ولا شأن لها، تسمى كما يقولون في لغة العصر الحاضر: (العالم الثالث)، والآن أخرجوا مصطلحاً جديداً يسمونه (العالم الرابع)، العالم الرابع يعني الذي فيه تخلف التخلف، الذين لا يجدون لقمة العيش ليأكلونها، وكلهم أو جلّهم أميون لا يفكون الحرف، ولا يقرءون ولا يكتبون، والمرض يسري فيهم سريان النار في الهشيم، إلى غير ذلك من مظاهر التخلف، فيما يسمونه بحزام البؤس أو العالم الرابع، وهي كلها دول من أمم المسلمين.
يجب هنا أن يتساءل الإنسان، أو أن يفكر الإنسان أن هذا المصير الذي آلت إليه تلك الأمة العزيزة المنيعة، إنما هو من عند أنفسها وبسبب ذنوبها، وكذلك العكس؛ فهذه الأمة أو غيرها من الأمم التي تعيش وضعاً سيئاً ومتردياً، وتريد الخروج؛ عليها أن تفكر أن البداية تأتيها من عند نفسها، لا تتصور أبداً أن الخروج من هذا المأزق، ومن هذه الأزمات، ومن هذا التخلف، ومن هذا الجهل، أن الخروج يأتي بشيء يهديه لها أعداؤها، يسبغون عليها، يعطونها، يقدمون لها، لا، لا أبداً، كما يقول الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
الحياة صراع، الذي لا يملك وسائل القوة والصراع والسباق يهزم، ويصبح في آخر الركب وفي ذيل القافلة، فمن كان على حال سوء يطمع بالانتقال إلى حال حسنة، يجب أن يعرف أن البداية تأتي من عنده هو، يغير ما بنفسه فيغير الله تعالى ما به، وهذا يصدق على حال الأمة وعلى حال الفرد.
أما بالنسبة للأمة فهي قاعدة مطردة ما فيها كلام.


إمهال الله للظالمين

أما بالنسبة للفرد فقد يظهرها الله عز وجل في كثير من الأحيان بشكل أو بآخر، قد تجد إنساناً اليوم يظلم ويعتدي، ويأخذ بغير حق، اصبر، لا تتعجل الأحداث، لا تقل: لماذا وكيف الله ما عاقبه؟! يقول الله عز وجل: ((وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ))[إبراهيم:42]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته: ((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ))[هود:102]).
إذاً: لا تتعجل، يوماً .. شهراً .. سنة، الأمور في ميزان الله عز وجل غير الأمور في ميزاني أنا، وميزانك أنت، نحن إذا رأينا الباغي والظالم مكث شهراً وسنة ما انتقم الله عز وجل منه، استبطأنا الأمر وتعجّلنا، لكن اصبر، ممكن أنك حتى قد تموت وما رأيت النتيجة، يراها ولدك أو أخوك الأصغر، فكم من إنسان ظالم أو معتدٍ أو منحرف، أو مستهزئ بالدين، أو ساخر بالمؤمنين، أمهل الله عز وجل له وأملى له، ثم أخذه أخذ عزيز مقتدر.
كم من إنسان كان يقوم على تعذيب المسلمين وإيذائهم، والزّج بهم في السجون، وإذا استنصروا بالله عز وجل، قال لهم كما قال بعض زبانية التعذيب في أرض الكنانة، في وقت من الأوقات، لما رأوا إنساناً يصرخ: يا ألله، قالوا له: لو جاء الله لجعلناه في هذه الزنزانة، والعياذ بالله. وما هي إلا أزمنة قصيرة حتى يأخذهم الله عز وجل بشكل غريب.
حتى إن أكبر زبانية التعذيب الذي كان يعذب بعض العلماء والدعاة، كان من ضمن وسائله في التعذيب أنه يمنعهم من الذهاب لقضاء الحاجة، زماناً طويلاً، ودار الدهر دورته، فإذا بهذا الرجل يفقد صولجانه وأبهته ومكانته، وإذا به يصاب بصعوبة التبول والحصر حتى إنه يجال به في مستشفيات الدنيا، يصرخ صراخاً شديداً حينما يريد أن يقضي حاجته، ثم مات بهذا المرض، ولما سمع بعض ضحاياه بهذه القصة، وكان في الحرم المكي الشريف خر لله تعالى ساجداً.
إذاً: الله عز وجل يعجّل لمن يشاء العقوبة في هذه الدنيا، وإن كانت الدنيا ليست دار جزاء، وإنما هي دار عمل، وهذا الجزاء الذي يظهره الله عز وجل إنما هو من باب العبرة والعظة، التي يبينها الله جل وعلا لعباده.


بداية التغيير من الإنسان

ولذلك فالقرآن الكريم حشد الكثير من الآيات والقصص السابقة، التي تبين أن هذا هو الطريق؛ لا تنتظر أبداً أن يكون التغيير بواسطة ملك يهبط من السماء، كلا، ولا بواسطة شيء يخرج من الأرض، لا، إنما التغيير بواسطة الإنسان، ضع تحت كلمة الإنسان خطاً، الإنسان هو مدار التغيير بإذن الله جل وعلا، فالله جعل النواميس في هذا الكون خاضعة لتغيير الإنسان، كما قال قتادة رضي الله عنه: [من الإنسان التغيير، ومن الله تعالى التيسير]، الإنسان لا يمكن يغير بنفسه .. يصنع القدر، لا، القدر قدر الله جل وعلا:
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
ربما إنسان بسيط، تفكيره بسيط، يفتح اليوم بقالة أو متجراً متواضعاً، وتبدأ أمواله تكثر، فتأتيه بعد عشر سنوات، وإذا به من أصحاب رءوس الأموال، تجلس معه تتحدث: هل تميز هذا الإنسان بذكاء عن غيره؟ لا، بماذا تميّز؟ هذا من توفيق الله عز وجل، يهب ذلك لمن يشاء. وقد تجد إنساناً صاحب تفكير وتخطيط، وعنده لجان، وعنده مستشارون، وعنده خبرات ودراسات وتحاليل وتقارير وأشياء، ويقوم بمشاريع في النهاية تنهار، ويصبح هذا الإنسان منكسراً لا مال له.
فالأمور بلا شك مرتبطة بقضاء الله وقدره، وإذا لم يعن الله جل وعلا العبد فأول ما يجني عليه اجتهاده.
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
لكن أيضاً ينبغي أن ندرك أن التغيير يبدأ من الإنسان، لا تتصور يا أخي الكريم أن التغيير يبدأ من المصنع.
بعض الإخوة مثلاً يقول: إن الطريق إلى تقدم العالم الإسلامي عن طريق الصناعة والمصانع، نحن لسنا نشك أن العالم الإسلامي لكي يصبح عالماً متقدماً، لا بد أن يملك الصناعات سواءً الصناعات الحربية أو غيرها، وما دام يستورد من غيره فهو ليس متقدماً؛ لأن حاجاته بيد عدوه، يفرج عنها متى شاء، ويمنعها ويحجبها متى شاء، هذا ما فيه شك، ولا نجادل فيه، لكننا نقول: المهم هو الإنسان، إذا أفلحنا في صناعة الإنسان -إن صح التعبير- في إيجاد الإنسان الفعال المؤثر القوي، صاحب الهمة، ثقوا أن كل الأمور ستتبدل، سيأتي المصنع، وسيأتي المتجر، وسوف تأتي القوة، وسيأتي التنظيم، وسيأتي كل شيء.
إذاً ينبغي أن ندرك أن مركز الثقل، أو كما يقولون، حجر الأساس في موضوع التغيير هو الإنسان.


بقاء أمة الإسلام

ننتقل إلى نقطة ثانية: هذه الأمة التي نحن جزءٌ منها، لا شك لا نعتبرها الأمة العربية؛ لأننا لا نُدِلُّ أو نفخر بعروبتنا، فإن هذه الأسماء لا قيمة لها:
خلوا خيوط العنكبوت لمن هم كالذبابات تطايروا عمياً
المسلم وطنه بلاد الإسلام، وجنسيته الدين، وإن كان عربياً أو غير عربي، فهذه الأمة التي نحن منها أمة الإسلام، خلقت لتبقى، وهذه قضية يجب أن تستقر في نفوسنا، ما خلقت لتؤدي دوراً ثم تنتهي، مثلما هو الحال بالنسبة للأمم الأخرى، خلقت لتبقى حتى آخر الزمن، حتى قيام الساعة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتبقى أيضاً قوية عزيزة، ويكفيك أن تتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال )، فالأمة خلقت لتبقى؛ ولذلك لا تتصور أن هذه الأمة أمة مؤقتة أو زائلة، لا لا أبداً، هي أمة الله عز وجل أخرجها رحمة للعالمين، أخرجها للعباد يقيمون الحجة على الناس، ولذلك هذه الأمة باقية، بعز عزيز أو بذل ذليل، شاءوا أم أبوا.

تحطم المؤامرات أمام الإسلام

كم تحطم على صخرة هذه الأمة من مؤامرات؟ هي ولدت اليوم الأمة! الأمة لها ألف وأربعمائة سنة، كم تحطم على صخرتها من مؤامرات! منذ بعث الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤامرات السرية تشتغل، وكل أمة نكبت بالإسلام صارت تشتغل ضده، مثلاً اليهود فقدوا موقعهم بالإسلام، كانوا يعتقدون أن يكون النبي منهم، فقدوا موقعهم، وصاروا يشتغلون، الفرس، المجوس فقدوا مواقعهم، وفتح المسلمون بلادهم، وصاروا يتآمرون، النصارى فتحت بلادهم، صاروا يشتغلون، وهكذا تحالفت كل أمم الدنيا على رغم ما بينها من تفاوت وحرب وصراع، تحالفت ضد الإسلام، وصارت أمواجاً كاسحة.
لو تذكرت مثلاً مؤامرات فرضاً الصليبيين: كم من حملة صليبية حاولت أن تكتسح العالم الإسلامي! وجاءوا في فترة الضعف، وجاءوا بقوة هائلة رهيبة بمئات الألوف، وأجهزة وأسلحة فتاكة، تحطموا على صخرة الإسلام.
جاء التتار، أمم متوحشة قاهرة غلابة، وأمم هائلة، وتعودوا على البداوة وشظف العيش، وجاءوا واكتسحوا الدنيا كلها، مثل السيل لا يقف في وجهه شيء، فتحطموا على صخرة الإسلام.
جاء الاستعمار، واحتل بلاد المسلمين، وفعل بها الأفاعيل، وكان في عهد ضعف وذل للمسلمين، فماذا صنع المسلمون؟ صنعوا البطولات، صحيح أنهم ما قاموا بعمل منظم -وهذه قضية يجب أن نستفيدها من التاريخ- ضد الاستعمار، بمعنى أنه يضمن خروج الاستعمار، ورجوع البلاد إلى حكم الله ورسوله وإلى حكم الإسلام، لكنهم قاموا بعمل بطولي، يشبه تماماً ما يقوم به الإخوة المجاهدون في أفغانستان؛ بطولات، تضحيات، قتل، قتال، استبسال، معارك طاحنة، أخبار مدهشة، وهذا بحد ذاته دليل على أصالة هذه الأمة وبقائها.
وكما تسمعون وتعلمون أنه في الجزائر مثلاً عدد الذين قتلوا لمقاومة الاستعمار الفرنسي، كانوا مليون شهيد؛ ولذلك يسمونها بلد المليون شهيد، ونرجو الله عز وجل أن يكونوا شهداء في سبيله.
من كان يقوم بحملات التحرير ضد الاستعمار؟ يقودها المشايخ، في الجزائر مثلاً جمعية العلماء وغيرها، وفي المغرب الخطابي وغيره، وفي ليبيا عمر المختار، وهكذا في بقية البلاد الإسلامية، في فلسطين عز الدين القسام.
إذاً هذه الأمة تتحطم على قوتها وصخرتها جيوش الأعداء، حاولوا تحطيمها فتحطموا هم.


أثر النكبات على أمة الإسلام

ولا تعتقد يا أخي العزيز أن هذه النكبات التي تحل بالأمة .. لا تنظر إليها نظرة خاطئة، لا تعتقد أنها هي التي تدمر الأمة، بل أقول من منطلق نظرة قد تكون شخصية، لكن أعتقد أنها صائبة: إن هذه الأزمات والنكبات هي التي تخرج الرجال، يعني: الأمة التي تمر بحياة هادئة رتيبة، ليس فيها أي أمر جديد ولا مثير، تجد أن هذه الأمة يخيل إليك أنها أمة ميتة، لكن إذا حصل أمر يهز الناس، ظهرت حقائق الرجال وبانت المعادن.
وخذ على سبيل الأمثلة الإمام أحمد مثلاً متى ظهر؟ وكيف ظهر؟ ولماذا كسب هذه الشهرة العظيمة والمكانة سواء في عصره أو إلى اليوم؟ إنما ظهر لما واجهت الأمة سيل العقلانيات والفلسفة، وعلم الكلام والمنطق، وتقديس العقل من دون الله عز وجل، فقام الإمام أحمد يدعو إلى العودة إلى الكتاب والسنة والاعتصام بهما، وتصحيح العقيدة، وإخراج هذه اللوثات التي دخلت إلى عقول المسلمين.
مثال آخر: ابن تيمية رحمه الله؛ كيف ظهر ابن تيمية؟ ومتى ظهر؟ صحيح أن الأمة كانت في زمن ضعف وانهيار، لكن كان ظهور ابن تيمية رحمه الله في وقت وجد فيه التتر ووجد فيه الضعف، واكتسحت حملات التتر بلاد المسلمين، فظهر ابن تيمية، كيف ظهر؟ لماذا ظهر؟! ظهر في البداية من منطلق الحرقة التي في قلبه كما سيتضح، يحترق من الداخل على واقع الأمة، ومشكلات الأمة ومصائب الأمة، ثم بدأ يحاول أن يحول هذا الاحتراق الداخلي إلى عمل خارجي، ما اكتفى بمجرد الحسرة والألم، لا، أدرك أنه لا بد أن يقوم بخطوات فعّالة، فصار يقوم يجمع العلماء ويتحدث معهم، ويثبت السلاطين والحكام، ويأمرهم ويقوي عزائمهم، ويحث الناس على القتال وهكذا، حتى استطاع ابن تيمية رحمه الله أن يعمل تعبئة كاملة للأمة ضد التتر، وانهزموا بإذن الله عز وجل.
العز بن عبد السلام رحمه الله كيف ظهر ومتى ظهر؟! ظهر في ظروف مشابهة؛ كانت الأمة تعاني فيها من الحملات المختلفة للتتر وغيرهم أيضاً، وتعاني من التمزق والانقسام الداخلي، فكانت أحوج ما تكون إلى بطل، بطل ما هو بالضرورة بطل بالسيف، بطل باللسان، بالكلمة الجادة الشجاعة الصادقة، فكان العز بن عبد السلام يصعد أعواد المنابر، ويقول كلمة الحق صريحة مدوية، ويأتي هنا وهناك، ويتكلم لدى العام والخاص والكبير والصغير، والعالي والنازل بالحق، ويجهر به، ويجمع الناس عليه، حتى تحقق نصر الأمة.
نصر الأمة إذاً ما تحقق على يد السلطان المملوكي أو غيره، إنما تحقق في الواقع على يد العلماء الذين كانوا وراء هذا الانتصار الذي حققته الأمة. وقل مثل ذلك في أسماء كثيرة، ظهرت بسبب الأزمات التي حلت بالأمة.
ولذلك يقول أحد المؤرخين البريطانيين واسمه أرنولد توينبي له نظرية في تفسير التاريخ، يسميها (التحدي والاستجابة) يقول: إن أي مصيبة تنزل بالأمة هي عبارة عن تحدٍ، هذا التحدي يورث عند الأمة استجابة، يعني: يثير في النفوس دوافع معينة، تجعلها تفكر كيف تقدم خدمة لهذا الدين، كيف تخرج من هذه الأزمة؟ فيظهر الرجال حينئذٍ.
ولذلك علينا ألّا نتشاءم من هذه المصائب والنكبات والأزمات التي تمر بالأمة، بل علينا أن ندرك أنه هنا يأتي نصر الله عز وجل تماماً كما حصل حين جاءت الأحزاب: ((وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً))[الأحزاب:22]، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم لما كانت غزوة الأحزاب.. كان المنافقون يقولون: الواحد منا ما يستطيع أن يذهب لقضاء الحاجة، ويقولون: إن بيوتنا عورة، ومحمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول غير هذا، لما اشتدت عليهم الصخرة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وضربها بالمعول، قال: (الله أكبر! فتحت لي كنوز كسرى. ضربها مرة أخرى، قال: الله أكبر! فتحت لي كنوز قيصر. ضربها مرة ثالثة، فقال: فتحت لي اليمن وإني أرى قصور صنعاء).
إذاً: الواثقون من نصر الله عز وجل -وهم المؤمنون- في أشد الظلام وحلكة الليل، يدركون أنه حينئذٍ يولد الفجر، أشد ما يكون الليل ظلاماً قبيل الفجر، ثم يبزغ الفجر بعد ذلك.
وإن كان هذا يذكرني بقضية؛ وهي أن الأمة وجودها يتفاوت؛ ولذلك لاحظوا أننا الآن -مع الأسف الشديد- إذا أردنا نضرب الأمثلة، بمن نضرب الأمثلة؟ هل نضرب الأمثلة بفلان الحي الموجود بين أظهرنا؟ قلّما يحدث هذا، وإنما نضرب الأمثلة بالماضين، كأن الأمة تحتاج الآن إلى الرجال، ما كانت الأمة في زمن أحوج منها في هذا الزمن إلى الرجال.
فنحن الآن بكل صراحة: ابن تيمية يؤثر في واقعنا أكثر مما يؤثر كثير من طلبة العلم الأحياء، الذين يمشون على أقدامهم.
يا رُبَّ حيٍّ رخام القبر مسكنه ورب ميت على أقدامه انتصبا
إذا جاءتنا مشكلة علمية وجدنا ابن تيمية رحمه الله سبق فيها، جاءتنا مشكلة عملية، المشكلة العلمية معقول، قضية في الفقه أو في التوحيد أو في التفسير، لكن حتى مشكلة عملية يمكن ابن تيمية نستطيع أن نستفيد من أكثر مما نستفيده من غيره.
مثلاً: هناك طائفة من الطوائف لا نعرف الحكم عليها، هل هذه الطائفة مسلمة أو كافرة؟ داخلة في الإسلام أو خارجة منه؟ يجب قتالها أم لا يجب؟ قد نتردد، وقد نحتار في ذلك، وقد لا نجد من يعطينا الجواب، لكن إذا رجعنا إلى فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية المجلد الثامن والعشرين، وجدناه تكلم عن ذلك بكل وضوح، ووضع النقاط على الحروف، كما يقال.
وجدنا مشكلة قائمة أيضاً ربما تختلط عندنا الموازين، ونشك ونرتاب، ولا ندري كيف نتصرف، فإذا رجعنا إلى الكلام الذي كتبه ابن تيمية في مثل هذه المناسبة تعجبنا.
وقد سبق أنني قرأت على بعض الإخوة في إحدى المناسبات كلاماً ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو فصل طويل يزيد على عشرين صفحة في الفتاوى، تكلم فيه ابن تيمية للأمة بمناسبة غزو التتر، وما أصاب الأمة من رعب وخوف وفزع، حيث بدءوا يرتحلون من الشام، يسافرون خوفاً على أنفسهم وعلى أولادهم، ويأخذون أموالهم، الكبار والصغار، والعالم وغير العالم، خوفاً من هذا السيل الذي يخشون أن يكتسحهم، فتكلم ابن تيمية بكلام عظيم، وربط القضية بقضية الأحزاب، وأنا أدعوكم للرجوع؛ تجدونه -والله الذي لا إله غيره- كأن ابن تيمية يتكلم عن اللحظات التي نعيشها الآن، وقلت في تلك المناسبة: إنني اكتشفت الكلام الذي كان يجب أن نقوله، وأن يقوله طلبة العلم للناس في مثل تلك المناسبات، اكتشفته من خلال قراءتي لما كتبه قلم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.


عوامل النجاح في أمة الإسلام

نقطة ثالثة في الموضوع: عوامل النجاح في الأمة.
عوامل النجاح في الأمة تتلخص في جانبين:

قيام الأمة على المبدأ الحق وهو الإسلام

الجانب الأول: ما يمكن أن يسمى بالجانب النظري أو العقدي، وهو وجود مبدأ صحيح لدى الأمة، يعني: كون الأمة تملك مبدأ صحيحاً تقوم عليه، وهذا نحن المسلمين نملكه بلا شك، الإسلام عقيدة وشريعة، و كل إنسان يشك في صلاحية الإسلام وأنه هو الحق، فهذا ليس لنا معه كلام؛ لأنه بشكّه هذا خرج من دائرة المسلمين، وأصبح منسلخاً عن الأمة، أصبح في عداد الكافرين.
إنما نتكلم عمن يؤمنون بهذا الدين وبهذا الإسلام، وأنه الحق من ربهم، فهؤلاء يؤمنون قطعاً لا شك فيه بأن الأمة -نظرياً- تملك الحق المتمثل في هذا الإسلام.
لا شك أنه بالنسبة للإسلام الذي هو الحق، يحتاج إلى أن نوضحه للناس، نبلغه للناس، نزيل ما تعلق به من خرافات ألصقها به مثلاً الصوفية أو الشيعة، أو المبتدعة على مختلف مذاهبهم وطوائفهم، هذا جانب آخر.
إذاً الجانب الأول أو العامل الأول من عوامل النجاح: كون الأمة تملك الحق، وهذا موجود عند المسلمين بخلاف الأمم الأخرى، ليس هناك أمة تملك الحق إلا المسلمين.


أن يكون الإسلام ماثلاً في واقع الناس بكل ما يدعو إليه

الجانب الثاني: الجانب العملي، وهو جانب التطبيق.. جانب الفاعلية، ما معنى أن يكون المسلمون يملكون الحق ثم يغلبهم غيرهم في أمرٍ دينهم يأمرهم به؟!
أضرب مثلاً لذلك: الإسلام دين يحث على العمل ويأمر به، وكما قلت لكم في أول الكلمة: أهل الجنة دخلوها بعملهم، وأهل النار دخلوها بعملهم، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث صحيح عجيب، يقول: (إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فاستطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها، فليغرسها فله في ذلك أجر)، الساعة تقوم الآن، وبيدك نخلة صغيرة تريد أن تغرسها، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك: (اغرسها فلك بذلك أجر)، والحديث صحيح، فسيلة والساعة تقوم الآن! لماذا؟ لأنك مأجور، هذا عمل تؤجر عليه، فالإسلام دين العمل.
ومع ذلك لما تقارن المسلمين بأمة أخرى، ودعونا نقارن المسلمين بأمة وثنية؛ لأن آخر ما يخطر في بالك الوثنية، البوذيون في اليابان ماذا صنعوا؟
قرأت قصة عن أحد الطلاب المبتعثين إلى الغرب، لنقل ما يسمونه بالتقنية والخبرة الصناعية إلى اليابان، يقول هذا الطالب: لما ذهب إلى بريطانيا وحاول أن يتعلم ما استفاد ورجع، ذهب مرة ثانية إلى ألمانيا، وتعلم على يد أحد الأساتذة أو الدكاترة، فكان هذا الأستاذ يعلمه كلاماً نظرياً في كلام نظري، في كلام.. في كلام، يقول: جلست زمناً طويلاً فهمت كل شيء بعقلي، لكن لما أجلس أمام الآلة أو (الموتور) أحس بأنني أمام لغز ما أعرف شيئاً فيه، وذكر كيف أنه جمع من راتبه، واشترى (موتوراً) وبدأ يفكه في البيت، ويسهر، حتى إنه ما ينام في اليوم والليلة إلا ساعات محدودة، ولا يأكل إلا وجبة واحدة، وظل على هذا سنوات، بعدها استطاع أن يصنع (موتوراً)، ويعود إلى بلده لا بشهادة الدكتوراه، لكن بهذه الصناعة، وكانت أخباره تنقل إلى بلده أولاً بأول، فلما جاء إلى بلده قالوا له: رئيس الدولة يريد أن يستقبلك تكريماً لجهدك، قال: لا، ما أستحق حتى الآن، حتى إذا صنعنا أول موتور ياباني- صناعة يابانية- في ذلك الوقت أنا آتي إليه! وجلس تسع سنوات حتى أفلح في تكوين مصنع، وكنت أتعجب من كلامه.
يقول في ضمن القصة: وأنا بوذي، والعمل الذي أقوم به يقرب إلى بوذا، وثني، ومع ذلك يعمل بروح، وأي عمل يقوم به يقربه إلى معبوده ووثنه! أليس المسلمون أولى وأحق بهذه الروح الوثابة التي تدعو إلى العمل والإنتاج؟! لا شك.
المسلمون الأوائل أخذوا خير ما عند الأمم الأخرى خلال فترة وجيزة، فكيف يحصل هذا؟! يحصل بسبب الانشطار بين النظرية والتطبيق، عندكم دين صحيح وحق ولا مرية فيه، لكن التطبيق في واد آخر، وربما تكون الأمم الأخرى سبقتكم إلى بعض مميزات هذا الدين، وهذا من أعظم وسائل الصد عن سبيل الله عز وجل.
كثير من الكفار إذا دعوا إلى الإسلام في بلادهم أسلموا، فإذا جاءوا إلى البلاد الإسلامية ارتدوا والعياذ بالله.
وأذكر أنني قرأت قصة منذ ما يزيد على عشر سنين، وكان وقت قراءتي لها هو وقت حدوثها، أن أحد الطلبة الشباب كان في أوروبا، فدعا رجلاً إلى الله عز وجل، وعرض عليه الإسلام، فأسلم وصار يقرأ في الدين حتى امتلأ قلبه إيماناً بالله ورسوله، ولما انتهى هذا الشاب، وأراد أن يعود إلى بلاده، قال له ذلك المسلم: أريد أن أرجع معك، رجع معه، لمّا رجع يقول: جلس فترة ليس عنده عمل، لاحظ سلبيات؛ السفور الموجود في أسواقهم موجود في أسواق المسلمين، والتبرج موجود، ومظاهر التخلف موجودة عند المسلمين وليست موجودة في بلادهم، نظر بعد فترة وجد أن هذا ضاقت عليه الأسباب، ما وجد بيتاً يسكن فيه، ولا وجد أحداً يطعمه، ولا أحداً يؤويه.
بعد ذلك يقول: جاءني يوماً متأثراً حزيناً محمر العينين، يقول لي: أين أبو بكر؟ أين عمر الذي كنت تخدعني بقصص عدله؟ هكذا يقول له. ألا تعلم أنني منذ أيام لا أجد ما آكل؟ لا أجد ما أسكن؟! أين الإسلام الذي كنت تقول لي؟ أين العدل؟ فكان هذا الشاب يكتب رسالة بكل حرقة؛ يشتكي فيها هذا الوضع الذي حصل، ويقول: إن الرجل ارتد عن دينه، وتخلى والعياذ بالله بهذه الصورة البشعة، فمن الصد عن سبيل الله عز وجل أننا نملك الحق ولا نطبقه.
وأذكر أنني قرأت أيضاً كلمة للأستاذ سعيد شعبان، وهو أحد الكتاب القدامى المصريين، يقول: إنه عقد مؤتمراً في أحد البلاد الإفريقية عن الإسلام، وحل الإسلام لمشكلات الحضارة ومشكلات الناس، وتكلم في هذا المؤتمر عدد من العلماء، وحضره عدد من الصحفيين الأوروبيين من الرجال والنساء، يقول: استمر المؤتمر أسبوعاً، وبعد نهاية المؤتمر جاءتني امرأة، وناقشتني عما قيل في المؤتمر، وهل هو صحيح أم غير صحيح؟ فقالت لي بعد ذلك: اسمع مني وانقل عني: "إذا كان ما تقولونه لنا في هذا المؤتمر عن الإسلام صحيحاً، فانقل عني أنكم أيها المسلمون مجرمون في حق البشرية كلها؛ لأنكم تملكون الحق والحل، ثم لا تقدمونه للناس، البشرية تبحث عن هذا الأمر الذي تقولونه لنا في هذا المؤتمر".


سنة السببية في الحياة

نقطة رابعة في موضوعنا: موضوع السبب أو ما يسمى بالسببية.

قدرة الله الواسعة

لا شك أن الله عز وجل قادر على تحقيق ما يريد بقوله: (كن): ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))[يس:82]، فالله عز وجل قادر على أن يجعل كل الناس مؤمنين بكلمة (كن)، وقادر على أن ينصر الإسلام بكلمة (كن)، ولكن الله عز وجل شاء غير هذا، وجعل الدين للناس يطبقونه من خلال جهدهم وعملهم وتضحيتهم، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم كان مثلاً يحتاج إلى أن يتعب، يخرج من مكة مثلاً مهاجراً مختفياً، الله تعالى قادر على أن يرسل له البراق مثلاً الذي ذهب به إلى بيت المقدس، ثم صعد به إلى السماء أن يرسله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يركب عليه من مكة إلى المدينة، وتكون رحلة هادئة مأمونة ليس فيها خطر، لكن الله عز وجل شاء غير هذا، فخرج الرسول عليه السلام، وجلس في الغار والمخاوف حوله، ويقف المشركون على رأس الغار.. إلى آخر القصة.
فالله تعالى أراد أن يكون الدين يتحقق من خلال الأسباب.
صحيح أن الله عز وجل يعين المسلمين بوسائل لا يملكونها كإعانتهم بالملائكة مثلاً، لكن بعد أن يستفرغوا هم وسائلهم وأسبابهم التي يملكونها، إذا حصل منهم تقصير بعد ذلك يسدده الله تعالى عن طريق أمور قد لا يستطيعونها هم، يمدهم بالملائكة، بالعون، بهزيمة عدوهم، بالريح، إلى غير ذلك: ((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ))[المدثر:31].
فالله تعالى جعل السببية ناموساً وسنة في هذه الحياة.


تنقية الدين من الخرافات

حتى الدين جعله تعالى منوطاً بجهد الناس، يعني: ممكن أن يعلق بالدين خرافات كثيرة، ولعلكم سمعتم في بعض المناسبات كيف أنه مثلاً بعض الناس تحول الدين إلى خرافة كبيرة في أذهانهم، بعضهم صاروا يعطون إقطاعات في الجنة، يمنحون صكوك الغفران، مثلما كانت عند النصارى.
وقد ذكرت في إحدى المناسبات كتاباً مكتوباً .. يعني: صكاً مكتوباً من قبل أحد شيوخ الطرق الصوفية، يبيع فيه بستاناً في الجنة على أحد الأشخاص في هذه الدنيا، بستان يحده شرقاً بجنة عدن، وغرباً بجنة المأوى، وشمالاً بجنة الفردوس، وجنوباً بجنة النعيم، وشهد على ذلك فلان وفلان، والله تعالى خير الشاهدين، وتزعم الرواية أن هذا الرجل الذي اشترى البستان في الجنة، لما مات رآه بعض الصالحين، وكان هذا الرجل الميت يقرأ: ((قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً))[الأعراف:44]، يعني: في حس هؤلاء تحول الدين إلى خرافة، فلكي ينقى الدين من الخرافة، الله عز وجل ما جعل الملائكة ينزلون يقولون للناس: (ترى) هذا حق وهذا باطل.
إذا حصل خلاف بين أهل العلم حتى في مسألة فقهية أو غير فقهية، كيف يتم معرفة الصواب، أو معرفة الراجح من المرجوح؟ يتم بجهد الإنسان؛ يبحث حتى يصل إلى النتيجة، وليس هناك ملك ينـزل يشير إلى هذا الإنسان أنه هو المصيب، وهذا الإنسان هو المخطئ، أبداً، فحتى معرفة الصواب من الخطأ وتمييز الخطأ من الصواب، وإبعاد الخرافات التي تعلق بالدين، إنما يتم بجهود الناس أنفسهم وبواسطة الأسباب التي يبذلونها.


وجود الإرادة عند الإنسان

إذاً القضية كلها أيها الأحبة تدور على نقطة يمكن أن نعبر عنها بقضية فاعلية الإنسان؛ أن يكون الإنسان فعّالاً مؤثراً؛ ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه أهل السنن: (خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام)، لماذا أصدق الأسماء حارث وهمام؟ لأن الإنسان لكي يحقق إنسانيته لا بد أن يكون هماماً؛ يعني: صاحب هم وهمة، يفكر أنه يعمل كذا ويعمل كذا ويعمل كذا، وكذلك هو حارث؛ صاحب حرث، لا يكتفي بالتفكير، بل ينتقل من التفكير إلى العمل، فيرفع هذا ويضع هذا، ويشتغل ويقدم ويؤخر، ويعمل ما في وسعه.
فالإنسان من أبرز خصائصه أنه فعّال مؤثر، صاحب قوة وصاحب إرادة، فرجعت المسألة إلى هذا الأمر، ولكن لا معنى حينئذٍ للتمنيات والأحلام المعزولة عن الفعل، فالإنسان لا بد أن يفعل السبب.
إنسان مثلاً يريد الجهاد، هذا الجهاد هم، أولاً: هل عندك هم الجهاد في سبيل الله؟ تقول: والله ما عندي هم للجهاد، هنا نقول: أنت سقطت من أول اختبار؛ ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: (من لم يغز أو يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق)، هذا يموت على شعبة من النفاق، لماذا؟ لأنه حتى الهم غير موجود عنده، ما حدث نفسه بالجهاد.
واحد آخر قال: لا، والله أنا حدثت نفسي بالجهاد وهممت به، نقول: طيب ننتقل إلى السؤال الثاني، أنت نجحت في المرحلة الأولى، لكن المرحلة الثانية: هل أعددت للجهاد شيئاً؟ قال لك: لا والله ما أعددت، مجرد خواطر في النفس، هنا نقول له كما قال الله عز وجل: ((وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً))[التوبة:46]، إذاً كل إنسان يدعي أنه يريد ولا يستعد، فهذا فيه شبه من المنافقين، يدعون أنهم أرادوا الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم للجهاد، ومع ذلك ما أخذوا الأهبة ولا الاستعداد.


الفاعلية في حياة الإنسان

النقطة الخامسة: ما معنى الفاعلية؟
أنا قلت: إن الموضوع رجع وعاد إلى مسألة واحدة، وهي: وجود الإنسان الفعال، يعني: لكي نغير ما بالأمة، من تخلف شرعي وديني أو دنيوي، فإن علينا أن نسعى إلى إيجاد الإنسان الفعال المؤثر، فما معنى كون الإنسان فعّالاً؟

معنى كون الإنسان فعّالاً

معناه أن الإنسان فيه إمكانيات ومواهب وملكات كثيرة، لا بد من استثمار هذه الإمكانيات والملكات والمواهب فيما يرضي الله عز وجل، يقول الله تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ))[الأنعام:165].
يعني: نحن نضرب مثالاً مادياً يدركه الجميع، هذا إنسان عنده مائة مليون ريال، يملك مائة مليون ريال، زكاة مائة مليون هل هي مثل زكاة واحد آخر عنده عشرة آلاف ريال؟ هل مقدار الزكاة واحد؟ قطعاً يختلف، يتفاوت بحسب كثرة المال وقلته، هذا أمر كل واحد منا يعرفه، وقد يوجد إنسان حتى النصاب ما عنده نصاب، فهذا لا تجب عليه الزكاة، هذا مثال مادي.
لكن عندما ننتقل لمثال آخر معنوي، أكثر الناس يمكن أن يتشكك ويتوقف، هذا إنسان ذكي عبقري مفكر صاحب عقل كبير، وهذا إنسان آخر فيه سذاجة وبساطة وغفلة، هل حسابهم عند الله تعالى واحد؟ يحاسبون بدرجة واحدة؟ لا، كل واحد يحاسب بقدر ما أعطاه الله عز وجل، فالله تعالى يحاسب الذكي بقدر العقل الذي أعطاه، أعطاك الله عقلاً بنسبة (90%)، ماذا صنعت به؟ تحاسب على ذلك، واحد آخر أعطي عقلاً بنسبة (60%) يحاسب على ما أعطي.
مثلما أن صاحب المال الكبير يحاسب بقدر ماله، وصاحب المال القليل يحاسب بقدر ماله، إذاً (( لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ))[المائدة:48].
فكر الآن نحن المجموعة الموجودة في المسجد الآن لو أجرينا استبياناً، ورقة، كل واحد منا يكتب ما هي الأشياء التي يمكن أن يعملها؟ سنجد أن كل (شغلة) في الدنيا فينا من يحسنها، هذا خطاط، وهذا رسام، وهذا خطيب، وهذا داعية، وهذا حافظ، وهذا عنده قدرة على ربط العلاقات الاجتماعية مع الناس، وهذا عنده تفكير، وهذا عنده اهتمامات علمية شرعية، وهذا عنده اهتمامات واقعية، وهذا كاتب وهذا وهذا..
إذاً كل هذه المواهب وزعها الله تعالى علينا، وسوف يحاسبنا عليها: (( لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ))[المائدة:48].
وهي درجات رفع الله بها بعضنا فوق بعض، هذا أحسن منك مثلاً في الخطابة، وأنت أحسن منه في الكتابة، وثالث أحسن منكما في المال ينفقه في سبيل الله، وهكذا..، وقل مثل ذلك بالنسبة للمجتمع بشكل عام المتكون من هؤلاء الأفراد.


مثل الإنسان الفعال وغير الفعال

يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ))[النحل:76]، هذا المثل الأول، هذا مثال لإنسان فقد الفاعلية، ما هو فعّال، إنسان سلبي، أبكم لا يتكلم، لا يقدر على شيء، مشلول، ((وهو كلٌّ على مولاه)) يعني: عبء على سيده، يحتاج أن يوفر له الطعام والشراب والكساء.. إلى آخره، ولا يأتي بخير، ((أينما يوجهه لا يأتِ بخير))، مثل إنسان لا يفهم، ترسله يشتري لك بضاعة؛ يأتيك بأسوأ ما في السوق وبأغلى ثمن، المرة الثانية لا ترسله إلى هذا العمل، تطلب منه شيئاً آخر يفسده عليك، وهكذا..، في الأخير تقول: نسلم منه، لا نريد منه شيئاً، لا نريد منه خيراً، من خيره أن يكف شره عنا، هذا مثال لإنسان سلبي لا يقدم شيئاً.
يقابل ذلك: ((هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))[النحل:76]، هذا الإنسان الإيجابي، الإنسان الفعال المؤثر، الذي كلما جاءه شيء أو مناسبة أو طلب، يقول: أنا لها، أنا لها، بقدر ما يستطيع يشارك، يحرص أن يكون شعاره دائماً المشاركة، أي مشكلة تنزل ما يقول: هذه لا تخصني، لا، يشارك فيها بقدر ما يستطيع.


الجانب الفطري في الفاعلية

وهذه القضية قضية الإيجابية، أو كون الإنسان فعالاً، يكون في المجتمع فعالاً، قضية ترجع في الأصل إلى جانب فطري؛ ولذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما سئل: (من أكرم الناس؟) معروف الحديث في الصحيحين، في أصل الحديث، لكن لما الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في البداية قال: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم، ثم قال: أكرم الناس أتقاهم، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال صلى الله عليه وسلم: تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية؛ خيارهم في الإسلام إذا فقهوا).
خذ مثالاً عمر رضي الله عنه، عمر في الجاهلية كان رجلاً قوياً شديداً، فلما جاء الإسلام القوة والشدة بقيت، لكن بقيت في مجال آخر.
يعني: مثلاً الخوف، الخوف غريزة عند الإنسان، الإنسان مثلاً في جاهليته يخاف من الناس، يخاف من الموت، يخاف من المرض، يخاف من العدو، يخاف من الجن، يخاف من الشياطين، لكن إذا اهتدى وآمن؛ الخوف باقٍ عنده كغريزة، لكن توجه الخوف إلى وجهة أخرى، فصار يخاف من الله عز وجل، يخاف من عقاب الله بذنوبه، وما أشبه ذلك، ولا يخاف مما كان يخاف منه في السابق، فكذلك قوة عمر رضي الله عنه في الجاهلية، صرفت في الإسلام إلى مجالها الطبيعي الصحيح. قل مثل ذلك خالد بن الوليد مثلاً كان شجاعاً.
ولما تنتقل إلى المجتمع تجد نفس الكلام، المجتمع العربي الله عز وجل اختاره اختياراً ليكون هو الذي يحمل رسالة الإسلام إلى الناس، لخصائص علمها الله عز وجل في هذا الشعب كانت تميزه عن غيره؛ ولذلك الله عز وجل رد على صنفين من الناس: رد على اليهود الذين كانوا ينتظرون أن تكون النبوة فيهم، فلما جاءت النبوة في العرب رفضوها وردوها، فرد الله تعالى عليهم، وبين الله عز وجل أنه ((أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ))[الأنعام:124]، ورد أيضاً على العرب الذي انتقدوا بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام بالذات: ((وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ))[الزخرف:31]، كانوا يعتقدون أن يكون المبعوث رجلاً آخر غير الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن مقاييسهم مادية، فرد الله على هؤلاء وهؤلاء، المواصفات الفردية الإنسانية في الفرد وفي المجتمع الله تبارك أعلم بها والله تعالى ((أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ))[الأنعام: 124].


تأثير الفاعلية في حياة الأمة

وجود هذه الفاعلية في الأمة، كون الأمة مكونة من مجموعة أفراد فعالين مؤثرين، ليسوا بسلبيين، وجود هذه الفاعلية هو الحصانة للأمة ضد الانهيار، سواء كان انهياراً داخلياً أم خارجياً؛ ولذلك يقول أحد المفكرين الغربيين: إن السبب الحقيقي لأي انهيار؛ إن السبب داخلي وليس خارجياً، ليس علينا أن نلوم الرياح إذا أسقطت شجرة متآكلة نخرة، وإنما علينا أن نلوم الشجرة نفسها.
فوجود هذه الفاعلية، كون الواحد منا إيجابياً هذه ضمانة وحصانة بإذن الله تعالى ضد الانهيار الداخلي، وهي حصانة ضد الغزو الخارجي، سواء كان غزواً عسكرياً أو غزواً فكرياً، ويعجبني في هذا المجال أن أستشهد بما قاله عمرو بن العاص رضي الله عنه -كما رواه مسلم- لما سمع حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس، قال عمرو: فكر ما تقول! سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أما إنهم على ذلك ففيهم خمس خصال)، فذكر خصالهم الخمس، وأخيراً قال: (وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك)، يعني: أن الروم فيهم صفة، وهي أن فيهم امتناعاً عن ظلم الملوك، والغريب أن ما وصفهم به عمرو بن العاص موجود الآن كما نلاحظ في بلادهم، الامتناع من ظلم حكامهم وزعمائهم، لماذا؟ لأن فيهم فاعلية وفق عقائدهم وفق مناهجهم ودينهم، في الشر؛ لكنهم فعالين، ما تجد واحداً منهم سلبياً يقول: ما أستطيع! ما يقول: ما أستطيع.


فقدان الفاعلية وأسباب وجودها

سادساً: لماذا لا نعمل؟ يعني: ما سبب فقدان الفاعلية عندنا؟
ودعونا نكون صرحاء: أي واحد منا الآن، لو أتينا بنموذج عشوائي لأي واحد من الشباب الحاضرين، وقلنا: ما رأيك بما يجري في الأمة من مصائب ونكبات قريبة أو بعيدة، هل لك فيه دور أو سبب؟ قال لك: لا، والله أنا بريء، أنا إن تكلمت لا يسمع لي، وإن قلت لا يسمع قولي، وحتى في بيتي الوالد والوالدة هداهم الله لا يتقبلون مني، زملائي في الفصل يسخرون مني، أصبحت محاصراً، وما بقي إلا أنني فقط أستعين بالله عز وجل، وإلا في الواقع ليس لي أي دور.
لماذا توجد هذه السلبية عندنا؟ هذه مسألة تطول، ولكن أذكرها باختصار مراعاة لضيق الوقت:

الدفاع عن النفس وإلقاء اللائمة على الغير

السبب هو: أننا دائماً نؤثر الدفاع عن أنفسنا، تعودنا أن نؤثر الدفاع عن أنفسنا، وأننا دائما على صواب، وأن نحمل التبعة غيرنا، أحياناً نحتج بالقدر، أحياناً نحتج بالماضي، أحياناً نحتج بالمجتمع، أحياناً نحتج بالشيطان؛ أن هذا من فعل الشيطان إلى غير ذلك، وقضية المسئولية هذه تكلمت عنها في محاضرة مستقلة عنوانها (نحن المسئولون)، يمكن مراجعتها في هذه النقطة.
إذاً نحن دائماً نؤثر أن نتبرأ من المسئولية، وندافع عن أنفسنا، ونلقي باللوم على غيرنا، أحياناً نلقي باللوم على العلماء، على الحكام، المهم أن نخرج نحن من الدائرة أبرياء، وبعد ذلك لا يهمنا من المسئول.


تهويل الأمور وتضخيمها

النقطة الثانية التي تجعلنا لا نعمل: هي أننا أحياناً نهول الأمر بحيث يبدو أن هذا الأمر وكأنه فوق الحل، عندنا مشكلة نبالغ في وصف المشكلة وتضخيمها وتعقيدها وتشابكها، حتى يخيل إلينا أن هذه المشكلة ما لها حل، إلا من عند الله عز وجل، معقدة والبشر لا يملكون، إنما ننتظر الحل من عند الله عز وجل! وهذا ينم عن وجود تشاؤم عند الناس أو عند بعض الناس، يقول: الزم بيتك ودع عنك هذه الأمور، هذه لا حل لها، مشكلة ليس لها من دون الله كاشفة.
إذاً: العمل غير مجدٍ ولا فائدة منه، لماذا تقول هذا؟! لأنه ما يريد أن يعمل.
المسلم مع الأسف الشديد تعود اليوم على الكسل، أي شيء يكفه من العمل هذا يحرص عليه بكل وسيلة.
فمن الوسائل أن يلقي بالتبعة على غيره، من الوسائل أنه يضخم الأمر حيث يبدو الأمر فوق الحل.
مثال بسيط: إنسان مثلاً صار عنده أزمة اقتصادية، وفشل في مشاريع، أو مثلاً جمع أموالاً للخير وضاعت منه.. إلى آخره، المهم تحمل (حمالة)، وصار عليه مبالغ طائلة ملايين كثيرة، أراد أن يجمعها وجاء إليك، أنت حينئذٍ تضخم المشكلة عند هذا الإنسان، بحيث إن المبلغ كبير، ولا يكفي المبلغ الذي عندي أو الذي أملكه أو جهودي، إذاً فالموضوع فوق الحل ودعها، ادع الله عز وجل، لكن إذا جاء أمر خارق للعادة، إما شيء غير متصور يحل لك هذه المشكلة، إذاً نحن نهول الأمر.
قل مثل ذلك في مشاكل الأمة العامة، المشاكل العسكرية، التخلف الصناعي.. إلى آخره، نهولها بحيث ما لها حل.


تسهيل الأمور

ثالثاً: ننتقل بعد ذلك إلى العكس، يجيء واحد ويقول لنا: لا يا إخوان، ليست المشكلة بهذه الخطورة، ولا بهذا التعقيد، ولا بهذه الضخامة، ويبدأ يبين لنا أن المشكلة لها حلول، فإذا استأنسنا مع كلام هذا الإنسان، (جرينا) الموضوع إلى الطرف الثاني، إذاً الموضوع بسيط لا يحتاج حلاً، ما دام الموضوع بهذه الصورة، هو أبسط من أن نشتغل فيه.
إذاً الموضوع إما أن يكون خطيراً لا نستطيع التفكير فيه، وإما تافهاً بحيث أنه لا يحتاج إلى أن نفكر فيه؛ ولذلك تجد الإنسان متفائلاً أكثر من اللازم أحياناً، تذكر له مصائب الناس ومشاكلهم، يقول: أمة محمد صلى الله عليه وسلم بخير، إذاً الواقع بناءً على ذلك ما يحتاج إلى عمل.


تعطيل الجهود بالشعارات

المهرب الرابع الذي نهرب إليه أحياناً: هو تعطيل جهود البناء اليومي القريب، بكلمات جوفاء وشعارات كاذبة، نعطل بها حركة التاريخ؛ بدعوى أننا ننتظر الساعات الخطيرة والمعجزة الكبيرة، نحن مشغولون بالأهم؛ ولذلك لا نبذل ولا جهوداً صغيرة.
لعل المثال الذي ذكرته قبل قليل يصلح أيضاً هنا، يعني: عشرة ريالات عندك مثلاً ممكن أن تساهم في حل مشكلة كبيرة للمسلمين في أي بلد، لكن إذا أنا عندي عشرة وأنت عندك عشرة والآخر عنده عشرة، كل واحد يقول: عشرة لا تفعل شيئاً، هذه تحتاج إلى أمور كبيرة.
نفس الكلام مع كثير من الناس اليوم لما تحدثه عن منكر موجود في المجتمع، يقول لك: يا أخي! هذه المجتمعات تحتاج إلى حل جذري، هذه لا بد من وجود قوة تقوم على هذه المنكرات وتزيلها بخطاب، بمرسوم، بجرة قلم مثلاً، لكن دعنا من هذا الكلام العام.. هذه الأحلام، لماذا لا نحاول إزالة المنكرات بإمكانياتنا البسيطة وبقدر ما نستطيع؟!
ومثل ذلك: القضية التي يدندن حولها بعض الإخوة أحياناً، لما يأتي بعض الشباب يتكلمون في قضايا فرعية، منكرات، مثلاً: شاب عنده معصية، إما في طول ثوبه، وإما في شعره، وإما في سماع الغناء، أو شرب الدخان، المنكرات القريبة الموجودة المتداولة، التي قل من يسلم من بعضها، يأتي إنسان يتكلم في بعض هذه الأشياء، يأتيه إنسان آخر يقول: يا أخي! الأمر أعظم من ذلك، أنت مشغول بهذه الأمور البسيطة، الأمر الأعظم من ذلك، طيب الأمر الأعظم ما هو؟ قال لك: قضية الإسلام ومصائب المسلمين ومشاكلهم وبلاياهم، ويبدأ يسرد لك سلسلة من آلام المسلمين.
جميل، لا نعارض، نحن نقول: من لم يتألم لآلام المسلمين فلم يحقق الإسلام حقيقة؛ لأن المسلمين كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص، لكن هذا الإنسان الذي صرفك عن الاشتغال بقضية جزئية في وقت محدد أيضاً، هل دفعك فعلاً إلى الاشتغال بالقضية الكبرى؟ أم شغلك عن هذا الأمر اليسير، ثم جعلك لا تعمل شيئاً، بحجة أنك تفكر بالمعجزة الكبيرة، وأنك مشغول بالأهم.


عدم العمل بحجة أننا في زمن الفتنة

خامساً: من المهارب التي نهرب إليها أحياناً: أننا نتوقف بحجة أننا في أزمنة الفتن، وننسى أن الفتنة نفسها هي ثمرة انحراف في الأمة، وإنما جاءت الفتنة بسبب الانحراف في الأمة؛ ولذلك ما جاءت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد أبي بكر، ولا في عهد عمر، إنما جاءت في عهود المتأخرين، وكلما تقادم الزمان كثرت الفتن.
إذاً الفتن التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، لا تتصور أنها كمطر السوء، العذاب الذي يمطر على الناس من السماء، لا لا أبداً، الفتن تخرج من واقع الأمة أيضاً، بسبب أخطاء الناس ومعاصيهم وذنوبهم وظلمهم لأنفسهم تأتيهم الفتن، فإذا نظرنا إلى الفتنة وجدنا أنها فعلاً أمر حتمي لا بد منه، بحكم أن الأسباب وجدت، لكن لو نظرنا إلى الأسباب، هل الأسباب التي أدت إلى الفتن وهي الذنوب والمعاصي حتمية، وكان لا بد أن نعصي الله عز وجل؟! كلا، كان بالإمكان أن نطيع الله عز وجل في ظاهرنا وباطننا، على المستوى الفردي والجماعي، الرسمي والشعبي، فنسلم من هذه الفتن، لكن وقعنا في المعاصي، فجرتنا إلى هذه الفتن التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم.


الاحتجاج ببعض المفاهيم الخاصة

وأخيراً: فإن بعض الناس يهربون إلى الاحتجاج ببعض المفاهيم الخاطئة، مثلاً يقف بعض الشباب عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارة)، وقوله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه سعد بن أبي وقاص: (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)، فيقول لك: يا أخي! أبداً نؤثر العزلة والخمول، والبعد عن القيل والقال والكلام، تدعوه إلى أن يلقي كلمة، يخطب في الناس، يتحدث، يدرس، يعلم، يقول لك: لا يا أخي، دع هذه الأشياء، ووجد نصوصاً فسرها تفسيراً خاطئاً، وحاول أن يستخدمها في هذا المجال.
لكنه نسي نصوصاً أخرى تحكم عليه، نسي قول يوسف عليه السلام: ((قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ))[يوسف:55]، صاحب موهبة لا توجد عند غيره، يعلن عن نفسه أنا أستطيع أن أفعل كذا.
ونسي قول عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه -كما رواه أهل السنن- وهو حديث صحيح: (قال: يا رسول الله! اجعلني إمام قومي)؛ لأنه يطلب منصباً دينياً، ما هو منصب دنيوي، ( فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً).
إذاً لا تأخذ جانباً واحداً أنه والله تؤثر العزلة والخمول، وألا يُعْرَفُ الإنسان، أبداً، قد يكون في أوقات كثيرة تتطلب أن يشهر الإنسان نفسه، يعلن نفسه، يتكلم، يُعرف، ولا يترتب على ذلك بعض المضار التي يشعر بها في قلبه.


علاج السلبية وعدم الفاعلية

نواصل أيها الإخوة الأحباب، الحل، وهذا هو بيت القصيد، كيف ننتهي من هذه السلبية؟ كيف نغير هذا الواقع؟
هناك عدة مراحل، عدة نقاط:

المطلوب البدء وليس النهاية

أقول: أولاً: المطلوب البدء وليس النهاية، هذه قضية يجب أن تكون واضحة في أذهان الشباب.
ليس المطلوب أننا ننهي مشاكل المسلمين، هذا خيال؛ لأن مشاكل الأمة لا تنتهي بجرة قلم، لا، إنما المطلوب البداية، يكفي أن نطمئن أننا وضعنا أقدامنا في الطريق الصحيح، وهناك مثل يقول: (رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة) .
خذ مثالاً: قضية الربا؛ الربا اليوم يقوم عليه اقتصاد العالم كله، فهل تتصور أنت: أن قضية التخلص من الربا تتم بقرار؟! ما هو بالضرورة هكذا، لكن يكفيني أن أطمئن إلى أن هناك نواة لبنوك شرعية لا ربوية بدأت توجد؛ لأنني أثق حينئذٍ أن البنوك الأخرى ستغلق أبوابها؛ لأنه وجد البديل الصحيح، وكل مسلم لا يمكن أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، يترك الحلال إلى الحرام.
مثل آخر: القضايا الإعلامية، المواد الإعلامية، الإعلام في العالم الإسلامي كله، إعلام -بلا شك- ليس على مستوى الإسلام، ولا على مستوى المعركة التي يعيشها المسلمون، طيب كيفية التخلص؟ مجرد قرار لا يكفي، لا يحل المشكلة.
إذاً القضية تبدأ من خلال خطوات معينة، فأنا حين أطمئن إلى أنني بدأت بتقديم مواد إعلامية صحيحة للناس، أطمئن إلى أنه مع ازدياد هذه المواد واتساعها، تملأ الساحة حتى تغني عما سواها، وهذا الكلام يمكن أن يقال على المستوى الرسمي وعلى المستوى الشعبي، بشرط عدم ربط أحدهما بالآخر، بمعنى أنه ما يجوز أن نرجع مرة أخرى ونضيع القضية بيني أنا وبينك، بمعنى: أنا فرد ما أعمل شيئاً، لماذا يا فلان لا تعمل شيئاً؟ يقول: والله ما في فائدة:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
أنا فرد في مجتمع، أنا ترس في آلة، ما دام أن المجتمع كله ضدي! أنا لا أعمل شيئاً، فصرت أجلس وأعلق المسئولية على المجتمع بوسائله وقنواته المختلفة.
المجتمع من خلال مؤسساته وقنواته ووسائله لا يعمل شيئاً، لماذا ما تعملون؟ لماذا ما تغيرون؟ لماذا ما تعدلون وتصلحون؟ قال لك: والله يا أخي هذه حاجة الناس، هذه رغبة المواطنين، هذه خطابات وهذا كذا، الناس يريدون هذا المنكر، يريدون أن يبقى.
إذاً ما يجوز أن تضيع القضية بين الفرد وبين المجتمع، بين الأمة وبين أفرادها ومؤسساتها، لا، ينبغي أن نقول: على الفرد يجب أن يعمل، والمجتمع بمؤسساته وقنواته وأجهزته التعليمية والإعلامية وغيرها يجب أن يعمل، ولا نربط أحدهما بالآخر، وفي حالة وجود تقصير من أحدهما لا يعذر هذا، أو لا يبرر للآخر أنه يقصر فيما عليه.
الخطوات تقريباً ست خطوات التي اقترحتها، أو رأيتها يمكن أن تساهم في حل هذه المشكلة التي يعانيها المسلمون:


القناعة بانحراف الواقع

النقطة الأولى: القناعة بانحراف الواقع، القناعة ومعرفة الواقع؛ لأن الإنسان الذي يقول: ليس في الإمكان أبدع مما كان، وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخير، وأمورنا الآن على ما يرام، هذا ما فيه فائدة، لأنه ماذا يغير؟ يغير واقعاً يرى أنه جيد! هذا بالعكس يقول: الحمد لله عسى أن يبقى الواقع كما هو.
إذاً لا بد أن يكون الإنسان الذي يفكر بتغيير الواقع، بتغيير نفسه مقتنعاً أن الواقع منحرف يحتاج إلى تغيير.


الاقتناع بإمكانية تغيير الواقع

يلي ذلك نقطة ثانية: وهي أن يكون مقتنعاً بإمكانية تغيير الواقع، يعني: قد تأتي إنسان يقول لك: الواقع والعياذ بالله فيه كذا وكذا، ويقدم لك تقريراً أسود عن فساد الواقع، مما هو صحيح وما ليس بصحيح، وقد يكون فيه بعض المبالغات، فيه بعض الحق، ثم بعد ذلك تقول: ماذا تريد أن تعمل؟ يقول لك: أبداً، ما أعمل شيئاً أبداً، ولا مجال للإصلاح، وينبغي أن ننتظر إما عذاباً من السماء أو الساعة أو الدجال … إلى آخره، فالذي ليس لديه قناعة بإمكانية تغيير الواقع هذا نسقطه من الحساب أيضاً.


قدرة الكل على تغيير الواقع

النقطة الثالثة: القناعة بأن هذا التغيير للواقع يمكن أن يتم على يدي وعلى يدك، وأنني أنا وأنت، والثاني والثالث بإذن الله تعالى وعونه نستطيع أن نصنع شيئاً كثيراً، بمعنى: أن بعض الناس مقتنع أن الواقع فاسد، واقع الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها فاسد، ومقتنع أن هذا الواقع للمسلمين يمكن أن يغير أيضاً، لكن يقول: ليس أنا ولا أنت يمكن أن نغيره، لكن ننتظر جيلاً قادماً، وسبق أني ذكرت في بعض المناسبات أن هناك مثلاً عجيباً يقول: "إن المشكلات التي يعيشها جيلنا الحاضر هي من إنتاج الجيل السابق، وسوف يحلها الجيل اللاحق".
إذا نحن خرجنا من العهدة والمسئولية، مشاكلنا هذه موجودة في الماضي، وإن شاء الله تحل في المستقبل، أما نحن فمتفرجون.
إذا لا بد أن يكون عندك قناعة بأن هذا التغيير يمكن أن يتم على يدي وعلى يدك، كلٌّ بحسبه، تغير في نفسك أولاً، أول شيء غير في نفسك، ((حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ))[الرعد:11]، غير بيتك، غير الحي الذي أنت فيه، غير البلد الذي تعيش فيه، والتغيير أيضاً ما هو تغيير إنه والله تريد أنه يوماً وليلة وتختفي المنكرات، ويكون كل الناس في المساجد يصبحون عباداً وزهاداً صالحين، ما هو بالضرورة، هذه أمور بالتدريج والأسباب كما ذكرت من قبل.


وجود القيادة الربانية

النقطة الرابعة: ضرورة وجود القيادة الربانية، التي تملك الصدق والشجاعة، وتضرب المثل للناس؛ لأن الناس في الغالب مقلدون، وهذا كلام إلى حد ما حق، الناس مقلدون.
لو سألناك -مثلاً- البيت الذي بنيته؛ على أي أساس فصَّلت البيت، ووضعت تصميمه وتخطيطه؟ ما ابتكرت تخطيطاً من عند نفسك لأول مرة، لم تسبق إليه، إنما وجدت الناس يصنعون شيئاً فصنعت مثلهم. الثياب التي تلبسها -سواء اللابس الرجل أم المرأة- على أي أساس لبسها، واختار هذا القماش وفَصَّل، ما ابتكر شيئاً من عنده، إنما وجد الناس فقلدهم، فغالبية الناس مقلدون؛ ولذلك بعضهم يدور حول بعض، وتنتشر بينهم العادات والتقاليد سواء حسنة أم قبيحة.
فما أحوج الناس خاصة في هذا العصر إلى قيادة ربانية تملك خصالاً من أهمها: الصدق والشجاعة، قد يوجد إنسان صادق، لكنه جبان، فالجبان لا يعمل شيئاً:
يرى الجبناء أن العجز عقل وتلك سجية الطبع اللئيم
لا يصنع شيئاً لأنه خائف، فالناس حينئذٍ يصرفون النظر عنه، وآخر قد يكون شجاعاً، لكنه شجاع بالباطل، هذا أيضاً لا ينفعنا ولا يغنينا شيئاً.


إعداد رجل العقيدة

النقطة الخامسة: إعداد رجل العقيدة؛ لأن القيادة هذه تحتاج إلى جمهور، تحتاج إلى جنود وأتباع، فهنا نحتاج إلى رجل العقيدة.
من هو رجل العقيدة؟ باختصار: هو الذي أصبحت العقيدة همه، فإذا استيقظ يعمل من أجل العقيدة، وإذا نام فأحلامه تدور في قضية العقيدة، أصبحت الفكرة هم تقيمه وتقعده، وهي منطلق حركته ونشاطه، ليست القضية مجرد كلام في مجالس أو أحاديث، قضية هم، هل أنت تحمل هم الإسلام؟ هل تتقلب على فراشك عند النوم حزناً على ما واقع المسلمين؟ هل كلما فكرت في نفسك في أي حال كنت، وجدت أنك تفكر بأوضاع وأحوال المسلمين في كل مكان؟ أم أن القضية لا تشغل عندك حيزاً من الفراغ.


ترتيب الأولويات في كل شيء

النقطة السادسة وبها أختم: قضية ترتيب الأولويات، ترتيب الأولويات في كل شيء، مثلاً في القضايا الشرعية وغير الشرعية، هناك أمور ضرورية تأتي بالدرجة الأولى، تأتي بعدها أمور حاجية، ثم أمور تحسينية، لا بد من ترتيب الأولويات، ففي المجال الشرعي مثلاً العناية بتوجيه الهم للأصول الشرعية وبيانها، وبيان ما يتعلق بها، لا شك أنه أولى من العناية ببيان الجزئيات والسنن والمكروهات، وإن كان هذا لا يغني عن الاشتغال بهذا، تشتغل بهذا وهذا، ولكن تعطى كل شيء بحسبه، هذا لا بد منه في المجال الشرعي.
وحين تنتقل إلى المجال الدنيوي، تجد الكلام نفسه، فمثلاً في عالم الصناعات، هل الأمة التي تريد أن تبدأ بالتصنيع، مطلوب منها أن تبدأ بتصنيع مثلاً الآلات الموسيقية وأدوات التجميل، أم مطلوب منها أن تبدأ بالضروريات؛ بالتصنيع الحربي، التقنية العسكرية التي تحتاج إليها في وجودها وقوام حياتها ومدافعة أعدائها؟ لا شك أن المطلوب البداءة بالضروريات، وهناك أشياء حاجيات، وهناك تحسينيات، وهناك أمور تحسينية مخالفة للشرع أصلاً لا يجوز البداءة بها، ولا التفكير بها أصلاً.
إذاً الأمة التي تبدأ بأمور الترف تكون انتهت من حيث بدأت، وقتلها الترف قبل أن توجد؛ لأن الترف يوجد في النهاية، يعني: أمة ضعيفة الآن تبدأ قوية، بعد مائة سنة أو مائتي سنة يبدأ الترف يدب إليها ثم يقتلها، فالترف هو يكون في النهاية وهو قاتل.
فما بالك بأمة تبدأ بالترف؟! هذه أمة حكمت على نفسها بالزوال قبل أن توجد، لا يمكن أن تكون البداية بالترف، بل إنما تكون البداية بالجدية والأمور الضرورية اللازمة.
نرجع في النهاية نقول: يقول الله عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ))[الرعد:11]، ((قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ))[آل عمران:165]، ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ))[الشورى:30]، ((وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ))[النحل:118]. التغيير يبدأ من عند ...


الأسئــلة


تهرب الشاب من أداء دوره في المجتمع

السؤال: كثير من الشباب مقصر في المسئولية التي على عاتقه، حيث يقول: ما هو دوري؟ وأنا واحد لا أستطيع التغيير، فأرجو أن توجه كلمة للشباب.
الجواب: هذا هو مجال المحاضرة كلها، أن الإنسان شاباً كان أو شيخاً، يجب أن يتخلى عن السلبية وإلقاء التبعة على الآخرين، ويبدأ يترك التنظير ويعمل، أي واحد الآن لو تأتي به، يمكن يحل لك مشاكل الناس بالكلام النظري، وكان يجب أن يُفعل كذا، ويجب أن يفعل كذا، ويحلل أموراً كثيرة، لكن لما تأتي ماذا صنع؟ ما يصنع شيئاً، ما نريد التنظير.
نحن الآن مثل قوم في سفينة يمشون، فبدأت السفينة تتكفؤها الرياح، ذات الشمال مرة وذات اليمين مرة أخرى، والأمواج تلطمها هنا وهناك، فهل يصح حينئذٍ أن يصبح ركبان السفينة يتناقشون ويتجادلون: إنه والله كان المفروض ما نأتي من هنا، وكان المفروض، ولو فعل الربان كذا، ولو ترك كذا، وكل واحد يعطينا مخططاً أو خريطة للبحر وطريقه، وما أشبه ذلك، هذا ما يصح، إنما نقول: اعمل ما تستطيع في تهدئة السفينة الآن، وتوجيهها إلى الطريق المستقيم، وإزالة المخاطر التي تعاني منها، وبعد ذلك فكر كما تريد.


أهمية العمل على إعادة الناس إلى شرع الله

السؤال: إن الله سبحانه وتعالى يقول: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ))[الرعد:11]، ألا تعتقد أن سبب بعد الحق عند عامة المسلمين هو عدم تطبيقهم لشرع الله المبني على مبادئ أهل السنة والجماعة؟
الجواب: هذا هو السبب، لكن السؤال: كيف نستطيع أن نوصل المسلمين إلى تطبيق شرع الله عز وجل، وإلى التزام عقيدة أهل السنة والجماعة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نشغل أنفسنا به. لأننا انتهينا الآن من القضية، نحن الجميع موافقون كما قلت في البداية، أي واحد ليس موافقاً على هذا فهو خارج الإسلام وخارج الدائرة، أي واحد ما هو موافق على أن الحق منحصر في الإسلام- الحق الشرعي الرباني هو الإسلام، وأن ما عدا الإسلام باطل، الذي لا يعتقد بهذا كافر مرتد بلا خلاف بين المسلمين.
إذاً نحن متفقون على أن الإسلام هو الدين الحق، وأن نجاة المسلمين في دنياهم وأخراهم بهذا الدين.
ننتقل إلى النقطة الثانية كيف نستطيع أن نوصل المسلمين ليكونوا على مستوى الإسلام؟ هذا هو الذي يجب أن نبحث فيه.


بقاء الصفات الطبعية في الإنسان حتى بعد الالتزام

السؤال: يقول: إني أحبك في الله، وأسأل الله أن يجمعنا في الجنة.
اللهم آمين، وإخواننا الحاضرين.
ذكرت أن الصفة التي تكون في الشخص في الجاهلية تكون معه في الإسلام، فهل هذا ينطبق على الشاب عندما يكون ملتزماً وغير ملتزم؟
الجواب: أقصد بذلك الصفات الفطرية الطبيعية، مثل إنسان شجاع في حال جاهليته، كان مثلاً يقوم بمغامرات وأعمال وأشياء وأمور كثيرة، إذا هداه الله عز وجل تجد هذه الصفات غالباً تبقى معه، لكنها تتدين وتصرف إلى المجالات الخيرية.


الجمع بين حديث غرس الفسيلة عند قيام الساعة وقيامها على شرار الناس

السؤال: ذكرت الحديث الصحيح العجيب، أنه عند قيام الساعة: (من كانت معه فسيلة فليغرسها)، هل يمكن الجمع بينه وبين حديث: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس)؟
الجواب: هذا سؤال طريف، يقول: كيف نجمع بين الحديث: (إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها) مع حديث (أنه لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس)؟
وكأني فهمت أن السائل يقول: لماذا يوجهنا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التوجيه، مع أن الذين تقوم عليهم الساعة هم شرار الناس، وممن لا يفهم الشرع ولا يلتزم بأوامر الرسول عليه الصلاة والسلام؟
فأقول: إن الحديث (إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة)، ليس على ظاهره، أنه والله واحد فعلاً ماسك نخلةً يريد أن يغرسها فقامت الساعة، ليس بهذه الصورة، هذه قد لا تحدث والله أعلم، لماذا؟ لأن الساعة يسبقها أحوال، مثل طلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك من العلامات التي تجعل الناس ينصرفون عن الدنيا.
إنما المقصود التمثيل أن الإنسان عليه أن يبذل وسعه بكل حال، مثلاً: قامت ساعتك أنت، أنت عند الموت الآن، كل إنسان إذا مات قامت قيامته، فعند الموت إن استطعت أن تعمل خيراً اعمله، لا تقل: والله لا فائدة وفات الأمر، هذا غير صحيح؛ ولذلك عمر رضي الله عنه في مرضه جاءه شاب مسبل، فلما ولى قال: [عليّ بالغلام، فلما جاء قال: يا ابن أخي! ارفع إزارك]، كلمة خير تقولها، باقي خمس دقائق على الموت قلها، كذلك عمر رضي الله عنه قال في مرض الموت: [وددت أني رأيت في الكلالة رأياً إن رأيتم أن تتبعوه، فقال له عثمان رضي الله عنه: إن نتبع رأيك فهو خير، وإن نتبع رأى الشيخ قبلك -يعني: أبا بكر- فنعم ذو الرأي كان]، هذا مثال.
مثال آخر: أن إنساناً قد يعمل عملاً، يقتنع بأن هذا العمل غير مثمر، لا نقول له: لا تعمل، ما في فائدة، لا، اعمل.
واحد يقول: والله إنساناً فاهم أنه ما فائدة، آمره أو لا آمره؟ بل نقول: مُره، لماذا؟ لأنك إذا أمرته بالكلمة الطيبة أنت أول المستفيدين، سُجِّل في سجل حسناتك أجر، وهذا بحد ذاته مكسب. أمر آخر: صار عندك مناعة ضد المنكر؛ لأن الإنسان إذا سكت عن المنكر اليوم قد يفعل المنكر غداً، لكن لما ينهى عنه، تتولد لديه قناعة ومقاومة على الأقل، تسلم بنفسك، أمر ثالث: أنه قد يستجيب لأنك لا تعلم الغيب.
وفي الحديث معانٍ أخرى كبيرة، يستحق الحديث أن يكون موضوع محاضرة خاصة في الواقع.


شدة الاختلاف في بعض المسائل الاجتهادية في ظل ما تتعرض له الأمة من الفتن

السؤال: يقول: مع هذه الفتن المظلمة الحالكة التي تمر بها الأمة، ألا ترى أن بعض الشباب لا زالوا يتناحرون في مسائل اجتهادية؟
الجواب: في الواقع هذا صحيح، يعني: كثير من الشباب يشتغلون في قضايا فرعية جزئية، وأنا لا أنهى عن الاشتغال بها؛ لأنني ممن يشتغلون بها أيضاً، لكنني أنهى عن الإغراق فيها، أعطِ كل ذي حقٍ حقه، المسائل الفرعية الاجتهادية أعطها (10%) ما في مانع (15%) بحسبه، وأعط المسائل التي أكبر منها نسبة أكبر، وهذا من العدل الذي أمر الله تعالى به ورسوله.


اجتناب بعض طلبة العلم الاختلاط بأقرانه

السؤال: يقول: نظراً لكلامك عن السلبية، هنالك شاب إذا دعي للخروج في رحلة مع شباب الحي، اعتذر بأنه لا يجد الدافع الداخلي والنفسي، وأن هذا طبع وغريزة في عائلته، مع أنه طالب علم، ولا يؤثر على طلبة هذه الرحلة، حتى إنه يقول: إنه يكون غير مشغول في وقت الرحلة، فأرجو منكم الحل.
الجواب: هذا قد يكون من طبيعته أنه فيه نوع من الانعزالية، فهذا يُعالج ذلك بأمور، منها: الاختلاط؛ لأن اختلاطه بالناس قد يزيل هذه العزلة أو العقدة الموجودة عنده.
ومنها: أن يحاول أن يكون مشاركاً، فإذا خرج مع مثل هؤلاء في الرحلة ربما يحس أنه دائماً ساكت؛ ولذلك لا يحرص على الخروج مرة أخرى، فنقول: حاول أن تشارك، أعد بحثاً معيناً أو كلمة تقرؤها على زملائك بعد الصلوات، تأمرهم بمعروف، تنهاهم عن منكر، تذكرهم بشيء، تشارك حتى في أعمال الطبخ، تقديم الطعام، ما أشبه ذلك من الأعمال التي يحتاجونها؛ حتى تحس بأنك شخص فعال مؤثر، ويدعوك هذا إلى المشاركة الدائمة.


نسبة الظلم في العالم الغربي

السؤال: ذكرت أن العالم الأوروبي اليوم لا يقع فيه ظلم للشعوب، فهل هذا دقيق؟
الجواب: لا، ليس المقصود أنه لا يقع فيه ظلم للشعوب مطلقاً، لكنهم يمتنعون من الظلم العام الغالب، وإلا الظلم موجود في كل زمان ومكان.


معنى قوله تعالى: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)

السؤال: يقول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))[الحجرات:1]، ويقول سبحانه: ((لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ))[الحجرات:2]، نرجو توضيح كيف تقبل الصحابة رضوان الله عليهم في هذه الآيتين أوامر الله سبحانه وتعالى؟ وكيف حالنا نحن المسلمين مع آيات القرآن في هذا الزمن؟
الجواب: نعم، ((لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))[الحجرات:1]، المعنى أن المؤمن ما كان له -ذكراً أو أنثى- إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون له الخيرة من أمره، فإن المؤمن من يوم آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فإنه قرر أن تكون الكلمة الأخيرة لله ولرسوله في أي أمر من الأمور، فهذا هو معنى الآية، فليس للإنسان حق أن يختار شيئاً غير ما اختاره الله له في شرعه، هذا المعنى. وقوله: ((لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجهرِ بَعضكم لبعض))[الحجرات:2] هذا أدبٌ أدب الله تبارك وتعالى به المؤمنين مع نبيهم صلى الله عليه وسلم.


الذهاب إلى أماكن المنكرات دون إنكار مباشر

السؤال: يقول: أرى كثيراً من الدعاة لم يتفقهوا في الدين، يذهبون إلى الأماكن التي فيها منكرات بنية الدعوة، ويقول: من الحكمة ألا ننكر عليهم لئلا ينفروا منا ويكرهوا الدين، وضح ذلك.
الجواب: هذه أمور تختلف بحسب الحال المسئول عنها، وبحسب نوعية الفاعل والشخص الذي ذُهِب إليه أيضاً، فهي تختلف من حالٍ إلى آخر، فإذا ذهب فعلاً بنية الدعوة وإنكار المنكر ثم وجد مجموعة منكرات، وقال: لا يمكن أبدأ بها كلها، وجدت إنساناً عنده سبعة منكرات، لا يمكن أعطيه قائمة بها سبع منكرات، يرده، يقول: أنا أصبحت كلي عيوب ومعاصٍ، إنما رأيت أن أبدأ بمنكر وأتقدم بلطف، وأترك الباقي إلى زيارة أخرى، لا حرج في ذلك إن شاء الله.
أما كونه يقول: والله الآن أريد أذهب وأتفسح معه، وأتبسم وإياه، وأتندر وإياه، وبعد ما أنشئ علاقة وصداقة، وبعد شهرين أو ثلاثة أو سنتين أو ثلاث، أبدأ تغيير المنكرات، فهذا لا يصح.


غلبة العاطفة عند بعض الشباب في مواجهة الأحداث

السؤال: في هذه الفترة التي عادت أجيال المسلمين فيها إلى ربها، ونحن نرى هذه الأمواج والأفواج المسلمة مستقيمة على أمر ربها، وهذا مما يثلج الصدر، لكن هناك ملاحظة سائدة، وهي طغيان العاطفة على كثير من الشباب، حيث إن كثيراً منهم تغلبهم العواطف الجياشة، دون الروية والتعقل والاعتماد على منهج الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك أصبح ديدن أعداء الإسلام في كل فترة، كثيرون ما يشغل المسلمين ويجعلهم ينسون المهمات التي يجب معالجتها.
الجواب: هذا فعلاً سؤال في محله، نحن المسلمين الآن قد نعمل، لكن كثيراً من الشباب تستطيع أن تقول: إنه خرج من السلبية، وأصبح فعالاً، كان هنا العمل الذي يقوم به ليس عملاً مدروساً مخططاً، وإنما هو عمل مرتجل، وعمل قد يكون بطولياً من وجه، لكنه ليس مثمراً من وجه آخر، وأنا أضرب بذلك مثلاً، وقد يكون هذا المثل غريباً على كثير من الإخوة: قد يكون من أعظم الأعمال وأجلها التي قام به الشباب المسلم في هذا العصر: قضية الجهاد الأفغاني، عمل جميل يكفيهم فخراً أنهم عشر سنوات يرفعون السلاح، ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا، هذا عمل جليل، بطولات، كرامات، جهاد، تضحية، دماء، فهذا العمل بهذا المقياس لا كلام فيه، وفيه إيجابيات لا شك فيها، لكن لما تنظر إلى أي مدى كان هذا العمل الذي قمنا به عملاً مدروساً مخططاً له؛ ليؤتي ثماره التي تكافئ وتقابل التضحية التي بذلناها، هنا أعتقد أننا إذا أردنا أن نكون صرحاء مع أنفسنا؛ سنجد أن الأمر أقل مما يجب.
وقل مثل ذلك في جهود دعوية، في مشاريع وفي أعمال، لأن أعمالنا عاطفية؛ يعني: نركض وراء الحدث ولسنا نسبق الحدث، أقول: ما هو بالضروري أن نعمل لليوم، اعمل لخمس عشرة سنة في المستقبل ولعشرين سنة، الإنسان الذي يريد من الأمور أن تنتهي اليوم لا يفعل شيئاً، لكن إنسان يقول: المشاكل الموجودة موجودة، لا أزيلها في ليلة، لكن -على الأقل- أستعد لإزالة المشاكل التي سوف تقع بعد عشر سنين وخمس عشرة سنة؛ هذا قد يستطيع أن يغير من واقع المسلمين الكثير.


تجاذب الآراء عند الأحداث

السؤال: يقول: تتجاذبنا الآراء، وتعصف بنا الأفكار، وذلك من جراء الأحداث التي اجتاحت الأمة الإسلامية، ولم نستطع تحديد موقفنا مما حدث؛ لأننا إن دافعنا عن مقدساتنا وجدنا في ذلك صعوبة، إلى جانب بعض المشاكل والأشياء التي لم تتضح، إلى غير ذلك؟
الجواب: أقول: مثل هذا مسألة تجاذب الآراء، المؤمن عليه أن يعتصم بالله جل وعلا، ويعتصم بالعقل الراجح عند ورود مثل هذه الأشياء المشكلة، ولا تجذبه العاطفة كما سبق في السؤال السابق، فبعض الإخوة مثلاً يقول: لا أقف مكتوف الأيدي، لا بد أن أقاتل، لا بد أن أقاوم مثلاً العدو الذي اكتسح بلاد المسلمين، وآخر يقول غير هذا، فأقول: ينبغي للإنسان ألا يكون ضحية تعجل أو طيش، بل أن يفكر وأن يدرك أنه ليس له إلا نفسٌ واحدة إن ذهبت لا تعود، فينبغي أن يضعها في موضعها الطبيعي.
وأنا أنصح الشباب بالإقبال على العلم الشرعي، ومعرفة واقع المسلمين، والسعي في حله، وجمع الناس على الكتاب والسنة، ونشر المذهب الصحيح، والحرص على التربية، والاشتغال بذلك في البيوت والمدارس والمساجد وحلق العلم وغيرها، وأن يطيلوا النفس في ذلك، فإن هذا هو الطريق الطبيعي إلى عزة المسلمين.


الاستشهاد بأقوال المفكرين الغربيين

السؤال: لاحظت أنك قد استشهدت مراراً بأقوال مفكرين غربيين، فهل من الصواب الاستشهاد بذلك؟
الجواب: نعم (الحكمة ضالة المؤمن)، إذا أصاب بعضهم؛ لا بأس أن تستشهد بما قال إن كان حقاً.


من وسائل التغيير التدريجي غير المفاجئ

السؤال: عدد من الإخوة يعبرون عن محبتهم لي فجزاهم الله خيراً، أحبهم الله تعالى، وجعلني الله وإياهم من المتحابين فيه. كل إنسان عنده معاصٍ وذنوب صغيرة وكبيرة، والكل يسعى نحو الأصلح، ما هي الطرق والوسائل التدريجية المعينة على التغيير دون أن يكون هناك نوازع منفرة، حيث لا يخفى عليكم أن النفس لا ترغب التغيير المفاجئ؟
الجواب: من أهم الوسائل: أن يصحب الإنسان صحبة طيبين يعينونه على الخير، هذا من أهم الوسائل، ومنها: أن الإنسان إذا كانت عنده خصلة طيبة يعمل على تنميتها، مثلاً قد يكون عندك معصية، لكن في المقابل عندك خصلة طيبة، وهي: أنك تحب الإنفاق في سبيل الله، فأكثر من النفقة في سبيل الله، وسارع إلى ذلك؛ لأن هذه الخصلة الطيبة إذا كبرت وتضخمت، أصبحت كالشجرة التي بسقت فروعها فغطت على غيرها، كذلك الأصحاب الطيبون الصالحون يأمرونك بالمعروف وينهونك عن المنكر، ويعينونك على نفسك، فاحرص على صحبتهم.


إعداد النفس للجهاد بالدعاء والإنفاق فقط

السؤال: ذكرت قبل قليل بأن الإنسان يجب أن يعد نفسه للجهاد، فأنا قد حدثت نفسي بالجهاد، لكن لم أعد شيئاً له سواء الدعاء أو الإنفاق بالمال، فهل هذا هو المقصود؟
الجواب: نعم هذا هو المقصود يجب أن تعد، أولاً: ادعُ لإخوانك المجاهدين، جاهد بمالك إن استطعت، جاهد بالكلمة، جاهد بالدعوة، جاهد بالتربية، جاهد نفسك، جهز نفسك، افترض أنه قامت دعوة جهادية صادقة ولو بعد سنين، تكون مستعداً لذلك.


ترك طلب العلم لمن لا يحفظ المسائل العلمية

السؤال: أنا طالب علم، لكن لا أحفظ المسائل العلمية إلا نادراً، فهل أترك طلب العلم، وأنه لا يصلح لي وألتمس مجالاً غيره؟
الجواب: أبداً، لا تترك طلب العلم، ما في شيء مستحيل من هذه الأشياء، ليس في هذه الأشياء مستحيل، والإنسان إذا دأب فإنه يحظى بما يريد:
أخْلِق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا



التركيز على الأخطاء وقت الأزمات

السؤال: نلاحظ كثيراً من الأوقات في الإعلام العربي، حين يكون هناك قضية لشخصٍ ترى أنه قد أتى بكل تاريخه السابق؟
الجواب: نعم، هذه من الملاحظات والأخطاء التي أصبحت الصحافة تتكلم عنها بشكلٍ واضح، والأمة أصلاً أيضاً، حتى أنا وأنت لماذا ما اكتشفنا الخطأ إلا الآن؟ هذا ينم عن أن الأمة كلها تعيش في حالة غيبوبة، العيوب لا تبين إلا بالأزمات، حتى أنت أيها السائل وأنا: لماذا الخطأ ما ظهر عندنا إلا الآن؟ لأنه ما كان عندنا وعي حقيقي بالواقع في الماضي.


مصاحبة من يكثر اللهو بالكرة

السؤال: طالب ملتزم بشريعة الله، ولله الحمد، لكن له زملاء يهتمون بالكرة، على الرغم مما يمر بالأمة من أزمات وفتن، أرجو أن تبين هل عليّ شيء إذا تركت بينهم وبين ما يشتهون وأعتزلهم؟
الجواب: لا ينبغي المبالغة في الاهتمام بالكرة ولا بغيرها، سواء في هذا الظرف أم سواه، بل ينبغي إذا اشتغل الإنسان بهذه الأعمال أن يقتصد فيها، وألا تكون الغالبة عليه، فإن غلبة هذه الأشياء على الإنسان مذمومة في الأحوال العادية، فضلاً عن مثل هذه الظروف، أما أنت فموقعك تقدره أنت بحسب ما ترى، إن رأيت في بقائك مصلحة، تقليلاً للشر، تكثيراً للخير، جرهم إلى الطيبات؛ فتبقى، رأيت خلاف هذا تعمل ما ترى أن فيه مصلحة.


إعطاء بعض المعاصي حجماً أكبر

السؤال: قلتم: يجب الاهتمام بالمعاصي التي يقال إنها بسيطة، مثل: الدخان والإسبال، لكن بعض الإخوان يجعلون الاهتمام بهذه الأشياء هي الحد بين الكفر والإيمان.
الجواب: لا، أنا أحذر من هذا، أرى أن كل شيء نعطي حقه، لا تقل: هذه قشور وتتركها، وأيضاً لا تجعل هذه الأمور هي لب حياتك ودعوتك، وكل جهدك منصب عليها.


تقاعس من يملك القدرات والمواهب أن يقوم بواجبه ودوره

السؤال: ما رأيك بمن لديه قدرات ومواهب، ويستطيع أن يقود الشباب بإذن الله، ويتقاعس عن ذلك بحجة أنه ليس أهلاً لذلك؟
الجواب: هذا ممن قصدتهم بمثل هذا الحديث، وبمثل هذه المحاضرة، وطالما عانت الأمة من مثل هذا الأمر، من هذا الزهد البارد، الزهد العجمي الميت، الذي يؤثر الخمول والعزلة، والبعد عن الساحة، بحجة أنه ليس أهلاً، وأن هناك من هو أكفأ منه، أبداً يا إخواني، آن الأوان، ما بعد هذا شيء، عليك إن كنت شاعراً أن نقرأ قصائدك الجميلة في دواوين، في مجلات، في جرائد، وإن كنت ناثراً أن نقرأ كلامك الجميل في هذه المجالات، وإن كنت خطيباً أن نسمع صوتك المدوي على أعواد المنابر، وإن كنت داعية مؤثراً أن نراك وقد قدت جحافل الشباب وجمهورهم إلى الله عز وجل وإلى الدار الآخرة، انزل هذا وقتك، هذا أوانك، إذا لم تنـزل الآن فربما يسبقك الركب ويتعداك، وربما يعاقبك الله عز وجل، وهذا والله الذي لا إله إلا هو واقع رأيته بعيني، ربما يعاقبك الله أنك إذا أردت نفسك يوماً من الأيام لا تجد نفسك، يعني: الموهبة الآن يمكنك أن تستخدمها، لكن إذا أهملتها وأردت بعد خمس سنوات أنك تعود؛ وجدت نفسك وقد تغيرت عليك، أنت الآن خطيب، ما استفدت من هذه الموهبة، بعد خمس سنوات أردت أن تخطب وجدت أنها قد تغيرت الأمور، وجدت ضعفاً، تخليت وأدركت أن الركب قد فاتك.


الانشغال بالفرضيات من المسائل

السؤال: أنت قلت: يجب ألا نشتغل بالأمور الكبيرة عن الصغيرة في الإسلام، فما رأيك في قول أحد الأفاضل والمسلمون يقتتلون حولهم، مسألة في إذا نبتت للمرأة لحية هل تحلقها؟
الجواب: على كل حال أقول: لا شك أن المسلمين ينبغي أن يعطوا كل ذي حقٍ حقه، ولا شك أن الاشتغال بالفرضيات غير لائق أصلاً، خاصة في مثل هذه الظروف التي نعيشها.



الجمع بين طلب المناصب وتوليها للدعوة إلى الله

السؤال: كيف يمكن أن نجمع بين أن أتولى منصباً أو مركزاً لكي أقوم بالدعوة إلى الله، وبين أن الإنسان إذا طلب شيئاً أو منصباً وكل إليه؟ يعني: كيف نجمع بين طلب الإمارة وبين دعوته؟
الجواب: الواقع أن الإنسان إذا طلب الشيء لذاته من أجل الدنيا فإنه يوكل إليه، أما إذا طلبه للآخرة فإنه يؤجر على ذلك، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ما أنكر على عثمان بن أبي العاص لما قال: (اجعلني إمام قومي)؛ لأنه طلب منصباً دينياً شرعياً لوجه الله عز وجل، ما كان يأخذ راتباً ولا شيء، ولا قصده أن الناس يثنون عليه، إنما قصده أن ينال الأجر؛ ولذلك الله عز وجل مدح المؤمنين بأنهم يقولون: ...


نصائح مختصرة للداعيات

السؤال: [بماذا تنصح الأخوات المشتغلات بالجوانب الدعوية؟]
الجواب: أسأل الله عز وجل لكن، وكذلك إخواننا الحاضرين، أن يوفقكن للثبات على هذا الطريق، وأن يمدكن بروح من عنده، وأن يكثر من فتيات المسلمين من أمثالكن.
أما النصائح فالطريق طويل، ولعل التجارب التي ستمرين بها مع بقية أخواتك هي من أهم الوسائل التي ستستفيدين منها. ومن النصائح أنصح الأخوات بالتريث والهدوء وسعة البال والتحمل، وأن تواجه الأمور بالحكمة، وألا تكون قابلة للاستفزاز، استفزها أحد بكلمة أو سخرية أو ضحكة أو نكتة أو ما أشبه ذلك، تقابل الأمر بالحلم والحكمة، وأن تحرص على العلم الشرعي فإنه نبراس ونور للداعية.


التنظير للأحداث بدون عمل

السؤال: كما نرى ونسمع اليوم أن الأمة تمر بأزمات مختلفة، ما رأيكم بمن همه التحدث عنها، وليس مقصده الحل والعمل؟
الجواب: هذه من المشكلات كما قلت في أثناء الكلمة: إن كثيراً من الشباب أصبح منظراً، كأنه مفكر كبير أو فيلسوف، ويذكر لك الأسباب والأحداث والخلفيات والنتائج والتحاليل، لكن ماذا فعل؟ لا شيء.


التهرب من المسئولية بمختلف الأعذار

السؤال: ما رأيكم فيمن يقول: لن أغير إلا إذا كبرت، وصار لي مركز، أو لا أستطيع أن أغير إلا إذا كنت عالماً أو عندي علم؟
الجواب: هي المشكلة أن هذه هي قضيتنا، هذا عيبنا، أنا تكلمت عن هذا، لكن ما أدري، ربما بسبب العجلة لأنني استطلت الموضوع، وخشيت أن ينتهي الوقت قبل أن أنتهي؛ ما بينت الأمور بشكل كامل، ربما، هي مشكلتنا الأساسية أنه عندما تأتي إلى أي مستوى تجده أن يلقي باللوم على غيره، تأتي مثلاً إلى الشاب المتدين يقول لك: يا أخي! طلبة العلم، تأتي إلى طالب العلم يقول لك: يا أخي! العلماء، تأتي إلى بعض العلماء يلقي بالمسئولية على من هو أعلم منه، وقد تأتي إلى الأعلم فيلقي بالمسئولية على الحاكم وهكذا، يعني: ما صار هناك مسئولية إذاً، وهذا خطأ، كل واحد منا مسئول.


منع الأب ابنه من الذهاب للتدريب في الأفغان

السؤال: يقول: لي ابن يبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة يرغب في الذهاب إلى التدريب في الأفغان، هل يحق لي منعه من الذهاب؟
الجواب: لا، لا، أبداً، لا تمنعه من الذهاب، لماذا تمنعه؟ هل تريد أن ينشأ هذا شاباً يخاف من ظله، ويفرق من كل شيء، لا، أبداً، دعه يتربى على معاني الرجولة والبطولة والفداء، وإن قتل شهيداً في سبيل الله فهذا خير لك؛ لأن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته.


دعوة الكفار في العمل لمن لا يتقن الإنجليزية

السؤال: أنا أعيش ساعات الدوام الرسمي في مستشفى، وهو مقر عملي، لكني لا أتكلم الإنجليزية، فكيف أدعو الكفار إلى دين الله، وهل عليّ دور في دعوة النساء الكافرات، وما رأيكم في أشرطة الكاسيت والفيديو الدينية؟ أرجو إفادتي.
الجواب: نعم يمكن أن تستفيد من الأشرطة في دعوة هؤلاء، وبعض النشرات والمطويات المفيدة التي تطبع وتوزع من خلال مكاتب الجاليات، وهي موجودة في عنيزة وغيرها، تدعوهم بواسطتها، كما أنك تدعوهم إلى الله عز وجل بالخلق الحسن، وبالقدوة الحسنة وبالإخلاص في عملك، وأنت مطالب أن تدعو جميع هؤلاء بقدر ما تستطيع.


قلة العبادة انشغالاً بالدعوة

السؤال: قد يكون للإنسان نشاط في مجالٍ معين، ومفيد في مجتمعه، لكن مقابل ذلك يحصل تقصير من ناحية نفسه؛ من ناحية عبادته وزاده الروحي، ومهما حاول التوفيق لا يستطيع، ما هو الحل؟
الجواب: الحل أنه ابذل ما تستطيع في تقويم نفسك، وتزويد نفسك بالزاد الروحي والعبادة، وإذا حصل تقصير، بسبب انشغالك في الدعوة إلى الله وإصلاح أمر الناس، فلا تأسَ على ذلك؛ فإن النفع أو العمل المتعدي أعظم أجراً من العمل اللازم؛ أي: العمل الذي للناس أعظم أجراً من العمل الذي يخصك، الذي يشتغل بالتعليم مثلاً والدعوة والإصلاح أعظم أجراً من الذي يشتغل بالعبادة.


فاعلية الإنسان

السؤال: كيف يكون الإنسان فعالاً؟
الجواب: هذا سبق الإجابة عليه؛ يكون فعالاً بأن يعمل أي شيء، يلغي من قاموسه كلمة (لا أستطيع) أو كلمة (مستحيل) هذه يضرب عليها، ويضع بدلها كلمة حاول، هكذا يستطيع أن يكون فعالاً.


معنى التضحية

السؤال: نسمع بالتضحية فما هي؟
الجواب: التضحية هي أن يبذل الإنسان شيئاً له في سبيل الله، كيف يضحي الإنسان؟ يضحي بحسب الحال، بحسب ما يملك، قد يضحي بالوقت، قد يضحي بسمعته في سبيل الله عز وجل، ومكانته عند فلان أو علان، قد يضحي بماله، قد يضحي بنفسه.
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود



الشكوى من ضعف الإيمان

السؤال: أشكو إليك ضعف إيماني الذي أعاني منه كثيراً، فأرجو أن ترشدني.
الجواب: اشك هذا إلى الله جل وعلا، واسأل الله عز وجل أن يجدد الإيمان في قلبك، وهناك محاضرة سبق أن ألقيتها في هذا البلد عنوانها (وسائل تقوية الإيمان).


إخراج الدنيا من القلوب

السؤال: كيف نخرج الدنيا من قلوبنا؟
الجواب: والله هذا يحتاج إلى جهاد، ولعل اليوم بسبب ضيق الوقت أستعمل معكم طريق الإحالات، فسوف أتكلم يوم الأحد ليلة الإثنين إن شاء الله في الدرس الأسبوعي عن هذا الموضوع (كيف نخرج الدنيا من قلوبنا؟) وتلك المحاضرة (كيف نتحرر من الأوهام؟).


صرف الشباب عن العلوم التجريبية

السؤال: مع حاجة الأمة إلى ما يغنيها عن أعدائها؛ إلا أن هناك البعض من يصرف الشباب عن العلوم التجريبية، وأنه لا علم إلا العلم الشرعي؟
الجواب: هذا من الأخطاء، الأمة بحاجة إلى كل العلوم المباحة التي تحتاج إليها في دنياها، ويجب أن يتجه من الأمة من تقوم بهم الكفاية.


واجب الفرد نحو أمته

السؤال: نرى في أمتنا الخور والضعف، ونرى هذا بأعيننا، ما واجب المسلم بصفته فرداً ليس بيده شيء؟
الجواب: واجبه أولاً: أن يقتنع أنه ما هو بصحيح هذا الكلام، أنه ليس بيده شيء، لا، بيده شيء، بيدك أن تعمل، بيدك أن تدعو، بيدك أن تفكر، بيدك أن تحل ما يتعلق بك شخصياً، فأنت جزء من الأمة، وما يتعلق ببيتك وزملائك، وتبذل ما تستطيع، وإياك إياك أن تكون سلبياً تقول: ما بيدي شيء.


شبهة حول قوله: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة)

السؤال: ذكرت أن النعم والصحة بسبب الطاعات والأعمال الصالحة، كيف يتفق ذلك مع الآيات التي في سورة الزخرف: ((وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ))[الزخرف:33]؟
الجواب: الكلام في هذا الموضوع يطول، لكنني أقول كما قال الله عز وجل: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً))[النحل:97]، ((وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً))[الجن:16]، ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ))[الأعراف:96]، والكلام في هذا الموضوع يطول، يحتاج إلى درس خاص، وأعتقد أني سبق وأن تحدثت عن هذا أيضاً.


سؤال في بداية التغيير

السؤال: نريد معرفة كيف نكون فعالين في مجتمعنا الإسلامي، نحب أن نكون دعاة للإسلام؟
الجواب: جميل، والله يا إخواني أعظم شيء نفخر به ونفرح هو أن ترد مثل هذه الأسئلة الكثيرة؛ لأن مجرد السؤال يدل على أننا نريد أن نصنع شيئاً، وهذا بحد ذاته بداية طيبة، معناه أننا بدأنا:
بدأنا نمزق ثوب العدم ونلطم بالحق وجه السدم
بدأنا وفينا الأسى والهوان وفينا الضياع وفينا السقم
وفينا الكرامة مهجورة كمحصنة لوثتها التهم
وفينا وفينا، لكننا بدأنا.


سبب تقدم اليابان خلافاً لحال المسلمين

السؤال: لقد تكلمت عن الحماس الذي أبداه ذلك الرجل الياباني، ونحن نشاهد الشعب الياباني جميعاً لديه حماس عجيب في المنافسات الصناعية، مع ما عملته فيهم الحرب، وأما المسلمون فلا نجد فيهم ذلك مع كثرة الكتب والخطباء والدعاة.
الجواب: السبب والله تعالى أعلم اليابان الآن أمة فتية، بدأت من الصفر، بدأت من جديد، مع أنها ضربت بالقنبلة الذرية وحطمت؛ لكنها بدأت بداية جيدة، والآن تنافس في التقدم العلمي والصناعي بشكل جيد، وقد استطاعت، كما قال مالك بن نبي رحمه الله: في البداية أن تكون تلميذاً للتقدم الغربي، أما نحن المسلمين ما استطعنا أن نكون تلميذاً في التقدم الصناعي، وإنما استطعنا أن نكون زبائن، وفرق بين الزبون والتلميذ، التلميذ تلميذ اليوم، وغداً يصبح مدرساً، ولكن الزبون يظل زبوناً.


تسرب اليأس والتخاذل للناس عند الأزمات

السؤال: ما رأيكم بمن يجلب اليأس والتخاذل لنفسه وللناس في هذه الأزمة، أرجو أن تناصحونا وتعطونا الحل الناجع لهذا المرض.
الجواب: مساكين نحن يا إخوان، نظن أن الأمة أزمتها هي الأزمة التي نعيشها الآن، لا لا، الأمة مرت بأزمات كهذه كثيرة، هذا تاريخ الأمة، هذا قدر الأمة منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في مصاولة ومجاولة ومناولة مع الأعداء، إذا خرجت من معركة دخلت في معركة أخرى، هذا تأريخ أمتنا، ونقول: الأزمة هذه وما سبقها هي بإذن الله تعالى بداية العافية للأمة؛ لأنها التحدي الذي سوف يثير الاستجابة في نفوسنا، سوف يحرك الأمة إلى أن تفكر كيف تخرج أزماتها، كيف تحل مشاكلها، كيف تتغلب على أعدائها، كيف تستغني عن أعدائها، وهذه بداية الحل، لكن علينا ألا نيأس.


استحقاق الأمة للنصر

السؤال: هل نحن بواقعنا المعاصر أهل لنصر الله عز وجل مع وجود المعاصي جهاراً بيننا؟
الجواب: لا شك أن الله عز وجل يؤتي النصر من يشاء، ومن يستحق، ومن العجيب: أن الله عز وجل لما ذكر النصر عبر بتعبير لو فكر فيه الإنسان لوجد العجب العجاب، ما قال الله عز وجل: (ولينصرن الله من يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) لا، أبداً، قال: ((وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ))[الحج:40]، ثم بيَّن من هم الذين ينصرون الله: ((الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ))[الحج:41]، يعني: متى نكون أهلاً للنصر؟ نكون أهلاً للنصر إذا علم الله أننا إذا انتصرنا ثبتنا وصبرنا ووفينا، وإلا قد تجد إنساناً يصوم ويصلي ويدعي، لكن لو نصره الله عز وجل لخان الأمانة، وتراجع وانخذل، فهذا لا يعطيه الله تعالى النصر.


صعوبة الدعوة في بعض بلاد المسلمين

السؤال: يقول: أعيش في بلد معظم سكانه من المسلمين، الذين تجد لديهم حمية للدين، حتى لو لم يظهروا ذلك، لكن الذين يتقلدون أزمة الأمور في ذلك البلد ينتمون إلى الإسلام اسماً، والله أعلم بما يعملون، ويصعب على الإنسان أن يظهر دعوته خوفاً من هؤلاء، فما السبيل إلى دعوة مثل هذا المجتمع؟
الجواب: أبداً، الإنسان يستطيع أن يدعو في كل مجتمع، في أحلك الظروف وأسوأ المجتمعات تستطيع أن تدعو إلى الله عز وجل، لكن عليك أن تفكر بماذا تبدأ؟ وكيف تبدأ؟ وأين تبدأ؟ فكر بهذه الأسئلة.


تغيير مراكز الفتوى لنظرتهم للواقع

السؤال: أخي في الله! ألا تعتقد أن من أولويات التغيير في نفوسنا؛ تغيير مراكز القوى في نظرتهم للواقع، وقيادة الشباب للتغيير الفعلي، بدلاً من التسويف والتعليق على شماعة عدم إثارة الفتن؟
الجواب: نعم، هو كما ذكرت بارك الله فيك، نسأل الله أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته.


غياب أسباب النصر عند الأمة

السؤال: نحن أمة فينا التقي المصلح وفينا المفسد، ويوجد بعض الصحوة التي نحن بحاجة إلى إنمائها، السؤال: هل يوجد أسباب النصر الكافية عندنا؟
الجواب: لا شك لا توجد أسباب النصر الكافية، لكن يجب أن نسعى إلى تحصيلها.
مداخلة: علماً أننا بحاجة إلى سنين للدعوة إلى إصلاح الأمور، وابتلينا بحرب على الأبواب؟
الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: في الواقع أن الله عز وجل إذا كتب للأمة العز والتمكين؛ فإنه ربما تأتي العافية بأقل مما نتصور، إذا بدأنا بداية صحيحة فإن الله عز وجل يقيض لنا إمكانيات وقوى لا تخطر لنا على بال، لكن المشكلة أننا حتى الآن لم نبدأ بداية صحيحة، أعمالنا كلها أعمال ارتجالية عشوائية غير مدروسة، نعمل لكن عمل مرتجل.


مصاحبة الإيذاء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

السؤال: ما رأيك بالذي يكون لديه حرقة في داخل نفسه، لكن لا يستطيع أن يفعل شيئاً، وإذا فعل شيئاً كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوذي وسكت عن فعله، ماذا يكون دوره إذن؟ أرجو الإجابة.
الجواب: هو ينبغي أن نلغي كلمة (لا يستطيع أن يعمل شيئاً) هذه يجب أن نلغيها من قواميسنا، يستطيع أن يفعل شيئاً، والدليل: أنه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، أوذي طبيعي، الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعتقد أنه لن يؤذى هذا واهم.


النصر الرخيص

السؤال: ذكرتم في مقدمة كتاب البشائر كلمة أرجو منكم شرحها وهي نصاً: (النصر الرخيص لا يجيء، وإن جاء لا يدوم)؟
الجواب: نعم النصر الرخيص لا يجيء، يعني: الذي بدون جهد، بدون تحصيلٍ للأسباب، هذا لا يأتي، وإذا جاء فإنه مؤقت لا يدوم ولا يستمر بل يزول.


تنمية الشعور بهمِّ الإصلاح

السؤال: يقول: كيف نستطيع تنمية الشعور بهمِّ الدعوة الإصلاح؟
الجواب: أولاً: نم هذا الشعور في نفسك؛ لأنه إذا نما في نفسك فإنه سوف ينمو في جلسائك بالعدوى، العدوى الطيبة، الأمور الطيبة تعدي، مثلاً طالب علم في مجالسه، في حديثه، في دروسه يحاول أن يضرب على هذا الوتر، يحرك همم الناس وعواطفهم، ثم هم يحركون هذا في غيرهم، وهكذا ينتشر الأمر في الأمة.


منع الأهل ابنهم الصغير من الذهاب إلى الجهاد

السؤال: يقول: إني أحبك في الله، وأنا شخص أريد أن يرزقني الله الشهادة في سبيله، قد حدثت نفسي بالجهاد، عمري (17سنة) تقريباً، إذا قلت لأهلي عن الجهاد؛ لم يأخذوا كلامي؛ لأنهم يعتبرون أني صغير، والحمد لله دفعت بعض الأموال للمجاهدين؟
الجواب: أنا أرى أن مجرد الهم في نفسك هذا أمرٌ مما نريد، هذا نريده نحن، نريدك ونريد أمثالك ممن يحبون أن يرزقهم الله الشهادة، لكن ينبغي ألا يكون همك فقط أن تذهب إلى أفغانستان لتموت هناك، لا، فكر لعل الله أن يرزقك الشهادة -إن شاء الله- بعد ثمانين سنة تقضيها كلها في جهاد المنافقين، جهاد أعداء الله، نشر العلم، التعليم، الدعوة، أليس هذا أفضل؟ ما رأيكم أيهما أفضل: واحد يموت وعمره (17) سنة شهيداً، أو واحد يموت وعمره (80) سنة شهيداً، بعد ما أمضى ثمانين سنة في الدعوة إلى الله والإصلاح والتعليم، وبذل ما يستطيع، لا شك أن الآخر أفضل، فأنت احرص على أن تكون الثاني، وإن كانت الأمور بيد الله تعالى.


إعداد العدة في الوقت الحاضر

السؤال: كيف تكون إعداد العدة في الوقت الحاضر؟
الجواب: العدة في كل شيء، على الأقل الإعداد المعنوي، الإعداد النفسي، الإعداد النفسي هذا من العدة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التدرب على إزالة الهيبة والخوف والرهبة، حتى العدة بالعلم والعمل والعبادة كل هذا من العدة، والتقوى من العدة، ومن العدة تدرب الإنسان على الأسلحة وفنون التسليح.


دعوى اقتصار الجهاد على النفس

السؤال: هل الجهاد مقتصر على النفس؟
الجواب: الجهاد شامل، الجهاد بالنفس، الجهاد بالمال، الجهاد باللسان، كل ذلك من الجهاد.


علاج الحيرة الموجودة عند الشباب

السؤال: يقول: أخبركم بما يجول في عقول كثير من الشباب، من الرغبة في الدعوة والجهاد في سبيل الله، لنصرة دين الله، ولكن أين السبيل؟ أين الطريق؟ الكل ينادي بذلك ويوهمك أنه يسعى إلى تحقيق ذلك، ولكن من يصدق قوله عمله؟ هذا ما يحيرني ويحير كثيراً من الشباب، فما هو الحل السليم لتلك الأعمال، واختيار الطريق الصحيحة؟
الجواب: أعتقد أن سبب هذه الحيرة التي عبر عنها الأخ، يعود إلى قضية موجودة عندنا، وهي أننا متعجلون. من طبيعتنا أننا متعجلون، المشاكل يا أحبتي، والأمراض الموجودة في الأمة منذ مائة سنة ومائتي سنة، لا تُزَالُ بين يوم وليلة، والنصر لن يأتي بيوم وليلة، أبداً، لكن ينبغي أن نرجع إلى السؤال الذي طرحته أثناء المحاضرة، وهو: هل بدأنا أم لا؟ أبداً، والله لا يؤسفنا، ولو ما جاءت النتائج إلا بعد خمسين سنة، إذا اقتنعنا أننا بدأنا بداية صحيحة، بتفكير سليم، تفكير منطقي، بدأنا بالأمور المهمة وأعطينا كل ذي حقٍ حقه، كل إنسان عرف دوره، جهود متضافرة يكمل بعضها بعضاً، بذلك نطمئن.
المصيبة إذا كانت أعمالنا كلها عشوائية ارتجالية، على ما يقول المثل العامي: (مثل حرث الجمال، يطأ بعضه بعضاً) هذا يهدم ما عمل ذاك، وهذا يقوم ضد هذا، وهذا يعمل بطريقة، وهذا يعمل بطريقة أخرى، يعني: الأمور كلها أمور ارتجالية، هذه المشكلة، المهم نفكر كيف نبدأ، فإذا بدأنا ما يضر، لا تأتي الأمور بيوم وليلة، لا تعتقد أن الفرج يأتي عن طريق اليوم أو غداً، الأمور بيد الله عز وجل...




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق