صورة الرئيس المرّة الجديدة.. حلوة أيضا
الصورة ليست جديدة تماماً بل هي قديمة، وهي ليست صورة شخصية من صور الرئيس القسيم الوسيم، فصور الرئيس الباسم على كل حائط وجدار، وفي كل مكتب وكل دوار. "ألبوم" الرئيس هو شوارع سوريا ومكاتبها الحكومية وبيوت مواطنيها وساحاتها وعرصاتها.
الصورة الشخصية "المفلترة"، أي المحسنّة بآلات التحسين، هي إحدى وسائل الملكية والسيادة في سوريا في عصر الصورة، وهي وسيلة وطنية يسعى بها المواطن لإثبات ولائه الوطني أيضا. ليس المقصود بالصورة النصب التذكاري الجديد لبشار الأسد، وقد أدرك زبانيته أفول نجمه، فصنعوا له صنماً إشعاراً لأنفسهم ولرئيسهم بأنه ما زال ملكاً ورئيساً على الشعب، وكانت الطغمة الحاكمة قد استقرت على تقليد يشبه التقليد السوفييتي، وهو تقسيم حظوظ المجد على حظين، للأب المؤسس الراحل الأصنام، ولابنه الصور، وكان السوفييت يتورعون عن نصب أنصاب وتماثيل للحاكمين إلا بعد أن يموتوا.
ومن معاني هذه القسمة السوفييتية، أنَّ الأصنام أعلى رتبة من الصورة، فهي أجسام ثلاثية الأبعاد، قوية الأوتاد تُنصب في الساحات، وهي عصيّة على التمزيق وممتنعة على العوامل الجوية من حتِّ وتعرية، أمّا الصورة الجديدة، فهي صورة من صور الحكم، هي حيلة سياسية، ويمكن أن تسمى بحيلة ذيل الضب، أو قدم الذئب، فالضب يضحّي بذنبه إذا مُسك منه، والذئب يقطع ساقه بأنيابه كي ينجو من الفخ إذا أطبق عليها.
لم يكن مباحاً في سوريا القول بفساد بطانة الرئيس، فالاعتراف بالخطيئة ملجأ أخير، ولم يكن شائعاً إلا في الأوساط الضيقة، وسبب ذلك أنَّ هيبة الرئيس من هيبة الوزراء وحكام الأقاليم، فهم رؤساء يستمدون سلطتهم من سلطة الرئيس، وهو الذي يختارهم، وقد وهنت سلطة الرئيس، وهو يوشك على التبرؤ منهم، والتخلي عنهم تخليّ الضب من ذنبه أو الذئب من ساقه المأسورة بين أنياب الفخ.
لنسمِ العازفين هذا اللحن بالفرقة الضبيّة أو الفرقة الحواليّة، جرياً على تصنيفات وتسميات شاعت في كتب الأقدمين، مثل الحرورية والجهمية..
يشيع مساعدو البطل صورة نقيّة عن الرئيس، تقيّة، طاهرة، ملائكية، حتى يستمر بطلاً. ولكل بطل مساعدون، وكان مساعد البطل في حكايات أفلام السينما واحداً فقط، وكان مساعد البطل في السيرة الشعبية واحداً أيضاً، فمساعد عنترة ومعاونه هو أخوه شيبوب، ومساعد علي الزئبق هو سالم، ومساعد سيف بن ذي يزن هو الجنيّة أخته عاقصة.
ووظيفة المساعد أن ينقذ البطل في ساعات العسرة والشدة، وقد يدفع حياته دفاعاً عن حياة البطل، لكن مساعدي الرئيس كثر، فهم جند الدولة وعمالها ومستخدموها وحكماؤها وخبراؤها، بل إن للرئيس السوري مساعدين من خارج البلاد؛ لبنانيين وإيرانيين وروساً، ينافحون عن الرئيس ويدرؤون عنه الأقاويل والاتهامات، ويعينونه بالسلاح والمال والجند والحجة، مع أنّ رئيس سوريا من أسرع الرؤساء العرب جواباً في الحوار، وقد أوتي جدلا، ومن أكثر الرؤساء تفلسفاً مردها الخبرة التي اكتسبها من لقاءاته مع المثقفين والناس، لكن الخروق في السفينة السورية قد اتسعت على الراقع؛ جوع وظلم وظلام، وبات لزاماً على الراقع العمل بخطة ذيل الضب، أو نظرية البطانة الفاسدة. فظهر القول بها على الفضائيات، في برامج الحوار والتوك شو.
الفساد في سوريا طام عام، فترتيبها في سلم الشفافية والفساد العالمي هو ما قبل الأخير، ولن يستطيع الأسد مكافحته وصدّه إن شاء، لأن الفساد هو وسيلته في الحكم، كما كانت وسيلة أبيه، فظهرت خطة ذيل الضب ويد الذئب، حتى إنا سمعنا بها من موالي النظام، يدافعون بها عن الرئيس الضحيّة، وهو دفاع متهافت، لأنه اتهام عمومي، ولا يسمي أحدا بعينه، وشاع القول بفضل الرئيس وفساد بطانته مؤخرا على ألسنة شيوخ النظام.
في خطب مبثوثة في تلفزيون النظام، فقد خطب أحدهم خطبة بمناسبة افتتاح حفلة إقامة أول نصب تذكاري لبشار الأسد، أُنفقت على أحجاره ومعادنه أموال كثيرة، فدعا الشيخ الشعب إلى طأطأة الرؤوس إجلالاً لصاحب النصب التذكاري! وحضّ على طاعة ولي الأمر فتلا الآية القرآنية التي تقول: "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"، مغفلا المنادى في الآية، وثنّى على الآية بحديث نبوي شهير وهو : "اسمَعوا وأطيعوا وإنِ استُعمِلَ عليْكم عبدٌ حبشيٌّ كأنَّ رأسَهُ زبيبةٌ". ودعا الشيخ في ختام مناسك حفل تنصيب صنم أبي زبيبة، أن يرزق الله الرئيس البطانة الصالحة، وكأن السماء تمطر الصالحين مثل المطر، وخشينا أن يؤم المصلين بصلاة اسمها صلاة الاستبطانة، ثم انتهت الصلاة وتفرق المصلون.
أما الشيخ الثاني فهو أشهر من الأول، وهو الشيخ توفيق البوطي فعزا في خطبة الجمعة الفساد إلى الشعب، ولو قال: كما تكونوا يولّى عليكم، لأحسن القول وأنصف النجعة، لكنه لم يفعل.
الصورة الجديدة الخلاّبة والحلابة هي صورة الرئيس الضحيّة المبتلى ببطانة فاسدة، بل بشعب فاسد، مع أن الرئيس هو الذي ينتخب بطانته ويصنعها على عينه، ولا تمطرها السماء، ولا تخرج من دواليب الحظ.
ويُظهر إعلاميو النظام وسدنة الصنم؛ صورة الرئيس بصورة المعارض للحكومة الفاسدة، وهي صورة واهية عقلاً ومنطقاً، وتنقل عنه أخبارا أنه يعيش عيشة الزاهدين في قصره (بالبطاقة الذكية). وسبب نقل الأخبار بالأقوال لا بالصور، هو خشية بطانته الحاكمة من جرح صورة الرئيس القادر فوق شعبه.
قلنا إنَّ صورة البطل الضحيّة صورة قديمة، هي صورة البطل مصلوباً من أجل الحق عليه السلام، وصورة الحسين شهيداً عليه السلام، وهي إحدى صور البطل عليه السلام، فللبطل ألف وجه.
الضحيّة صورة يجتهد أتباع الرئيس في تلبيسه إياها من أجل بيان عذره وتمديد حكمه، لكنها صورة هزلية أيضاً، لأنها غير منطقية، وهو لا يتبنّاها، وإنما يتركها لإعلامه، وهي صورة مضحكة، لأنها عمومية، وهي غير واقعية، وغير ديمقراطية، لكن الرئيس الضحيّة، المنتصر على جيوش ثمانين دولة، عاجز عن أمرين هما؛ الرد على دولة صغيرة مثل إسرائيل، وتأمين رغيف الخبز لشعبه المتجانس.
إنها صورة عجيبة لرئيس قهر العالم، وحكم إنس السنّة وجنّ الشيعة، وضاقت عليه سوريا واستحق حكم العالم، وجانس شعبا جناسا تاما، وطابقه طباقا، يعجز عن أن يجانس بطانة حكم من ستة وثلاثين وزيرا، ما لكم كيف تحكمون.
twitter.com/OmarImaromar
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق