الاثنين، 11 سبتمبر 2023

الزّلزال وعبادةُ إحياء الأنفس

الزّلزال وعبادةُ إحياء الأنفس

 “حقّ الحياة واحدٌ ثابتٌ لكلّ نفس؛ فقتلُ واحدةٍ من هذه النّفوس هو اعتداءٌ على حقّ الحياة ذاته؛ الحقّ الذي تشتركُ فيه كل النّفوس، كذلك دفع القتل عن نفسٍ واستحياؤها بهذا الدّفع -سواء كان بالدّفاع عنها في حالة حياتها أو بالقصاص لها في حالة الاعتداء عليها لمنع وقوع القتل على نفس أخرى- هو استحياءٌ للنّفوس جميعًا، لأنّه صيانة لحقّ الحياة الذي تشترك فيه النّفوس جميعًا”.

هكذا علّق سيّد قطب في الظلال على قوله تعالى في سورة المائدة: “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”.

أمّا مجاهد فقال في تعليقه على الآية: “ومن أحياها؛ أي: أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة”.

إنّ إحياء نفسٍ واحدةٍ وإنقاذها من موتٍ محتمل هو إحياءٌ للنفوسِ جميعًا لأنّه صيانةٌ لحقّ الحياة الذي تشترك فيه النّفوس المعصومة كلّها.

وعندما تقع كارثةٌ جسيمةٌ كالزّلزال تصبحُ الأولويّة لإنقاذ النّاس أرواحِهم ونفوسِهم، ولا سيما العالقين تحت الأنقاض ينتظرون اليد التي تمتدّ إليهم لإخراجهم أو مدّهم بشهقةٍ من حياة إلى حين إنقاذهم، والجرحى في المستشفيات والمستوصفات، والهائمين على وجوههم في الطرقات والخيام المتهالكة.

من صور عبادة إحياء الأنفس في الزلزال

إنّ أعظم الأعمال والعبادات حين تحلّ كارثةٌ يحتاج فيها النّاس إلى إنقاذ أرواحهم كما هو الحالُ في الزلزال هي عبادة إحياء الأنفس التي توجب على القادرين التحرّك بكلّ طاقتهم للعمل، ولهذه العبادة صور كثيرةٌ منها على سبيل المثال لا الحصر:

إذا كنت في مناطق الزلزال ولا سيما القرى البعيدة والأحياء الفقيرة التي لم تصل إليها فرق الإنقاذ أو كانت غير كافية للعمل فيها فاخرج بنفسك وبما معك من أدواتٍ ومعداتٍ مهما كانت يسيرةً، وابحث عن النّاجين تحت إشراف المتخصّصين من الدّفاع المدني أو أهل الخبرة في ذلك؛ ففي هذا إحياء الأنفس.

وإذا كنت صاحب مؤسسة وأعمال أو مديرًا في مصلحةٍ خاصةٍ أو عامّة في مناطق الزلزال أو قريبة منها فأصدر قرارك إلى موظفيك بالانخراط في العمل لإنقاذ المصابين والجرحى ومَن هم تحت الأنقاض، وأصدر قرارك بأنّ دوام مؤسستك في هذه الأيام هو دوام ميدانيّ وأنّ مهمة الموظفين على اختلاف تخصصاتهم ومراتبهم هي في عمليّات الإنقاذ وما يتّصل بها؛ ففي هذا إحياء الأنفس.

سارع إلى مراكز التبرّع بالدّم وتبرّع من دمك بكل ما تستطيع وحثّ غيرك على التبرّع وافعل ذلك بأقصى طاقة يأذن بها الطبيب وتسمح بها صحّتك؛ ففي هذا إحياء الأنفس.

اجعل من عباداتك ذات الأولويّة في زمن الكارثة إرسال الوقود أو ثمنه إلى فرق الدّفاع المدني لتشغيل الآليّات العاملة في الإنقاذ واسعَ مع السّاعين في إبقائها على قيد التشغيل وصيانة أعطالها وأعطابِها الطارئة بأسرع وقتٍ وطاقةٍ؛ ففي ذلك إحياء الأنفس.

في الهائمين على وجوههم المشرّدين في الطرقات المروَّعة قلوبهم ميدانٌ من أعظم وأجلّ ميادين إحياء الأنفس؛ فتواصل مع عائلات مشرّدة واعمل على إيوائها أو تأمين مأوى لها وتأمين احتياجاتها الأساسيّة من طعامٍ وشراب وأغطية وبطانيات وملابس أو أثمانها؛ ففي ذلك إحياء الأنفس.

لا تتوانَ في التواصل مع المؤسسات الطبيّة المختلفة ولا سيما المستشفيات الميدانيّة الخيريّة أو النقاط الطبيّة التطوعيّة وقدّم لها ما تستطيعه من تكاليف معالجة مصابين؛ ففي ذلك إحياء الأنفس.

ومن الأولويّات عند وقوع كارثةٍ كالزلزال تفعيل العمل التطوعي ضمن الفرق ذات الخبرة؛ فانخرط في الفرق التطوعيّة العاملة في المناطق المنكوبة بالزلزال أو العاملة في البلدان الأخرى لأجل التخفيف من آثار الزلزال عبر الحملات الإغاثيّة أو غيرها من الحملات الإنسانيّة؛ ففي ذلك إحياء الأنفس.

ولا تنسَ أن تبحث عن المؤسّسات والحملات الموثوق بها التي هبّت لنجدة المنكوبين في مختلف المناطق والبلدان وعمّم حساباتها وانشرها وادع النّاس إلى التّفاعل معها؛ فهذا إحياء للأنفس.

وأنت تعاين الزّلزال عن قرب أو تراه من بعد؛ فكّر في أن يكون لك عملٌ في يومك هذا تنقذ فيه إنسانًا من آثار هذا الزلزال الماديّة أو النفسيّة والمعنويّة؛ فهذا هو إحياء الأنفس.

ثمّ توّج كلّ عملٍ تقوم به من أعمالك في عبادة إحياء الأنفس بالضراعة لله تعالى والتّذلل بين يديه فلا تتوقّف عن الدّعاء للمكلومين والمصابين والمنكوبين؛ فالله تعالى هو محيي الأنفس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق