السبت، 26 أكتوبر 2013

حول موجة التحريض الإسـرائيلي ضد أردوغان

حول موجة التحريض الإسـرائيلي ضد أردوغان

ياسر الزعاترة

يوم الاثنين الماضي نشرت صحيفة إسرائيل اليوم، مقالا للكاتب إيزي لبلار بعنوان “أردوغان: الإسلامي المقنع”، حفل بكم هائل من التحريض ضد رئيس الوزراء التركي، وقدم كشفا طويلا بممارساته وخطابه.

ومما ورد في المقال قوله “إن موقف اردوغان من إسرائيل أخذ يتدهور منذ ثارت ثورته الغوغائية على شمعون بيرس في دافوس 2009. فهو يصف إسرائيل بأنها “دولة ارهاب”، “تقتل الأولاد” و”تعرف جيدا كيف تقتل”. وقد استضاف زعيم حماس خالد مشعل ثلاث مرات في السنة الأخيرة. إن عداء أردوغان للصهيونية استمرار طبيعي لمعاداته للسامية. في 1974 أخرج مسرحية “ماس – كوم – ي” التي تناولت التأثير العالمي لليهود والشيوعيين والبنائين الأحرار. وأعلن حينما كان رئيسا لبلدية اسطنبول أن “صورة اليهودي اليوم لا تختلف عن صورة النازي”. وألقى بتبعة المظاهرات البيئية الأخيرة على “لوبي سعر الفائدة” وعلى “أصحاب الولاء المزدوج” وعلى “أصحاب الشعور الكوني الذين لا جذور لهم”، وهي إحالات واضحة إلى بروتوكولات حكماء صهيون”. انتهى كلام الكاتب.
في ذات اليوم كتب آخر (إيلي فيدار) في صحيفة “معاريف” بعنوان “تركيا عدو إسرائيل”، ومما قاله “إن سلوك أردوغان منذ صعوده إلى الحكم يجسد المرة تلو الأخرى أن الحديث لا يدور عن زعيم موتور أو سريع الغضب، بل عن متطرف ذي عقيدة متزمتة ترى في إسرائيل خصما دينيا وأيديولوجيا”.
هذا في يوم واحد، لكن الصحافة الصهيونية ما زالت تزدحم منذ أسبوعين بمقالات وتقارير كلها تركز على أردوغان، وتطرفه ضد الكيان الصهيوني، مع قدر كبير من التحريض ضده، وكل ذلك على خلفية ما قيل إنه كشف تركيا لشبكة تجسس إسرائيلية تعمل ضد إيران، مع العلم أن الدولة المعنية (إيران) لم تحظ بذلك القدر من الهجوم رغم التشكيك بتوجهات الرئيس الجديد (روحاني)، مع مطالبة الغرب، بخاصة أمريكا، بضرورة الحكم على أفعال الرجل وليس أقواله، هو الذي لم يلبث منذ أسابيع يقدم خطابا ناعما حيال الكيان الصهيوني يتفوق بكثير على أكثر الأنظمة العربية “اعتدالا”، وهو المصطلح الذي يُستخدم في وصف خطاب الانبطاح.
يحدث ذلك أيضا في ظل مديح لتطور العلاقات مع عدد من الدول العربية، وللمفارقة. ففي ذات اليوم الذي نشر فيه المقالان المشار إليهما، كان هناك مقال آخر لكاتب آخر (يارون لندن) في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يتحدث عن العلاقة مع إيران، ويشير في الآن نفسه إلى تطور مهم آخر على الصعيد العربي، إذا قال إنه “في هذه الأثناء (يقصد الجدل بشأن نووي إيران) يحدث تحت السطح تطور إيجابي بالنسبة إلينا، وهو أن الدول العربية السنّية تضطر إلى الاعتماد على الغرب، وتعزز علاقاتها بإسرائيل، بينما تُدفع المشكلة الفلسطينية إلى الهامش”.
قبل أيام أيضا شن المتطرف ليبرمان حملة ضد أردوغان، على ذات خلفية قضية التجسس، معتبرا أن اعتذار نتنياهو لتركيا كان خطأ، وأن العلاقة معها لن تتحسن ما دام أردوغان في الحكم، كما يلفت الانتباه ذلك التحريض ضده بوصفه ديكتاتورا أيضا، وليس بوصفه معاديا للكيان الصهيوني وللسامية فقط.
وإذا تذكرنا أن القدرة الصهيونية على الحشد ضد أي نظام سياسي مهما كانت قوته وتماسكه لا تزال قوية في الأوساط الدولية، ومعها الغضب الأمريكي على أردوغان بعد صفقة الأسلحة مع الصين، فإننا إزاء حملة تحريض واسعة النطاق ضد الرجل، لا شك أنها ستترك ظلالها على الوضع الداخلي الذي سيشعر أن الخارج سيكون معه في حال نظم احتجاجات ضد الحكومة التي يقودها أردوغان، بدليل أن الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها لم تقابل إلا بالكثير من الاستخفاف في أوساط المعارضة التي بدأ بعضها يأخذ منحىً طائفيا في صفوف العلويين الذي صاروا ينظرون إلى أردوغان بوصفه زعيما سنّيا يستهدفهم طائفيا، وكل ذلك على خلفية موقفه من سوريا، الأمر الذي ساهم بشار الأسد في تكريسه عبر تحريض طائفي واضح في أكثر من مقابلة مع وسائل إعلام دولية، وأخرى تركية في رسائل واضحة لهذا المكون من مكونات الشعب التركي.
لعل ذلك هو ما دفع أردوغان إلى مقاربة جديدة للمسألة السورية، وربما للعلاقة مع إيران وحلفها (دعا المالكي لزيارة أنقرة)، بل حتى مع روسيا التي أعلن عن أنه سيزورها الشهر القادم، فما يجري ينذر بمخاطر تهدد الرجل، وهي مخاطر لا تتأتى فقط من التحريض الصهيوني، بل من بعض التحريض العربي أيضا، والنتيجة أن أنظمة الثورة المضادة عربيا، قد التقت مع التحالف الذي تدعي محاربته في سوريا، أعني التحالف الإيراني، في عدائها لأردوغان.
ما يجري في تركيا، وضدها هو جزء من حالة التدافع الشديد في المنطقة، ويبدو أن الرجل سيسعى إلى مقاربة تختط سبيلا آخر في المواجهة، مع أنه سيعاني من حقيقة أن إيران التي يخطب ودها تتجه هي الأخرى نحو الغرب، بدل مد جسور التفاهم مع المحيط العربي والإسلامي. ولذلك فإن المهمة الأكبر هي تمتين الجبهة الداخلية بوصفها العنصر الأهم في المعركة. ولو تفوق المنطق في عالم العرب، لكان التنسيق بين السعودية وتركيا محطة لإخراج سوريا من مأزقها، بدل استمرار النزيف القائم، ومن ثم التآمر على أردوغان ودفعه لتحسين علاقته مع إيران التي تشارك في قتل الشعب السوري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق