الجمعة، 25 أكتوبر 2013

سُلم السيسي

سُلم السيسي


في إطار تدليسه على الشعب المصري، عاب وزير الدفاع والقائد العام للانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، في خطابه للقوات المسلحة المصرية والشرطة، على رئيسه والقائد الأعلى للقوات المسلحة الذي اختطفه لينقض على السلطة، أنه استخدم الآلية الوحيدة الموثوقة التي تعارفت عليها كل دول العالم الديمقراطية للوصول للحكم ألا وهي الانتخابات الحرة النزيهة.

قال السيسي في حديثٍ سياسي بملابسه العسكرية "إن الرئيس مرسي اتخذ الديمقراطية سُلّما للوصول للحكم ثم أخذ السُلّم معه فوق". ثم أخذ يتلعثم في الكلام في مشهد هزلي حتى استطاع أن يكمل حديثه بعد جهد جهيد، وكأن تلعثم لسانه آية تدليسه وعدم اتساق ظاهره مع ما يضمر، ناهيك عن قلة حجته السياسية.

والآن، وبعد أن استغل السيسي مظاهرات احتجاجية في ٣٠ يونيو/حزيران الماضي سُلّما ليقوم بانقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز، إذا بسلطته الانقلابية التي دهست الدستور والقانون بالمجنزرات العسكرية وقتلت آلاف المتظاهرين المحتجين على هذا الانقلاب واعتقلت من استطاعت أن تعتقله، وبعد عجزها عن وقف المظاهرات بالقتل والاعتقال، تلجأ إلى إصدار قانون لوأد حق التظاهر والاعتصام السلمي وهو حق دستوري تعرفه كل الشعوب المتمدنة.

استخدم السيسي المظاهرات سُلّما لتبرير الانقلاب العسكري علي الديمقراطية المدنية، وهو ما ليست له أي سابقة في أي دولة ديمقراطية بالعالم، ولكنه يبدو أنه اليوم قد أخذ السُلّم معه إلى فوق
وكأن السيسي بعد أن استخدم المظاهرات سُلّما لتبرير الانقلاب العسكري على الديمقراطية المدنية -وهو ما ليست له أي سابقة في أي دولة ديمقراطية بالعالم- قد أخذ السُلّم معه إلى فوق.

حتى دعوته الشهيرة بزيه العسكري المصريين للتظاهر والاحتشاد بالميادين لتفويضه بقتل المتظاهرين والمعتصمين في المنصة ورابعة والنهضة ورمسيس وغيرها، قد أخذها معه إلى فوق بعد الانقلاب.

إن القانون المزمع إصداره من سلطة الانقلاب لتنظيم المظاهرات، ما هو إلا محاولة يائسة وبائسة جديدة من سلطة الانقلاب العسكري لوقف الاحتجاج السلمي ضدها والذي باتت تخشى من فعاليته كسلاح سلمي مدني لإسقاطها أكثر من خوفها من أي شيء آخر خصوصا بعد اتساع رقعتها النوعية بعد انكشاف حقيقة الانقلاب العسكري لكثيرين.

ويبقي السؤال الأهم: عن من سيصدر هذا القانون؟ عن سلطة غير شرعية ولا منتخبة، بل سلطة سفاح منقلبة على الديمقراطية والرئيس المنتخب والدستور المستفتى عليه شعبيا، وبالتالي فإنه ليس لهذا التشريع أي شرعية.

ناهيك عن صدوره في مناخ انقلاب يكرس الدولة البوليسية العسكرية وحالة من الطوارئ وحظر التجوال والقتل والاعتقال والتخوين على أساس الرأي السياسي وغياب لمجلس تشريعي منتخب يناقشه، وبالتالي نستطيع أن نكون على يقين من أن هدفه هو تجريم التظاهر لا تنظيمه.

أما من ناحية المضمون، فإن القانون يحظر على المواطنين في مادته التاسعة حقهم الدستوري في الاعتصام السلمي، وبالتالي يسهل الطعن في عدم دستوريته.

وتأتي المادة العاشرة من القانون بمخالفة أخرى صريحة لحق المواطنين الدستوري في التظاهر السلمي، إذ قيدت المادة حق التظاهر السلمي بإعطاء السلطة التنفيذية "الانقلابية" مممثلة في وزارة الداخلية حق إلغاء المظاهرات أو التجمعات إذا ارتأت ذلك، وعلى المتضرر اللجوء إلى قضائنا "الشامخ"، وهنا يصبح من السهل التنبؤ بموقف قوات الشرطة التي تقتل المتظاهرين في وضح النهار!

والجدير بالذكر أن مشروع القانون السابق في عهد وزير العدل الشرعي أحمد مكي -والذي لم يقر ولم تتم مناقشته بالبرلمان وكان لنا عليه العديد من الاعتراضات في حزب الوسط- كان ينص على عكس هذا الإجراء، بحيث لا تستطيع الداخلية وقف المظاهرة بقرار إداري دون اللجوء بنفسها إلى قاضي الأمور الوقتية، بأن تطلب منه إصدار قرار مسبب بإلغاء المظاهرة.

مشروع القانون السابق بعهد وزير العدل الشرعي أحمد مكي كان يمنع الداخلية من وقف المظاهرة بقرار إداري دون اللجوء بنفسها إلى قاضي الأمور الوقتية، بأن تطلب منه إصدار قرار مسبب بإلغاء المظاهرة
أما المادة الرابعة عشر فتحدد حرما آمنا أمام القصور الرئاسية ومجلس الشعب والشورى ورئاسة الوزراء مسافة من خمسين إلى مائة متر، يستطيع المواطنون التظاهر بعدها.

أي أنه إذا أخطأت وزارة الداخلية في عدم منع المظاهرات، فإن شوارع القاهرة التي لا يتعدي بأي حال عرض أي منها خمسين مترا هي الحصن الأخير.

وبطبيعة الحال فإن الحديث عن الأوناش التي كانت تسحل أبواب القصر الرئاسي الذي كان يجلس فيه الرئيس المنتخب والشماريخ والمولوتوف التي كانت تقذف بداخله، وتسلق أسواره لاقتحامه، هذه أشياء أدت دورها لإسقاط الرئيس الشرعي وتبرير الانقلاب العسكري "وأخذها السيسي معه إلى فوق".

ليست هذه هي المواد الوحيدة التي تظهر قمعية هذا الانقلاب ومخالفته لما كان يرتكز عليه كذبا وزورا من شرعية شعبية مزيفة أتت به عبر مظاهرات حماها ورعاها بل ودعا إليها، لكنها ملامح هامة علها تكشف عمن أعمت عقولهم وأبصارهم أذرع السيسي الإعلامية التي رسخت زيف هذا الانقلاب.

هذا القانون مآله مآل كل قوانين المخلوع مبارك، ولن ينجح أن يثني شعبا قويا صامدا ثابتا بسلميته تحت وطأة زخات رصاص سلطة الانقلاب في أن يستعيد ثورته وديمقراطيته.
المصدر:الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق