الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

ممنوع الاقتراب أو المحاسبة (الحلقة الأولى)

ممنوع الاقتراب أو المحاسبة

العسكر للشعب: هذه دولتنا.. وأموال الجيش «عرق» وزارة الدفاع.. وسندافع عنها حتى آخر رمق 

(الحلقة الأولى) 





كتب: شريف عبدالحميد sherif_abd67@yahoo.com

>> كيف تتصرف وزارة الدفاع فى المليارات التى حصدتها عبر سنوات من المشروعات التى تديرها؟
>>شبكة العسكر الأخطبوطية تسيطر على كل شبر بالدولة.. والقانون 45 لمنع ملاحقة الفاسدين
>>أموال القوات المسلحة هي أيضا عرق جبين آلاف الصنايعية والفنيين المهرة
>>أموال المعونة تساعد جنرالات العسكر على إقامة علاقات بيزنس مع شركات أمريكية منها سيارات "كرايسلر"
منذ ستين عاما عندما خضعت مصر لحكم نخبة عسكرية، تعلمت تلك النخبة الكثير من الاتحاد السوفيتى.. تعلمت كيف تبنى المصانع، وتعلمت أيضًا كيف تقمع الفقراء الذين يعملون فيها بأجور زهيدة؟.

مرت السنون وسقط السوفييت، ولكن ظل التلميذ المصرى مطيعا ومتفوقًا على أستاذه حتى اليوم، بل وخرجت سيطرة العسكر عن أبواب المصانع لبراحات أوسع من الهيمنة على أقوات الشعب.
ولا أحد ينسى التصريحات الشهيرة للواء محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشئون المالية السابق وعضو المجلس العسكرى –فى عهد المشير حسين طنطاوى- والتى قال فيها إن ما لدى القوات المسلحة «ليست أموال الدولة وإنما عرق وزارة الدفاع من عائد مشروعاتها»، وإنها تدفع عليها ضرائب وجمارك.
 ثم أضاف أن «القوات المسلحة ستقاتل من أجل مشروعاتها الاقتصادية.. ولن تتركها لأى شخص أو جهة».
إنها دولة العسكر يا سادة، التى وضع أركانها انقلاب الضباط فى 23 من يوليو عام 1952، وتجذرت لستة عقود حتى انقلاب 3 يوليو2013.
لأول وهلة يرى البعض أن اقتصاد الجيش هو ذلك المتمثل فى مصانع الأغذية والأدوات الكهربائية وغير ذلك، إلا أن اقتصاد وبيزنس» العسكر يتعدى بكثير هذا الأمر، إذ لا يعتبر اقتصاد دولة داخل الدولة فحسب، بل إن الأذرع العسكرية متغلغلة فى الاقتصاد الوطنى بصورة شبه كاملة.
فى الفصل الـ 15 من باب المؤسسة العسكرية والمنشور بموقع الهيئة العامة للاستعلامات، يلقى الضوء على الشركات والهيئات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة والتى ومن نظرة عامة عليها يتضح مدى تغلغل الجيش فى كل المجالات الاقتصادية فى الدولة وسيطرته عليها بشكل كامل.
ورغم أن هذه الشركات والهيئات من المفترض أنه تم إنشاؤها لتحقيق الاكتفاء الذاتى داخل المؤسسة العسكرية، إلا أن دورها تعدى ذلك الأمر إذ بدا كما لو أن هناك كيانًا اقتصاديًا قائمًا بذاته بعيدًا عن الدولة.
التهرب الشرعى من الضرائب
وما حكاية الضرائب والجمارك التى تحدث عنها اللواء نصر، إلا محض خيال، إذ إن هناك قوانين وضعتها دولة العسكر على مدار عقود، جعلتها رسميًا متهربًا من الضرائب، فوزارتا الدفاع والإنتاج الحربى، كلتاهما معفيتان من الجمارك، بنص المادة (١) من قانون الإعفاءات الجمركية رقم ١٨٦ لعام ١٩٨٦: «يعفى من الضرائب الجـمركية ما تستورده وزارة الدفاع والشركات والوحدات والهيئات التابعة لوزارة الإنتاج الحربى لأغراض التسليح من أسلحة وذخائر وتجهيزات ووسائل نقل ومواد وأدوات وآلات ومهمات وأجهزة طبية وأدوية، كذلك يعفى ما تستورده الحكومات والمؤسسات الأجنبية، تنفيذًا لعقود تبرمها مع وزارة الدفاع لأغراض التسليح». 
وبالطبع أى شىء وكل شىء يمكن إدراجه تحت بند الحاجة له فى أغراض التسليح، أما "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية"، التابع لوزارة الدفاع، فهو معفى من الضرائب على الدخل، بنص المادة (٤٧) من قانون رقم ٩١ لسنة ٢٠٠٥ للضريبة. كذلك مشروعات العسكر معفاة أيضًا من ضريبة المبيعات، بنص المادة (٢٩) لقانون رقم ١١ لسنة ١٩٩١ للضريبة العامة على المبيعات.
قانون وزارة الدفاع
وكانت د. زينب أبو المجد أستاذ التاريخ والاقتصاد السياسى بالجامعة الأمريكية، قد كشفت فى سلسلة مقالات بعد ثورة 25 يناير، الوجه الحقيقى لـ«العسكر» خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادى، حيث تحدثت باستفاضة عن «بيزنس العسكر»، قائلة إن وزارة الدفاع، بالنصوص القانونية تتحكم فى كل شىء فى حياتك، من وأنت طالب جامعة وبعد ما تتخرج، وإذا أردت زراعة قطعة أرض، وإذا أردت إنشاء مشروع صغير، وإن أردت بناء منزل، وزارة الدفاع على الطرق السريعة وفى ساحات انتظار السيارات والبنزينات، هى فى طعامك وشرابك أنى ذهبت، فقيرًا كنت أو طبقة وسطى أو ثريًا، وزارة الدفاع حولك فى كل مكان.
وقالت د. زينب، هل تعلمون أنه بعد خمسة أيام فقط خلع مبارك، بينما نحن مشغولون بالرقص ولم الزبالة سعداء فى ميدان التحرير، قام العسكر بتمرير قانون برفع معاشاتهم بنسبة ١٥ بالمائة مرة واحدة؟ نعم، حدث ذلك يوم ١٦ فبراير ٢٠١١، حيث استغل المجلس العسكرى فرصة حل مجلس الشعب ومنح لنفسه سلطاته، وقام بتعديل قانون المعاشات.
أراضى الدولة تحت سطو العسكر
وتابعت: أصدر «المخلوع مبارك» فى بداية عهده تشريعًا لاستخدام تلك الأراضى، لم يمنح هذا القانون وزارة الدفاع فقط حق التصرف المطلق فيها، ولكن أيضًا أجبر جميع المواطنين والجهات على الحصول على رضائها قبل الشراء.
 تنص مادة ١٠ من قانون رقم ١٤٣ لسنة ١٩٨١ على أنه: «يحظر على أى شخص طبيعى أو معنوى أن يحوز أو يضع اليد أو يتعدى على جزء من الأراضى الخاضعة لهذا القانون.. فيما عدا ما تقوم به القوات المسلحة تنفيذًا لخطة الدفاع عن الدولة.
 وتوجب مادة ٢ منه ضرورة «التنسيق» مع وزارة الدفاع فى استخدامات الأراضى».
بحجة ‫تنفيذ خطة الدفاع عن الدولة، تضع القوات المسلحة يدها على جميع المناطق الساحلية والسياحية المربحة فى البلاد، وإما تبنى عليها مشروعاتها الخاصة الفاخرة، أو «تنسق» مع رجال الأعمال لأجل بناء مشروعاتهم عليها، ولا نعرف ما هى بالضبط طبيعة هذا التنسيق.
وعندما أصدر المخلوع قانونًا لإنشاء هيئات تدير أراضى الدولة، لم تكن مفاجأة لأحد أن العسكر احتفظوا بموقعهم فوق الممتاز على رأس كل منها.
أنشأ المخلوع ثلاث هيئات رئيسية لهذا الغرض فى مجالات السياحة والصناعة والزراعة، ويتربع على عرش ثلاثتهم لواءات، لو ترجمنا هذا لكلام مفهوم‫، يعنى من الآخر "لو أنت شاب وعايز أرض علشان تعمل مشروع سياحى أو تستصلح كام فدان فى الصحرا اللى فى ضهر بلدكم، أو عايز تقيم ورشة صغيرة فى المنطقة الصناعية داخل المدينة التى تقطن بها أو حتى تنصب فرشة خضار فى السوق الجديد اللى اتفتح، لازم تاخد إمضاء سيادة لواء ما أو آخر على ورقك".

المعونة الأمريكية
واعتبرت أبو المجد فى إحدى مقالاتها أن قضية التمويل الأجنبى الشهيرة التى اتهم فيها عدد من الأمريكيين، كشفت عن حجم وأهمية المعونة الأمريكية لمصر، إذ إن هذه الورقة لوحت بها الإدارة الأمريكية للإفراج عن رعاياها وهو الأمر الذى تم فى جنح الليل بعد أن خرج المتهمون من زنازينهم إلى طائرتهم التى توجهت لأمريكا.
وتقتضى المعونة العسكرية أن يقوم الجيش المصرى بشراء أسلحة وذخائر أمريكية الصنع فقط ومن شركات أمريكية. ولذلك سرعان ما صارت المعونة العسكرية وسيلة طيبة تُفيد بها الحكومة الأمريكية من تختاره من الشركات الكبرى المنتجة السلاح، والتى تحصل على طلبيات ثابتة ومضمونه من الجيش المصرى كل عام، بعض تلك الشركات قد يتعرض لتوقف إنتاجه بل إغلاق أبواب مصانعه تمامًا لولا طلبيات مصر.
 تقوم تلك الشركات بالتأكيد برد الجميل للحكومة من خلال تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين فى الكونجرس والرئاسة.
من ناحية أخرى، تضيف الكاتبة أن أموال المعونة تساعد جنرالات العسكر فى مصر على إقامة علاقات بيزنس مدنى غير حربى مع شركات رأسمالية أمريكية صانعة لسلع استهلاكية.
والمثال الصارخ على هذا هو سيارات الجيب بجميع موديلاتها الفاخرة التى ينتجها العسكر بالشراكة مع «كرايسلر» الأمريكية. تفتخر «الشركة العربية الأمريكية للسيارات» - التابعة للهيئة العربية للتصنيع وهى بدورها تابعة للقوات المسلحة المصرية- بما أنتجته عبر الخمسة عشر سنة الماضية بشراكتها مع «كرايسلر» لتجميع سيارات «جيب شيروكى» و«رانجلر» و«جيب ٨»...إلخ.
مليارات تحالف العسكر والأمريكان
وبدورها أعلنت الشركة الرأسمالية بسعادة أن العسكر فى مصر يحققون لها مبيعات طيبة للغاية ومتضاعفة من تلك السيارة.
 يقول اللواء حسين مصطفى رئيس الشركة إن خطوط إنتاجه قادرة على إخراج ١٧ ألف سيارة فى العام وبوردية واحدة، وإذا عرفنا أن سعر السيارة الجيب يتراوح بين ٢٥٠ ألفًا و٦٥٠ ألف جنيه، فبحسبة بسيطة نستطيع أن نتخيل كم مليارًا تجنى تلك الشركة- تلك الشركة فقط دون غيرها من بيزنس الجيش المدنى- من أرباح فى العام.
وفى حين تبيع شركة جنرالات العسكر تلك السيارة الفارهة للطبقة العليا المصرية، وأيضًا تظل مكاسبها منها سرية غير خاضعة لرقابة أحد، تُلقى للعمالة الفقيرة الرخيصة بها حفنة جنيهات من أجور زهيدة.
 كمثل العمال الفقراء فى مصانع الإنتاج الحربى، يلجأ عمال الهيئة العربية للتصنيع للاعتصام والإضراب ضد اللواءات مديرين مصانع الهيئة، لكن دون أن يستجيب لهم أحد.
فى شهر أغسطس لعام الثورة الماضى، دخل ١٧ ألف عامل فى الهيئة فى اعتصام مفتوح، مصرين على أن أرباح الهيئة تصل لـ٣٥ مليار جنيه فى العام -بحسب تقديراتهم- وأنهم لا يحصلون منها على أجور أو حوافز عادلة أو حتى بدل وجبة غذائية.
هذا بالإضافة لحديث العمال فى شؤون الفساد المستشرى فى الهيئة.
تحصين لواءات الفساد
الشبكة الأخطبوطية تسيطر على كل شبر بالدولة، إذ لا تكاد تخلو أى مؤسسة أو هيئة بالدولة من وجود عسكرى بها حتى إن متقاعدى الجيش مكانهم دائمًا محفوظ بتلك المؤسسات، حتى تلك التى لا يفقهون من أمرها شيئًا بداية من مصلحة مياه الشرب والصرف الصحى.. وانتهاءً بشركات الأتوبيس ومصلحة التليفونات لقناة السويس وشركات البترول وحى العمرانية ‪والدقى ونادى المقاصة الرياضى!».
يحتلون كل أماكن «المهندسين والأطباء والمحامين والمحاسبين، بل أماكن السباكين والسائقين والبائعين ولاعبى كرة القدم وبتوع التليفونات!".
ونظرًا لأن اتهامات الفساد تلاحق العديد من العسكر، قام المجلس العسكرى بعد الثورة وفى غفلة من الشعب بإصدار قانون يقوم بتحصين الزملاء اللواءات فى هذا الصدد.
وقام والشعب نيام، بسن تشريعًا بعدم محاكمة ضباط الجيش المتهمين بفساد مالى -حتى بعد تقاعدهم- أمام محاكم مدنية عادية، ومحاسبتهم فقط أمام قضائهم العسكرى، منهم فيهم يعنى، قانون رقم ٤٥ لسنة ٢٠١١، والصادر فى عدد غريب خاص من الجريدة الرسمية يحمل رقم ١٨ مكرر (أ)، ينص على ما يلى: «يختص القضاء العسكرى دون غيره بالفصل فى الجرائم فى شأن الكسب غير المشروع التى تقع من ضباط القوات المسلحة، ولو لم يبدأ التحقيق فيها إلا بعد تقاعدهم.. وتختص النيابة العسكرية، دون غيرها ابتداءً، بالتحقيق والفحص».
المكرونة أسرار حربية
حتى الآن لم نسمع عن أى تطورات فى البلاغات المقدمة ضد لواءات مثل سيد مشعل وأحمد شفيق وسمير فرج، وتم تحويل الكثير منها للنيابة العسكرية، سواء بالإدانة أو التبرئة.
يثير الحديث عن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية الكثير من الشجون القانونية.
هذا الجهاز الذى يمتلك «بنزينة وطنية» الوحيدة التى كان فيها بنزين ٨٠ وسولار بأفرعها المتشعبة (أثناء الأزمة المفتعلة أيام الرئيس مرسى)، ومصانع النصر للكيماويات والبصريات وشركات التعدين والمقاولات وحوالى ٢٥٠ ألف فدان مزرعة شرق العوينات، ذلك فضلًا عن فخر صناعة وزارة الدفاع مكرونة كوين، قانون إنشائه يثير التعجب.
 أصدر السادات هذا القانون عام ١٩٧٩، وتنص المادة الرابعة منه على أن توضع حصيلة مشروعاته فى «حساب خاص بأحد البنوك التجارية»، وأن وزير الدفاع هو من يصدر قرارًا «بالقواعد التى تنظم الصرف من هذه الأموال».
وبالرغم من أن المسألة تجارية بحتة وليست أسرارًا حربية، لا نعرف اسم هذا البنك الخفى، ولا كم من المال به، ولا كيف تتصرف وزارة الدفاع فى المليارات التى حصدتها عبر سنوات من تلك المشروعات.
خلاصة الكلام، إن البنية القانونية للدولة فى مجملها مفصلة تفصيلًا لأجل هيمنة قاطنى وزارة الدفاع.
إهدار حقوق العمال تحت حكم "العسكر"
أموال القوات المسلحة هى أيضًا عرق جبين عشرات الآلاف من الصنايعية والفنيين المدنيين المهرة. على سبيل المثال، يوجد على الأقل ٤٠ ألف عامل مدنى فى وزارة الإنتاج الحربى، يقفون فى ورش نصف إنتاجها تقريبًا من السلع الاستهلاكية وليست الحربية- حسب تصريحات وزير الإنتاج الحربى السابق.
الكثير من هؤلاء العمال يتمتعون بحرفية عالية وأحيانًا نادرة فى مجال أو آخر، حيث يتخصصون فى أشياء غاية فى الدقة، مثل إنتاج أجهزة التليفزيون، أنابيب البوتاجاز والحواسب الآلية، ولا يمكن تصور أن لواءات الجيش، مديرى المصانع الحربية، يمتلكون مثل تلك المهارات اليدوية اللازمة لتجميع هذه السلع.
أما على الجانب الذى يقتضى منا المراجعة، «فلماذا دائمًا يرأس الهيئة عسكرى ولا يأتى الدور أبدًا على المدنيين، فى حين أن الغالبية العظمى من إنتاجها مدنى؟».
 توالى على إدارة الهيئة فريق متقاعد تلو الآخر طوال العشرين سنة الماضية، «ألا يعد هذا احتكارًا؟» مادامت المسألة فى النهاية مهارات إدارية وليست فنية، «فلماذا لا يكون رئيسها إداريًا متخصصًا مدنيًا وله نائب عسكرى يقوم على شئون الأقلية من إنتاجها الحربى؟».
فوق الرقابة والمحاسبة
لا يتعلق الأمر فقط برئيس مجلس الإدارة العليا للهيئة، لكن المناصب العليا من رؤساء مجلس إدارة ورؤساء قطاع ومديرين، أغلبهم عسكريون سابقون.
ولذلك لا يُسمح للعمال فى مصانع الهيئة بتشكيل نقابات أو اللجوء لمحاكم الدولة، إذا ما نشبت خصومة بينهم وبين إدارة الهيئة، بل ملاذهم الوحيد هو لجنة قضائية من وزارة العدل ومجلس الدولة. فوق كل ذلك «أن عسكرة المكان جعلته فوق الرقابة والمحاسبة»، ولا يطلع على ملفاته بمكاسبها أو خسائرها سوى رئيس الهيئة ومجلس إدارتها واللجنة العليا، التى يرأسها الآن عبد الفتاح السيسى.
أغلب الإضرابات والاعتصامات الكبرى التى انخرط فيها عشرات الآلاف بعد الثورة كانت فى الحقيقة موجهة ضد طبقة لواءات الجيش المديرين فى مواقع مدنية والمنتشرين عبر الجمهورية.
ولهذا السبب تصاعدت نبرات تشويه صورة المضربين واتهامهم بعدم الوطنية، وقامت الشرطة العسكرية – بقيادة حمدى بدين وممدوح أبو الخير-بضرب الكثير منهم، ثم أصدر المجلس العسكرى قانون تجريم الاعتصامات والإضرابات الذى أحال العديد منهم لمحاكم عسكرية تلقوا بها عقوبات صارمة بالسجن.
وفوق كل ذلك، انتفض عشرات الآلاف من العاملين فى المصانع الحربية، وهى وفقًا لتصريحات وزير الإنتاج الحربى السابق اللواء سيد مشعل 40٪ من إنتاجها سلعا مدنية مدرة للربح مثل الأجهزة والأدوات المنزلية، وليست سلعا قتالية ثقيلة كما هو متوقع منها.
أضرب عمال مصانع 63 و9 و200 حربى فى العام الأول لثورة 25 يناير، وتم إحياء تلك الإضرابات مؤخرًا عندما خرج خمسة آلاف محتج فى مصنعى ٤٥ و٩٩ حربى، وانضم لهم المحتجون فى مصنع مهمات بالغربية.
 الشكوى الدائمة لكل هؤلاء هو أنهم لا يتقاضون أجورًا أو حوافز تكفى نفقات الحياة الشاقة، ويشكون من فساد مديريهم، ويجأرون من إحالتهم لمحاكم عسكرية عند المطالبة بحقوقهم.
كما اعتصم بواكير الموجات الكاسحة للإضرابات ما خرج من الهيئة العربية للتصنيع، ويرأسها اللواء حمدى وهيبة.
بدأت مبكرًا فى شهر فبراير لعام الثورة، حيث اعتصم ١٥٠٠ عامل بالهيئة مطالبين بتحسين أجورهم ولم يستجب لهم أحد، فعاودوا الاعتصام فى شهر أغسطس وانضم لهم بقية الـ 16 ألفا اللى شغالين فى الهيئة، وفى الشهر التالى تم وقف قادة من طالبوا بإصلاح الهيئة عن العمل!..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق