هل تنقذ مصر روسيا وبوتين؟
فالتداعيات الانشطارية لثورات الربيع العربي لم تقف عند حدودها الإقليمية بل طارت لتصيب العالم أجمع، فليست المنطقة وحدها فحسب التي لم تعد كما كانت، بل العالم بأسره لم يعد كما كان قبل ثورات الربيع العربي. ومن أكثر الأطراف الدولية تأثرًا بما جرى في محيطنا الإقليمي؛ روسيا الاتحادية.
الحرارة تتصاعد في العراق وسوريا بعد أن أفضى الحراك في العراق، وتصدَّر تنظيم الدولة الإسلامية، وتغيير كثير من المعادلات الميدانية إلى أن يتقدم باراك أوباما بإستراتيجية جديدة تقوم على التدخل عبر استخدام القوة الجوية، متخليًا بذلك عن إستراتيجية القيادة من الخلف والذي اعتمدها في أعقاب الأزمة المالية الطاحنة بأمريكا سنة 2008، وهذه الإستراتيجية التي فشلت روسيا الاتحادية في استغلالها كما ينبغي من أجل ملء الفراغ الذي تركته أمريكا بسبب "القيادة من الخلف".
روسيا استطاعت أن تنهض من كبوة تفكك الاتحاد السوفيتي وتبعاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتؤسس لعلاقة متوازنة مع الاتحاد الأوروبي، وخلال 11 عامًا من حكم بوتين استطاع ساسته من التصرف كرأسماليين شديدي الانتهازية، فلم يعد الدبلوماسيون الروس يعملون وكأنهم عملاء الكي جي بي: فهم لا يتحدثون عن الأيديولوجيا وإنما يتحدثون دائمًا عن المال.
فروسيا اليوم هي ثالث أكبر شريك تجاري في أوروبا، فأكثر من 40 في المائة من التجارة الخارجية لروسيا تدور مع الاتحاد الأوروبي، كما أنها تزوده بما يقرب من ربع احتياجاته من الغاز، في حين أنها تتلقى أكثر من 310 مليار دولار في شكل قروض من البنوك الأوروبية، وتكتيكات الكرملين كانت بسيطة: استخدام هذه الأموال لتطبيق سياسة فرق تسد، وتكريس النظام الديكتاتوري الشمولي لبوتين.
وصنع الدبلوماسيون الروس حلفاء سريين، وخاصة من دول منطقة اليورو الأضعف مثل إيطاليا والبرتغال وإسبانيا، فهذه الحكومات التي تعاني من الركود والتي لا تريد إلا المزيد من ملايين السياح الروس أو التخفيضات في أسعار الطاقة، وهو ما حصلت عليه في مقابل الدفاع على مصالح روسيا داخل الاتحاد الأوروبي.
ونجحت السياسة الروسية بامتياز خاصة مع أثينا ونيقوسيا، حتى أن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وصف كلًّا من اليونان وقبرص "أحصنة طروادة" لروسيا، فقد جعل الكرملين أثينا شريكًا عسكريًّا، ونيقوسيا، عاصمة قبرص اليونانية، مركزًا لغسل الأموال، فما يقرب من 150 مليار دولار تتدفق سنويًّا من روسيا إلى نيقوسيا.
أيضًا نجح بوتين في تطبيق سياسة فرق تسد من خلال تفرقة الثلاث لاعبين الكبار في الاتحاد الأوروبي: فبريطانيا ترفض خسارة أعمالها مع البنوك الروسية، وفرنسا مصممة على عدم فقدان مليارات الدولارات في عقودها العسكرية مع روسيا، أما ألمانيا، والتي تتزود بـ 40 في المائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، ترفض أن تتزحزح عن كل ما له علاقة بالطاقة.
غير أن الموقف الروسي المتعنت والصلب والمتصاعد أيضًا من الأزمة الأوكرانية، والمسارعة بالحسم العسكري على غرار الأزمة الجورجية سنة 2008 قد أطاح بجهود 11 عامًا لبوتين في التحول بروسيا الاتحادية لإمبريالية كبرى.
روسيا استطاعت أن تنهض من كبوة تفكك الاتحاد السوفيتي وتبعاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتؤسس لعلاقة متوازنة مع الاتحاد الأوروبي، وخلال 11 عامًا من حكم بوتين استطاع ساسته من التصرف كرأسماليين شديدي الانتهازية، فلم يعد الدبلوماسيون الروس يعملون وكأنهم عملاء الكي جي بي: فهم لا يتحدثون عن الأيديولوجيا وإنما يتحدثون دائمًا عن المال.
فروسيا اليوم هي ثالث أكبر شريك تجاري في أوروبا، فأكثر من 40 في المائة من التجارة الخارجية لروسيا تدور مع الاتحاد الأوروبي، كما أنها تزوده بما يقرب من ربع احتياجاته من الغاز، في حين أنها تتلقى أكثر من 310 مليار دولار في شكل قروض من البنوك الأوروبية، وتكتيكات الكرملين كانت بسيطة: استخدام هذه الأموال لتطبيق سياسة فرق تسد، وتكريس النظام الديكتاتوري الشمولي لبوتين.
وصنع الدبلوماسيون الروس حلفاء سريين، وخاصة من دول منطقة اليورو الأضعف مثل إيطاليا والبرتغال وإسبانيا، فهذه الحكومات التي تعاني من الركود والتي لا تريد إلا المزيد من ملايين السياح الروس أو التخفيضات في أسعار الطاقة، وهو ما حصلت عليه في مقابل الدفاع على مصالح روسيا داخل الاتحاد الأوروبي.
ونجحت السياسة الروسية بامتياز خاصة مع أثينا ونيقوسيا، حتى أن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وصف كلًّا من اليونان وقبرص "أحصنة طروادة" لروسيا، فقد جعل الكرملين أثينا شريكًا عسكريًّا، ونيقوسيا، عاصمة قبرص اليونانية، مركزًا لغسل الأموال، فما يقرب من 150 مليار دولار تتدفق سنويًّا من روسيا إلى نيقوسيا.
أيضًا نجح بوتين في تطبيق سياسة فرق تسد من خلال تفرقة الثلاث لاعبين الكبار في الاتحاد الأوروبي: فبريطانيا ترفض خسارة أعمالها مع البنوك الروسية، وفرنسا مصممة على عدم فقدان مليارات الدولارات في عقودها العسكرية مع روسيا، أما ألمانيا، والتي تتزود بـ 40 في المائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، ترفض أن تتزحزح عن كل ما له علاقة بالطاقة.
غير أن الموقف الروسي المتعنت والصلب والمتصاعد أيضًا من الأزمة الأوكرانية، والمسارعة بالحسم العسكري على غرار الأزمة الجورجية سنة 2008 قد أطاح بجهود 11 عامًا لبوتين في التحول بروسيا الاتحادية لإمبريالية كبرى.
فبوتين ومنذ تراجع شعبيته سنة 2011 عقب ترشحه للمرة الثالثة ـ خلافًا للدستور ـ قرر أن يستحضر روح القومية الروسية القديمة، ويعزف على مقطوعات المجد السوفيتي الغابر، فعمد إلى تغيير استراتيجيته، فبدلًا من الاعتماد على النمو الاقتصادي الذي حقق له نجاحات كبيرة، قال: إنه سيعيد إحياء القومية الروسية، ولعب على وتر الحنين إلى الماضي الإمبراطوري، وجنون العظمة المعادية للغرب، والمسيحية الأرثوذكسية المحافظة.
وعندما بدأت الاحتجاجات الأوكرانية على الحكومة الفاسدة الموالية لروسيا، وجد بوتين ضالته في هذه الاضطرابات، إذ عمد إلى استخدام وسائل الإعلام الرسمية، التي كانت تحت تصرفه، وحاول الترويج للمحاولات الأمريكية الرامية لإسقاط زعيم شرعي موال لروسيا، وبالفعل نجح بوتين في رفع شعبيته والالتفاف حوله من جديد.
ولكنه فوجئ بالثورة التي أطاحت بحليفه، فقرر بوتين أن يواصل العمل بإستراتيجيته الجديدة، فغزا شرق أوكرانيا وضم القرم وتحدى الناتو واستهان بقدرات أمريكا ومعه الاتحاد الأوروبي، فوضع نفسه في مأزق كبير وألحق بدولته ضررًا اقتصاديًّا وسياسيًّا بالغًا جدًّا.
لقد أوضحت الأزمة الأوكرانية إشكالية الإمبريالية الروسية، التي ظهر بأنها لا تمتلك المرونة ولا الديناميكية التي تحتاجها كل إمبريالية، وبدا أن السلطة مازالت تحتكم لمنطق "الرجل الهرم" الذي ساد في أواخر المرحلة السوفياتية، الآن تبدو روسيا عاجزة بلا دور مؤثر، ولا فاعلية حقيقية، وربما تكون في وضع الذهول.
حيث يظهر أنها ستخسر سوريا بعد أن خسرت أوكرانيا (رغم ضمها لجزيرة القرم). فقد تقدمت أميركا في لحظة تعتقد أنها تحقق لها "تغييرًا إستراتيجيًّا" بأقل التدخل بعد أن دخلت المنطقة من إيران إلى لبنان في حالة فوضى واستعصاء وعجز عن الحسم، وباتت النظم فيها مربكة وعاجزة عن مقاومة التيار الذي ينهض من الشعب، رغم كل العنف الذي تستخدمه، ورغم اللعب بالقوى الأصولية وخصوصًا تنظيم الدولة التي كانت المدخل لممارسة أقصى العنف ضد الثورة.
وعندما بدأت الاحتجاجات الأوكرانية على الحكومة الفاسدة الموالية لروسيا، وجد بوتين ضالته في هذه الاضطرابات، إذ عمد إلى استخدام وسائل الإعلام الرسمية، التي كانت تحت تصرفه، وحاول الترويج للمحاولات الأمريكية الرامية لإسقاط زعيم شرعي موال لروسيا، وبالفعل نجح بوتين في رفع شعبيته والالتفاف حوله من جديد.
ولكنه فوجئ بالثورة التي أطاحت بحليفه، فقرر بوتين أن يواصل العمل بإستراتيجيته الجديدة، فغزا شرق أوكرانيا وضم القرم وتحدى الناتو واستهان بقدرات أمريكا ومعه الاتحاد الأوروبي، فوضع نفسه في مأزق كبير وألحق بدولته ضررًا اقتصاديًّا وسياسيًّا بالغًا جدًّا.
لقد أوضحت الأزمة الأوكرانية إشكالية الإمبريالية الروسية، التي ظهر بأنها لا تمتلك المرونة ولا الديناميكية التي تحتاجها كل إمبريالية، وبدا أن السلطة مازالت تحتكم لمنطق "الرجل الهرم" الذي ساد في أواخر المرحلة السوفياتية، الآن تبدو روسيا عاجزة بلا دور مؤثر، ولا فاعلية حقيقية، وربما تكون في وضع الذهول.
حيث يظهر أنها ستخسر سوريا بعد أن خسرت أوكرانيا (رغم ضمها لجزيرة القرم). فقد تقدمت أميركا في لحظة تعتقد أنها تحقق لها "تغييرًا إستراتيجيًّا" بأقل التدخل بعد أن دخلت المنطقة من إيران إلى لبنان في حالة فوضى واستعصاء وعجز عن الحسم، وباتت النظم فيها مربكة وعاجزة عن مقاومة التيار الذي ينهض من الشعب، رغم كل العنف الذي تستخدمه، ورغم اللعب بالقوى الأصولية وخصوصًا تنظيم الدولة التي كانت المدخل لممارسة أقصى العنف ضد الثورة.
أميركا تتقدم الآن لتغيير طبيعة السلطة السورية التي فرضتها السلطة في إيران، ولتغيير طبيعة الهيمنة على هذه السلطة لمصلحة قوى تدعمها، بهذا تكون روسيا قد خسرت احتمال تطوير العلاقة مع العراق، وكل المصالح التي جنتها من خلال دعمها سلطة الأسد في سوريا ضد الثورة، والتي كان يجب أن تتحقق في جنيف2 عبر تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحية يكون لها فيها عنصر التحكم.
روسيا اليوم على يقين أن نفوذها في منطقة الشرق الأوسط قد تبخر، فضياع ليبيا ثم العراق ثم سوريا قد ترك روسيا فعليًّا بلا إمدادات إستراتيجية تنافس النفوذ الأمريكي وتعطل المشاريع الأمريكية تجاه آسيا والمحيط الهادي، لذلك فهي تحاول محاولات يائسة من أجل البقاء الاستراتيجي في المنطقة، وعلى هذا نستطيع أن نفهم التقارب الروسي المتسارع مع مصر.
فالمسئولون الروس الكبار أمثال وزيري الخارجية والدفاع الروسيين سيرجي لافروف وسيرجي شويجو، ورئيس الاستخبارات الروسية، والنائب الأول لرئيس هيئة التعاون العسكري الفني أندريه بويتسوف، والمسؤولون بشركة تصدير الأسلحة الروسية "روس أوبورون اكسبورت" التي تحتكر ما نسبته 90% من صادرات السلاح الروسية، وتشكيل عشرات اللجان الفنية والاقتصادية من أجل التجهيز للعديد من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والثقافية.
مصر استجابت للغزل الروسي في بداية الأمر بحثًا عن أوراق ضغط على الحليف الأمريكي الذي مارس ضغوطًا اعتبرت قوية بحيال ملف حقوق الإنسان والحريات في مصر بعد الانقلاب، ناهيك عن العقوبات الاقتصادية والعسكرية التي مورست ضد سلطة الانقلاب عقب مجزرة القرن في رابعة والنهضة.
ولكن الغزل الروسي ما لبث أن استحال إلى علاقة جدية يبحث بها بوتين وروسيا عن موطأ قدم جديد في المنطقة بعد أن أخليت ساحاته التاريخية في ليبيا وسوريا والعراق بسبب غبائه وتهوره ونزقه السوفيتي القديم.
ففي 22 أغسطس الماضي، نقلت وكالة إتار تاس الروسية، عن مصادر في موسكو لم تسمها، أن منظومة صواريخ «إس 300»، والتي كان من المقرر بيعها إلى سوريا، قد يتم تصديرها إلى مصر، بعدما أبدى الجانب المصري رغبة في شرائها، دون الإعلان عن قيمة الصفقة المحتملة.
ذلك الأمر أثار مخاوف في إسرائيل لتطور تلك الصواريخ، كما قالت صحف "إسرائيلية" في حينه، وجاء بعد أيام من زيارة عبد الفتاح السيسي، إلى روسيا ولقائه بالرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، في زيارة أثارت انتقادات الأوروبيين لما قالوا: إنه محاولة روسية للتقارب مع مصر للحصول على احتياجات موسكو من الغذاء، بعد أن قررت حكومة بوتين فرض حظر على استيراد الغذاء من أوروبا بعد عقوبات اقتصادية فرضتها الأخيرة عليها في إطار الأزمة الأوكرانية.
الحقيقة الثابتة والتي يعلمها الروس قبل المصريين؛ أن مصر لن تكون طوق إنقاذ لبوتين وروسيا، فسلطة الانقلاب لن تغامر بعلاقة أمريكية شبهها وزير خارجيته السابق "نبيل فهمي" بالزواج الكاثوليكي في مقابل علاقة روسية عابرة أمامها الكثير من العقبات والمعوقات.
فبوتين نفسه يعلم جيدًا أن مصر لن تضحي بأمريكا في سبيل روسيا، وروسيا نفسها لا تطمح أن تحل محل النفوذ الأمريكي في مصر، كما أن تاريخ العلاقات الروسية المصرية لا يشجع على التورط أكثر من ذلك في علاقة تنتهي نهاية درامية على غرار ما فعله السادات بالخبراء الروس سنة 1971، فرغم ما تعتبره دوائر روسية وقفات إستراتيجية تاريخية سخية مع مصر، كمساندتها إياها على كسر حظر تصدير السلاح الغربي إليها بعد ثورة يوليو1952 من خلال صفقة الأسلحة التشيكية في العام 1955، ثم إسهامها في وقف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 من خلال الإنذار الذي وجهته للثالوث المعتدي بالتنسيق مع واشنطن، ومن بعد ذلك مساعدة مصر في بناء السد العالي بالتزامن مع دعم صمود الجيش المصري إبان حرب الاستنزاف، التي فقدت فيها روسيا 128 طيارًا مقاتلًا بطائراتهم، ومع ذلك لم يتورع الرئيس الراحل أنور السادات عن إلغاء معاهدة الصداقة بين البلدين عام 1972، وطرد قرابة عشرين ألف خبير روسي، باستثناء المحاضرين بالأكاديميات والكليات والمعاهد العسكرية.
الروس لا يريدون من مصر إلا أن تكون حليفًا تحت الطلب وليس حليفًا دائمًا، حليفًا يحتاج إليه في بعض الأحيان، ولا يحتاج إليه على الدوام، فمصر لن تستطيع أن تعوض ضياع الحليف السوري بالنسبة للروس، والنفوذ الأمريكي في مصر أكبر وأقدم وأرسخ من توترات عابرة، ولا يستطيع أي رئيس مصري أن يفكر في الخروج عن التبعية الأمريكية وإلا سيكون مصيره فورًا كمصير الرئيس "محمد مرسي" الذي ظن كان يخطط لإنتاج الغذاء والدواء والسلاح للخروج من الجلباب الأمريكي.
لذلك يمكننا القول بكل ثقة ويقين: إن مصر لن تكون طوق إنقاذ لبوتين وروسيا، ولن ينشأ بينهما علاقة جدية يؤسس عليها أي تغيير في الأنماط الإستراتيجية القائمة في المنطقة، فقط علاقة عابرة من أجل مكايدة العشيق الأمريكي واستثاره مشاعره بعد فتورها.
لذلك يمكننا القول بكل ثقة ويقين: إن مصر لن تكون طوق إنقاذ لبوتين وروسيا، ولن ينشأ بينهما علاقة جدية يؤسس عليها أي تغيير في الأنماط الإستراتيجية القائمة في المنطقة، فقط علاقة عابرة من أجل مكايدة العشيق الأمريكي واستثاره مشاعره بعد فتورها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق