الخميس، 9 أكتوبر 2014

الشيطان يحج

الشيطان يحج



أحمد عمر

ليست الديمقراطية أرقاماً، والركن الخامس من الإسلام الذي تؤمن به "فضائية أم جميل"، من دون الأركان الأخرى، ليس أرقاماً أيضاً.
تصوّر أن تعبر نهراً جميلاً، فيهدر الدليل السياحي الوقت كله في عدّ مسامير الزورق، وأخشابه، ومهارته في طبخ المعكرونة... تحوّل الحج من آية من آيات الله إلى آية من آيات النظام؟ 

غطت الفضائية مناسك الحج على مذهب أبي كاونتر الديجتال بعلمانية. 
يقول تعالى: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ".
وأنا أتابع تغطيتها مناسك الحج الذي تجتمع فيه أمم الأرض و.. السماء، وقر في نفسي الخاطئة المذنبة أنّ المنفعة الوحيدة للحج هي إثبات حسن تنظيم الناظم مناسك الحج: عدد الحجاج، مرخصين ومطلوبين من الإنتربول، عدد المركبات، مرخصة وتهريب، عدد الشرطة، لم يبق إلا عدّ الأغنام، ليس المضحّى بها، إذ يمكن لـ"ب ب" و"ف ن" أن تغضبا على وحشية المسلمين، وليس "الخرفان" التي تحكم بالإعدام في القضاء الشامخ، و إنما الخرفان التي تحصى تسبيحاً لسلطان النوم... 
أم جميل بثت تصريحاً لأمير مكة، وهو يقول: نحن أفضل من ينظم الحج. الوحيدون والأفضل معاً!
وهي تكرر اسم "الجهات المعنية" الذي يشبه "الجهات المختصة" السوري، وحيثما عرضتَ صوراً للحجاج تجد "الجهات المعنية" بلباسها الرسمي، هم أبطالها، أما الحجاج فكومبارس، وقد تجد بطولات لكائناتٍ، مثل سيارات الإسعاف، والإشارات الضوئية، والقطارات، والسلالم المتحركة... في إحدى النشرات الإخبارية، وجدت حاجاً بطلاً للخبر، ففرحت، وكانت له جدائل من اللباد، ذكّرتني بجدائل الحجاج الهندوس!

الفضائية نفسها كانت تبث، قبل سنوات، صوراً لشابين يتفرجان على التلفزيون، ثم يقفزان إلى الصلاة عند سماع الآذان قفزاً، وبعد انتهاء التسليمة الثانية (وليس الأولى)، يثبان كالغزال إلى كيس الذرة التي تتحول بالنار إلى فقاعة من النشاء اسمها "البوشار". ثم يتابعان الفيلم في التلفزيون، لأنه من تمام الصلاة!
الفضائية حرصت، أشد الحرص، على تذكير الحجاج بضرورة اختيار جمراتٍ مثل حبة الحمص، وهذا من السنّة، وليس منها قذف الشيطان بالنعال، أو الصخور، أو الموبايلات، أو بيانات التنديد، لكنني ظننت، وبعض الظن إثم، أنها تفعل ذلك حرصاً على سلامة خاطر الشيطان، وشطح بي الخيال أنها ستطلب رجمه بالبوشار.
كان عبد الوهاب المسيري يعرِّف العلمانيين الشاملين بأنهم قوم لا يفصلون بين المثير والاستجابة، مثل الحيوانات تماماً.

وتذكرت بطولات هذه الفضائية في حرب "الرصاص المصهور"، عندما كلفت أحلى مذيعاتها بشرح وقائع القصف على غزة، وكأنها أحوال جوية، فكانت الغادة تتثنَّى من يمين الشاشة إلى يسارها، فننشغل بجمالها عن جمال الشهداء أو فظاعة العدو.
 أما الحرب الأخيرة، فهي عقوبة على قتل ثلاثة فتية إسرائيليين أبرياء، والبادئ أظلم. 

هذا المقال ليس للإشارة إلى عودة الوفد المصري الرسمي، الحاج على حساب الشعب، "فاست حج"، فقد عادوا بعد أخذ الصور للمرابطة على "الثغور".
يقولون إنهم فوّضوا من ينوب عنهم لرمي الجمرات، ربما "لاستشعارهم الحرج" من الشيطان. أو لأنه أوحى لهم بضرورة العودة إلى حضن الوطن وخدمة المواطنين الشرفاء. رأينا ثورةً بالتفويض، وها نحن نرى عبادات بالتفويض، وهو حلال طبعاً، مثل دماء الشعب الثاني، الأصل في الأشياء الإباحة يا طنط.ثلاثة ملايين حاجٍّ ليس فيهم قصة إعلامية واحدة!
كل عام والقطارات والسلالم والإشارات الضوئية، والجهات المعنية، والجهات المختصة ...  بخير.

يقول "لا إله" و... يفوّض الشعب بالبقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق