الأحد، 5 أكتوبر 2014

عن الاستسلام لبذاءة الفعل الانقلابي

عن الاستسلام لبذاءة الفعل الانقلابي

 وائل قنديل

تتمنى مؤسسة الانقلاب في مصر أن يقع معارضوها في فخ الاستسلام لمنطق الرد على بذاءة الفعل الانقلابي، برد فعل مشابه، بحيث ينحو البعض لمواجهة الإسفاف بإسفاف، والشائعة بشائعة مضادة، وذلك كله فيما يعتبره البعض حرباً نفسية، يجوز فيها استخدام الأدوات ذاتها التي تلجأ إليها سلطة متوحشة.
إن هذا ما تريده وتسعى إليه تلك السلطة الموغلة في بذاءة الفعل ورداءة الأداء، لكي تنقل المعركة من مقاومة جريمة سياسيةٍ وحضاريةٍ في حق مصر وثورتها، إلى مطاردة درامية أو سباق مثير في مضمار النكتة والقفشة و"الإيفيه"، وهذا من شأنه أن يبتذل المعركة على نحو يتيح للقتلة وسافكي الدماء أن يظهروا في وضع الضحية المشتوم الذي يتعرض للسخرية والاستهزاء.
ومن أسفٍ أن هذا الأمر أوجد مجالاً لمن انقلبوا على كل قيمة أخلاقية، وعلى كل مبدأ حضاري، وعلى كل نزعة إنسانية، أن يتحدثوا عن الأخلاق والتعايش والحداثة والتقدم، وذلك كله مرده، أن بعضاً من منافحي الانقلاب قد ابتلعوا الطعم، وهبطوا إلى أرضية الملعب الذي يجيد الانقلابيون الأداء فوقه.
إن الإقدام على ارتكاب مذبحة في حق متظاهرين ومعتصمين، أوقعت آلاف القتلى، هو فعل همجي بذيء، لا يضاهيه في بذاءته وسفالته أي فعل أو قول آخر. لذا، يصبح حريّاً بالمدافعين عن قضية محترمة على المستويين، الأخلاقي والقانوني، ألا يلقوا هدايا إلى الذين أجرموا، من خلال اعتماد أسلوبهم الرديء كسلاح في الصراع، ذلك أن نبل الغاية يتطلب وسيلة نبيلة أيضاً، كما أن عدالة ونصاعة القضية يتطلبان دفاعاً نظيفاً.
لقد نجحت سلطة الدم والقمع في دفع بعض معارضيها الى التقاط ألغامها المعلوماتية التي ألقتها في طريقها، من تسريب حدوتة والدة زعيم الانقلاب اليهودية، مروراً بالجزم بمقتل قائد الانقلاب شخصيّاً، وليس انتهاء بما يتم ترويجه، على مدار الأيام الفائتة، عن أن الرئيس الأسير، محمد مرسي، لم يظهر في جلسات محاكمته لأنه لم يعد في قبضة سلطات الانقلاب.
وهذا النوع من المخدرات المعلوماتية يحمل آثاراً خطيرة على ذهنية وسيكولوجية الجماهير، المنتفضة ضد سرقة ثورتها، واغتيال حلمها في الديمقراطية من ناحية، كما أنه يظهر بعض مقاومي الانقلاب كمجموعة من المهرجين أو المنفصلين عن الواقع، من ناحية أخرى.
وليس بعيداً عن ذلك من ناحية التأثير السلبي أن يجري اعتماد مفرداتٍ من لغة أقرب الى الإسفاف لتوجيه السباب والإهانة لسلطة الانقلاب، على الرغم من أن هذه السلطة لا تدخر وسعاً في إهانة ذاتها، وفضح تدنيها سياسيّاً وحضاريّاً، من خلال أفعالها وأقوالها.
فهل أكثر فحشاً في الحكم وبذاءة في الإدارة من هذا الذي يسكن سطور الخبر التالي المنشور أمس في صحيفة مصرية؟
 
يقول الخبر"ألقت قوات الأمن القبض على شخصين قاما برفع "إشارة رابعة"، عقب انتهاء صلاة العيد بساحة مدرسة الثانوية العسكرية، وذلك بحضور اللواء، صلاح زيادة، محافظ المنيا، واللواء، أسامة متولي، مساعد وزير الداخلية لأمن المنيا وقاما بترديد عبارة "حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم ومتجبر، سيأتي يوم الحساب".
وهل هناك إسفاف أكثر من أن تهرب سلطات الانقلاب من افتتاح العام الدراسي الجامعي، وترجئه شهرين، ذعراً من غضبة الطلاب؟ 
وهل هناك بذاءة أكثر من فضيحة اختراع علاج الفيروسات بالكفتة المسلحة، أو حفر قناة سويس جديدة على الناشف، أو اعتقال تلاميذ وأطفال في عز الزهور بذريعة خطورتهم على الأمن القومي؟
إنهم غارقون في مستنقعات إسفافهم وبذاءتهم، فلا تهبطوا إلى هذا القاع المتسخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق