الأحد، 5 أكتوبر 2014

ماذا عن سوريا في هذه المعركة؟


ماذا عن سوريا في هذه المعركة؟


ياسر الزعاترة

 في سوريا على وجه التحديد تتبدى المعضلة، هي التي كانت أساس الفوضى في المنطقة، بعد أن فاجأ الشعب العالم بثورته، وهي ذاتها التي تشكل الآن المعضلة الكبرى بعد إعلان التحالف الدولي.
لا يحتاج المرء إلى كثير من التدقيق كي يلمس ذلك التناقض اللافت في تصريحات المسؤولين الأميركيين بخصوص الملف السوري في هجوم التحالف على تنظيم الدولة، وبالطبع في سياق من الحديث عن علاقة الهجوم بالنظام السوري ومستقبله.
لا يعكس ذلك ارتباكا في الموقف، بقدر ما يعكس مساعي واشنطن للإبقاء على التحالف الدولي متماسكا، بخاصة في شقه العربي المخصص لمنحه الشرعية، وبالطبع كي لا يُنظر إليه بوصفه هجوما على الإسلام السنّي على وجه التحديد، على اعتبار أن أحدا لا يأتي على ذكر الإرهاب الآخر ممثلا في المليشيات الشيعية، أكانت تلك التي تقتل الناس وتهجِّرهم في العراق، أم في سوريا التي تجلب إليها إيران جحافل من المجموعات من شتى بقاع الأرض.
هنا تتبدى الفضيحة، ذلك أن اعتبار الثورة السورية ثورة مشروعة ضد نظام دكتاتوري دموي، يستدعي تصنيف أية مجموعة مسلحة تأتي لنصرته في مربع الإرهاب، لكن ذلك لا يحدث، لا في حالة حزب الله، ولا في حالة المجموعات الكثيرة الأخرى، فضلا عمن يرعاها ويموِّلها، وهي إيران هنا بكل تأكيد.
ما ينبغي التذكير به هنا هو أن الولايات المتحدة لم تكن مع الثورة السورية إلا في الخطاب الإعلامي الخجول أحيانا، والعالي النبرة أحيانا أخرى بحسب الظروف، لكن واقع الحال هو أن واشنطن هي من ضغط طوال الوقت من أجل الحيلولة دون تزويد الثوار بالسلاح النوعي الذي يمكّنهم من حسم المعركة، وهو ما حصل عمليا قبل ظهور تنظيم الدولة في العراق، والسبب الذي أصبح واضحا هو أن خيار نتنياهو هنا في سوريا هو الإبقاء على المعركة مشتعلة لأنها تدمِّر سوريا وتستنزف إيران وتركيا وحزب الله، وكذلك الربيع العربي.
والنتيجة أننا إزاء موقف يعكس استجابة للهواجس، بل للمطالب الإسرائيلية أكثر من أي شيء آخر، فضلا عن أن موقف واشنطن من الربيع العربي لم يكن إيجابيا بحال من الأحوال، وموقفهم من الانقلاب في مصر واضح كل الوضوح إلا في عقول من يبحثون عن قصص من هنا وهناك لتبرير تأييدهم للانقلاب، وعموما فإن عاقلا لا يمكن أن يعتقد بأن واشنطن والغرب عموما يمكن أن يفضلوا أي خيار على الأنظمة القائمة، فضلا عن أن يكون خيارا ثوريا يتحدث عن الحرية والتحرر والعدالة والوحدة، وما شابه من شعارات تكرهها أميركا وكل القوى الإمبريالية.
اليوم تتبدى المعضلة في سوريا، فهنا والآن لا تتوافر مؤشرات على أن واشنطن تريد التخلص من النظام بالفعل (أوباما كان صريحا في حوار تلفزيوني قبل أيام حين قال إن إزاحة بشار ليست أولوية ملحة عندنا)، ولو كان الأمر كذلك لما رحّب هو بالتدخل ضد تنظيم الدولة، وما حكاية دعم المعارضة المعتدلة إلا فخّ لاستخدامها ضد تنظيم الدولة من دون دعمها ضد النظام، والنتيجة أنهم يريدونها مثل الصحوات العراقية، يجري استخدامها وبعد ذلك بيعها.
النظام السوري استعاد حوالي 50 قرية منذ بدء الهجمات، ولم تستفد المعارضة السورية منها بأي شيء، فضلا عما تسببت فيه من دمار وقتل للمدنيين، ولذلك كان طبيعيا أن يخرج الناس يوم الجمعة الماضية إلى الشوارع منددين بالهجمات، ومطالبين بتوجيهها نحو النظام.
حكاية دعم وتدريب المعارضة المعتدلة، هي حكاية من يريد إطالة أمد الحرب بلا أي أفق، ولو كانوا جادين بالفعل لضربوا النظام أيضا وصولا إلى إسقاطه وإحلال البديل الذي سيتكفل بمواجهة تنظيم الدولة، ربما بدعم شعبي في تلك الأثناء، أما المسار الحالي، فهو ذاته المسار القديم ممثلا في إطالة أمد المعركة، إذ حتى لو حلت ما تسمى المعارضة المعتدلة مكان تنظيم الدولة في المناطق التي يسيطر عليها، فلن يعني ذلك حسما للصراع، مع أن ذلك لا يبدو ممكنا في الأمد القريب، فضلا عن حقيقة أن التنظيم لن يكون لقمة سائغة، لا في فم التحالف ولا في فم قوى المعارضة إياها، أو من يقبل باللعبة منها.
من هنا، فإن المعضلة هنا هي معضلة تلك القوى التي تسمى معتدلة، والتي يجب أن ترفض هذا المسار، ممثلا في استخدامها في معركة لن تخدم الشعب السوري. 
أما الجانب الآخر فيتمثل في معضلة، بل فضيحة تلك الأنظمة التي تدعي دعم الثورة، والتي لم تشترط لمشاركتها في التحالف أن يكون هناك موقف مشابه من النظام بوصفه القاتل الحقيقي للشعب السوري، والعدو الأبرز لأحلامه في الحرية.
كل ذلك لا يعني أن النظام سيكون برسم البقاء ولو استمرت المعركة عشرة أعوام أخرى، فالشعب لن يسلّم رقبته للطاغية من جديد، وستدرك إيران أن خيارها بدعمه لم يكن سوى إيذانا بتورطها في نزيف لن تخرج منه سالمة، ولن يفضي إلى إنقاذه مهما طال أمد الحرب.
 • @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق