العلاقة الغربية الإسلامية.. الطريق الثالث
مهنا الحبيل
مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي بإسطنبول
البحث في مسار ثقافي عن إمكانية تحقيق المعادلة المطلوبة بين الشرق المسلم والغرب بوعائه الثقافي والسياسي هو أكثر من كونه بحثا أو مؤتمرا محدد الوقت، تُطرح فيه الأوراق ثم يغادره الباحثون.
كانت أولى المحطات الأوروبية للوصول إلى نقاط جس نبض لعنوان المقال، زيارة لأستوكهولم السويدية وكوبنهاغن العاصمة الدانماركية، ومقصد العنوان البحث في مسار ثقافي عن إمكانية تحقيق هذه المعادلة بين الشرق المسلم والعالم الاجتماعي الغربي بوعائه الثقافي والسياسي، أكثر من كونه بحثا أو مؤتمرا محدد الوقت، تُطرح فيه الأوراق ثم يغادره الباحثون، وتبقى المصادر أرشيفا مهجورا أكثر منه حراكا ثقافيا وتواصلا معمورا.
"في كوبنهاغن معنى مؤلم للغاية للضمير المسلم، فالثقافة الوضيعة التي استهدفت مقام الأنبياء كنوع من حرية الرأي هي في الحقيقة سلوك عنيف ضد رمز لأسرة كبيرة من الشراكة الإنسانية"
وهنا في كوبنهاغن معنى مؤلم للغاية للضمير المسلم، فالثقافة الوضيعة التي استهدفت مقام الأنبياء كنوع من حرية الرأي، فيما هي في الحقيقة سلوك عنيف ضد رمز لأسرة كبيرة من الشراكة الإنسانية، وإنما التطرف الشاذ هو الذي ألقى بمثل هذا السلوك في جدليات حرية الرأي، ومع ذلك كان لكوبنهاغن قصة أخرى مختلفة.
وقبل أن أستطرد أود أن أُجيب على قاعدة ثبتت في بعض الوجدان الديني المعاصر، إثر فهم خاطئ لآية من كتاب الله عز وجل، والذي لا يسع مؤمنا الخوض في محكمه، فضلا عن الصد عنه، وهو فهم يُواجَه به كل من يطرح أي مسار لتفاهمات وتحالف إنساني مشترك، لدعم فضيلة أو حقوق، أو رعاية ذوي حاجة أو صناعة عقد مشترك وطني أو عالمي، بين المسلمين وجماعات المجتمع البشري المختلفة خاصة ديانات أهل الكتاب. والآية هي قوله تعالى "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم".
إن كثيرا من أوجه أزمة الوعي الثقافي اليوم في شرائح من الصف الإسلامي المتدين، خاصة بعد الانعطاف الذي واجه الخطاب الإسلامي آخر السبعينيات، نحو الجدل الفقهي والحروب مع المدارس الكلامية، وإعادة البحث الشرس في توسيع دائرة الصراع السلوكي وغيره مع أي مختلف، من الأمم أو من داخل الشرق الإسلامي.
قد تأثر بتفسير قطعي حدي، وعمّمه على كل السياقات في التعامل مع الخلاف البشري، فنَقَل التفاصل العقائدي الواضح والجلي في ثوابت التوحيد والرسل، إلى كل العلاقات الإنسانية بين البشرية، ثم تطوّر هذا الانحراف، إلى أن وصل مع جماعات العنف الوحشي إلى أن المفصل الوحيد في التعامل مع الأسرة البشرية الكافرة هو القتال.
وهو انحراف صارخ في فهم رسالة البعث السماوي، وإنشاء الخليقة التي تواترت في الكتاب والسُنة، لسنا في مقام تفصيله، لكن المهم أن هذه الآية توضع في غير موضعها، فهذه المفاصلة العقدية في الآية، جاءت باعتبار أن في علم الله عز وجل لن يجري تحول لقبول مركز الاعتقاد الديني في المسيحية المُحرّفة واليهودية المحرفة، برسالة الإسلام، لما استقر من عمق كبير، للغلو في تحريفهم للديانة الإبراهيمية، وعليه فالرسول صلى الله عليه وسلم، يُخبَر بأنه لا ينتظر الرضى منهم فلم يرضوا ولن يرضوا، وهو أمر في سياق النص القطعي ودلالته.
أما سوى ذلك من رضى القبول بالتعامل في مصالح مشتركة، أو مسارات تراضي فكرية وإنسانية بل وحتى دينية كما هو في أصل الموقف من الشذوذ الجنسي، وأن الأسرة في الديانات الإبراهيمية هي ما قام على عقد زواج بين ذكر وأنثى، وغير ذلك من مشتركات فهي لا تدخل في هذا البلاغ، وأما المنعطف الشامل في حياة المجتمعات ومشتركات البشرية للمصالح، والتعاون والبر بالضعفاء والإحسان، بين الناس فهذا في كتاب الله مترادف وفي السيرة النبوية وفي التاريخ الواقعي للمسلمين.
"المقصود بالطريق الثالث هو الخلاص من الطريق الأول لحروب العنف ضد الأبرياء والمدنيين من الشعوب، أو الطريق الثاني الذي اعتمد على خلق حوارات وتفاهمات تمت مع المؤسسة الرسمية العربية"
وكون أن من هذه الأمم المسيحية وغيرها، دولا وجماعات في التاريخ القديم والجديد، هم من أدار معركة البغي وأسرفوا في التطرف ضد المسلمين، فيما لم يصنّفوا ولم يحاكمهم الإعلام، فهذا لا يُلغي وجود من يَصدق سلوكه أو مشاعره في أنصاف المسلمين، كما لا يعني ذلك ترك أي مسارِ مصلحة، متعين لجماعة من المسلمين مع جماعة مسيحية أو من أي ديانة، ترتبط معهم بعهد مشترك لمصالحهم الإنسانية ومواطنتهم الجغرافية.
هنا نخلص بعد هذا التوضيح، إلى واقع العالم الإسلامي، وانهياراته المتعددة داخل الشرق، وهو ما أدّى لتحول جماعات ضخمة من أبنائه إلى الهجرة والاستقرار بمواطنتهم الجديدة في الغرب، وهذا الأمر جزء من مسار البحث وليس كل المسار، وأصل هذا الطرح هو البحث عن كل علاقة مصلحة وتفاهم في طريق ثالث بين المجتمع المسلم والمجتمع الغربي.
والمقصود بالطريق الثالث هو الخلوص من الطريق الأول لحروب العنف التي شنتها الدول أو الجماعات على الأبرياء والمدنيين من الشعوب، فيما الطريق الثاني اعتمد على خلق حوارات وتفاهمات تمت مع المؤسسة الرسمية العربية، أو حتى مع منظمات أهلية، كان هدفها تسخير الحالة المسلمة إلى معادلات خضوع للمشروع الأميركي والغربي، وإعادة صناعة الإسلام داخل أرضه وخارجه، لتحقيق حماية للمصالح الغربية وليس مصالح المجتمع الإنساني، بين الشرق والغرب.
إن هجرة هذا المفهوم والاكتفاء بثقافة الملاعنة، لكل غربي رسمي وشعبي وأكاديمي ومدني، أضر كثيرا بفكرة الإنسان في وجدان المسلم المعاصر، ولم يحم ولم يساعد قط مناطق النكبات التي تعرضت لأقسى تدخل وانحياز وحروب بالتفعيل أو التفويض، فيما تخصصت جماعات العنف الوحشي، لتعقب المدنيين الغربيين، وقتلهم أو رهنهم لكونهم مدنيون كفارا في أوطانهم أو في وطن الشرق الكبير.
إن مثل هذا المسار لم يستوف في تقديرنا مساحة معرفة الساحة الأخرى، واعتمدت المؤتمرات الغربية المُسيسة للحكم على المجتمع، وليس تقييم حراك اليسار الغربي الجديد أو قساوسة منصفين، أو الأكاديميين الباحثين المعتدلين، أو شريحة واسعة من منظمات أو أفراد للمجتمع المدني الغربي، حملوا أفكارا ومواقف منصفة، فضلا عن مبادرات تضامن نوعية.
"الاكتفاء بثقافة الملاعنة لكل غربي أضر كثيرا بفكرة الإنسان في وجدان المسلم المعاصر، ولم يحم ولم يساعد قط مناطق النكبات التي تعرضت لأقسى تدخل وانحياز وحروب "
ورغم كل هذه الأمواج من الكراهية المتبادلة، وهي كراهية ذوات لا كراهية عقائد منحرفة، نص عليها الإسلام، إلا أن ما رشح من تجارب وجسور تؤكد أن هناك جذورا للطريق الثالث، والذي في خسارته والقطيعة معه خسائر كبرى للشرق الإسلامي وشعوبه، وهي تٌجيّر اليوم في التسويق لمفاهيم طائفية وقومية ضد العرب لمحاصرة الشرق، ولا تبني أي تفاهمات بين الطوائف، ولكن تُسعرها وتخاطب الغرب ومجتمعه المدني، بتحريض على أمة الغالبية في الشرق المسلم.
لقد غابت كثيراً مثل هذه المبادرات لصناعة الطريق الثالث، ومع وجود صعوبات في تحقيقها خارج الأُطر الرسمية، أو في أطر رسمية تؤمن بمبدأيه المشروع والفكرة، ولا تتدخل فيه لصالح علاقتها الموسمية مع الغرب، أو لأجل قمع شعوبها، إلا أن هذا المفهوم تأثر أيضا من منابر وشخصيات. تحولت لديهم قضية المواجهة مع أي مجتمع أو جماعة من أهل الكتاب في الغرب، إلى نزعة صراع شخصي فيهم، فيُحرض فيها بكل قوة على أي رأي فضلا عن مشروع، ويساعده حجم الخطاب العنيف الذي يسود في علاقات المسلمين الذاتية، ونزعة التكفير والمشاتمة فضلا عن أجواء الصراع المتوحش مع الغرب من الطرفين.
ولنا عودة إلى كوبنهاغن وفهم مآلات الطريق الثالث بين الأمم.
المصدر : الجزيرة
كانت أولى المحطات الأوروبية للوصول إلى نقاط جس نبض لعنوان المقال، زيارة لأستوكهولم السويدية وكوبنهاغن العاصمة الدانماركية، ومقصد العنوان البحث في مسار ثقافي عن إمكانية تحقيق هذه المعادلة بين الشرق المسلم والعالم الاجتماعي الغربي بوعائه الثقافي والسياسي، أكثر من كونه بحثا أو مؤتمرا محدد الوقت، تُطرح فيه الأوراق ثم يغادره الباحثون، وتبقى المصادر أرشيفا مهجورا أكثر منه حراكا ثقافيا وتواصلا معمورا.
"في كوبنهاغن معنى مؤلم للغاية للضمير المسلم، فالثقافة الوضيعة التي استهدفت مقام الأنبياء كنوع من حرية الرأي هي في الحقيقة سلوك عنيف ضد رمز لأسرة كبيرة من الشراكة الإنسانية"
وهنا في كوبنهاغن معنى مؤلم للغاية للضمير المسلم، فالثقافة الوضيعة التي استهدفت مقام الأنبياء كنوع من حرية الرأي، فيما هي في الحقيقة سلوك عنيف ضد رمز لأسرة كبيرة من الشراكة الإنسانية، وإنما التطرف الشاذ هو الذي ألقى بمثل هذا السلوك في جدليات حرية الرأي، ومع ذلك كان لكوبنهاغن قصة أخرى مختلفة.
وقبل أن أستطرد أود أن أُجيب على قاعدة ثبتت في بعض الوجدان الديني المعاصر، إثر فهم خاطئ لآية من كتاب الله عز وجل، والذي لا يسع مؤمنا الخوض في محكمه، فضلا عن الصد عنه، وهو فهم يُواجَه به كل من يطرح أي مسار لتفاهمات وتحالف إنساني مشترك، لدعم فضيلة أو حقوق، أو رعاية ذوي حاجة أو صناعة عقد مشترك وطني أو عالمي، بين المسلمين وجماعات المجتمع البشري المختلفة خاصة ديانات أهل الكتاب. والآية هي قوله تعالى "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم".
إن كثيرا من أوجه أزمة الوعي الثقافي اليوم في شرائح من الصف الإسلامي المتدين، خاصة بعد الانعطاف الذي واجه الخطاب الإسلامي آخر السبعينيات، نحو الجدل الفقهي والحروب مع المدارس الكلامية، وإعادة البحث الشرس في توسيع دائرة الصراع السلوكي وغيره مع أي مختلف، من الأمم أو من داخل الشرق الإسلامي.
قد تأثر بتفسير قطعي حدي، وعمّمه على كل السياقات في التعامل مع الخلاف البشري، فنَقَل التفاصل العقائدي الواضح والجلي في ثوابت التوحيد والرسل، إلى كل العلاقات الإنسانية بين البشرية، ثم تطوّر هذا الانحراف، إلى أن وصل مع جماعات العنف الوحشي إلى أن المفصل الوحيد في التعامل مع الأسرة البشرية الكافرة هو القتال.
وهو انحراف صارخ في فهم رسالة البعث السماوي، وإنشاء الخليقة التي تواترت في الكتاب والسُنة، لسنا في مقام تفصيله، لكن المهم أن هذه الآية توضع في غير موضعها، فهذه المفاصلة العقدية في الآية، جاءت باعتبار أن في علم الله عز وجل لن يجري تحول لقبول مركز الاعتقاد الديني في المسيحية المُحرّفة واليهودية المحرفة، برسالة الإسلام، لما استقر من عمق كبير، للغلو في تحريفهم للديانة الإبراهيمية، وعليه فالرسول صلى الله عليه وسلم، يُخبَر بأنه لا ينتظر الرضى منهم فلم يرضوا ولن يرضوا، وهو أمر في سياق النص القطعي ودلالته.
أما سوى ذلك من رضى القبول بالتعامل في مصالح مشتركة، أو مسارات تراضي فكرية وإنسانية بل وحتى دينية كما هو في أصل الموقف من الشذوذ الجنسي، وأن الأسرة في الديانات الإبراهيمية هي ما قام على عقد زواج بين ذكر وأنثى، وغير ذلك من مشتركات فهي لا تدخل في هذا البلاغ، وأما المنعطف الشامل في حياة المجتمعات ومشتركات البشرية للمصالح، والتعاون والبر بالضعفاء والإحسان، بين الناس فهذا في كتاب الله مترادف وفي السيرة النبوية وفي التاريخ الواقعي للمسلمين.
"المقصود بالطريق الثالث هو الخلاص من الطريق الأول لحروب العنف ضد الأبرياء والمدنيين من الشعوب، أو الطريق الثاني الذي اعتمد على خلق حوارات وتفاهمات تمت مع المؤسسة الرسمية العربية"
وكون أن من هذه الأمم المسيحية وغيرها، دولا وجماعات في التاريخ القديم والجديد، هم من أدار معركة البغي وأسرفوا في التطرف ضد المسلمين، فيما لم يصنّفوا ولم يحاكمهم الإعلام، فهذا لا يُلغي وجود من يَصدق سلوكه أو مشاعره في أنصاف المسلمين، كما لا يعني ذلك ترك أي مسارِ مصلحة، متعين لجماعة من المسلمين مع جماعة مسيحية أو من أي ديانة، ترتبط معهم بعهد مشترك لمصالحهم الإنسانية ومواطنتهم الجغرافية.
هنا نخلص بعد هذا التوضيح، إلى واقع العالم الإسلامي، وانهياراته المتعددة داخل الشرق، وهو ما أدّى لتحول جماعات ضخمة من أبنائه إلى الهجرة والاستقرار بمواطنتهم الجديدة في الغرب، وهذا الأمر جزء من مسار البحث وليس كل المسار، وأصل هذا الطرح هو البحث عن كل علاقة مصلحة وتفاهم في طريق ثالث بين المجتمع المسلم والمجتمع الغربي.
والمقصود بالطريق الثالث هو الخلوص من الطريق الأول لحروب العنف التي شنتها الدول أو الجماعات على الأبرياء والمدنيين من الشعوب، فيما الطريق الثاني اعتمد على خلق حوارات وتفاهمات تمت مع المؤسسة الرسمية العربية، أو حتى مع منظمات أهلية، كان هدفها تسخير الحالة المسلمة إلى معادلات خضوع للمشروع الأميركي والغربي، وإعادة صناعة الإسلام داخل أرضه وخارجه، لتحقيق حماية للمصالح الغربية وليس مصالح المجتمع الإنساني، بين الشرق والغرب.
إن هجرة هذا المفهوم والاكتفاء بثقافة الملاعنة، لكل غربي رسمي وشعبي وأكاديمي ومدني، أضر كثيرا بفكرة الإنسان في وجدان المسلم المعاصر، ولم يحم ولم يساعد قط مناطق النكبات التي تعرضت لأقسى تدخل وانحياز وحروب بالتفعيل أو التفويض، فيما تخصصت جماعات العنف الوحشي، لتعقب المدنيين الغربيين، وقتلهم أو رهنهم لكونهم مدنيون كفارا في أوطانهم أو في وطن الشرق الكبير.
إن هجرة هذا المفهوم والاكتفاء بثقافة الملاعنة، لكل غربي رسمي وشعبي وأكاديمي ومدني، أضر كثيرا بفكرة الإنسان في وجدان المسلم المعاصر، ولم يحم ولم يساعد قط مناطق النكبات التي تعرضت لأقسى تدخل وانحياز وحروب بالتفعيل أو التفويض، فيما تخصصت جماعات العنف الوحشي، لتعقب المدنيين الغربيين، وقتلهم أو رهنهم لكونهم مدنيون كفارا في أوطانهم أو في وطن الشرق الكبير.
إن مثل هذا المسار لم يستوف في تقديرنا مساحة معرفة الساحة الأخرى، واعتمدت المؤتمرات الغربية المُسيسة للحكم على المجتمع، وليس تقييم حراك اليسار الغربي الجديد أو قساوسة منصفين، أو الأكاديميين الباحثين المعتدلين، أو شريحة واسعة من منظمات أو أفراد للمجتمع المدني الغربي، حملوا أفكارا ومواقف منصفة، فضلا عن مبادرات تضامن نوعية.
"الاكتفاء بثقافة الملاعنة لكل غربي أضر كثيرا بفكرة الإنسان في وجدان المسلم المعاصر، ولم يحم ولم يساعد قط مناطق النكبات التي تعرضت لأقسى تدخل وانحياز وحروب "
ورغم كل هذه الأمواج من الكراهية المتبادلة، وهي كراهية ذوات لا كراهية عقائد منحرفة، نص عليها الإسلام، إلا أن ما رشح من تجارب وجسور تؤكد أن هناك جذورا للطريق الثالث، والذي في خسارته والقطيعة معه خسائر كبرى للشرق الإسلامي وشعوبه، وهي تٌجيّر اليوم في التسويق لمفاهيم طائفية وقومية ضد العرب لمحاصرة الشرق، ولا تبني أي تفاهمات بين الطوائف، ولكن تُسعرها وتخاطب الغرب ومجتمعه المدني، بتحريض على أمة الغالبية في الشرق المسلم.
لقد غابت كثيراً مثل هذه المبادرات لصناعة الطريق الثالث، ومع وجود صعوبات في تحقيقها خارج الأُطر الرسمية، أو في أطر رسمية تؤمن بمبدأيه المشروع والفكرة، ولا تتدخل فيه لصالح علاقتها الموسمية مع الغرب، أو لأجل قمع شعوبها، إلا أن هذا المفهوم تأثر أيضا من منابر وشخصيات. تحولت لديهم قضية المواجهة مع أي مجتمع أو جماعة من أهل الكتاب في الغرب، إلى نزعة صراع شخصي فيهم، فيُحرض فيها بكل قوة على أي رأي فضلا عن مشروع، ويساعده حجم الخطاب العنيف الذي يسود في علاقات المسلمين الذاتية، ونزعة التكفير والمشاتمة فضلا عن أجواء الصراع المتوحش مع الغرب من الطرفين.
ولنا عودة إلى كوبنهاغن وفهم مآلات الطريق الثالث بين الأمم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق