..وسلام على شيماء
ماتت شيماء على بوابة ميدان الشهداء
وائل قنديل
لم يكن بلال قد أتم عامه الرابع بعد، حين تركته أمه شيماء الصباغ، لدى جارة لها، وتوجهت إلى القاهرة، كي توقد شمعة وتضع وردة، على أطراف ميدان التحرير، إهداء لأرواح شهداء ثورة يناير، وتذكيراً بهم وبثورتهم.
في تلك اللحظة من مساء الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني، كان ضابط الداخلية، المدجج بالخرطوش، قد قرّر أن يقضي بلال عمره كله في انتظار والدته التي لن تعود، وأن تودع شيماء الدنيا، تاركة دمها على أرضية الميدان الذي وضعت فيه حلمها بوطن للكرامة والحرية والديمقراطية والعدل.
عمر بلال هو عمر ثورة يناير، ولدا معاً، واستهدفهما القناص معاً، فصار "صغير شيماء" يتيماً، كما الثورة، يتيمة وسط اللئام والضباع والسفاحين.
ماتت شيماء على بوابة ميدان الشهداء، حين فاجأها الخرطوش، من حيث لا تحتسب. إذن، هي شهيدة، مثل سندس، يليق بها وبالثورة أن نتذكّرها، ونلقي السلام على روحها، من دون أن تستبد بنا لوثة التصنيف السياسي والفرز الأيديولوجي.
على بعد خطوات من البقعة التي سقطت فيها شيماء الصباغ، ولد انتصار ثورة يناير، ليلة الثاني من فبراير/ شباط 2011، ليلة "موقعة الجمل"، حين تحرّرت مصر من سجن التصنيفات السياسية الممجوجة، وامتزجت دماء الشهداء، من كل التيارات، من دون أن يفتش أحد في الهوية الحزبية، أو المعتقد، فكان الصمود الأسطوري، على مدار ليلة كاملة، بمواجهة "قناصة" يمطرون المتظاهرين بوابل من الرصاص والحجارة، من أعلى كوبري أكتوبر، و"رقاصة" يصبون نيران قبحهم وبذاءتهم على الثوار، من شاشات التلفزة.
لا يقلل من ملحمة استشهاد "شيماء" أنها استأثرت بالاهتمام والضجيج والأضواء، من نخبٍ أصابها "الهوى الأيديولوجي"، فحرمها من براح "الانحياز الإنساني" المجرد من الشللية والحزبية، وليس يحسب عليها أنها وجدت من يناضل من أجل قضية "ابنة التيار"، ويتبناها إعلامياً وقضائياً وسياسياً، ولا يأبه لعشرات، بل مئات، الـ"شيماء الصباغ" لم يبكهن أحد، أو حتى يتوقف عند استشهادهن المؤلم، أو يطالب بالقصاص لهن.
سيرة شيماء تقول إنها كانت مخلصةً في الدفاع عن حقوق البسطاء من العمال المقهورين، إذ كانت تتولى أمانة العمل الجماهيري في حزب التحالف الشعبي في الإسكندرية، ويروي من عرفوها كيف كانت صادقة فيما تفعل، مسكونة بحس إنساني عميق، متمسكة إلى آخر مدى بالأمل في استعادة ثورة يناير، وكان آخر ما دوّنته على حسابها الشخصي في موقع "فيسبوك"، قبل رحيلها بعشرة أيام "البلد دي بقت بتوجع.. ومفهاش دفا.. يارب يكون ترابها براح.. وحضن ارضها.. اوسع من سماها".
بعد ثلاثة أيام، تحل الذكرى الأولى لاستشهاد شيماء الصباغ من دون أن تعلم أن المتحدث باسم مصلحة الطب الشرعي، صاحب التقرير الفضيحة عن مقتل الشهيد خالد سعيد، أعلن ببلادةٍ منقطعة النظير، أن نحافة شيماء كانت السبب في موتها، وليس رصاص ضابط الشرطة، ومن ثم تلقى المكافأة الفورية، وصدر قرار تعيينه رئيساً للمصلحة.
في ليلة عيد الثورة، قتل أعداء الثورة شيماء الصباغ، قبل أن تطأ ميدانها بقدمها. وفي ذكراها الأولى، يطرح سؤال مهم نفسه: هل يمتلك حزب شيماء وتيارها شجاعتها، ويذهبون لإيقاد شمعة، ووضع وردة، على المكان الذي استشهدت فيه، وهي ذاهبةٌ لإحياء ذكرى الثورة وشهدائها؟
الحاصل أن معظمهم يكرس، الآن، جهده كله في خدمة المشروع القومي للتحبيط والتثبيط والتخويف، لكل من يفكر في الصعود إلى الميادين مجدداً، كما صعدت شيماء، دفاعاً عن ثورة ينكّل بها أوغاد، مستخدمين أوغاداً، ممن ينتسبون لها، قيدوا وثاقها، وسلموها لأعدائها، ثم جلسوا يلطمون الخدود، ويشقون الصدور، وهم يشاهدون وقائع افتراسها.
سلام على شيماء.. سلام على الشهداء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق