محمد زاهد جول
بعد مرور مئة يوم على العدوان الروسي على سوريا تقدم الرئيس الروسي بوتين بأفكار حالمة لحل أزمة الصراع في سوريا، لم يكن أحد من الرؤساء العالميين والمبعوثين الدوليين ولا كل مؤتمرات أصدقاء سوريا ولا جنيف ولا فيينا قد توصلت إليها من قبل، وهذا يؤكد انه قد وصل إلى الحل الشافي والكافي بعد أن قصف سوريا بطائراته الحربية وهدم المساجد والأسواق والمدارس والمستشفيات، وشرد مزيدا من اللاجئين إلى تركيا وأوروبا وغيرها، فكان مما قال بوتين في مقابلة مع صحيفة (بيلد) الألمانية بتاريخ 11/1/2016:» إن سوريا تحتاج إلى البدء في العمل على صياغة دستور جديد كخطوة أولى للتوصل إلى حل سياسي لحربها الأهلية»، على الرغم من أنه اعترف أن العملية ستكون صعبة على الأرجح، وأضاف بوتين في المقابلة:»أعتقد أن من الضروري التحرك باتجاه إصلاح دستوري (في سوريا)، انها عملية معقدة بالطبع، وبعد ذلك على أساس الدستور الجديد أن تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة».
هذه الرؤية السياسية لرئيس الحملة الحربية العسكرية الروسية على سوريا تؤكد أن روسيا دخلت الحرب في سوريا وهي لا تدري ما تقوم به، قد يكون هذا الكلام غريباً ومستهجناً، فكيف تقوم دولة كبرى مثل روسيا بحرب دولية وبعيدة عن أراضيها وهي لا تدري ماذا تريد من الحرب على سوريا؟ ولكنا سنقدم الشواهد التي تثبت أن روسيا تحارب في سوريا وهي لا تعرف ماذا تريد من هذه الحرب، ولا كيف تقودها، ولا كيف تنتصر فيها.
والشاهد الأول أن الطائرات الروسية قصفت مواقع مدعية أنها لتنظيم داعش، ثم تبين للعالم ان نسبة قصفها لداعش تتراوح بين 3٪ بحسب إحصائيات الثورة السورية، وإلى 7٪ بحسب إحصائيات شبه رسمية من تركيا، وإلى 10٪ من وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، وأخيراً إلى 30٪ بحسب آخر إحصائية للأمم المتحدة، وقد تكون جميع هذه الإحصائيات صحيحة، إذا قرأت على ترتيب زمني منذ بدء الحرب الروسية على الشعب السوري، حيث ان الطائرات الروسية لم تكن تعرف إحداثيات مواقع داعش في الأيام والأسابيع الأولى، فكانت نسبة قصفها لداعش قليلة جداً لا تتجاوز 3٪ ، والباقي لمواقع المعارضة السورية، وبعد ذلك بدأت بالاهتمام أكثر بقصف مواقع داعش بسبب المطالبة الدولية ان يكون القصف لمواقع لداعش وليس لمواقع المعارضة السورية المعتدلة ولا للمساجد ولا للمستشفيات ولا للمدارس ولا للتجمعات المدنية، فاضطرت الحكومة الروسية إلى اتخاذ إجراء مؤسف ومضحك وفاضح، وهو مطالبة وزير الخارجية الروسي سرجي لابروف من المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا إلى إعطاء روسيا قائمة بأسماء التنظيمات الإرهابية في سوريا، فكان ذلك دليلاً على أن روسيا دخلت الحرب في سوريا قبل تحديد أهدافها العسكرية، ولا أسماء التنظيمات التي تقصفها، ومن المضحك المبكي أن الأمم المتحدة وبعد خمس سنوات وهي تتابع الأزمة السورية وأصدرت بخصوصها عشرات القرارات الدولية لم تجد جوابا على روسيا، فلم يكن لديها قائمة بأسماء التنظيمات الإرهابية من غير الإرهابية، وهذا يثبت أن الأمم المتحدة لم تكن تأخذ الأزمة السورية مأخذ الجد، وأنها كانت مهملة لمعاناة الشعب السوري، ولا تكترث بعدد قتلاه ومهجريه ولو بلغوا بالملايين.
ولذلك حولت الأمم المتحدة عن طريق مؤتمر فيينا الثاني الطلب الروسي بفرز التنظيمات السورية الإرهابية إلى دولة الأردن، وهي تعلم أي الأمم المتحدة أن الحكومة الأردنية ليست صاحبة قرار في تصنيف التنظيمات الإرهابية من غيرها، ولكن ربما لم يقبل هذه الوظيفة غير الأردن، ثم تدخلت كل أجهزة الاستخبارات العالمية لدى الأردن لإدخال هذا التنظيم أو ذاك في التنظيمات الإرهابية، ولذلك لم تقبل روسيا القائمة الأردنية واعترضت إيران على هذه القائمة وبالتالي سوريا ومحور إيران الطائفي، لأن الأردن أدخل الحرس الثوري الإيراني في التنظيمات الإرهابية العاملة في سوريا، وهذا يؤكد ان روسيا في تيه كبير في سوريا، فلا يمكن لدولة كبرى مثل روسيا أن تدخل حربا دولية وهي لا تملك قائمة أهدافها العسكرية، وتنتظر الأمم المتحدة لتعطيها أسماء الأهداف التي تقصفها، والغريب في هذا التيه أيضاً أن روسيا طلبت من المعارضة السورية ان تعطيها مواقعها في سوريا بحجة أن لا تتعرض للقصف الروسي، فرفضت المعارضة السورية والجيش السوري الحر إعطاء إحداثيات مواقعها لمن يهاجم مواقعها العسكرية، فمنذ أن دخلت روسيا الحرب في سوريا إلى جانب الأسد وهي تقصف مواقع المعارضة السورية، فكيف يطلب جيش من عدوه أن يعطيه إحداثيات تواجده، إلا إذا كان تائها، أو ذكيا أكثر من اللازم؟
وعودة على الشاهد الجديد للضياع الروسي في سوريا هو مطالبة بوتين وضع دستور جديد لسوريا، يتم على أساسه انتخابات برلمانية ورئاسية، والسؤال الذي يوجه لقائد الحملة الروسية الأرثوذوكسية الكنسية بوتين هو:
إذا كان الحل هو بالدستور فلماذا جاء بجيشه وطائراته الحربية وقواعده العكسرية؟
هل الجيش الروسي في سوريا من أجل الدستور السوري الجديد؟
ألم يكن بالإمكان وضع هذا الدستور دون التدخل العسكري الروسي في سوريا؟
ألم يكن بوتين يستطيع المطالبة بهذا الدستور دون شنه لآلاف الغارات الحربية على الشعب السوري وقصف مساجده وتدميرها على المصلين فيها؟
فإذا كان الحل الذي يقترحه لسوريا هو بوضع دستور جديد فما هي مهمة الجيش الروسي في سوريا؟
بالتأكيد لا يستطيع بوتين إن كان صادقاً ان يقول إن مهمته في سوريا محاربة الإرهاب، لأن حربه ليست ضد الإرهاب ولا داعش كما أثبتت كل القراءات الاستخباراتية العسكرية الدولية، فيبقى أن مهمته هي تثبيت حكم الأسد، أو تثبيت الدولة التي يرأسها بشار الأسد، فإذا كانت هذه مهمته فقد وقع في أخطاء كبيرة أيضاً في تصريحه الأخير، وهو وصفه لما يجري في سوريا «بالحرب الأهلية».
فإذا كان بوتين يريد توصيف ما يجري بحرب أهلية وهي ليست حربا أهلية، فعليه ان يلتزم بالحياد، فلا يحق لأي دولة في العالم ان تقف إلى جانب أحد أطراف حرب أهلية في أي دولة في العالم، فمن هي أطراف الحرب الأهلية في سوريا في نظره؟ وهل يؤيد قراءة وزير خارجيته لافروف أن الغالبية السنية من الشعب السوري ضد رئيس ليس منها، لأنه شيعي فقط؟
وقد صرح لافروف بذلك أكثر من مرة، أم أن له قراءة أخرى غيرها؟ وبالتالي يبقى السؤال قائماً، من هي أطراف الحرب الأهلية، وهل داعش طرف؟ بالتأكيد لن يكون الجواب بالإيجاب، وبالتالي فإن الحرب الأهلية بين فصائل المعارضة السورية ونظام الأسد، وبالتالي لا يحق لروسيا أن تكون حليفاً لأحد طرفي الحرب الأهلية، أم ان بوتين يرى أن الرئيس السوري ليس طرفا في الحرب الأهلية؟
وإدعاء بوتين ان الصراع في سوريا هو حرب أهلية هو هروب من الاعتراف بوجود صراع بين شعب ونظام حكم استبدادي ورئيس دكتاتور، أصبح رئيسا جمهوريا بالوراثة، فكان أول رئيس جمهورية تنتخبه الكروموسومات الجينية.
هذا الرئيس الذي انتخبته الكروموسومات الجينية هو سبب الصراع في سوريا وليس الحرب الأهلية، وبوتين لا يريد ان يفهم ذلك، لأنه يبحث عن مصالحه الشخصية في العظمة والانتصار على الشعوب المستضعفة، التي أكلتها الحرب الطائفية لخمس سنوات حتى انهكت قواها، فجاء هو ليبلع الضحية وهي جاهزة، ودون محاسبة من أمريكا ولا من أوروبا، والأنظمة السياسية العربية كلها تخشى على كراسيها وبقائها في السلطة والثروة، فلم ولن تدافع عن الشعب السوري ولو أحرق بوتين كل سوريا، ولو هدم كل مساجدها إرضاء لبطارقة الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية.
إن بوتين وهو يحكم روسيا بالجبروت أخطا في حساباته كثيراً، كما أخطات الكنيسة الروسية بتأييدها له في حربه الظالمة، فالشعب السوري لن يكون لقمة سائغة لقيصر روسيا الرهيب، والثورة السورية لن ترفع الرايات البيضاء للحملة الصليبية التي تباركها الكنيسة الأرثوذوكسية وتصفها بالحرب المقدسة، واستهداف الجوامع والمساجد بالقصف الروسي أكثر من غيرها لن يجعل الشعب الروسي يغمض عينه عن فشل قيصر روسيا في سوريا إلى أمد غير محدود، واما أمريكا فلن تساعد بوتين حتى لو غرق في الوحل السوري، واما إيران فهي بدأت بالتخلي عنه بسحب جنرالاتها وضباط النخبة من سوريا، إما لإدراكها المتأخر أن الانتصار على الشعب السوري مستحيل، او لإدراكها أن قيصر روسيا سوف ينتقم منها في سوريا عندما يبدأ بالغرق وقد بدأ، وإما ان تصريحات الكنيسة الأرثوذوكسية قد احرجت قائد الثورة الإسلامية العالمية خامنئي ان يكون مجرد جندي في جيش صليبي! سوف يحاسبة التاريخ عليه في الحاضر والمستقبل.
إن محور «موسكو طهران» ضعيف مهما امتلك من القوة العسكرية، لأنه يفتقد إلى قوة الحق، ويعتمد على قوة الظلم وقتل الأبرياء وتهجير المدنيين من بيوتهم وقراهم ومساكنهم إلى مخيمات اللجوء أو الغرق في البحار، ومهما جهزت روسيا إيران والميليشيات الطائفية بالأسلحة الفتاكة، ومهما حاربت عنها طائرات روسيا، فإنها لن تستطيع وضع دستور جديد لسوريا لا يقبل به الشعب السوري، إلا إذا أعيد الحق إلى أهله، ومنح قيصر روسيا الأسد اللجوء السياسي، وأسدل ستار المسرحية الظالمة التي تقودها أمريكا بكل قسوة قلب في سوريا، فأمريكا أطالت الصراع في سوريا إلى اليوم حتى تكسر فيه الثورة الإيرانية وتجردها من أخلاقها وقيمها وقد فعلت، وقد جاء دور روسيا ليكون كسره في سوريا طالما صعب كسره في اوكرانيا، ولذلك ستبقى الشواهد السابقة واللاحقة دليلاً على خسارة قيصر روسيا حربه في سوريا، بل وخسارته لنفسه في روسيا نفسها قريبا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق