مليشيات "الحشد البكري" ضد الثورة
وائل قنديل
ليس مصطفى بكري وحده على هذه الحالة من "اللوثة الينايرية". صحيح أنه كان أول من نادى بشطب الثورة، واعتبار الخامس والعشرين من الشهر الجاري مناسبةً للاحتفال بالشرطة تحت قبة البرلمان، إلا أن هناك من النواب من سبقه إلى المطالبة باعتبار المدافعين عن ثورة يناير أعداء للوطن.
رسمياً، يبدو النظام أكثر جنوناً من ذلك بكثير، فيتم الإعلان مبكراً عن نزول قوات الجيش لفرض السيطرة على الشوارع والميادين والأماكن الحيوية الحساسة (بنص الخبر الموزع على الصحف) استعداداً لذكرى ثورة يناير، تلك الثورة التي ادّعى المجلس العسكري يوماً أنه حماها، ومرات أنه شريك فيها، معبّراً عن شديد فخره بالشباب الجميل، أو النبت الطاهر الذي فجّرها، ليصل التعبير عن الافتخار إلى توفير إقامة مجانية مفتوحة، في أحقر زنازين السجون المصرية، لهذا الشباب الطاهر الجميل.
يعطي تحريك قوات الجيش في المدن والميادين رسالة أولى، تعبّر عن عقيدةٍ راسخةٍ لدى جنرالات الحكم، تقول للمصريين إن الثورة التي تاجروا بقصة حمايتهم وشراكتهم لها عدو خطر، فاحذروه، وها نحن ننزل إليكم لحمايتكم من هذه الثورة.
ولا يقل جنوناً عن ذلك أن تداهمك أخبار رسمية عن أسلحة وآليات جديدة، تدخل الخدمة الأمنية، لمواجهة "ثورة يناير"، فتقرأ في "المصري اليوم" أن اللواء نادر جنيدي، مدير أمن الإسكندرية، يرافقه اللواء العناني حمودة، مساعد أول الوزير لمنطقة غرب الدلتا، الخميس، شهدا بياناً عملياً بالذخيرة الحية لبعض المواقف الأمنية التي يمكن التعرّض لها وكيفية التعامل معها، وذلك بإدارة قوات أمن الإسكندرية، استعدادًا لذكرى 25 يناير، فضلاً عن مراجعة المركبات الشرطية الحديثة والتي ستدخل الخدمة الأمنية خلال 25 يناير.
تلاحظ، في ما سبق، أنهم يستنكفون إطلاق اسم "ثورة" على ما جرى، امتثالاً لتعاليم تلمود الانقلاب، ونصوصه الخاصة بتجريم "يناير الثورة" وتحريمه وكراهيته. ولذلك، لا يمكن أن يتوقف أحد عند تبني النائب البرلماني مشروع الحرب الأهلية، من خلال دعوته الصريحة لتشكيل كتائب، على غرار "مليشيات الحشد الشعبي" الشيعية المتطرفة في العراق التي ترتكب مجازر، وتقوم بعمليات تطهير عرقي، داخل مناطق السنة، بتواطؤ ودعم كاملين من النظام الحاكم.
يُدهشك، هنا، أن النائب مصطفى بكري الذي قضى نصف عمره الصحافي في تمجيد صدام حسين، طارحاً نفسه حنجرة قومجية معتبرة، يعلن عن نفسه الآن تلميذاً في مدرسة الطائفية الإقصائية الاستئصالية التي يديرها أعداء صدام حسين التي تضع المذهب والطائفة قبل الهوية الوطنية والقيم الإنسانية.
مصطفى بكري هو حنجرة المشروع الطائفي في مصر هذه الأيام، والطائفية هنا ليست الدينية أو المذهبية، بل يمكنك أن تعتبر أنك بصدد "طائفية أمنية"، قوامها الأساس "طائفة العسكر"، وحولها أو على هامشها قبائل البوليس، وجحافل الثورة المضادة التي لا تستطيع العيش داخل منظومة قيم، مغايرة لما كانت تشكل عقيدة الدولة تحت حكم العسكريين.
هل تختلف دعوة مصطفى بكري إلى تصفية "الينايريين الإرهابيين الهمج" وتمزيقهم شرّ ممزّق عن تلك الحركة التي قادها الطبيب الصهيوني باروخ غولدشتاين لاستئصال الفلسطينيين من فلسطين المحتلة، وتنفيذ مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل، 25 فبراير/ شباط 1994، بالتواطؤ بين المستوطنين وجيش الاحتلال الصهيوني؟
يحدث ذلك كله بحق ثورة المصريين الشعبية الوحيدة التي هي "قدس" النضال الثوري السلمي على مر التاريخ، بينما من أهلها من تقودهم "غريزة أوسلو"، ينعمون برغد العيش في كنف القبح والمهانة، معتبرين مقاومة الظلم والانتهاك والعدوان، تهوّراً، وإرهاباً، بل ويفخرون بتقديم المساعدة المعلوماتية لإحباط أي تفكيرٍ في الانتفاض ضد الغطرسة والفظاعة التي تمارس على"شعب يناير" في الداخل وفي الشتات.
وأكرّر ما قلته هنا قبل أيام: إن السكوت على هذه الدعوات الفاشية، بحجة أن الظرف غير مناسب للتظاهر والثورة، يعني الموافقة ضمنياً على مقتلةٍ قد يرتكبها النظام. وفي وضعٍ كهذا، ليس أقل من المطالبة باحترام حق المتظاهرين في التظاهر وفي الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق