"ديالي" وحرب وكلاء " قمّ "
" إيران " هي العدو الأخطر على الصعيدين التكتيكي والإستراتيجي، وهي أس كل أزمات المنطقة.
هذه هي المحصلة النهائية لكل منصف يتابع الشأن الإقليمي منذ تفجر ثورة الخوميني سنة 1979 حتى اليوم .
وقد يجادل الكثيرون في كون أمريكا أو روسيا أو أوروبا أو حتى الخلافات الجانبية بين دول المنطقة أو أي سبب آخر يرونه مصدر خطر على المنطقة ، ولكن الواقع يبرهن بقوة على كون إيران هي مصدر الخطر الحقيقي ، على الرغم من كون الأطراف الأخرى شديدة الخطورة والضرر على المنطقة ، ولكن تبقى إيران الأخطر .
فالسياسات الإيرانية حيال المنطقة هي السبب الرئيسي والأهم والأكبر في أزمات عالمنا العربي والإسلامي .
وسر خطورة إيران وكونها العدو رقم واحد لكل دول المنطقة ، لا يكمن فقط في كونها ذات أجندة طائفية عدائية توسيعة تجاه دول المنطقة ، ولكن الأهم من ذلك كونها تتبع أخطر وأثقل الوسائل والأدوات في تحقيق هذا المخطط الأيديولوجي المقيت الضيق ، ونعني بها الوسائل الخشنة عبر الأذرع العسكرية التي استطاعت في زحمة أزمات المنطقة وكثرة الصراعات فيها أن تبثها في العديد من بؤر الصراع الملتهبة في المنطقة بشكل مكنها من الحضور بفاعلية كبرى في مشهد التوتر الإقليمي غير المسبوق في المنطقة .
ففي أوقات التحول وإعادة رسم الخرائط، غالباً ما تكون المساحات التي يتم فيها استثمار القوة الناعمة في حالة انهيار (المدن، الاقتصاد، طبيعة الحياة اليومية، الإعلام، )؛ مما يجعلها في هذه اللحظات قوة هشة لا ناعمة، في حين تكون العوامل الصلبة هي المحدد الرئيس لماهية التحول وإلى ما يؤول (القدرات العسكرية بشكل رئيس)، في هذه الأوقات، تكون المساحات ككائن تعرى من كل شيء حتى لم يعد سوى هيكله العظمي في عملية إعادة تشكيل قبل أن يكتسي مجدداً بكافة أشكال الحياة .
وعلى مدار العقود الماضية، كانت إيران حريصة أن تستثمر بقوة في هذا "الهيكل العظمي" للمنطقة، بوجودها العسكري الممتد من "حزب الله" بلبنان إلى مليشياتها الشيعية بالعراق وحتى "الحوثيين" باليمن، في الوقت الذي انشغلت فيه دول الخليج وتركيا ببناء القوة الناعمة من مشاريع خيرية ومساعدات إنسانية، وهي أمور رغم نبل أهدافها وخيريتها ونفعها للأمة إلا إنها وقت الأزمات لا تصمد كثيرا ، ولا يعول عليها في مواجهة القوة الخشنة .
وهو عين ما جرى خلال العشر سنوات الأخيرة من عمر المنطقة وتحديدا منذ سقوط العراق سنة 2003 .
فإيران استفادت من سقوط نظامي صدام حسين وطالبان إستفادة كبرى ، فكلاهما كان خصما سياسيا وأيديولوجيا لإيران ، بعد سقوطهما اندفعت إيران بكل قوة في تفعيل إستراتيجية الحرب بالوكالة عبر تأسيس عشرات الوكلاء في المنطقة عامة والعراق خاصة .
حيث يقدر الباحثون وجود أكثر من 50 مليشيا عسكرية في العراق تابعة لإيران ، وتأتمر بأمرها ، تقوم بتجنيد الشبان والقتال في العراق، هذه الجماعات تقوم بحشد الجنود المحتملين بنشاط بعيدًا عن الجيش والشرطة، وتضمهم بشكل طائفي وبأيديولوجية واضحة العداء لأهل السنّة ، هؤلاء الجنود لا يشاركون فحسب في قتال التنظيمات المسلحة السنية ، لكنهم يشكلون حرسًا خلفيًا يستخدم في السيطرة على المناطق التي من المفترض أن تكون تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد . الميليشيات الشيعية زرعت نفسها بحيث صارت جزءًا لا يتجزأ من هياكل الحكومة العراقية التي أصبحت تعتمد أيضًا عليهم بشكل أساسي في عملها، الحكومة والميليشيات معًا، ارتكبوا انتهاكات مروعة بحق أهل السنّة في العراق .
ومع تحول الثورة السورية إلى الكفاح المسلح قادت إيران عملية تطوير الميليشيات الشيعية، وعززت طهران شبكتها من الجماعات التي تعمل كوكلاء لها في العراق؛ لتوفير تدفق مستمر للمقاتلين الشيعة لدعم نظام بشار الأسد في سوريا، بعض من هذه القوات عادت إلى العراق مرة أخرى وشكلت نواة للميليشيات التي تقاتل حاليًا لصد التكفيريين وهو الاسم الدارج شيعيا للتعبير عن أهل السنّة .
وبسبب الجهود التي تبذلها إيران في الحشد تجاه سوريا؛ اضطر وكلاء إيران إلى العمل على سحب مقاتلين جدد إلى الجبهة العراقية. نمو هذه الميليشيات الموالية لإيران ساعد على إظهار أهداف إيران للهيمنة على العراق، إنهم موالون تمامًا للمرشد الأعلى للثورة في إيران "خامنئي" والفكرة القائلة بولاية الفقيه، التي تمنح السلطة السياسية والدينية للمرشد الأعلى وحده، كما أنهم يتبعون نموذج الوكيل الإيراني في لبنان، حزب الله، أي أنهم عازمون على تنفيذ إرادة إيران في المنطقة وتعزيز الثورة الإسلامية .
وتمامًا كما تهدف داعش إلى محو حدود سايكس – بيكو ، تفكر الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في الأمر نفسه، التجنيد والانتقال المتبادل بين الميليشيات الشيعية السورية والعراقية ساهم في تآكل الحدود الوطنية تمامًا كما فعلت داعش، ومنذ بداية مشاركتهم في كل الصراعات في المنطقة، اعتمدت الميليشيات الشيعية السردية التي تقول إنها "تدافع عن المقدسات" أو تدافع عن "الشيعة" بغض النظر عن الجغرافيا السياسية ، فهي تعمل على إقامة الدولة الشيعية الكبرى التي تضم تحت مظلتها أو حمايتها كل شيعة المنطقة من المحيط إلى الخليج ، وهو ما يطلق عليه المراقبون منذ زمن " الهلال الشيعي " ، أو بعبارة أخرى " إيران الكبرى " ومفتاح إيران الكبرى كما يرى كثير من المراقبين هي محافظة " ديالى" العراقية التي تقع بالجهة الشرقية من العراق وتبعد عن العاصمة بغداد 57 كيلومترًا من ناحية الشمال ويمر بها نهر ديالى الذي يصب بنهر دجلة، وقد عرفت ديالى تاريخيًا باسم "طريق خراسان"، وهي درة المشروع الإيراني في المنطقة، وخسارتها بالنسبة لطهران تعني وأد أحلام "ولاية الفقيه التوسعية" ليس في بلاد الرافدين وحدها وإنما في المنطقة بأكملها .
فما يجري في محافظة ديالى العراقية ذات الأغلبية السنية من تهجير وتغيير ديموغرافي ممنهج واعتقالات وقتل على الهوية وتفجير منازل ومساجد واختراق إيراني عسكري، وآخرها منذ أيام ، حرق 9 مساجد لأهل السنّة ، وإعدام 90 شابا سنيا أمام أهليهم ،كما اغتال مسلحون مجهولون صحافيين يعملان لصالح قناة الشرقية العراقية في محافظة ديالى شمال شرق بغداد، وكانت جريمتهم الوحيدة أنهم نقلوا للعالم ما حدث من إرهاب مليشياوي استهدف الأبرياء ، كل ذلك ليس فقط ردة فعل على تفجير هنا أو هناك، فالأمر أكبر وأخطر من ذلك ،فثمة مخططـ إيراني استيطاني استئصالي يسعى منذ سنوات لتغيير ديموغرافية المناطق والمحافظات السنية في العراق والبداية من"ديالى"، تلك المحافظة الهامة في مشروع "إنشاء الهلال الشيعي"، والمنفذ على الأرض هي المليشيات العراقية المرتبطة بإيران، وبذريعة محاربة تنظيم الدولة أو داعش، تقوم المليشيات العراقية الشيعية منذ سنوات بتهجير عشرات الآلاف من السكان السنة من قراهم ومناطقهم في ديالى. وتبدو ملامح المخطط الإيراني واضحة في مناطق شرقي محافظة ديالى، وتتمثل في إبعاد الكتل البشرية السنية عن الحدود الإيرانية،وتفريغ المنطقة من سكانها الأصليين، وإحلال سكان شيعة فيها مستقبلًا، وهناك حديث يدور علنًا في المحافظة يفيد بأن عائلات منتسبي الحشد الشيعي وهم بالآلاف وكثير منهم من خارج المحافظة، سيتم إسكانهم في نواحي السعدية والمنصورية وجلولاء وقراها الممتدة من المقدادية إلى خانقين.
الهيمنة الإيرانية الكاملة على العراق عامة ، وديالى خاصة معلومة للعالم أجمع، والتفاهمات الأمريكية - الإيرانية باتت معروفة للجميع، والصمت الغربي المريب أمام تدفق المليشيات الشيعية متعددة الجنسيات إلى سوريا والعراق، كلها عوامل تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أننا أمام مخطط مكتمل الأركان لتفريغ المنطقة من السنة لصالح إيران الكبرى عبر وكلاء قمّ.
وديالى اليوم ليست صمام أمن العراق وحسب ولكنها صمام أمن المشرق العربي بأكمله، منها فقط قد يُكسر "الهلال الإيراني"، ومنها أيضًا قد يمتد وبلا توقف، وعلى "التحالف العسكري الإسلامي" الاختيار بين أن يسمح لإيران بتمدده الدموي الاستئصالي وبين أن يقوم بوقف ذلك وبأقصى سرعة، وإلا فسيدفع الجميع الثمن غاليًا ، فليست اليمن وحدها من تحتاج إلى عاصفة الحزم ، ولكن العراق وسوريا أيضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق