فيلم خطير جدا... الطريق الى غوانتانامو
" الطريق إلى غوانتانامو'' فيلم بريطاني درامي وثائقي ينقل فيه المخرجان مايكل ونتربوتوم ومات وايتكروس المشاهد في رحلة إلى الجحيم على الأرض بواقعية نادرة، بكل ما في ذلك من أحاسيس الألم والقسوة والعذاب والظلم التي يعاني منها ثلاثة شبان بريطانيين مسلمين متحدرين من أصل باكستاني أمضوا أكثر من عامين في معتقل غوانتانامو الأميركي سيء السمعة في كوبا، بسبب تصادف وجودهم في المكان الخطأ والزمان الخطأ.
تستند قصة فيلم ''الطريق إلى غوانتانامو'' إلى أحداث واقعية تتعلق بثلاثة شبان هم شفيق رسول وآصف إقبال ورحيل أحمد، يحملون الجنسية البريطانية ويعيشون في مدينة تيبتون البريطانية الشمالية ويقررون الذهاب إلى باكستان التي يتحدرون منها مع صديق رابع هو منير علي.
يصل آصف إقبال إلى باكستان في شهر أيلول 2001، بعد هجمات نيويورك وواشنطن مباشرة بمحض الصدفة، للقاء الفتاة التي اختارتها والدته كعروس له. وبعد أيام قليلة يلحق به صديقه الحميم رحيل أحمد ليكون بجانبه كأحد شهود عقد قرانه ويصل مع صديقين آخرين هما شفيق رسول ومنير علي.
وبعد قضاء عدة أيام في باكستان، يتخذ الأصدقاء الأربعة قرارا من وحي الساعة بزيارة أفغانستان لمشاهدة الأحداث فيها على الطبيعة وللمشاركة في مجهود إغاثة إنساني قام بتنظيمه إمام أحد المساجد في كراتشي لمساعدة الشعب الأفغاني. ولكن توقيت وصولهم إلى أفغانستان لا يتناسب مع نوايا وأهداف القوات الأميركية والبريطانية في أعقاب هجمات (الحادي عشر من سبتمبر). ومع اشتداد ضراوة الحرب ضد طالبان يزور الأصدقاء الأربعة مدينة قندهار ثم يذهبون إلى العاصمة كابول ومنها إلى مدينة كوندوز حيث يقع ثلاثة منهم في قبضة قوات التحالف الشمالي الأفغاني المناهض لحركة طالبان والذين يعاملونهم كالحيوانات ثم ينقلونهم في قافلة حاويات شحن معدنية مغلقة كالدواب مع مئات غيرهم من الأسرى الذين يمثلون جنسيات مختلفة إلى سجن شيبيرغان في ما يعرف بقافلة الموت، وذلك نتيجة وفاة الكثيرين منهم على الطريق. أما الصديق الرابع فقد اختفى من الساحة كليا.
وفي تلك المرحلة تتحول رحلة الثلاثة بسرعة من مجرد مغامرة طائشة إلى كابوس، حيث يتهمون بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة، وبعد أشهر من الاعتقال والمعاملة القاسية يعترفون تحت الإكراه بأنهم أعضاء في القاعدة بالفعل. ومن هناك تقوم القوات الأميركية بنقل الشبان الثلاثة إلى معتقل غوانتانامو الأميركي في كوبا، ويتم توقيفهم بدون توجيه أي تهم لهم وبدون محاكمة على مدى أكثر من عامين. ويتعرضون خلال تلك الفترة للضرب والإهانات وسوء المعاملة من قبل الحراس الأميركيين، وذلك خلافا لادعاءات حكومة الرئيس جورج بوش التي أكدت على الدوام احترامها لاتفاقيات جنيف. وفي النهاية يتم إطلاق سراح الأصدقاء الثلاثة بالنظر لعدم توفر الأدلة ضدهم ويعودون إلى بريطانيا.
يستخدم المخرجان ونتربوتوم ووايتكروس في عرض أحداث فيلم ''الطريق إلى غوانتانامو'' أسلوبا يجمع بين المقابلات الشخصية مع أبطال القصة الثلاثة، وإعادة تمثيل الأحداث في مواقعها الحقيقية كلما كان ذلك ممكنا من قبل ممثلين غير محترفين، وأشرطة إخبارية فعلية من الأرشيف، وينجحان بذلك في تقديم فيلم درامي وثائقي يجمع بين أحداث واقعية وحبكة سردية مقنعة، ينقلان من خلالها صورة مأساوية واقعية لمحنة الشخصيات الرئيسة للقصة. ويدرك المشاهد بمجرد بدء عرض الفيلم أن ما يراه على الشاشة من أحداث هو تعبير عن الواقع الأليم كما رواه أبطال القصة وليس من صنع خيال كاتب سينمائي. ويقول المخرج مايكل ونتربوتوم إن الفيلم هو في الأساس أشبه بمرافعة قانونية لمحام تعبر عن وجهات نظر شخصيات الفيلم الرئيسة الثلاث.
ويبدو تأثر مخرجي الفيلم مايكل ونتربوتوم ومات وايتكروس، ولو جزئيا ـ في الجمع بين سرد القصة وتقديم صور من الواقع ـ بالسينما الإيرانية الحديثة، في أفلام مثل ''لقطة قريبة '' و''التفاحة'' و''أين بيت صديقي؟'' التي استخدم فيها أشخاص عاديون في مواقع الأحداث لتصوير أحداث فعلية.
ولا يحاول مخرجا فيلم ''الطريق إلى غوانتانامو'' التظاهر بأنهما بصدد المحافظة على أي توازن في عرض قصة الفيلم، كما أنهما لا يترددان في عرض النزعة السادية والغباء لدى بعض الجنود الأميركيين والبريطانيين، ناهيك عن القسوة المفرطة والممارسات غير الإنسانية لقوات التحالف الشمالي الأفغانية. ويعبر المخرجان بكل صراحة ووضوح عن غضبهما من مجريات الأحداث واستهجانهما للمعاملة غير الإنسانية وغير القانونية للسجناء في معتقل غوانتانامو حيث لا تميز القوات الأميركية بين المقاتلين المسلحين السابقين في أفغانستان الذين صنفوا كإرهابيين وبين الزوار غير المسلحين الذين تصادف وجودهم في أفغانستان خلال الحرب وتم إلقاء القبض عليهم، بمن فيهم شخصيات الفيلم الرئيسة الثلاث الذين لا يتحلون بالذكاء حين يقررون الذهاب إلى منطقة حرب كأفغانستان ويتم إلقاء القبض عليهم في معقل حركة طالبان بعض أن تقطع بهم السبل، الأمر الذي يجعلهم عرضة للشكوك. إلا أن مشاعر الغضب والاستهجان هذه لا تحجب إدراك مخرجي الفيلم لعبث وسخرية وقائع القصة.
ويظهر مخرجا فيلم ''الطريق إلى غوانتانامو'' أن معظم المعتقلين في ذلك السجن من الأبرياء الذين تصادف وجودهم في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ. ويثير الفيلم التساؤل حول فاعلية عملية استجواب معتقلي غوانتانامو بمعزل عن اتباع قواعد الإجراءات القانونية أو أصول المحاكمات. ويؤكد الفيلم طوال عرضه أن كل من هو ليس إلى جانب الفريق المنتصر في القتال هو شخص سيء الحظ، لأن المنتصرين يضربون بمبادىء اتفاقيات جنيف عرض الحائط.
وقد تم تصوير مشاهد فيلم ''الطريق إلى غوانتانامو'' في مواقع الأحداث في أفغانستان، بما في ذلك من صعوبات ومشقة، وفي باكستان.
أما مشاهد معتقل غوانتانامو فقد تم تصويرها في إيران، حيث أنشئت المرافق الضرورية المشابهة لذلك المعتقل. وتم إنتاج هذا الفيلم بميزانية محدودة اقتصرت على 1,5 مليون جنيه إسترليني.
وقد عرض فيلم ''الطريق إلى غوانتانامو'' حتى الآن في 14 دولة، غالبيتها من الدول الأوروبية، وبينها الولايات المتحدة، حيث استقبله النقاد بثناء إجماعي. وعرض الفيلم في مهرجان برلين السينمائي الدولي، حيث فاز بجائزة الدب الفضي وكان بين الأفلام المتنافسة على جائزة الدب الذهبي، كما عرض الفيلم في مهرجان لاس بالماس السينمائي الإسباني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق