الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
الدكتور خالد العناني وزير الثقافة
نشر موقع "البوابة" موضوعا فجائي النزعة غريب التكوين، وإن كانت المعلومات التي يعرضها أكثر غرابة.. فالموضوع بكله يقع في خمسة عشر سطرا، إلا أن الذين صاغوه ثلاثة أشخاص !. ولا نفهم سببا لذلك العدد إلا ان يكون من قبيل تمويه المسؤولية والزوغان من ركاكة الصياغة، وأحيانا تكون هذه الصياغة مقصودة أو تنم عن شيء ما، فالمصاب جلل، والإعلان عنه أكثر فداحة.
يبدأ الخبر قبل عنوان المقال، بإلقاء تبعيته على السيد وزير الآثار الدكتور خالد العناني. والموضوع المعلن عنه على لسان سيادته يرد قبل عنوان المقال معلنا: "السيسي خصص 1.3 مليار جنيه لترميم التراث اليهودي"!!!. يا خبر اسود ! نعم، خبر أسود بكل ما يحمله من تداعيات، فهل من كتبوا الخبر او أعلنوا عنه أو حتي فكروا فيه لا دراية ثقافية ولا تراثية لهم ولا يعرفون ان اليهود لا تراث لهم، ولا حضارة، بل ولا فن لهم إلا كل ما اختلقوه منذ مطلع القرن العشرين حين اختلقوا عبثيات التجريد ن فكله اختلاق في اختلاق ؟ !
ثم يبدأ الخبر على لسان الدكتور وزير الآثار قائلا: "ان التراث اليهودي جزء من التراث المصري"، مؤكدا ان الرئيس عبد الفتاح السيسي خصص مبلغ ميار و270 مليون جنيه لترميم التراث اليهودي"! وكأنه ينفي عن نفسه أية صلة بذلك الخبر، فليس هو الذي قرر.. لكن القرار مصيبة فادحة، فهل نسينا التاريخ الى هذا الحد الفاضح ؟
نسينا اقتلاع أرض فلسطين ومحاولة إبادة شعبها ظلما وعدوانا الأمر الذي لم تتوقف الى اليوم، ونسينا العدوان الثلاثي، وذلك كان عنوانه في جميع وسائل إعلام العالم: "عدوان" أي اعتداء بلا سبب راح ضحيته قطاع من شباب الجيش المصري وطيران الجيش المصري وقتل الجنود العزل بعد ان جردوهم من كل شيء، واحتلال سيناء ونهب ما بها من آثار ومحاجر؟ يا لوَهَن الذاكرة المخزي..
والأكثر غرابة هو وضع الجملة التالية على لسان وزير الثقافة، الدكتور المتخصص فعلا في الآثار. وحين يوضع على لسان سيادته عبارة بهذه الركاكة، فلا بد وان يتساءل القارئ عما يحدث في مقال كتبه ثلاثة صحفيين أو عما يحاولون التعتيم عليه، إذ يواصل المقال أن العناني أضاف بقوله: "مش هستني حد يقول لي خد فلوس ورممه، (ورممه هنا تقع على التراث فرضا)، خد فلوس ورممه (هل يعني التسول)، لأنه أولوية عندي زي التراث الفرعوني والروماني والإسلامي والقبطي". فهل تبرع السيد الوزير ليرمم شيء لا وجود له من جيب سيادته؟ وبغض الطرف عن ركاكة التعبير فإن الخطأ في ترتيب تسلسل الحضارات غير مسموح به خاصة على لسان وزير متخصص، فالحقبة القبطية حتى وإن كانت عدة قرون فهي تقع قبل الإسلام.
ويواصل الكتبة الثلاثة وكأنهم يلقون بالمسؤولية على السيد الوزير، فبدأوا بإعلان الوزير، ثم باجتماع لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب، ثم الإشارة الى أنه كان برئاسة السيد أسامة هيكل، وكأنهم يواصلون أو يجاهدون لإلقاء المسؤولية على هؤلاء وليس على السيد رئيس الجمهورية الذي اتخذ القرار، وهذا شأن من حقه يقينا.
وفي الجملة التالية انتقل الحديث الى مشروع هضبة الأهرام لينتقل في نفس السطر الى أن "المياه الجوفية كانت مغرّقة معبد أبيدوس في سوهاج ! غير ان أغرب ما في هذا الحوار الجملة المتعلقة بآثار كوم أمبو وأنه "يوجد قرض إسباني ب 30 مليون يورو لإدارة الأهرامات"...
وتتزاحم الأسئلة من كل اتجاه: إن كنّا نقترض من اسبانيا حفنة دولارات، والاقتراض معروف أنه مثقل بالطلبات المجحفة فلم ننس القيود والأغلال التي كبلنا بها البنك الدولي وصندوق النقض، فكيف نقترض من ناحية ثم نغدق ونلقي ونهدر أكثر من مليار وربع مليار لترميم شيء غير موجود أصلا ؟ فالثابت تاريخيا ان اليهود لا تراث لهم لأنهم عاشوا في الشتات منذ طردهم هيرود سنة 70 بعد ان هدم المعبد ومعه التوراة.
المقال غريب وما تناوله أكثر غرابة، إضافة الى عبارة تأجيل ترميم طريق الكباش بالأقصر "لأن عليه بعض المباني من ضمنها كنيستين ونجع، وكان القرار الصائب هو التفاوض مع هؤلاء الناس".. وهي عبارة تستوجب سؤالين:
1: لماذا لم يتم هدم الكنيستين أسوة بما يحدث مع المساجد ؟ وهدم المساجد ثابت بأي حجة كانت.
2 : ما معني استخدام عبارة "هؤلاء الناس" ؟ ألا يعرف الكتبة الثلاثة أو السيد الوزير الذي وُضع الكلام على لسانه أن الكنائس تتبع الأقباط أو المسيحيين أو حتي النصارى، فالمسميات موجودة، أم أن هناك تغيير قد حدث في الأولويات، فبعد أن كان المسيحيون بكل فرقهم يتحكمون ويفعلون ما يشاؤون بالدولة وبالإسلام وبالأزهر ويراجعون المناهج ويبنون أكثر من خمسة آلاف كنيسة بلا تراخيص، وتقبل القيادات راضخة وتقوم بالتقنين، تحول الوضع وأصبح اسمهم "هؤلاء"، بجد عيب ، وأصبح لليهود أولوية على كل شيء حتي على التاريخ، واختلقنا لهم حضارة وتراثا وآثارا جديرة بالترميم ؟ يا له من عبث، وسبحان من بدل الأمور..
هل الى هذا الحد محونا من ذاكرتنا اقتلاعهم أرض فلسطين وقتلهم العرقي للفلسطينيين أصحاب الأرض، ولا تزال جنودهم تحصدهم وهم يسيرون في الطرقات بلا أدنى عقاب أو رد من المجتمع الدولي المتخاذل ؟ هل الي هذا الحد نسينا تحطيم كبرياء الجيش المصري ودك طائراته على الأرض قبل ان تقلع وهتك كبرياء جنوده العزل وتركهم يعودون عراه حفاه في الصحراء التي ابتلعت وانطوت على آخر انفاسهم المتهالكة ؟
وبعد ثلاثة أيام صدر تكذيب للخبر !!
زينب عبد العزيز
16 ديسمبر 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق