البدون.. جُرح الإنسان في الخليج
أنت بدون!ماذا يعني أنك بدون؟ هناك كلمةٌ سقطت عمداً لا سهواً، هذه الكلمة تعني أنه لا اعتراف ولا انتماء، وبالتالي لا جنسية وطنية تمنح لمن يحمل هذه الصفة، وقل هذا الشعب الذي يُقيم بين إخوانهم في إقليم الخليج العربي منذ عقود، وستجد أن كل شرائح أبناء الخليج العربي من غير محدّدي الجنسية(البدون)، متطابقون غالباً مع نظرائهم من أصحاب الجنسية الوطنية، في دول مجلس التعاون الخليجي. بمعنى أنك تجد من القبيلة نفسها والفرع نفسه من القبيلة العربية، هذا يحمل الجنسية الوطنية، وهذا لا يحملها، ومثلهم من شرائح الحاضرة من عربٍ أو قلةٍ أعجمية، نزحوا في رحلة البحث الاقتصادي، أو استوطنوا بين ضفتي ساحل الخليج العربي، ثم استقرّوا في دول المجلس، عند الحصول على الاستقلال الوطني، وكان الساحل قبل ذلك، وشمال الجزيرة ونجد، تحت حكم مشيخات بين نفوذ التاج البريطاني، أو الدولة العثمانية.
وقبل الاستطراد، لا يمكن لأي دولة أن تكون مفتوحة، ومشرعة الأبواب لتقديم الجنسية الوطنية لكل وافد لها، وأن كل دول العالم تحدد معايير لذلك، وإن كانت قوانين الهجرة لا تماثل مطلقا قوانين الإقامة في بلدان الخليج العربي، حيث تتحول في الغرب إلى مقدمةٍ للمواطنة، أو الإقامة الدائمة بحقوق شاملة. وفي الخليج العربي، يخرج الجد والأولاد والأحفاد، من بلدانٍ لم يعرفوا غيرها منذ ارتحالهم، وكأنهم أجانب لا علاقة لهم بالأرض التي عمروها. وهذا لا يقف عند غير محدّدي الجنسية، بل عشرات الآلاف من محدّديها، وخصوصا من اليمن وغيرها، والذين أخرجوا من ديارهم في حواضر الحجاز، كما جرى بعد الإجراءات السعودية للتطهير.
أما مصطلح "البدون"، فقد ارتهن بمسألة الكويت السياسية لحملة إحصاء 1965، ومن يصطلح عليهم بالقبائل النازحة في السعودية، ومع وجود حالاتٍ قديمةٍ جداً في بلدان أخرى، تمتلك جوازاتٍ من بلدانها الأصلية، وإن ولد الجيلان، الثاني والثالث، في دول الخليج، ولكن لم يمنحوا الجنسية الوطنية. وعلى الرغم من ذلك، تُستقدم حركة عمالة وافدة بالملايين على مستوى دول الخليج العربي، أو تتم عمليات تجنيس سياسي ضخمة، باسم الخوف من الهيمنة الطائفية، والتي حصلت على سبيل المثال في البحرين، في اتجاهين معاكسين.
الأول تجنيس تبنته بريطانيا وأوائل الاستقلال في البحرين، من ذوي أصول إيرانية من الطائفة الشيعية، ثم التجنيس الحديث لقبائل من مناطق الشام الكبرى، سنية المذهب، والذي ترسّخ بعد الخلاف الذي وقع بين الملك والمعارضة، عقب اتفاقهم على الميثاق الدستوري، والمصالحة الوطنية، ثم انحدر إلى أسوأ وضع، بعد الحركة المطلبية السياسية 2011 للطائفة التي قادها المعارض البحريني المعروف، حسن مشيمع.
وأمام ذلك كله، مارست كل دول الخليج العربي عملية إسقاط الجنسية، لأسباب سياسية، أو حرمانهم من سجلاتهم الوطنية، والتضييق عليهم في المنافي، وهو ما يعني أن القضية الإنسانية للاعتراف بالمواطنة في منطقة الخليج العربي، عميقة الأزمة، وتقوم على قرار مِنح أسر حاكمة، وتنزع من آخرين عند غضبها عليهم.
وفاقم الوضع والشكوك أخيرا استخدام الرياض للتفويج القبلي لبعض مزدوجي الجنسية سابقاً في قطر والكويت، ليكون ذلك المشروع الخطير في بداية الأزمة الخليجية أحد أبواب الجرح الخليجي العميق الذي يتم تدافعه في سوق سياسي شرس لا يرحم، فيستخدم اسم القبيلة في حملة إعلامية عارضة، تتلاعب بالمكون الوطني، لمجرد معركة تصعيد موسمية للحكم، ترتد على شرائح طوال حياتهم، وربما حياة أجيالهم. غير أن العنوان الكويتي هو البارز في هذه القضية، ولا يزال متوتراً، وإن توارى عن الأنظار، ومهما قيل من تبريراتٍ عن حق الدولة في رفض منح كل البدون، الذين شملهم إحصاء 1965، وحتى من تلاهم واستحق وضعا قانونيا لإقامته، فإن تفاقم هذه القضية ووضع شريحة "البدون"، في حالة حرمان حقوقي تعليمي وصحي وإنساني، أمر لا يوجد له أي تبرير، في ظل تعاقب النسل في هذه الشريحة، وهم في خدمة المشروع الوطني والتنموي للتراب الذي نشأوا عليه، ولا علاقة لهم ببلدان آبائهم، حتى لو وجدت لهم وثائق مفقودة على سبيل المثال.
ولسنا نزعم أن كل طلبات التجنيس مستكملة أفقها الحقوقي، لكن الشريحة الكبرى من القدامى ومن ذرياتهم قد وقع عليهم عنت كبير، ولن تستفيد الكويت مطلقاً من الاحتفاظ بهذا الملف، أو الدفع بأبناء البدون إلى المغادرة القهرية، بعد أن أضحت الجمعيات الخيرية مصدر تمويل تعليمهم وطعامهم وصحتهم، فإن البديل المُستقدم لن يكون أقرب من أبناء الأرض التي ولدوا فيها، وكان لهيب شمسها وجدانهم المتحد مع البقية، من حملة الجنسية، سواء في الكويت، أو غيرها.
إن جدل الانتماء الوطني الذي يبرر به تعطيل هذا الملف يسقط اليوم، في ظل ما تم تبادله في إعلام الخليج العربي، بعد الأزمة وشمل حملة الجنسية، وهو يطل برأسه بين أبناء داخل السور وخارجه مع الأسف. ولذلك فإن منح حق المواطنة للبدون المتوطنين دهراً، الذين عُلّقوا عقودا هم وأجيالهم، وهم من الثقافة ذاتها التي يعيشها أبناء الكويت، هو في صالح الكويت، وأي دولة تعالج هذا الملف الخطير.
الشعبية التي يكتسبها أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، والتي جعلت كل الاتجاهات في داخل المعارضة وخارجها، تُسلّم له بقيادة المحطة الحاسمة من تاريخ الخليج العربي في أزمته، وتاريخ الكويت السياسي الذي وضع من جديد، تحت مخاطر التدخل من الشمال العراقي، أو الجنوب السعودي، بعد تهديدات تعرضت لها الدولة من أحزاب عراقية طائفية، وتهديد سعودي بعد يونيو/ حزيران 2017، تؤكد هذه الشعبية أن توجه الشيخ صباح إلى حسم هذا الملف حقوقيا سيعزّز صورته القومية في الخليج العربي وأمنه القومي في وطنه الكويتي، الصغير جغرافياً والكبير بحضوره العربي.
وقبل الاستطراد، لا يمكن لأي دولة أن تكون مفتوحة، ومشرعة الأبواب لتقديم الجنسية الوطنية لكل وافد لها، وأن كل دول العالم تحدد معايير لذلك، وإن كانت قوانين الهجرة لا تماثل مطلقا قوانين الإقامة في بلدان الخليج العربي، حيث تتحول في الغرب إلى مقدمةٍ للمواطنة، أو الإقامة الدائمة بحقوق شاملة. وفي الخليج العربي، يخرج الجد والأولاد والأحفاد، من بلدانٍ لم يعرفوا غيرها منذ ارتحالهم، وكأنهم أجانب لا علاقة لهم بالأرض التي عمروها. وهذا لا يقف عند غير محدّدي الجنسية، بل عشرات الآلاف من محدّديها، وخصوصا من اليمن وغيرها، والذين أخرجوا من ديارهم في حواضر الحجاز، كما جرى بعد الإجراءات السعودية للتطهير.
أما مصطلح "البدون"، فقد ارتهن بمسألة الكويت السياسية لحملة إحصاء 1965، ومن يصطلح عليهم بالقبائل النازحة في السعودية، ومع وجود حالاتٍ قديمةٍ جداً في بلدان أخرى، تمتلك جوازاتٍ من بلدانها الأصلية، وإن ولد الجيلان، الثاني والثالث، في دول الخليج، ولكن لم يمنحوا الجنسية الوطنية. وعلى الرغم من ذلك، تُستقدم حركة عمالة وافدة بالملايين على مستوى دول الخليج العربي، أو تتم عمليات تجنيس سياسي ضخمة، باسم الخوف من الهيمنة الطائفية، والتي حصلت على سبيل المثال في البحرين، في اتجاهين معاكسين.
الأول تجنيس تبنته بريطانيا وأوائل الاستقلال في البحرين، من ذوي أصول إيرانية من الطائفة الشيعية، ثم التجنيس الحديث لقبائل من مناطق الشام الكبرى، سنية المذهب، والذي ترسّخ بعد الخلاف الذي وقع بين الملك والمعارضة، عقب اتفاقهم على الميثاق الدستوري، والمصالحة الوطنية، ثم انحدر إلى أسوأ وضع، بعد الحركة المطلبية السياسية 2011 للطائفة التي قادها المعارض البحريني المعروف، حسن مشيمع.
وأمام ذلك كله، مارست كل دول الخليج العربي عملية إسقاط الجنسية، لأسباب سياسية، أو حرمانهم من سجلاتهم الوطنية، والتضييق عليهم في المنافي، وهو ما يعني أن القضية الإنسانية للاعتراف بالمواطنة في منطقة الخليج العربي، عميقة الأزمة، وتقوم على قرار مِنح أسر حاكمة، وتنزع من آخرين عند غضبها عليهم.
وفاقم الوضع والشكوك أخيرا استخدام الرياض للتفويج القبلي لبعض مزدوجي الجنسية سابقاً في قطر والكويت، ليكون ذلك المشروع الخطير في بداية الأزمة الخليجية أحد أبواب الجرح الخليجي العميق الذي يتم تدافعه في سوق سياسي شرس لا يرحم، فيستخدم اسم القبيلة في حملة إعلامية عارضة، تتلاعب بالمكون الوطني، لمجرد معركة تصعيد موسمية للحكم، ترتد على شرائح طوال حياتهم، وربما حياة أجيالهم. غير أن العنوان الكويتي هو البارز في هذه القضية، ولا يزال متوتراً، وإن توارى عن الأنظار، ومهما قيل من تبريراتٍ عن حق الدولة في رفض منح كل البدون، الذين شملهم إحصاء 1965، وحتى من تلاهم واستحق وضعا قانونيا لإقامته، فإن تفاقم هذه القضية ووضع شريحة "البدون"، في حالة حرمان حقوقي تعليمي وصحي وإنساني، أمر لا يوجد له أي تبرير، في ظل تعاقب النسل في هذه الشريحة، وهم في خدمة المشروع الوطني والتنموي للتراب الذي نشأوا عليه، ولا علاقة لهم ببلدان آبائهم، حتى لو وجدت لهم وثائق مفقودة على سبيل المثال.
ولسنا نزعم أن كل طلبات التجنيس مستكملة أفقها الحقوقي، لكن الشريحة الكبرى من القدامى ومن ذرياتهم قد وقع عليهم عنت كبير، ولن تستفيد الكويت مطلقاً من الاحتفاظ بهذا الملف، أو الدفع بأبناء البدون إلى المغادرة القهرية، بعد أن أضحت الجمعيات الخيرية مصدر تمويل تعليمهم وطعامهم وصحتهم، فإن البديل المُستقدم لن يكون أقرب من أبناء الأرض التي ولدوا فيها، وكان لهيب شمسها وجدانهم المتحد مع البقية، من حملة الجنسية، سواء في الكويت، أو غيرها.
إن جدل الانتماء الوطني الذي يبرر به تعطيل هذا الملف يسقط اليوم، في ظل ما تم تبادله في إعلام الخليج العربي، بعد الأزمة وشمل حملة الجنسية، وهو يطل برأسه بين أبناء داخل السور وخارجه مع الأسف. ولذلك فإن منح حق المواطنة للبدون المتوطنين دهراً، الذين عُلّقوا عقودا هم وأجيالهم، وهم من الثقافة ذاتها التي يعيشها أبناء الكويت، هو في صالح الكويت، وأي دولة تعالج هذا الملف الخطير.
الشعبية التي يكتسبها أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، والتي جعلت كل الاتجاهات في داخل المعارضة وخارجها، تُسلّم له بقيادة المحطة الحاسمة من تاريخ الخليج العربي في أزمته، وتاريخ الكويت السياسي الذي وضع من جديد، تحت مخاطر التدخل من الشمال العراقي، أو الجنوب السعودي، بعد تهديدات تعرضت لها الدولة من أحزاب عراقية طائفية، وتهديد سعودي بعد يونيو/ حزيران 2017، تؤكد هذه الشعبية أن توجه الشيخ صباح إلى حسم هذا الملف حقوقيا سيعزّز صورته القومية في الخليج العربي وأمنه القومي في وطنه الكويتي، الصغير جغرافياً والكبير بحضوره العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق