حرب أمريكا الخفية في سوريا
2018-12-15 | خدمة العصر
ستبقى القوات الأمريكية الآن في سوريا إلى أجل غير مسمى، وهي تسيطر على ثلث البلد وتواجه الخطر على العديد من الجبهات، كما كتبت مراسلة صحيفة "واشنطن بوست"، ليز سلاي، في التقرير الذي أعدته من الرقة.
الانخراط بعدد صغير، بضعة آلاف من الجنود أُرسلوا لأول مرة إلى سوريا قبل ثلاث سنوات لمساعدة الأكراد السوريين في محاربة "تنظيم الدولة". وقد أشار الرئيس ترامب في مارس الماضي إلى أن القوات ستعود بمجرد الانتصار في المعركة، وبدأت مؤخراً الحملة العسكرية الأخيرة لإخراج المجموعة من جيبها الأخير في ريف دير الزور.
في سبتمبر الماضي، غيرت الإدارة مسارها قائلة إن القوات ستبقى في سوريا في انتظار التوصل إلى تسوية شاملة للحرب السورية وبمهمة جديدة: التصدي للنفوذ الإيراني المتزايد. ويُمكَن هذا القرار القوات الأمريكية من السيطرة الشاملة، وربما إلى أجل غير مسمى، لمنطقة تضم ما يقرب من ثلث سوريا، وهي مساحة شاسعة من الأراضي الصحراوية في معظمها بحجم ولاية لويزيانا.
البنتاغون لم يقل كم عدد القوات هناك. ويبلغ عددهم، رسميا، 503 جنديا، ولكن في وقت سابق من هذا العام، كشف مسؤول رسمي بأن العدد الحقيقي أقرب إلى 4000. ومعظمهم من قوات العمليات الخاصة، وبصماتها خفيفة. وتتجول سياراتهم وقوافلهم من وقت لآخر على طول الطرق الصحراوية الفارغة، ولكن من النادر رؤية الجنود الأمريكيين في البلدات والمدن. وتثير المهمة الجديدة أسئلة حول المهمة التي تتولى القيام بها، وما إذا كان وجودها سيصبح خطرًا على الصراع الإقليمي في سوريا.
المنطقة محاطة بقوى معادية لكل من الوجود الأمريكي وتطلعات الأكراد الذين يحكمون المنطقة ذات الأغلبية العربية، سعياً وراء أيديولوجية يسارية صاغها الزعيم المسجون، عبد الله أوجلان. وتشير الدلائل إلى أن "تنظيم الدولة" بدأ في إعادة تجميع واستغلال حالة التذمر والاستياء داخل المجتمع العربي.
وأجبر تهديد تركي بعملية عسكرية في المنطقة الشهر الماضي الولايات المتحدة على تنظيم دوريات على طول الحدود مع تركيا التي حشدت قوات ودبابات على طول الحدود. تعتبر تركيا الميليشيا الكردية الرئيسة، وحدات حماية الشعب، التابعة لحزب العمال الكردستاني المحظور داخل تركيا، منظمة إرهابية وتخشى العواقب على أمنها القومي إذا ما عززت الجماعة سلطتها في سوريا.
وقالت المراسلة الأمريكية إن القوات الحكومية السورية والميلشيات المدعومة إيرانيا هم في الجنوب والغرب. وقد هددوا بإعادة المنطقة بالقوة، سعياً لتحقيق ما تعهد به بشار الأسد بإخضاع سوريا كلها لسيطرة النظام. لقد قامت الحكومة وإيران بتنمية العلاقات مع القبائل المحلية، كما إن إعلان الولايات المتحدة عن عزمها على مواجهة الوجود الإيراني في سوريا قد يشجع على مثل هذه الروابط.
فبعيداً عن الخطوط الأمامية، بدأ الهدوء الذي أعقب طرد مقاتلي "تنظيم الدولة" من الرقة والأراضي المحيطة بها يتلاشى. وتسببت سلسلة من التفجيرات الغامضة والاغتيالات في بعض المناطق التي استعادها المسلحون قبل ثلاث سنوات في إثارة الأعصاب. وفي هذا، قال المتحدث العسكري الأمريكي العقيد "شون ريان": "نحن نعلم أنهم (مقاتلو "داعش") يعيدون تجميع صفوفهم في تلك المناطق".
لكن هناك شكوك واسعة الانتشار بأن إحدى القوى الإقليمية المعارضة للوجود الأمريكي وسعي الأكراد إلى الحكم الذاتي ربما تعمل على زعزعة استقرار المنطقة، وإيجاد حلفاء من بين العرب الساخطين وغير المرتاحين إزاء احتمال أن يُحكموا على المدى الطويل من قبل الأكراد.
لقد سعت القوات الكردية إلى إشراك العرب في تجربتها في الحكم الذاتي، لكنهم احتفظوا بالهيمنة على هياكلها، وعلى كل المستويات، وهذا مما يشكو العرب. وفي هذا الجزء من سوريا، تتغلب الولاءات القبلية على السياسة في كثير من الأحيان، ويجري استمالة القبائل من قبل جميع اللاعبين الإقليميين الذين لديهم اهتمام بالسيطرة، في نهاية المطاف على المنطقة، وفقا للشيخ الحميدي الشمري، رئيس قبيلة شمر.
في بيت شمّر الضخم، قرب الحدود العراقية، تجمع عشرات من زعماء القبائل يوم الجمعة الماضي لحضور ديوانه الأسبوعي المعتاد. وقد تنوع الضيوف، حسب ما أورده شمر، فكان منهم شيوخ مرتبطون بنظام الأسد وحزب البعث الحاكم وممثلون عن "تنظيم الدولة" ومقاتلي الجيش السوري الحر و"قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد.
لقد ربط شمر قبيلته بالولايات المتحدة والأكراد، وشارك بميلشياته الصغيرة "الصناديد" في معارك ضد "داعش"،لكنه قال إن لديه الكثير من المخاوف، ومنها أن الحديث الأمريكي عن مواجهة إيران سوف يدمر المنطقة في صراع جديد، وأن عرب المنطقة سيُخرجون من أي صفقة يتم التوصل إليها في نهاية الأمر مع الأكراد، وعلق حول هذا قائلا: ""كل شيء غير مؤكد. نحن جزء من لعبة عالمية الآن، وهي ليست في أيدينا".
وقال ابنه بندر، الذي يقود ميليشيات شمر، إن القبيلة تدعم شكلا من أشكال الترتيب الجديد للأكراد في سوريا "لأنهم إخواننا وقد ضحوا بالكثير". وأوضح أن "أهم ما يشغل السكان العرب هو أن مكونا واحدا، الأكراد، سوف يبني دولة للأكراد ويفرض سلطتهم على الآخرين"، مضيفا: "لقد شكل التحالف "قوات سوريا الديمقراطية" ليكون متعدد الأعراق، ولكن الناس يرون حقيقة أن الأمر ليس كذلك، إنه طرف متفرد يخول كل شيء ويتحكم في كل شيء".
ويقول القادة الأكراد إنهم يبذلون قصارى جهدهم لإقناع المجتمع العربي بأهم مشمولون بخطتهم للحكم. ويأمل المسؤولون الأمريكيون أن يؤدي الوجود الأمريكي إلى التأثير في المفاوضات حول تسوية نهائية لإنهاء الحرب السورية، وهذا لتأمين شكل من أشكال الحكم الذاتي لحلفائهم الأكراد بالإضافة إلى صدَ النفوذ الإيراني.
لكن، وفقا لتقديرات المراسلة الأمريكية، لا توجد مثل هذه التسوية في الأفق، وقد لا تكون هناك. لقد تغلب الأسد على فصائل الثورة في أماكن أخرى من سوريا ولم يبد أي ميل لتقديم تنازلات. والتوقع بين العديد من السكان، الأكراد والعرب معا، هو أن الحكومة سوف تستعيد سلطتها في نهاية المطاف على المنطقة.
وبعد أن قال ترامب إن القوات سوف تُسحب قريباً، كما أوردت المراسلة، بدأ الكثيرون هنا التخطيط لهذا الاحتمال، بما في ذلك الأكراد، الذين أطلقوا محادثات مع دمشق للتوصل إلى تسوية مباشرة ثنائية. لم تسفر المحادثات عن أي شيء، والآن يعتزم الأميركيون البقاء، لكنَ المسؤولين الأكراد يقولون إنهم أبقوا على قنوات الاتصال مفتوحة تحسبا لتغيير ترامب رأيه مرة أخرى. "كل شيء معقد جدا، ولا أحد يعرف أي طريق يتحول...ونحن لا نعرف من ضد من ومن مع من"، كما قال أمجد عثمان، مسؤول في قوات سوريا الديمقراطية.
ويبدو أن جميع التحديات والتعقيدات في شمال شرق سوريا تتركز في مدينة منبج الصغيرة والإستراتيجية. تقع بجانب نهر الفرات، وقد انتُزعت من سيطرة "تنظيم الدولة" من قبل القوات الكردية قبل أكثر من ثلاث سنوات. وتقع الآن، إلى شمالها، الأراضي التي تسيطر عليها القوات التركية وحلفائها من الفصائل المعارضة، وإلى الجنوب المناطق التي تحتلها الحكومة السورية وحلفاؤها: روسيا وإيران.
وفي منطقة الوسط، يتمركز الأمريكيون، وهي من الأماكن القليلة التي ينتشر فيها الجيش الأمريكي. وتوجد ثلاثة قواعد أمريكية صغيرة في المدينة وحولها تدعم جهودًا أمريكية لإبعاد تركيا عن مجلس منبج العسكري، الخاضع لسيطرة الأكراد، وفقًا لمسؤولين في المجلس. حتى الآن، عملت الدبلوماسية على إخماد التوترات، وبدأت القوات العسكرية الأمريكية والتركية في الآونة الأخيرة في القيام بدوريات مشتركة على طول الخط الأمامي.
لكن الهجمات التي نفذها قتلة يستقلون دراجات نارية وزرعوا قنابل على جانب الطريق تحدث خلف الخطوط الأمامية. ويعتقد المسؤولون المحليون أن الجماعات المرتبطة بالحكومة السورية وإيران وراء بعضها، وفقا لمحمد مصطفى علي، الذي يحمل اسم أبو عادل وهو رئيس مجلس منبج العسكري. وقال: "يحيط بنا الأعداء، وكلهم يريدون المجيء إلى هنا".
* الرقة لا تزال في حالة خراب:
يقول مسؤولون أكراد إن مشاعر الإحباط تتراكم بسبب النقص الحاد في التمويل لإعادة الإعمار، مما يعوق الجهود الرامية إلى كسب القلوب والعقول في المناطق العربية غير الكردية. وفي وقت سابق من هذا العام، خفض ترامب مبلغ 200 مليون دولار الذي خُصص لإجراء إصلاحات أساسية في أسوأ المناطق المتضررة. وعلى الرغم من تعويض هذا المبلغ بتبرعات من السعودية والإمارات، إلا أنه جزء بسيط من مليارات الدولارات المطلوبة.
وفي الرقة، أكبر مدينة في سوريا تتمركز فيها القوات الأمريكية، الشعور بالإحباط هو الأكثر إحساسًا. قد دمرت المدينة الغارات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة والتي رافقت هجوم "قوات سوريا الديمقراطية" لمدة أربعة أشهر لطرد مقاتلي تنظيم "داعش"، وبعد مرور عام لا تزال المدينة في حالة خراب.
عادت ملامح الحياة، مع افتتاح المتاجر والأسواق في بعض الأحياء. وقد عاد حوالي نصف السكان، وأقاموا في أقل المباني تضررا، وبعضهم يعيش من دون جدران ونوافذ. وقد تم تطهير معظم الطرق من أكوام الردم التي تركها القصف، واستعادوا المياه في سبتمبر، ولكن لا يوجد حتى الآن كهرباء.
ومن دون المزيد من الدعم المالي، هناك خطر يتمثل في أن "تنقلب الرقة إلى الوضع المتصدع نفسه الذي وجدته داعش عند وصولها لأول مرة: "مدينة ممزقة مهيأة للاستيلاء والاستغلال من المتطرفين"، حسبما جاء في تقرير صادر عن المفتش العام في البنتاغون الشهر الماضي.
الغضب في الشوارع واضح. بعض السكان يعادي بشكل علني الزوار الأجانب، وهو أمر نادر في المدن والبلدات الأخرى المحررة من سيطرة "تنظيم الدولة" في سوريا والعراق. حتى أولئك الذين يؤيدون وجود الجيش الأمريكي وقوات "قسد" يقولون إنهم مستاءون من أن الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف الذي قصف المدينة لم يساعدوا في إعادة البناء.
ويبدو أن كثيرين في الرقة لا يدعمون حكامهم الجدد: "نحن لا نريد الأمريكيين"، قال رجل خياط، لم يرغب في ذكر اسمه لأنه يخشى من عواقب التحدث، مضيفا: "إنه احتلال..لا أعرف لماذا كان عليهم استخدام مثل هذا العدد الضخم من الأسلحة وتدمير المدينة. نعم، كان تنظيم "داعش" هنا، لكننا دفعنا الثمن. ويتحملون قدرا من المسؤولية".
تحدث بحزن عن الحياة في ظل "تنظيم الدولة"، عندما قال إن الشوارع كانت آمنة. عمله كان جيدا، لأن المقاتلين الأجانب توافدوا عليه ليخيطوا ملابس على الطراز الأفغاني من البنطلونات الفضفاضة والسترات التي يفضلها مقاتلو التنظيم. وأما الآن، فالمدينة نصف فارغة والزبائن قليلون. والجميع يقول إن الشوارع ليست آمنة الآن. وقد شهدت الأشهر الأخيرة زيادة في عمليات الاغتيال والخطف، تستهدف في الأغلب أفراد قوات الأمن أو الأشخاص الذين يعملون مع المجلس المحلي. لكن بعض منتقدي السلطات قتلوا، أيضا، وفي الليل، ثمة عمليات اختطاف وسرقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق