ليس دفاعا عن شيخ الأزهر
كنت أول من سلم على الشيخ مكتفيا بالمصافحة، وتبعني في ذلك زملائي، والعادة في ذلك تقبيل يده، ولو فعلت لاقتدى بي الوفد، وظهر أثر ذلك في معاملة الشيخ الطيب لنا
د. محمد الصغير
اجتمع نواب محافظة سوهاج في برلمان 2012 لترتيب زيارة إلى مشيخة الأزهر الشريف ومقابلة د. أحمد الطيب شيخ الأزهر، وهذه عادة برلمانية يسعى أعضاء مجلس الشعب من خلالها إلى توثيق الصلة بالمشيخة، سعيا إلى حل المشاكل، وتقديم الخدمات المتعلقة بدوائرهم التي ينتشر فيها التعليم الأزهري، وحاولت تأخير اللقاء قدر المستطاع لعلمي بأن شيخ الأزهر ينتمي إلى الدولة العميقة بامتياز، بل كان عضوا في لجنة السياسات التابعة لجمال مبارك، وأنه لن يحتفي بنواب برلمان الثورة وعامتهم من التيار الإسلامي الذي يراه خصما لتياره الصوفي الذي هو أحد رموزه وشيخ طريقته.
في مكتب الشيخ
ومع شدة الإلحاح ذهبنا لمكتب الإمام الأكبر، وعلى عادة "الصعايدة" في تقديم الأزهريين، كنت أول من سلم على الشيخ مكتفيا بالمصافحة، وتبعني في ذلك زملائي، والعادة في ذلك تقبيل يده، ولو فعلت لاقتدى بي الوفد، وظهر أثر ذلك في معاملة الشيخ الطيب لنا حيث اكتفى بكلمات ترحيب مقتضبة، من دون أن يقدم لنا من واجب الضيافة شيئا ولو الماء القراح ! مخالفا بذلك برتوكول الحكومة التي تتكفل بميزانية الضيافة في مكاتب كبار المسؤولين، وخالف عادة آل الطيب أصحاب أكبر ساحة ضيافة يؤمها الآلاف لصلاة المغرب والعشاء ثم الإكرام والعشاء.
حتى أصبحت ساحة القرنة في الأقصر معلما من المعالم، ومشهدا من المشاهد، ولا شك في أن التباين الفكري واختلاف الطريقة أحد أهم الحواجز التي حالت بيننا وبين علاقة جيدة مع د. أحمد الطيب الذي تعامل معنا برسمية شيخ الأزهر معرضا عن مشيخة العرب، أو مشيخة الطرق! وكلاهما جزء من شخصيته التي تقوم على ثالوث مركب يتألف من الصعيدية والصوفية، ومسحة فرنسية تظهر في مجال الحقوق والحريات اكتسبها من مدة إقامته في باريس.
على منصة الانقلاب
إذا لست أنا من يدافع عن شيخ الأزهر ولا من يبرر مواقفه، لكنه الإنصاف الذي بات عزيزا غريبا، ونسيان حكمة الله في خلق الميزان بكفتين، لمن أراد الوزن بالقسط أو الحكم بالعدل.
لم يكن الشيخ أحمد الطيب مؤمنا بالثورة، ولا فرحا بها، بل هو يرى أن تمدد التيار الإسلامي سيكون على حساب رقعة التصوف الذي يعتقده ويبشر به، لكن أن ينسب إلى الرجل السعي إلى الانقلاب على الرئيس المنتخب، أو الرضا بالمذابح والمجازر التي وقعت في أعقابه، فهو الظلم البين والنظر بعين واحدة، فالجميع رأى شيخ الأزهر على منصة الانقلاب، لكن لم يستمع أحد لكلمته في حينها، (وأنا منهم) فالكل أغلق التلفاز بعدما أغلق عبدالفتاح السيسي باب الحرية، وانقلب على الشرعية، معلنا السيطرة على الحكم بالدبابة والبندقية، بل الغالبية لم تكلف نفسها حتى الآن بالرجوع إلى كلمة شيخ الأزهر حتى تتهمه على بينة، ومن فمه تدينه ! وخلاصة كلمته أنه خوف من فتنة داخلية، واحتراب أهلي، فوافق على خطة تحافظ على الدماء المعصومة، من خلال انتخابات رئاسية مبكرة من باب ارتكاب أخف الضررين. وهذا ما قيل له في حينها، وليس هو أول من انخدع بالعساكر، فوافقهم وبارك خطتهم.
ثم جاءت مذبحة الساجدين أمام الحرس الجمهوري، فأخرج شيخ الأزهر بيانا ينكر فيه الاعتداء والقتل، وبين أن لغة الرصاص لا تزيد النار إلا اشتعالا.
وقبيل مذبحة رابعة بأيام تواصل معي الأستاذ محمد عبد العليم داود أحد رموز حزب الوفد، ووكيل برلمان الثورة الذي حله المجلس العسكري، وأحد القامات الوطنية الكبيرة، التي سعدت بها في فترة البرلمان القصيرة، حيث نقل لي رغبة شيخ الأزهر في عمل مؤتمر صحفي أو خطة مصالحة أو الاتفاق على أي عمل لإبراء الذمة لأنه يشعر بأن الأمور تسير إلى الأسوأ، وأنه يستشعر اقتراب كارثة، على العقلاء العمل على تفاديها، وبالفعل بدأ الترتيب لهذا اللقاء لكن شيخ الأزهر فوجئ بإعلان الحرب على أهل الاعتصام، وعلم به من وسائل الإعلام كما ذكر ذلك في بيانه الذي استنكر فيه ما وقع، وذكر بأن حرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة، وأعلن الاعتكاف في بيته حتى يماط اللثام عن المسؤول عن ذلك.
وإني لا أحجر عليك في رؤية بيانه أقل مما كنت ترجو من فضيلة الإمام، لكن لماذا لا تعتبره من باب أضعف الإيمان؟
بل إن من الباطل أن ترى هذا موافقة على الباطل، وسكوتا على الدم الحرام.
بركة المنصب
لم يمكث د. أحمد الطيب كثيرا في رئاسة جامعة الأزهر ولا في منصب الإفتاء. وكان يعمل فيهما وفق منظومة نظام مبارك وتحت مظلتها، لكن بعد أن جلس على كرسي المشيخة أصابته بركة المنصب، وظهر في كثير من الأحيان بما يليق بالمكانة والمكان، ومن ذلك رفضه لإلحاح النظام في تكفير الدواعش الذين يكفرون البشر والحجر!
لأن الأمر له أصول وقواعد، وليس من باب المكايدة والمعاملة بالمثل، وهذا ما أرساه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في التعامل مع الخوارج.
ثم طلب منه السيسي علانية تبديل شريعة الطلاق، وعدم الاعتداد إلا بالطلاق الموثق من المحكمة، فرفض بكل وضوح، وكلف لجنة شرعية ودستورية كتبت مجلدين في الرد على ذلك، وخرج على الهواء معلنا الرد بنفسه.
ثم حاول السيسي رفع سن زواج البنات من الثامنة عشر إلى الحادية والعشرين فأفتى بعدم جواز ذلك، وعده تقييدا للمباح، وأن الولي أعرف بمصلحة ابنته، واختيار الأصلح لها.
حتى عبر السيسي له عن مكنون نفسه قائلا: (تعبتني يا فضيلة الإمام) ولا يخفى على المتابع الجفاء الواضح في تعامل النظام والإعلام مع المؤسسة الكبرى وشيخها، لكن الذي يقلل من أثر الجفوة على نفسية الإمام، عدم حب الظهور أو الحرص على الظهور في صورة الزعيم.
أما من يقول: لن نصنع من الرجل بطلا.
فأقول له: هون عليك، فالرجل لا ينافس على البطولة، وأنت لست من أصحاب المصنع!
المعارك
وفي الاحتفال الأخير بذكرى المولد النبوي الشريف وجد السيسي ضالته في التعقيب على كلمة شيخ الأزهر التي جعلها في أهمية السنة النبوية، ومكانتها في التشريع، وبيان أن أعداء السنة يسعون إلى ضياع ثلاثة أرباع الدين.
فعمد السيسي إلى التقليل من كلام شيخ الأزهر، وأكد على كل ما طفح عليه، ورشح منه في المناسبات الإسلامية السابقة،بما يؤكد أن مشكلة الرجل مع الإسلام وأصوله، وليست مع شيوخه ورموزه، أو العاملين في حقل الدعوة إليه.
أما غير المبرر أن تسأل في شدة الوطيس، والغبار الكثيف، عن موقف الشيخ الطيب من الانقلاب، فإما أنك رجل طيب، أو لا خبرة لك في خوض المعارك وتحقيق المكاسب، ولو دعوك إلى حلف الفضول الذي أقامته قريش لقلت: لن أشارك فيه حتى يتبرأوا من تعذيب بلال وعمار، ورد أموال صهيب!
مع أن النبي صلى الله عليه وسلم شهده شابا، وقال لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت.
معركتنا ليست مع شيخ الأزهر، فاستقيموا يرحمكم الله.
في مكتب الشيخ
ومع شدة الإلحاح ذهبنا لمكتب الإمام الأكبر، وعلى عادة "الصعايدة" في تقديم الأزهريين، كنت أول من سلم على الشيخ مكتفيا بالمصافحة، وتبعني في ذلك زملائي، والعادة في ذلك تقبيل يده، ولو فعلت لاقتدى بي الوفد، وظهر أثر ذلك في معاملة الشيخ الطيب لنا حيث اكتفى بكلمات ترحيب مقتضبة، من دون أن يقدم لنا من واجب الضيافة شيئا ولو الماء القراح ! مخالفا بذلك برتوكول الحكومة التي تتكفل بميزانية الضيافة في مكاتب كبار المسؤولين، وخالف عادة آل الطيب أصحاب أكبر ساحة ضيافة يؤمها الآلاف لصلاة المغرب والعشاء ثم الإكرام والعشاء.
حتى أصبحت ساحة القرنة في الأقصر معلما من المعالم، ومشهدا من المشاهد، ولا شك في أن التباين الفكري واختلاف الطريقة أحد أهم الحواجز التي حالت بيننا وبين علاقة جيدة مع د. أحمد الطيب الذي تعامل معنا برسمية شيخ الأزهر معرضا عن مشيخة العرب، أو مشيخة الطرق! وكلاهما جزء من شخصيته التي تقوم على ثالوث مركب يتألف من الصعيدية والصوفية، ومسحة فرنسية تظهر في مجال الحقوق والحريات اكتسبها من مدة إقامته في باريس.
على منصة الانقلاب
إذا لست أنا من يدافع عن شيخ الأزهر ولا من يبرر مواقفه، لكنه الإنصاف الذي بات عزيزا غريبا، ونسيان حكمة الله في خلق الميزان بكفتين، لمن أراد الوزن بالقسط أو الحكم بالعدل.
لم يكن الشيخ أحمد الطيب مؤمنا بالثورة، ولا فرحا بها، بل هو يرى أن تمدد التيار الإسلامي سيكون على حساب رقعة التصوف الذي يعتقده ويبشر به، لكن أن ينسب إلى الرجل السعي إلى الانقلاب على الرئيس المنتخب، أو الرضا بالمذابح والمجازر التي وقعت في أعقابه، فهو الظلم البين والنظر بعين واحدة، فالجميع رأى شيخ الأزهر على منصة الانقلاب، لكن لم يستمع أحد لكلمته في حينها، (وأنا منهم) فالكل أغلق التلفاز بعدما أغلق عبدالفتاح السيسي باب الحرية، وانقلب على الشرعية، معلنا السيطرة على الحكم بالدبابة والبندقية، بل الغالبية لم تكلف نفسها حتى الآن بالرجوع إلى كلمة شيخ الأزهر حتى تتهمه على بينة، ومن فمه تدينه ! وخلاصة كلمته أنه خوف من فتنة داخلية، واحتراب أهلي، فوافق على خطة تحافظ على الدماء المعصومة، من خلال انتخابات رئاسية مبكرة من باب ارتكاب أخف الضررين. وهذا ما قيل له في حينها، وليس هو أول من انخدع بالعساكر، فوافقهم وبارك خطتهم.
ثم جاءت مذبحة الساجدين أمام الحرس الجمهوري، فأخرج شيخ الأزهر بيانا ينكر فيه الاعتداء والقتل، وبين أن لغة الرصاص لا تزيد النار إلا اشتعالا.
وقبيل مذبحة رابعة بأيام تواصل معي الأستاذ محمد عبد العليم داود أحد رموز حزب الوفد، ووكيل برلمان الثورة الذي حله المجلس العسكري، وأحد القامات الوطنية الكبيرة، التي سعدت بها في فترة البرلمان القصيرة، حيث نقل لي رغبة شيخ الأزهر في عمل مؤتمر صحفي أو خطة مصالحة أو الاتفاق على أي عمل لإبراء الذمة لأنه يشعر بأن الأمور تسير إلى الأسوأ، وأنه يستشعر اقتراب كارثة، على العقلاء العمل على تفاديها، وبالفعل بدأ الترتيب لهذا اللقاء لكن شيخ الأزهر فوجئ بإعلان الحرب على أهل الاعتصام، وعلم به من وسائل الإعلام كما ذكر ذلك في بيانه الذي استنكر فيه ما وقع، وذكر بأن حرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة، وأعلن الاعتكاف في بيته حتى يماط اللثام عن المسؤول عن ذلك.
وإني لا أحجر عليك في رؤية بيانه أقل مما كنت ترجو من فضيلة الإمام، لكن لماذا لا تعتبره من باب أضعف الإيمان؟
بل إن من الباطل أن ترى هذا موافقة على الباطل، وسكوتا على الدم الحرام.
بركة المنصب
لم يمكث د. أحمد الطيب كثيرا في رئاسة جامعة الأزهر ولا في منصب الإفتاء. وكان يعمل فيهما وفق منظومة نظام مبارك وتحت مظلتها، لكن بعد أن جلس على كرسي المشيخة أصابته بركة المنصب، وظهر في كثير من الأحيان بما يليق بالمكانة والمكان، ومن ذلك رفضه لإلحاح النظام في تكفير الدواعش الذين يكفرون البشر والحجر!
لأن الأمر له أصول وقواعد، وليس من باب المكايدة والمعاملة بالمثل، وهذا ما أرساه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في التعامل مع الخوارج.
ثم طلب منه السيسي علانية تبديل شريعة الطلاق، وعدم الاعتداد إلا بالطلاق الموثق من المحكمة، فرفض بكل وضوح، وكلف لجنة شرعية ودستورية كتبت مجلدين في الرد على ذلك، وخرج على الهواء معلنا الرد بنفسه.
ثم حاول السيسي رفع سن زواج البنات من الثامنة عشر إلى الحادية والعشرين فأفتى بعدم جواز ذلك، وعده تقييدا للمباح، وأن الولي أعرف بمصلحة ابنته، واختيار الأصلح لها.
حتى عبر السيسي له عن مكنون نفسه قائلا: (تعبتني يا فضيلة الإمام) ولا يخفى على المتابع الجفاء الواضح في تعامل النظام والإعلام مع المؤسسة الكبرى وشيخها، لكن الذي يقلل من أثر الجفوة على نفسية الإمام، عدم حب الظهور أو الحرص على الظهور في صورة الزعيم.
أما من يقول: لن نصنع من الرجل بطلا.
فأقول له: هون عليك، فالرجل لا ينافس على البطولة، وأنت لست من أصحاب المصنع!
وفي الاحتفال الأخير بذكرى المولد النبوي الشريف وجد السيسي ضالته في التعقيب على كلمة شيخ الأزهر التي جعلها في أهمية السنة النبوية، ومكانتها في التشريع، وبيان أن أعداء السنة يسعون إلى ضياع ثلاثة أرباع الدين.
فعمد السيسي إلى التقليل من كلام شيخ الأزهر، وأكد على كل ما طفح عليه، ورشح منه في المناسبات الإسلامية السابقة،بما يؤكد أن مشكلة الرجل مع الإسلام وأصوله، وليست مع شيوخه ورموزه، أو العاملين في حقل الدعوة إليه.
أما غير المبرر أن تسأل في شدة الوطيس، والغبار الكثيف، عن موقف الشيخ الطيب من الانقلاب، فإما أنك رجل طيب، أو لا خبرة لك في خوض المعارك وتحقيق المكاسب، ولو دعوك إلى حلف الفضول الذي أقامته قريش لقلت: لن أشارك فيه حتى يتبرأوا من تعذيب بلال وعمار، ورد أموال صهيب!
مع أن النبي صلى الله عليه وسلم شهده شابا، وقال لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت.
معركتنا ليست مع شيخ الأزهر، فاستقيموا يرحمكم الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق