اليمن والمستقبل.. هل من أمل؟
لو افترضنا أن مجموعة من شباب اليمن الذين استقلوا عن أيديولوجياتهم، أو وُلد مستقلا فكرُهم الوطني وإيمانهم بتاريخ اليمن العظيم، وأساسه الحضاري منذ الزمن القديم، حيث إنسان اليمن قبل سد مأرب، وبمأرزه العربي وعقله الذي استقبل الرسالة الإسلامية، كان موسوعة وحكمة، لم تُسقطها عهود الاستبداد القديم ولا الجديد.
تنادوا بعد مفاوضات السويد أخيراً، وانتهى المبعوث الأممي إلى إعلان مصالحة، أياً كانت حساباتها، فطرحت المجموعة الشبابية أفقها لأجل اليمن، واليمن وحسب، وبالطبع اليمن الحر بإنسانه وكرامته، المتطلع لنهضته، والتي أول معركة فيها هي معركة الاستقلال من كل من يتدخل في قوتِه، أو يملك الضغط عليه ليوقف تنمية الإنسان والعمران، وأولهم قطبا التدخل السعودي الإماراتي وإيران.
كيف ستطرح هذه المجموعة فكرها، وكيف ستبدأ عاصفتها الذهنية، قبل وضع خطة عمل واقعية، تُمرحل فيها خطة الإنقاذ لليمن؟ مهمة صعبة، ولكن المشكلة الأكبر من صعوبة هذه المهمة وتعقيدها أن تكون فكرة الإنقاذ الموحد على الصعيد اليمني غائبة، وهنا إشكالية ستبرز لنا، في أن المحتل نفوذاً أو وجوداً، حينما كان أجنبياً ينتمي لمرحلة الاستعمار الأنغلوساكسون، كان من السهل تحشيد الفكرة الوطنية حوله للاستقلال. فيما اختلف الأمر حين صار المحتل، مع الفارق، حليفاً عربياً مزعوماً، أو مستبداً في صورة الحكم الإمامي الذي ينطلق من قداسة السلالة، وشرعية سيادتها على الإنسان، لا الأوطان وحسب، على الرغم من أن سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وسلم، كان في زمرة المساكين وفي صفوفهم، فبعث رسالة الهداية التي أساسها العدالة الاجتماعية، لا وراثة الأمة كجزء من تركة يقتسمها بنو أمية أو آل البيت الشريف.
كيف ستطرح هذه المجموعة فكرها، وكيف ستبدأ عاصفتها الذهنية، قبل وضع خطة عمل واقعية، تُمرحل فيها خطة الإنقاذ لليمن؟ مهمة صعبة، ولكن المشكلة الأكبر من صعوبة هذه المهمة وتعقيدها أن تكون فكرة الإنقاذ الموحد على الصعيد اليمني غائبة، وهنا إشكالية ستبرز لنا، في أن المحتل نفوذاً أو وجوداً، حينما كان أجنبياً ينتمي لمرحلة الاستعمار الأنغلوساكسون، كان من السهل تحشيد الفكرة الوطنية حوله للاستقلال. فيما اختلف الأمر حين صار المحتل، مع الفارق، حليفاً عربياً مزعوماً، أو مستبداً في صورة الحكم الإمامي الذي ينطلق من قداسة السلالة، وشرعية سيادتها على الإنسان، لا الأوطان وحسب، على الرغم من أن سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وسلم، كان في زمرة المساكين وفي صفوفهم، فبعث رسالة الهداية التي أساسها العدالة الاجتماعية، لا وراثة الأمة كجزء من تركة يقتسمها بنو أمية أو آل البيت الشريف.
ولذلك بلَغ عمر بن عبد العزيز، في رسالة عدله، ما لم يبلغه بنو العباس، في دعوى الحكم باسم العصبة الشريفة، ولا بنو أمية بكل تاريخهم، ولا الحكم الذي آل إلى آل البيت في فترات مختلفة من التاريخ، وظل الاستبداد قائما، باسم هذه الوراثيات، باستثناءٍ قليل، كعهد الحسن بن علي ومعاوية بن يزيد، الأكثر بروزاً بالعدل والرحمة بالأمة، وبقي عمر بن عبد العزيز العلامة الفارقة، لطول عهده بعدهما، وإن استقى من النبراس نفسه الذي ورث من العهد الراشد.
وإن كانت الفتنة قد سبقت عهودهم، منذ الفاروق عمر، وذلك في درس عملي للأمة أن النظام القائم على العدل لن تحميه الخيرية الخاصة، من دون ضبط دستوري وإداري حديث يعزّزها. ولذلك ساد عمر بن عبد العزيز بعدالته، مستفيداً من إرثٍ إداري ليس سهلا، حُوّل في عهده نحو الشفافية والعدل، بعد أن كان في قبضة بني أمية في سياق مستبد.
ليس الاستطراد هنا في هذه النقطة لاستدعاء نموذج يزعم إسلاميته، لمواجهة نفوذ الحوثي وفكرته السلالية على سبيل المثال. وليس القصد هنا بذلك تنحية المدرسة الحوثية ضمن السياق اليمني الديني والاجتماعي، ولكنها إشكالية الاستبداد باستغلالها، والتي يقابلها في جدول التفكير هذه المجموعة الشبابية في اليمن، فكيف تتعامل مع الخليط المتبقي من الشرعية، وكيف يُفرز حظ أبو ظبي وحظ الرياض منها، وحظ حزب التجمع اليمني للإصلاح في بعده الميراثي عبر بيت الأحمر، لا في بعده النضالي الفكري، وحظ حزب المؤتمر الشعبي، داخل الشرعية وخارجها. كيف لهؤلاء الشباب طرح مشروعهم الوطني، وجامعته الإنسانية وأفقه النهضوي، في ظل هذه التركة، ومن قال إن الحرب قد تنتهي بالضرورة بعد هذا الاتفاق؟
إنه أمرٌ لا يمكن الجزم به، ولا ضمان لعدم انفلات حروبٍ صغيرةٍ أخرى، تحرّكها الأطراف الأخرى، لزيادة حصتها في ساحة الخراب اليمني، أو ساحة الاستقرار، بما فيها التغطيات الإعلامية المزدوجة التي قفزت من العداء للحوثي فجأة إلى دعمه!
إنها عملية معقدة، غير أن من المهم أن يُدرك الجميع أن أول كلمة على السطر للإنقاذ هو إيقاف الحرب التي لولا خسائر التحالف الاماراتي السعودي فيها، لكان اليمن مقاطعات نفوذٍ له تحميها قبائل مصالح، تفتت المُفتت وتُجزئ المُجزأ. ولو تمكن الحوثي بالمطلق، لتحول اليمن إلى حضرةٍ لا حدود لها للخرافة، والتطرّف الغيبي الأحمق ضد كل يمني وكرامته، لو استقر الحكم بنموذجه الطائفي الإيراني، وهو المشروع الذي رصدناه ربع قرن، ليس عبر نزوات النظام الخليجي الذي ساهمت أضلاعه في تمكّنه، بجملة من المشاريع، أبرزها حربهم على الربيع العربي ومآلاتها، واختراقهم الموسمي القديم صفوفا وقوالب من الإسلاميين، فقُطع الطريق على الإحياء الإسلامي، وحُوّلت المعركة إلى صراعات مذهبية، خسر فيها حلم النهضة.
إنها معضلة كبيرة أمام حركة الشباب اليمني، المؤمنين بالنهضة والاستقلال والكرامة الفردية. ولكن في تاريخ الأمم والدول الناهضة، هناك خريطة توضع لدحرجة الأوطان من منزلق الصراع المسلح إلى التدافع السياسي الذي يسمح رغماً عنه، أو وفق قاعدة لعبةٍ فرضتها الظروف، فاضطرت أقانيم اللعبة للسماح لها، أو فطنت الحركة التحرّرية لذلك، وباشرت دعوتها المدنية إلى إنسان اليمن، المؤمن بعروبته، وإلى إسلامٍ فوق المذاهب، وأخوّتِه وشراكته مع كل طيف إنساني، للعبور عبر المرحلة إلى الضفة الأخرى لليمن الحر المستقل. ولو راهن الآخرون على اليمن المستعبد المستقطع لعنصرياتهم الحاكمة باسم الطائفة، أو باسم الوصاية الخليجية.
وإننا نركز على الفكرة الفلسفية للنهضة اليمنية الجديدة، ولا نطرح تصوراً سياسياً تنفيذياً، وإن كنتُ منذ سنوات قريباً من قضية أبناء اليمن، كما قرب قلوب أهل الإحساء وتعظيمهم لها، فذلك لأن فكر نهضة اليمن الجديد سيُسبك في سجد مناضليه، ويُسقى من رحيق أفكارهم وخريطة كفاحهم. وقبل أن أختم، أُذكّرهم بأن معركة التأسيس لميدان اجتماعي وطني جامع تحتاج إلى مراحل، ووعي ومصابرة. وأول الخطأ المراهنة على أن الفجر يولد قبل مراحل الفلك، وتبدد الظلمة المتدرج، المجد لليمن والسلام لأرضها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق