الأربعاء، 26 فبراير 2020

من مواقف الأبرار..عند هلاك الفجار..

من مواقف الأبرار..عند هلاك الفجار..


د.عبدالعزيز كامل
اعتذر ابتداء عن الإطالة.. فالموضوع يتكرر..وسيتكرر؛ مادام هناك موت وحياة .. ومابقي في الأرض أبرار وفجار ..فكلما هلك طاغية.. أو نفق منافق؛ اختلف الناس فيما يقولون ومايفعلون...وكأن هذه الأمور جديدة الحصول حتى تختلف فيها العقول والنقول..
وهنا لابد من وقفات لوضع بعض النقاط على بعض الحروف..
* *.. عندما يكثر الاختلاف في أمور تمس الاعتقاد من أمور الأحياء أو الأموات ؛ فلا قول لأحد خارج حدود ماجاء به الوحي كتابا وسنة وبفهم سلف الأمة..دون حاجة إلى أصحاب الفقة الأعوج أو الورع البارد .. فالمواقف القلبية _ حبا أو بغضا _ من أعظم أعمال القلوب التي بها يتحدد ويتجدد أمر الدين في صدور المسلمين..كما في الحديث: ( أوثق عرى الإيمان؛ الحب في الله ، والبغض في الله) أخرجه أحمد والحاكم وابن أبي شيبة في الإيمان وحسنه الألباني.
**.. أهل الدين في كل زمان ومكان _ ولا أحد غيرهم _ هم شهداء الله في أرضه، لأنهم لايحبون إلا في الله..ولايبغضون إلا لله ..ولهذا فلا ينبغي الاستهانة بقولهم وفعلهم في هذا الشأن، فهم المعنيون بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عندما حدث بأن الصحابة ( مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَجَبَتْ ) ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ ( وَجَبَتْ ) فَقَا لَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا وَجَبَتْ ؟ قَالَ : ( هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ) .
رواه البخاري ( 1301 ) ومسلم ( 949 ) وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في شرحه للحديث ؛ قَوْله : " أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض " ‏‏أَيْ : الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَة ، وَمَنْ كَانَ عَلَى صِفَتهمْ مِنْ الْإِيمَان..
** .. الإيمان والفجور نقيضان..ولا يوصف بهما معا أي إنسان.. فكل ميت إما بار تقي معروف بتقواه؛وهذا يستريح بين الأموات..وإما فاجر شقي ستستريح بموته كل المخلوقات، والشهادة لهؤلاء أو هؤلاء لا تقبل إلا من أهلها، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقال : ( مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ فَقَالَ : ( الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ ، وَالْبِلَادُ ، وَالشَّجَر ُ، وَالدَّوَابُّ )رواه البخاري( 6147 )ومسلم
( 950 )
** .. أمر الفرح بهلاك المعروفين بأذى المسلمين معلوم..فقد فرح النبي صلى الله عليه وسلم بهلاك صناديد قريش وبتمزيق ملك كسرى ، وهذا أمر واضح في غير المسلمين.. أما الطغاة المنسوبين للمسلمين..فهم الذين تكثر فيهم (فتاوى)الجاهلين.. مخالفين بذلك أهل العلم الراسخين ؛ الذين يعدون المواقف في هذا الشأن أمر دين..لا مجاملة فيه ولا مجادلة..
وقد سئل الإمام أحمد عن صاحب بدعة خلق القرآن من المعتزلة.(ابن أبي دؤاد) ومن تبعوه على بدعته؛ فقيل : يا أبا عبد الله : الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد ، هل عليه في ذلك إثم ؟ قال : ومن لا يفرح بهذا ؟ .
" كتاب السنَّة للخلال " ( 5 / 121 ) .
**.. قد يكون طاغية غير معروف بالبدع ، لأنه لايهتم أصلا بالدين..ولكنه مشهور بالفجور ضد المسلمين.. فماذا كانت المواقف السديدة من مثل هؤلاء ؟..
الجواب عن ذلك فيما رواه ابن سعد في طبقاته عن أبي حنيفة عن حماد قال: "بَشَّرتُ إبراهيم بموت الحَجَّاج، فسجد، ورأيته يبكي من الفرح".
وقد سجد علي رضي الله عنه لله شكراً لمقتل " المخدَّج " الخارجي لما رآه في القتلى في محاربته له .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
" وقاتل أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه الخوارجَ ، وذكر فيهم سنَّة رسول الله المتضمنة لقتالهم ، وفرح بقتلهم ، وسجد لله شكراً لما رأى أباهم مقتولاً وهو ذو الثُّدَيَّة .
بخلاف ما جرى يوم " الجمل " و " صفين " ؛ فإن عليّاً لم يفرح بذلك ، بل ظهر منه من التألم والندم على ما ظهر " .
" مجموع الفتاوى " ( 20 / 395 ) .
* * ..اما الاحتجاج بحديث ( اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ ) فقد ضعفه أهل العلم بالحديث..وعلى فرض صحته؛ فهو محمول على موتانا الذين يحملون الدين ..لا الذين يتحاملون عليه ويحملون على اهله لحساب الكفار والمشركين.. ومثل هذا الحديث في المعنى .. ( لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا ) رواه البخاري) ( 1329 ) فهو ليس بإطلاق في كل الموتى..
قال الشيخ بدر الدين العيني – رحمه الله - :
فإن قيل : كيف يجوز ذكر شر الموتى مع ورود الحديث الصحيح عن زيد بن أرقم في النهي عن سب الموتى وذكرهم إلا بخير ؟ وأجيب : بأن النهي عن سب الأموات في غير المنافق والكافر والمجاهر بالفسق أو بالبدعة ، فإن هؤلاء لا يحرُم ذكرُهم بالشر للحذر من طريقهم ومن الاقتداء بهم .
" عمدة القاري شرح صحيح البخاري " ( 8 / 195 ) .
**..وإجمالا ؛ فإن المعتمد عند أهل السنة أن الولاء بالنصرة والمحبة؛ لايكون إلا لأهل الدين الصادقين، والبراء والبغض والعداء لايكون إلا لأعدائهم المحاربين.. وقد ذكر ابن كثير – رحمه الله – فيمن توفوا سنة 568 هـ - أحد أكابر أمراء بغداد المتحكمين في الدولة وهو( الحسن بن صافي بن بزدن ) وكان رافضيّاً خبيثاً متعصباً للروافض ، وكانوا في حمايته ورعايته، فقال عنه ابن كثير: " حين مات فرح أهل السنة بموته فرحاً شديداً ، وأظهروا الشكر لله ، فلا تجد أحداً منهم إلا يحمد الله ." البداية والنهاية " ( 12 / 338 ) . 
وقال الخطيب البغدادي – رحمه الله – في ترجمة( عبيد الله بن عبد الله بن الحسين أبو القاسم الحفَّاف المعروف بابن النقيب) - :
" كتبتُ عنه ، وكان سماعه صحيحاً وكان شديداً في السنة.. وقد بلغني أنه جلس للتهنئة لما مات ابن المعلم شيخ الرافضة وقال : ما أبالي أي وقت مت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم .
" تاريخ بغداد " ( 10 / 382 ) .
هذا في شأن من ابتدعوا في الدين..فما بال الذين بدلوا في شرائعه ..وعادوا أولياء الله ووالوا أعداءه..دون أن تصدر عنهم توبة..أو تعرف عنهم أوبة..؟! 
هؤلاء لايقال فيهم إلا ماقال الله عز وجل : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (ص/ 28)..

26‏/02‏/2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق