ليس لأن السيسي أسوأ منه
كل هذا الخراب والفشل الذي نراه في مصر يتحمّل مسؤوليته الكبرى طاغية مثل حسني مبارك.
صحيحٌ أن النظام الانقلابي برّأه في المحاكمات، وأعاد الاعتبار له حيا وميتا، لكن ذلك لم يغير من صورة الواقع القاتم في مصر التي تركها غارقةً في الجهل والأمية والفقر والمرض والبطالة. يكفي أن تنظر لأي تقرير دولي لترى مصر في ذيل القائمة على مستوى التنمية البشرية أو البنية التحتية.لا إدانة للطاغية أكثر من ثورة 25 يناير التي عبّرت عن ثورة جيل كامل رفض الاستسلام. تظل تلك الثورة، وإنْ تعرّضت لهزيمةٍ أمام الثورة المضادة، حكما قاطعا لا يقبل النقض على عهد العسكر في مصر، وأشواق المصريين في العيش مثل شعوب الأرض بحرية وكرامة.
يُقال، في الدفاع عنه، إنه بطل الضربة الجوية في حرب أكتوبر 1973، وذلك إن صح لا يؤهله لحكم البلاد بشكل غير دستوري وإذلال أهلها واستعبادهم.
فنظرة سريعة إلى العدو الذي يزعم أن مبارك انتصر عليه، نجد أن حزب العمل الإسرائيلي الذي أسّس دولة الاحتلال وانتصر في حروبها، تحوّل إلى حزب أقليةٍ بخمسة مقاعد في البرلمان، وبالكاد اجتاز نسبة الحسم. وقبل ذلك، خسر زعماؤه الانتخابات، وتحوّلوا إلى المعارضة، وشاركوا في حكومات وحدةٍ وطنية.
لم ينقلب جيش الاحتلال على الحكومة المنتخبة، ولديه رصيد انتصاراتٍ حقيقيةٍ يفوق كثيرا ما حققه مبارك. فوق ذلك، تسلم صاحب الضربة الجوية البلاد وهي في حال صلحٍ مع الصهاينة، ولم يطلق رصاصة عليهم، وشارك معهم في حصار غزة، وهم واصلوا حروبهم ونهوضهم الاقتصادي، وصاروا بلدا متفوقا في التعليم والاقتصاد والتقنية والعسكر. ومصر الأكبر عددا، وصاحبة التاريخ العريق، وغير المنشغلة بالحروب ولا الانتخابات، والمحكومة بشكل أسري، تمضي من فشل إلى فشل أكبر.
بمقارنة مصر بأي دولةٍ كانت في مطلع الثمانينيات قريبةً منها، نلاحظ حجم الفارق بالتردّي الذي صنعه عهدمبارك.
تضاءل حجمها وحضورها من بلدٍ قائد على مستوى عربي وأفريقي وعالمي إلى بلدٍ يتسول المساعدات الأميركية والخليجية، ناهيك عن قروض الدول والصناديق الدولية. وفي آخر سنوات حكمه، سخّر ما تبقى من رصيد للبلد بحكم الإرث والسكان لصالح التوريث.
ولعل أسوأ دفاع عن مبارك القول إن عبد الفتاح السيسي أسوأ منه، وحال مصر تراجعت أكثر وأكثر، فإضافةً إلى الوضع المعيشي البائس، تراجع مستوى الحريات بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد، وكأن السيسي ليس واحدا من زبانية مبارك.
والحقيقة التاريخية ترد على ذلك بأن حال مصر بعد الثورة، وانتخاب الرئيس محمد مرسي، أفضل من العسكريين، السابق واللاحق، على الصعد كافة، اقتصاديا واجتماعيا ومكانة دولية. وفرقٌ بين رئيس منتخب وعسكري معيّن، فالمنتخب يعمل لصالح الملايين التي انتخبته، والعسكري يعمل لمصالح فئة محدودة من كبار المستفيدين من الحكم.
برحيل الطاغية عن دنيانا، لا نقول لا تجوز على الميت غير الرحمة، فمساواة الظالم بالمظلوم منتهى الظلم. الرحمة هي بمن ظُلموا على يديه، ويدفعون إلى اليوم ثمن ظلمه.
كم من مريضٍ لا يجد دواء، وكم من جائعٍ لا يجد قوته، وكم من طالبٍ لا يجد مدرسة، وكم من شاب لا يجد عملا.. من يرحم هؤلاء؟ محاسبة الظالم في محكمة التاريخ خطوةٌ تسبق محكمة السماء.
لو أن مبارك أدار شركة حققت كل هذه الخسائر التي حققتها مصر في عهده، هل يقبل المساهمون بخروجٍ كريمٍ له بعد أن سرق أموالهم وبدّدها؟ كيف ببلد بحجم مصر؟ في القبور، تتجسد عدالة الخالق، الكل تحت التراب، وهذا ما يريح نفوس الضحايا. مبارك تحت التراب بعيدا عن الرتب والقصور والمال بعد عقود من الحكم، وهو يشعر بالرضا، لأن السيسي أسوأ منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق