الثلاثاء، 3 ديسمبر 2024

إيران بين ثورة سوريا.. وطوفان الأقصى!

 

إيران بين ثورة سوريا.. وطوفان الأقصى!

خلاصة ما أود أن أبثه إليكم حتى الآن

رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبيﷺ ، وعضو مجلس الأمناء بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


نظام الحكم في إيران يتعامل مع الملفات المختلفة بما يحقق مصالحه الخاصة وأهدافه الاستراتيجية، التي قد تتقاطع مع مصالحنا أحيانا كما في اشتباكه “المحدود” مع ‎الصهاينة، ودفع أذرعه للإسناد في الحرب على غزة، وكثيرا ما تكون مصالحه وأهدافه على حساب مصالحنا كما في العواصم العربية التي سيطر عليها، أو حربه على ثورة ‎سوريا والوقوف مع بشار الأسد في كل جرائمه، ولا يمكننا المساواة بين نظام يناور من أجل مصالحه، ويرى أن التمسح في شرف القدس يبيض صحائفه، وبين أنظمة جعلت التطبيع مع المحتل في رأس اهتماماتها، وترى الخلاص من المقاومة من أهم أولوياتها، وسكنت في بيت الطاعة الأمريكي إيمانا واحتسابا.

هذه مقدمة لازمة لتجلية ملامح الصورة الماثلة أمامنا، إزاء تحرير فصائل الثورة السورية بلدات ومناطق كانت تحت سيطرة نظام بشار الأسد وفي مقدمتها مدينة حلب التاريخية، التي قال عنها الناصر صلاح الدّين الأيّوبي رحمه الله: “‏ما سُررت بفتح قلعةٍ أعظم من سروري بفتح قلعة حلب، فإذا فتحت حلب فتحت الشّام كلها بعون الله”. ‏[البداية والنهاية (١٦/ ٥٦٤)].


نظام المباغتة

والملاحظ أن فصائل الثورة السورية اعتمدت نظام المباغتة، وأفادت من حالة السيولة السياسية العالمية، والمتغيرات الحاصلة على الصعيد الدولي، لأن ثوار سوريا يدركون – أكثر من غيرهم – أن نظام بشار تهاوى أمام بسالتهم وشجاعتهم، وأن المواجهة بعد ذلك كانت مع روسيا وإيران وما يتبعهم من تشكيلات ومليشيات.

ومن أهم المتغيرات التي اعتمدت عليها قيادة الفصائل انشغال المثلث الغربي: روسيا- أمريكا -أوروبا -بالحرب في أوكرانيا، كذلك السياسة المنتظرة التي ستفرضها إدارة ترامب الجديدة، وقرب قدوم ترامب نفسه من أهم المتغيرات التي أفادت منها القيادة التركية، نظرا لما عهد عنه في انتهاج طريقة الصفقات التجارية في القضايا السياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار إلى مصالح تركيا في تأمين حدودها مع سوريا، وتنظيف الجيوب التابعة لتنظيم قسد وخلاياه السرطانية، ومليشيات حزب العمال الكردستاني صاحب الأعمال الإرهابية، وتهيئة الأجواء لعودة اللاجئين بعد تأمينهم.

ومع بداية معركة ردع العدوان، بدأت معركة أخرى حامية الوطيس في وسائل الإعلام والتواصل، وظهر أن الكتائب الإلكترونية جاهزة بإثارة الشبه، وقادرة على إحداث البلبلة، وساعد على ذلك إحجام أصحاب الأقلام والأفهام عن إلجام تلاميذ الشيطان، وتركهم يلعبون بأفكار العوام!

ومع سرعة نسجهم للشبه فإنها أشبه بنسج العنكبوت، لأنها قوالب محفوظة وكلمات مكرورة وأباطيل معادة، سيق كثير منها للشغب على طوفان الأقصى، فكانوا يقولون لقد ركن المجاهدون إلى الدنيا وتفرغوا لبيع النفط والتجارة، وتركوا فكرة الحرب والإعداد للتحرير، ولما بدأت المعركة قالوا أين توازن القوى، ولمَ عرضوا أنفسهم للتهلكة؟


لماذا الآن؟

أما الذين يقولون لماذا بدأ تحرير سوريا الآن، ولماذا لم ينخرطوا في حرب تحرير فلسطين؟

فلو رجعت إلى صفحات أصحاب هذا الكلام، لوجدتهم هم أصحاب شعار فلسطين ليست قضيتي! وهم ورثة من قالوا: إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا…

إن معنى الحرية وقيم تحرير الأرض، ورفض الظلم والذل، لا يعرفها من انحصر همه في قبقبه وذبذبه، فإن العصافير تفر من حياة الأقفاص التي فيها الماء والغذاء، إلى أجواء الحرية التي بلا ضمانات، وتتطلب السعي بين الحقول، لكن عبيد البطون يرون فعلها حمقا، وحريتها لا تساوى حبات القمح وقطرات الماء التي يضعها سجان القفص.

أما أحرار الشام فهم من خاطبهم أحمد شوقي بقوله:

وللحرية الحمراء باب… بكل يد مضرجة يدق.

وذلك في قصيدته الشهيرة التي مطلعها:

سلام من صدى بردى أرق… ودمع لا يكف يا دمشق.

وخلاصة ما أود أن أبثه إليكم حتى الآن يتلخص في الآتي:

أولا: من كثرة ما ألم بأمتنا من آلام، أصبحت تخاف من الفرح وتفكر فيما لو تبعه حزن، والشيطان كما يعدكم الفقر فإنه يعدكم الخوف أيضا، ومن كثرة ما لدغت أصابعنا من جحور الثعابين، أصبحنا نرى كل حبل حية، وكل شيء حيلة ومسرحية، وأن الألوان الزاهية تخفي خلفها سوادا حالكا وهذا الذي يقال الآن سبق قوله عن تحرير كابل، وانتصار أفغانستان على حلف الأمريكان.

ثانيا: السعي للحرية عمل فطري، وضرورة إنسانية وعقدية، وشعب سوريا لاقى صنوف الويلات ومن حقه السعي لحياة كريمة، بعيدا عن بطش المستبدين، واحتلال الطامعين.

ثالثا: أول صور انتصار الفصائل السورية في معركة ردع العدوان، وحدة الصف والانطلاق من غرفة قيادة موحدة، وقد ذاقوا من قبل مرارة الفرقة وذهاب القوة، وأيضا من التحذير القرآني: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”.

رابعا: تحرير النساء المسلمات من سجون بشار، وتطهير المسجد الأموي في حلب، بعدما عبثت به يد الطائفية التي سعت إلى تغيير الهوية السورية، كلاهما من المشاهد التي أدخلت الفرحة إلى قلب كل مسلم.

خامسا: مسارعة رموز الثورة المضادة وجحافل المطبعين إلى دعم بشار والإعلان عن دعمه، وفر كثيرا على المتحيرين في فهم المشهد، وحولهم بسهوله إلى متحيزين إلى صف شباب الثورة، ومن باب الإنصاف فإن شبكة أعداء الربيع العربي أكثر تماسكا وحرصا على عدم كسر أي غصن من شجرة الاستبداد.

سادسا: دعم الشعب السوري في نيل حريته واستكمال ثورته واجب على علماء المسلمين وعامتهم، على قدر الوسع والطاقة، وتحقيقا لقاعدة الولاء والبراء، وكل من يقف مع بشار الذي قتل وهجر نصف الشعب السوري هو عدو لسوريا وأهلها، وليس له في ميزان الإسلام صرف ولا عدل.

سابعا: أمام إيران فرصة سانحة لفتح صفحة جديدة مع الشعوب المسلمة برفع يدها عن سوريا، وكف أذاها وأذرعها عن أهلها، والتوقف عن مساندة بشار في جرائمه، وتغليب صوت العقل على الميل الطائفي والطمع السياسي، أو اجترار ثارات الماضي، وإلا فهو الغل القمل، والجرح الذي لن يندمل.

ثامنا: كل غريب يحلم بيوم العودة، وأهل سوريا لا يفضلون بقعة على وجه الأرض على ربوع الشام ومغانيها، وعلى تركيا التي أثقلتها أعداد المهاجرين أن تساعد نفسها وتساعدهم في العودة إلى أراضيهم وأهاليهم آمنين مطمئنين، لاسيما بعد عناد بشار واستكباره على كل سبل الإصلاح والتطبيع.

تاسعا: المستقبل لهذا الدين ليس مجرد عنوان كتاب لسيد قطب رحمه الله، وإنما هو عنوان مرحلة بدت ملامحها بتحرير أفغانستان بعد 20 سنة من الاحتلال، وتأكدت بصمود أهل غزة وبسالة مقاومتها بعد مرور 14 شهرا على حرب الإبادة الدائرة على أرضها، وليس ما حدث في سوريا ببعيد عن مجريات طوفان الأقصى وثماره.

عاشرا: قال رسول اللهﷺ “اللهم بارك لنا في شامنا”، والشام الشريف قلبه دمشق ودرته القدس، وكل شبر يتحرر في الشام الكبير هو خطوة في سبيل تحرير الأقصى وفلسطين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق